كيف تظهر قوة ايران الاستراتيجية على الساحتين الاقليمية والدولية؟

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || موقع العهد:شارل ابي نادر

 

تعتبر ايران اليوم من الدول الأكثر حضوراً في أغلب الملفات الحساسة على الساحتين الاقليمية والدولية، وحيث ترتبط أغلب نزاعات المنطقة بموقع أو بموقف الجمهورية الاسلامية في ايران بالنسبة لهذه الملفات، لناحية التأثير أو التأثر. ولا شك أن هذه الدولة قد فرضت نفسها على المسرح العالمي بما تملكه من النقاط والعناصر التي تُكَوّن أو تُشكِّل القوة الاستراتيجية.

لقد شكَّلت الثورة الاسلامية الايرانية (1979) نقطة الفصل لهذه الدولة بين تاريخ وآخر. تاريخان مختلفان في التوجه والقدرات والمفاهيم والموقع والدور. وحيث قامت بمشاركة فئات مختلفة وواسعة من الايرانيين، واستهدفت النظام الملكي الذي كان تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي المدعوم أميركيا، حققت هذه الثورة، بعد استفتاء واسع، تغييراً جذرياً في الحكم ليصبح إسلامياً برعاية المرجع الديني آية الله الإمام الخميني (قدس).

قد يكون أحد أهم أهداف الثورة، والتي أسَّست لقوة ايران الاستراتيجية اليوم، هو عدم الانصياع للخارج بشكل عام، والتحرر من التبعية والهيمنة للولايات المتحدة الاميركية بشكل خاص. وربما انطلاقا من هذا التحرر الذي ما زال سائداً اليوم ويقوى أكثر وأكثر، نستطيع أن نستنتج ملفات الاشتباك الحساسة والحارة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وبين الاميركيين،  حيث تقف ايران الدولة من الند للند بمواجهة الاصيل (الاميركي) من جهة، ومن جهة أخرى بمواجهة الوكلاء الصغار، والذين يُدفع بهم في هذا الصراع  ليكونوا كبش محرقة وواجهة  ظاهرية للاشتباك ومصدراً لتمويل هذا الصراع.

قوة ايران الاستراتيجية تكمن أولا في موقفها المحق في الصراع مع الاميركيين والصهاينة، فتلعب الجمهورية الاسلامية في هذا الصراع  والمتعلق اساساً بالمواجهة ضد العدو الاسرائيلي، دور الحامي أو الأمين على حقوق العرب والمسلمين المغتصبة من الكيان الصهيوني. وحيث يبدو أن أغلب العرب على طريق الانهيار أو الاستسلام أمام هذه الحقوق المغتصبة، إمّا خوفاً أو ارتهاناً أو تواطؤًا أو خيانة، ما زالت ايران كقائدة لمحور المقاومة والمواجهة في المنطقة، تقف ثابتة في موقفها هذا، متعرضة لأقسى هجمة شبه دولية، ديبلوماسياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً.

تظهر أيضا قوة ايران الاستراتيجية في موقعها ونفوذها في المنطقة والشرق الاوسط، والذي خلقته وفرضته بقدراتها العسكرية والامنية والديبلوماسية والاقتصادية، قوة اقليمية عظمى لا يمكن تجاوزها، وخير دليل على ذلك قدرتها على تحييد أغلب الدول الغربية وخاصة الاوروبية، والشرقية أيضا، عن الانجرار وراء الاميركيين في انسحابهم من الاتفاق النووي معها. وبعد أن تراجع الرئيس ترامب مُرغماً، عن معادلة تصفير انتاج وتصدير النفط الايراني، يبدو أن هناك آلية مالية لتجاوز العقوبات الأميركية وضمان تأمين الحقوق والعائدات الايرانية من النفط، هي على الطريق لأن تتحقق.

نقاط القوة الايرانية من الناحية العسكرية تظهر في القوة الصاروخية الاستراتيجية، والتي فرضت نفسها على الساحة الاقليمية بشكل واضح، وأيضاً في القدرة الجاهزة دائماً لامتلاك الأسلحة النووية بمجهود شبه ذاتي، وهذا الامتلاك للسلاح النووي يتعلق فقط بتجاوب ومصداقية الملتزمين مع ايران في الاتفاق النووي، وليس بتاتاً بالامكانية أو بالقدرة المتوفرة حتماً.

تظهر القوة الاستراتيجية لايران أيضا في البحار المحيطة والبعيدة، من خلال مقارعتها للدول القوية وخاصة للأميركيين، في نشر الامكانيات البحرية العسكرية، في المياه الاقليمية لايران وفي الممرات المائية الحيوية القريبة والبعيدة، (هرمز وباب المندب والبحر الاحمر)، وفي أعالي البحار أو المياه الدولية، وخاصة ما يُحَضَّر على صعيد ارسال قطع بحرية ايرانية الى غرب الاطلسي وعلى مشارف فنزويلا، تماما كما ينص ويسمح القانون والاتفاقيات الدولية حول الابحار والمرور والانتشار عبر المحيطات.

قد تكون الحرب على سوريا وانتصار الأخيرة ودور ايران في دعمها لمواجهة جحافل الارهابيين المحليين والاقليميين والدوليين، من أكثر النقاط التي أظهرت قوة ايران الاستراتيجية، حيث برهنت الجمهورية الاسلامية أنها تمتلك رؤية استراتيجية، ساهمت مع محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله اللبناني والجيش العربي السوري، في فرض معركة استباقية منعت اسقاط الدولة السورية، وبالتالي في المحافظة على سوريا كنقطة ارتكاز أساسية في الصراع ضد العدو الاسرائيلي، وربما يكون العدو الاسرائيلي هو أكثر من يدرك أهمية وقوة ما يمكن أن تكسبه ايران من نقاط استراتيجية، من خلال وجود دولة سورية قوية متماسكة، وخير دليل على ذلك، تصويب الصهاينة الشرس دائماً على النفوذ الايراني في سوريا والمنطقة.

وكأن ايران بعد الثورة الاسلامية، قد أوجدت مفهوماً عالمياً وتاريخياً للقوة الاستراتيجة، يتمحور حول المعادلة التالية: “لا يمكن لأي دولة مهما كانت تتمتع بقدرات وامكانيات وعلى مختلف الأصعدة، أن تكون قوة استراتيجية فاعلة، اذا لم تكن متحررة بالكامل من أي ارتباط أو تبعية أو توجيه خارجي.

قد يعجبك ايضا