هل يمكن ان تفلس السعودية ؟
تدهور أسعار النفط يُعرّض السعودية لأزمة عجز مالي متزايد تحاول سده عن طريق الاقتراض واستهلاك الاحتياطات. السؤال المطروح، كيف يمكن لهذا البلد النفطي بامتياز تجنب الإفلاس في حال استمرار هذا التدهور واستنزاف الاحتياطات؟
مع استمرار انخفاض أسعار النفط إلى أكثر من النصف منذ الصيف الماضي تلجأ المملكة العربية السعودية بشكل متزايد إلى إصدار المزيد من السندات الحكومية لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها. كما تستمر بسحب المزيد من المليارات من صندوقها السيادي الاحتياطي الذي تشكلت أمواله من فوائض الطفرات النفطية. ويقدر صندوق النقد الدولي أن السعودية تواجه خلال عام 2015 أكبر عجز في تاريخ ميزانيتها قد يصل إلى 150 مليار دولار. وتذهب تقارير غربية إلى حد القول بأن المملكة تتجه نحو الإفلاس في حال استمرار التدهور الحالي لأسعار النفط. بدوره يرى الكاتب والصحفي عبد الباري عطوان أن هذا الاتجاه يتسارع بسبب “حروب السعودية في اليمن وسوريا وإنفاقها الضخم على التسلح”. الجدير بذكره هنا أنّ ترتيب السعودية جاء الثالث عالميا بعد الولايات المتحدة والصين على صعيد شراء الأسلحة خلال العام الماضي 2014 والتي أنفقت عليها 82 مليار دولار.
وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن السعودية أصدرت خلال الفترة المنصرمة من العام الجاري 2015 سندات بقيمة حوالي 27 مليار دولار لتمويل العجز المتزايد في ميزانيتها. وكان آخر هذه الإصدارات يوم الثلاثاء في 11 أغسطس/ آب الجاري بقيمة 5.3 مليار دولار. غير أن الحكومة السعودية لا تكتفي فقط بإصدار السندات، بل أنها تلجأ لتمويل العجز بسحب عشرات المليارات من صندوق الاحتياطات المالية السيادية الذي قُدرت قيمته بحوالي 732 مليار دولار أواخر العام الماضي 2014. غير أن هذه الاحتياطات تراجعت إلى 673 مليارا في أغسطس/ آب 2015. “وفي حال استمرار تراجع الإيرادات النفطية إلى أكثر من سنتين فإن المملكة ستواجه مشكلة مالية كبيرة بسبب الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي الذي ارتفع سنويا بنسبة 17 إلى 18 بالمائة سنويا خلال السنوات العشر الماضية”
هل تستطيع السعودية القيام بإصلاحات اقتصادية؟
استمرار تراجع أسعار النفط من جهة، والوتيرة الحالية السريعة لاستهلاك أموال صندوق الاحتياطات المالية من جهة أخرى سيقود خلال أعوام قليلة لاستهلاك هذه الاحتياطات. وفي حال حصل ذلك سيصعب على السعودية بيع المزيد من السندات الحكومية والاقتراض من الأسواق الدولية. ومن هنا تطرح مجددا أهمية القيام بالإصلاحات الضرورية الهادفة إلى تنويع اقتصادها والتقليل من اعتمادها على النفط. وفي مقابلة مع DWعربية يطالب وليد خدوري، الخبير في شؤون الطاقة السعودية والدول النفطية الأخرى بإصلاحات عميقة مضيفا بالقول: “آن الأوان للدول النفطية ومن ضمنها السعودية لكي تقوم بإصلاحات اقتصادية لمواجهة مشاكل تدني الأسعار، لاسيما وأن بعض هذه الدول كالعراق يواجه مشاكل حتى على صعيد دفع رواتب موظفيه”. وفي الحقيقة فإن هذه إصلاحات كهذه ضرورية بغض النظر عن مستوى أسعار النفط، لأن الاعتماد على تصدير مادة أولية وحيدة طريق محفوف بمخاطر لا تحصى. وبالنسبة للسعودية فإن عدد السكان الذي وصل إلى نحو 30 مليون نسمة ونسبة البطالة التي تصل إلى أكثر من 40 بالمائة في صفوف الشباب يجعل من الإصلاح أمرا لا مفر منه.
غير أن السؤال المطروح هو كيف يمكن للسعودية القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية في الوقت الذي يتم فيه رسميا تجاهل الحديث عن الصعوبات التي تواجه الاقتصاد السعودي. كما لا يتم إعداد المواطن السعودي لتقبل فكرة هذه الإصلاحات التي تعني أولا اعتماد سياسات تقشفية تؤدي إلى تقليص الإنفاق الحكومي وفرض ضرائب على الدخل والأرباح ورفع الدعم الحكومي عن المحروقات وسلع أخرى. على صعيد متصل تُظهر تجارب دول عربية كتونس ومصر وسوريا قبل اندلاع ما يسمى باحتجاجات “الربيع العربي” أن الإصلاحات الاقتصادية تصل إلى طريق مسدود إذا لم يواكبها إصلاحات سياسية تعزز دول القانون وسلطة البرلمان ودور الإعلام. السؤال المطروح هنا، هل هناك استعداد لدى العائلة المالكة السعودية للقيام بإصلاحات سياسية مواكبة لعملية إصلاح اقتصادي لا يمكن تجنبها؟
شبح الإفلاس قائم !
ما تزال السعودية بلدا نفطيا بامتياز منذ تأسيسها في ثلاثينات القرن الماضي. وعلى الرغم من الطفرات النفطية التي وفرت لها تريليونات الدولارات الإضافية خلال السنوات الخمسين الماضية، فإنّ هدف تنويع مصادر دخل الاقتصاد السعودي ما يزال بعيد المنال. وكلما استمرت أسعار النفط بالتدهور، ستنكشف أكثر فأكثر عورات السياسات الاقتصادية السعودية التي تركز على الإنفاق الاستهلاكي المتزايد لتمويل الميزانية العامة والحروب في اليمن وسوريا ومناطق أخرى.
هذه الوضع سيفرض على السعودية القيام بإجراءات تقشفية صارمة في المستقبل القريب على حد قول الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، الذي أعاد إلى الأذهان “الإجراءات التقشفية التي أصدرها الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز أواخر الخمسينات وطوال الستينات، والتي أنقذت البلاد وليتها استمرت وحان الوقت لها”. السؤال المطروح الآن هو، إلى أي حد يمكن للإجراءات التقشفية المساهمة في مواجهة أزمة مالية كبيرة تواجهها السعودية؟ وهل ستتجرأ العائلة المالكة على القيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية المواكبة لسياسيات التقشف في الوقت المناسب؟ إن عدم القيام بذلك في الوقت المذكور يجعل من سيناريو الإفلاس أمرا واقعا بعد استنزاف الاحتياطات المالية.
وقد أجرت وكالة رويترز للأنباء مؤخرا دراسة حول مستوى النمو الإقتصادي في السعودية خلال العامين الأخيرين، وقد أظهرت الدراسة أنه في العام ٢٠١٥ تراجع النمو الإقتصادي إلى ٢.٦ بعد أن كان ٣.٦ في العام الذي قبله، هذا وقد بينت الدراسة أن نسبة العجز في الميزانية وصلت إلى ١٥ بالمائة بعد أن كانت ١١ بالمائة خلال العام الذي قبله، وخلال الأشهر القليلة الماضية لجأت السعودية إلى السحب من الإحتياطي النقدي، وتأثرت سلبا حالة السوق، وقطاعات الإسكان والعقارات، وزادت معدلات الفقر والبطالة. نتيجة هذا الوضع ظهرت الكثير من الإنتقادات والدعوات لمعالجة الوضع الإقتصادي الراهن، آخر هذه الدعوات ما صرح به جمال القاشقجي في تغريدته على تويتر، “بديلا جديدا لسد العجز وهو سياسة التقشف”، وطالب بالعودة إلى الإجراءات التقشفية التي أصدرها الملك فيصل أواخر الخمسينيات وطوال الستينيات قائلا “إنها أنقذت المملكة، ليتها استمرت سمة للبلاد، حان الوقت لهكذا سياسة، فالتقشف لا يمس عادة الأساسيات والمشاريع الحيوية كالإسكان وانما كماليات وما أكثرها حولنا، أما الوقود فهذا واجب إذ اننا نستهلك مصدر رزقنا”. هنا يطرح السؤال حول أسباب تدهور الوضع الإقتصادي في بلد يعد المصدر الاول للنفط في العالم، هذا إلى السياحة الدينية فيه.
وتشير المعلومات إلى أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة لأكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد ميزانيتي أمريكا والصين، فقد زادت السعودية انفاقها العسكري بشكل كبير حتى وصل خلال العام الماضي إلى أكثر من ٨١ مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع حجم انفاقها بشكل أكبر خلال الأعوام القادمة، فهي أبرمت مجموعة من صفقات شراء الأسلحة من كل من الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، كل هذا الإنفاق يأتي ضمن سياق الإعلام الغربي المحرض على الدفع بالسعودية لشراء المزيد من الأسلحة تحت حجة دفع الخطر عنها، أما الواقع فإن دول الغرب تبحث عن أسواق تصرف فيها انتاجها العسكري. هذا ويأتي عدوان السعودية على اليمن والذي بحسب خبراء يكلفها تشغيل ما يقارب ١٧٥ طائرة مع تزويدها بالذخائر، إلى جانب مشاركة ١٦٥٠ ألف جندي وما يتطلبونه من تكاليف، مضافا إلى كل هذا الأموال الطائلة التي تدفعها للدول المشاركة معها في العدوان والجماعات التكفيرية التي تمولها في عدن وبعض محافظات الجنوب. مضافا إلى ذلك دعم جماعات التكفير في كل من سوريا والعراق والذي يقدر استهلاكهم حوالي ٨ بالمائة من إجمالي الناتج المحلي سنويا.
هذا وقد ابدى العديد من المواطنين السعوديين اسفهم من عدم قيام المختصين والمسئولين في السلطات الرسمية في المملكة من دحض او توضيح ما اذا كانت المملكة على وشك الافلاس ام لا ؟