أبعاد ودلالات احتفالات المولد النبوي في اليمن
|| مقالات || حميد رزق
درج اليمنيون على أحياء العديد من المناسبات الدينية والوطنية على مدار العام غير ان مناسبة المولد النبوي الشريف تأخذ أبعاد مختلفة من حيث المشاركة الواسعة والرسائل الثقافية والسياسية التي يحرص اليمنيون على تاكيدها في ذكرى المولد الذي يشهد زخما متصاعدا في السنوات الاخيرة برغم الحرب والحصار.
تحالف العدوان مهتم جدا برصد وتقييم حركة الناس وتفاعلهم وحضورهم في المناسبات الوطنية والدينية ومن خلال حركة الجماهير يقوم بمراجعة سياساته ومدى تحقق أهدافه ونجاح اساليبه في التأثير على معنويات المجتمع وعلى مواقفه ومن بين كل المناسبات يركز العدو على ذكرى المولد، وكما انها من اهم الفعاليات الدينية عند اليمنيين هي كذلك اهم “محطة” لدى العدو لتقييم المجتمع واتجاهاته.
مايسمى بالتحالف يحرص على خوض معركة من نوع خاص في اليمن هذه المعركة تتمثل في العمل الحثيث على عزل انصار الله عن الناس بمايؤدي الى اضعافهم في الجبهات ولذلك ليس من قبيل المبالغة التاكيد ان عين الرقيب الامريكي والسعودي تركز بشكل كبير على رصد وتحليل المزاج الشعبي في اليمن سلبا او ايجابا لادراك تلك الدول ان الالتفاف الشعبي حول الجيش واللجان الشعبية وحول انصار الله وقائدهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي هو العامل الاساس في صمود اليمنيين.
دول العدوان تهتم برصد ومتابعة وتغذية كل ما له علاقة بتنامي حالة الاحتقان والتذمر الشعبي لتاليب الراي العالم ، وفي كل عام وعند كل مناسبة دينية او وطنية يرقب العدو تفاعل الناس ومدى تاثرهم بخطابه الاعلامي وحربه النفسية وكذلك مدى تاثرهم بالحصار والمعاناة الاقتصادية.
ولماكانت النتائج مخيبة لجأت السعودية والامارات الى اتخاذ اجراءات عقابية اشد واقسى فبعد ان قصفوا الجسور والطرقات ودمروا العشرات من المصانع والمؤسسات الوطنية واستهدفوا مخازن الاغذية ومشاريع المياه وشبكات الكهرباء والاتصالات في العام الاول من العدوان ، ولم يتاثر سلبا التحرك الشعبي في مواجهة العدوان لجأ العدو الى خطوة تصعيدية مست بلقمة عيش نسبة كبيرة من اليمنيين فصدر قرار نقل البنك المركزي الى عدن وعلى اثر هذه الخطوة انقطعت مرتبات الموظفين وعددهم قرابة المليون ونصف مليون موظف يعولون بحسب بعض الاحصاءات ما يقارب 13 مليون مواطن.
حسابات العدو ان قطع المرتبات ستمثل الضربة القاضية لإسقاط اليمن في قبضة التحالف السعودي الامريكي الذي اعتقد ان الوقت لن يطول حتى ينفجر الناس ضد بعضهم وتسود الاضطرابات والفوضى في المناطق غير المحتلة بما يمهد للسيطرة الكاملة على اليمن وسط تاييد وترحيب جماهيري لاسيما وقد عمل العدو على تقمص دور المخلص والمنقذ.
المفاجئة الاخرى ان نتائج نقل البنك المركزي بقدر ما خلقت من معاناة كبيرة لكنها لم تسقط الارادة الشعبية ا التي ظلت حاضرة في الساحات والمناسبات والجبهات، فقرر العدو الاستمرار في سياسة العقاب الجماعي من خلال اجراءات اقتصادية اضافية لا تقل خطورة عن سابقاتها فتم اعلان محافظة الحديدة وميناءها هدفا مباشرا وأساسيا للحرب والعمليات العسكرية.
ميناء الحديدة يمثل الشريان الرئيسي والوحيد لقرابة 20 مليون مواطن يمني والغرض من احتلاله والسيطرة عليه تشديد الضغط والحصار لإجبار اليمنيين على الاستسلام والرضوخ، وبرغم مرور قرابة ستة شهور على التصعيد الكبير والمركز باتجاه الحديدة اكتشف العدو ان تحقيق طموحاته بالاستيلاء على الساحل الغربي بعيد المنال ودونه معارك ومواجهات لا قدرة له على حسمها، فذهبت دول العدوان الى خطوة جديدة وموازية لمعركة الساحل، هذه المرة تم استهداف القدرة الشرائية للعملة الوطنية من خلال طبع مئات المليارات من الورق النقدي بدون غطاء وعن طريق اطلاق العنان لسياسة المضاربة بالعملة، فنتج عن ذلك انهيار متسارع في سعر الريال مقابل الدولار وتضاعفت الاسعار بشكل كبير جدا وانتقلت الازمة الانسانية من طور المعاناة والعجز عن تامين ما يكفي من غذاء الى مرحلة الجوع، وبدأ العالم يشاهد في شاشات التلفزة صور مروعة لإطفال انهكهم الجوع وأودت بحياة الكثير منهم سوء التغذية.
العدو الذي صنع المأساة الانسانية الكبيرة لا يبالي بمعاناة الملايين ولا تزال عينه ترقب الحراك الشعبي والجماهيري وكانت حساباته وتقارير “غرفه المغلقة ” تمنيه وتعده ان سياسة التجويع ستنجز ما عجز عن تحقيقه بالحرب وصولا الى تحميل انصار الله مسؤولية الواقع السيئ للناس وعزلهم اي انصار الله قدر الامكان عن محيطهم الاجتماعي من خلال ضخ اعلامي كبير ومركز يربط زوال المعاناة بانتصار دول ما يسمى بالتحالف وهزيمة “الحوثيين” اي الجيش واللجان الشعبية .
يذكر ان العدو في مثل هذه الايام العام الماضي كان قد تمكن من ختراق قيادات تابعة لعلي عبد اللع صالح وهذه القيادات بدورها نجحت في توريط “عفاش” في فتنة التآمر على الجبهة الداخلية وبحمد الله سقط رهان اخر على هزيمة اليمن من الداخل، الا ان توقعات العدو ان نتائج فتنة ديسمبر(كانون الاول) ومقتل صالح سينعكس سلبا على الالتفاف الجماهيري خلف الجيش واللجان الشعبية.
الاجراءات والسياسات السابقة كان المعول عليها سعوديا وامريكيا، ان تؤتي اكلها في ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام، هذه الذكرى التي ترقبها “التحالف” بكثير من التوجس والتفاؤل معتقدا ان الظروف القاسية والمعاناة المتراكمة بالاضافة الى التحاق بقايا عفاش بالسعودية كل تلك الامور ستعزل انصار الله وتقلل من حجم الحضور الجماهيري والشعبي في المولد النبوي الشريف استجابة لنداء القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
توقعات العدو وتقاريره الاستخباراتية حسمت امرها في ان حضور المولد هذا العام سيكون متواضع جدا للاسباب السابقة، وثانيا لانعدام القدرة لدى الناس على التنقل والحركة جراء الازمة الخانقة في المشتقات النفطية والارتفاع الجنوني في كلفة المواصلات وصعوبة التنقل بين المحافظات، بالاضافة الى دور حملات التشويه والشيطنة الواسعة التي تمولها السعودية بغرض التاثير على معنويات الناس وقناعاتهم، وبالتالي حضورهم ومشاركاتهم في المناسبات الوطنية والدينية فكانت المفاجئة الجديدة ان ذكرى المولد النبوي هذا العام كانت الاعظم في تاريخ هذه المناسبة ليس على مستوى اليمن وانما على مستوى العالم العربي والاسلامي الامر الذي له نتائج كثيرة ومهمة على صعيد الجبهتين الداخلية والخارجية وهنا نجمل ابرز النتائج التي حققها الحضور التاريخي في ذكرى المولد النبوي الشريف لهذا العام في عدد من المحافظات اليمنية .
اولا: احباط كبير اصيب به تحالف العدوان خاصة السعودية والامارات ومن خلفهم الولايات المتحدة بعد اكتشافهم ان حربهم الناعمة والخشنة وسياسة التجويع حصدت النتائج المعاكسة في وعي اليمنيين .
ثانيا: احباط اكبر في صفوف المرتزقة اليمنيين من ادوات العدوان فهذه الاطراف كانت ولا تزال تعول على نجاعة الحرب والحصار لتمهيد الطريق امامهم للعودة الى صنعاء ، وبالتاكيد ان المرتزقة اليمنيين وهم يعيشون حالة ضياع وشتات عندما يتابعوا فعالية المولد لن يصابوا بالاحباط وحسب ، لقد كان نجاح المناسبة قاتلا بالنسبة اليهم ووصل بهم الى حد اليأس من امكانية العودة كحكام على هذا الشعب.
ثالثا: المولد النبوي الشريف اوصل رسالة الى رعاة العدوان والى المجتمع الدولي ان رهان البعض على الحسم العسكري وهم وسراب ، وجرائم الحرب وقساوة الظروف التي خلفها العدوان والحصار زادت من سخط الناس ضد تحالف امريكا وال سعود كما ضاعفت من حجم الالتفاف حول انصار الله والقوى الوطنية واصبح المجتمع اكثر انخراطا في المواجهة بمختلف الجبهات والميادين.
رابعا: اتساع حالة الدهشة الممزوجة بالاحترام الكبير والمحبة العارمة لدى المجتمعات الحرة في العالمين العربي والاسلامي للشعب اليمني بشموخه وحضوره الفاعل واصراره على المظاهر الحضارية في اشد الظروف واحلك المراحل وهو يخوض معركة الامة كلها في مواجهة شياطين الارض كلهم.
خامسا: فيما يخص الداخل تزداد نسبة الطمأنينة لدى الناس الذين باتوا اكثر ثقة في انفسهم وقد بات الجميع يدرك اهمية الحضور والتفاعل القوي والمؤثر في مختلف المناسبات والفعاليات لاسيما في ظل ظروف كالتي يمر بها اليمن من عدوان وحصار ورهان العدو على ضعف الناس وتفرقهم وبالتالي يتعزز لدى المجتمع ثقافة المبادرة فيتعزز الوعي لدى الجماهير انهم ماداموا بهذا الحضور فمن المستحيل على العدو كسرهم وتحقيق اهدافه الاستعمارية ضدهم وضد بلدهم.
سادسا برزت حالة الثقة الكبيرة بين الشعب والقائد وبما ان النجاح الكبير لهذه المناسبة بعد مرور اربعة اعوام من العدوان وبعد تعثر العدو في معركة الساحل فإن هذا الحضور يجسد ويعزز حالة الثقة الكبيرة والمتبادلة بين الشعب والقائد وهذه الحالة تمثل ابرز واهم عوامل صناعة النصر، فالناس باتوا اكثر ثقة بقائدهم بعد ان تجلت حكمته وما يتميز بها من خصال الشجاعة والحكمة ورباطة الجأش في قيادة الشعب اليمني لمواجهة اخطر مؤامرة كونية تعرض لها اليمن منذ فجر التاريخ .
سابعا : في المقابل القائد بمعية الشعب سيكون اقدرعلى اتخاذ قرارات تعجل بالنصر ومستقبلا تؤسس الثقة المتبادلة لمرحلة الانتصار على العدوان وعلى الفساد والمفسدين ايضا ممن يعبثون في الجبهة الداخلية خاصة من يراهنون على “اهمية مواقعهم” وان الثورة وقائدها مجبرين على الاستمرار في مداراتهم وغض الطرف عنهم تفاديا لما يمكن ان يحدثوه من فوضى وفساد في حال رفعت الشارة الحمراء امام فسادهم وتسلطهم ، . فعندما يلتحم الشعب بالقائد تضيق المساحة امام الفاسدين والمتلاعبين المخترقين للصف الوطني ويجعلهم بلا قدرة على البقاء والاستمرار .
ثامنا: مظهر المولد النبوي وذلك الحضور والنجاح يقوي الجبهة الوطنية الداخلية كما يقوي الجبهة السياسية في مواجهة العدوان خاصة ونحن على ابواب جولة جديدة من المشاورات المزمع انعقادها في السويد فالوفد الوطني سيحضر طاولة المفاوضات مرفوع الراس يشعر بعزة وقوة والطرف الاخر يحضر بمشاعر التقزم والاحباط .
تاسعا: الحضور الشعبي يكرس معادلة الشرعية الشعبية مقابل مايسمى بالشرعية الدولية ، فالكل يعرف ان مايسمى” بالشرعية” لا وجود فعلي لها في اليمن ويتقتصر حضورها على قاموس امريكا وما يعرف بالمجتمع الدولي، بمعنى ان اهم ما يعتمد عليه العدو ومرتزقته في المواجهة هو الحديث عن الاعتراف الدولي بشرعيتهم المزعومة، فيما يشكل الحضور الشعبي الكبير والواسع استفتاء حول الجهة التي تمثل الشرعية الحقيقية في الي، من وبالتالي فان حضور الناس يسقط اهم مرتكزات القوة السياسية للعدوان وادواته ، كما يسحب البساط امام مبررات دول التحالف وذرائعهم في الحديث حول الشرعية والانقلاب ، فالشرعية تستمد من الشعوب ومن الناس بينما امريكا وبريطانيا يريدون فرض شرعية خاصة بهم على الشعب اليمني ، فتسقط امام احتشاد الشعب اقنعة امريكا والغرب في المتاجرة بقيم الديمقراطية وحديثهم المستمر عن الانتخابات وحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها.
عاشرا: اصحاب المنطق السليم والمواقف الحرة في العالم سواء افراد او مجتمعات او حكومات عندما يتابعون تحرك الشعب اليمني وزخمه الكبير في المناسبات يدركون نفاق الغرب ودجله، ويدركون ان الشرعية للشعب، وان ذرائع الحرب التي تتلخص في مناصرة الشرعية والعمل على اعادتها، ما هو الا شعار كاذب فلو كان لشرعية العملاء اي معنى فالمفروض ان الشعب هو من يحميها ويحتضنها، وما دون ذلك ليس الا مبرر للعدوان وذريعة مفضوحة لاحتلال اليمن وتدمير مقدراته وسرقة ثرواته .
الحادي عشر: نجاح فعالية المولد يسقط بشكل كبير منطق التحريض والتكفير الديني الذي ترعاه امريكا وتموله السعودية ، فعندما تتوجه سهام “السنة السوء” ورموز التحريض الديني نحو الشعب اليمني بسبب احتفاءه برسول الله فإن تلك الابواق تتعرى هي ومن يقف خلفها في المؤسسة الوهابية صاحبة الدور الخبيث في محاربة الاسلام والمسلمين لصالح المشروع الامريكي الصهيوني ، فالمفترض بأي عالم دين او ملتحي او واعظ ان يكون حاضرا ومؤازرا لذكرى ترتبط برسول الله ،فضلا عن ان يهاجمها او يحاربها.
الثاني عشر: كشف المولد النبوي ادعياء المدنية والحداثة والمتشدقين بالعلمانية واليسارية ممن اشتراهم المال السعودي وانخرطوا في التحريض على المناسبة في سياق موقفهم المساند لامريكا والسعودية في عدوانهما على اليمن، ومن المعروف ان الكثير من الشخصيات والقوى والتيارات الليبرالية والشيوعية الحرة باختلاف بلدانها واديانها على مستوى العالم تدين وترفض جرائم ال سعود بحق الشعب اليمني انسجاما مع شعاراتها ومبادئها في تقديس الحرية وحق الشعوب في تقرير المصير.
الثالث عشر : الحضور الواسع والتاريخي في المولد فضح اعلام دول التحالف واظهره بائس وفاشل اكثر من اي وقت مضى خاصة ان ذلك الاعلام استبق ذكرى المولد النبوي بحملات تحريض وتشويه واسعة مرئية ومسموعة ومقروءة حرك فيها ابواقه بكل اصنافهم واشكالهم .
الرابع عشر: ظهرت القدرة التنظيمية والدور النموذجي للجان المختصة بتنظيم الفعالية برغم تعدد الساحات وضخامة الحشود في ظل اوضاع معقدة نتيجة الحرب وجهود العدو الحثيثة لاستهداف الامن واقلاق السكينة العامة، كما برز في مناسبة المولد درجة الانضباط العالية لدى الجماهير بما يعكس وعي كبير يقابله حالة الفوضى وانعدام الامن في المناطق المحتلة التي يطلقون عليها محررة.
الخامس عشر: مناسبة المولد النبوي تمت بجهود ذاتية للمجتمع الذي تعود على البذل والعطاء وتحمل المشاق من اجل الاسهام والمشاركة في رفد الجبهة الوطنية بمختلف مجالاتها بعكس مرتزقة السعودية وادواتها فدافع حركتهم الحصول على المال المدنس من خزائن ال سعود.
كانت هذه أبرز الابعاد والدلالات لذكرى المولد النبوي الشريف التاريخية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ اليمن والمنطقة والأهم انها تاتي في ظل العدوان العالمي الذي يتكالب فيه شياطين الارض على اليمن بغية تركيع شعبه المؤمن واحتلال ارضه العصية على الغزاة والتي كانت وما تزال مقبرة الطغاة والمستكبرين.