نحن البشر الذين منحنا الطواغيت شرعية أن يبعدونا عن حاكمية الله، وعن سلطان الله

|| من هدي القرآن ||

الله الذي صمم هذه الأرض، لاحظ كيف يعمل، لا يضيع شبراً واحداً من الأرض بدون فائدة، فالمساحات التي تشغلها الجبال في الأرض يعوضها، فتطلع مساحة الجبل أكثر من المساحة التي يشغلها، وهكذا يجعل الجبل صالحاً للزراعة، يجعل الجبل صالحاً للاستقرار، صالحاً لأن تعيش فيه حيوانات أخرى، صالحاً لأن يكون فيه مراعي، والمهمة الرئيسية له هي أن تكون رواسي تمسك الأرض، أليس هو سبحانه وتعالى من يعلمنا هنا كيف نصنع؟. وكيف نعمل؟. وهو هو من كان يستطيع ويستطيع فعلاً، أن يعوض المساحة التي يشغلها الجبل بقطعة أرض يزيدها من طرف الأرض أليس هذا ممكن؟. لكن لا، لا يضيع شيئاً. {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل:17 ـ18)

فتأمل في هذه النعم، تأمل فيها كنعم، تأمل فيها كمخلوقات مهمة، مدبَّرة، تدل على حكيم دبرها، على قدير صنعها، أليست هذه تدل كلها بالنسبة لنا؟ تجعلنا نقطع بأن الله هو الملك، هو الإله، هو القدير، هو الحكيم، هو الرؤوف، هو الرحيم. إذاً فهو وحده الذي له الحق أن يدبر شؤون عباده، هو وحده الذي له الحق ويملك الحق في التشريع لعباده، وأن يهدي عباده، ويرسم لهم طريق الهداية، هو له وحده الحق في أن يكون هو الملك الذي يحكم هذه الأرض، وهذا الإنسان، التي هي من خلقه، وهو من خلقه.

وارجع إلينا لترى كيف تعاملنا نحن البشر مع الله سبحانه وتعالى، أليس الله هو الملك؟. في أكثر من آية {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ}(فاطر: من الآية13) هكذا يقول في آيات أخرى سنصل إليها إن شاء الله {لَهُ الْمُلْكُ} جاءوا لينـتزعوا فيما يتعلق بالسلطة، فيما يتعلق بالحكم على عباده، فيما يتعلق بولاية شأن عباده.. ألم ينـتزعها الآخرون من يده سبحانه وتعالى؟. لا أنهم مغالبون له، ولكن نحن من منحناهم أن يبعدونا عن حاكمية الله، وعن سلطان الله، نحن البشر الذين منحناهم أن يبعدونا عن حاكمية الله، وعن سلطان الله، وأن يتسلطوا هم على رقابنا.. كيف يمكن من يدبر شؤون العالم على هذا النحو، ومن يكون هو الملك، ثم لا يكون له أي وسيلة لتدبير شؤون عباده، ولنفاذ ملكه، وسلطانه على عباده؟! أبداً ليس هذا مما يمكن أن يكون غائباً، وأن يكون غير واقع.

ثم نأتي نحن البشر كل واحد يحكم الآخرين رغماً عنهم، إما بالغلبة، أو نأتي نحن لنختار فلاناً، أو فلاناً، هكذا اختياراً عشوائياً لا يقوم على أساس من هدى الله سبحانه وتعالى، ولا على أساس مقاييس إلهية، ومقاييس دينية يرسمها الله سبحانه وتعالى لعباده.. ألسنا هنا من أضعنا سلطان الله، وأضعنا حاكمية الله علينا؟. هذا هو من الكفر بالنعم، هذا هو نفسه من الشرك بالله؛ لأن الله الذي خلقك، وخلق هذا العالم، وهو الذي دبر شؤون هذا العالم على هذا النحو المفصل العجيب، هو وحده الذي له الحق أن يلي شؤونك، أن يكون هو وليك {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(البقرة: من الآية257) فهو وليهم في هذه الحياة، كما هو وليهم في الآخرة.

فعندما نعطي حاكمية الله لمن لا يكون على أساس من هدى الله، فنحن كمن يتجه بعبادته إلى غير الله، وفعلاً أذكر عند بعض العلماء من يعتقد هذه شركاً فعلاً، يعتبرها شركاً، أن تؤمن بحاكمية غير الله، أو حاكمية سلطان ليس على أساس من هدي الله، لا يمتلك شرعية تقوم على أساس من هدي الله سبحانه وتعالى، فإنك قد أشركت بإلهك، قد أشركت بالله.

فهو الذي يشرع لعباده؛ لأنه ليس باستطاعة أحد غيره، لا ملك من ملائكته المقربين، ولا نبي من أنبيائه المرسلين، ولا أحد من أوليائه، ولا أحد مهما بلغ ذكاؤه، أو فطنته يستطيع أن يشرِّع للناس، وأن يرسم الهداية للناس في هذه الحياة بعيداً عن الله، المسألة عميقة جداً.. الله هو الذي خلق الإنسان، وهو الذي خلق هذا العالم، هو الذي يعلم السر في السموات والأرض، يعلم أعماق النفس البشرية، لا يستطيع غيره أبداً أن يشرع على النحو الذي يمكن أن تسير الحياة عليه نحو السعادة، ونحو الاستقامة أبداً مهما كان.

ولهذا ترى بأنه حتى أنبياء الله (صلوات الله عليهم) إنما كانوا مبلغين لهدي الله، ولم يكونوا عبارة عن مشرعين هم، على الرغم من أنه قد أكملهم، واصطفاهم، فلم يأت ليكمل نبيه، ويصطفيه، ثم يقول له: أنت قد بلغت المرحلة فيما يتعلق بحرصك على الأمة، في كمالك الإنساني، فانطلق أنت وشرِّع للناس ما تراه مناسباً، وأنت موثوق بك عليهم؛ لأنك رحيم بهم، وحريص عليهم.. ليس باستطاعته ـ حتى وإن كان حريصاً، وإن كان رحيماً، نبي من أنبيائه، أو ملك من ملائكته، أو أحد من أوليائه، أو أحد، أو أحد من الناس جميعاً يستطيع، لا يستطيع مهما كانت نيته حسنة، مهما كان حريصاً أن يشرِّع هو للناس التشريع المستقيم.

 

بل نحن الآن ألسنا نشكو بأننا ـ ونحن نقدم هدي الله لعباده لدقة المسألة، لخطورتها ـ ألسنا نشكو من أخطاء كثيرة وقعت على أيدي علماء من هنا وهنا؟ والكل أو أكثرهم فعلاً ينطلقون بحسن نية، ويرون بأنهم يبلغون عن الله، ويبلغون هدي الله، وحتى أولئك الذين يقولون: كل إنسان ينطلق ويبحث عن خالقه، ثم يبحث عن الأحكام التي يتعبد الله بها إنما انطلقوا من شعور بأنه يجب على الإنسان أن يعبد الله، لكن قدمت القضية على هذا النحو المغلوط الذي أدى إلى إبعاد الناس، إبعاد المسلمين عن هدي الله، أو أكثرهم أبعدوا عن هدي الله، ثم نشأت سبل متعددة جائرة على أيدي من هم يريدون أن يصلوا بالناس إلى تعبُد الله سبحانه وتعالى فيما شرع لهم.

 

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (النحل:17) يتذكرون بأنه وحده من يخلق، هو من يملك، ويقدر، ويعلم كيف سيكون هذا التشريع مناسباً مع الحياة، ومع الإنسان، وحتى لا يقال بأنه سننطلق من الحفاظ على مصالحنا، المصالح مترابطة، الإنسان مرتبط بهذا العالم، العالم مرتبط بهذا الإنسان، القضية هي عبارة عن شبكة مترابطة، ولهذا جاء التشريع نفسه شبكة مترابطة من الأحكام، ومن الإرشادات، ومن التوجيهات، شبكة مترابطة، ليس هناك أحكام شرعية تقول هكذا جاء ليتعبد الناس به، هكذا لمجرد التعبد به، أبداً، كلها شبكة مرتبطة مع بعضها بعض والإنسان بما هو عليه شبكة مرتبطة مع العالم على ما هو عليه، والكل ليسوا بعيدين عن الله سبحانه وتعالى، الحياة بكلها تتجه لغاية رسمها الله سبحانه وتعالى للإنسان عندما استخلفه عليها.

 

فنحن بحاجة إلى أن نقطع ونحن نثق بالله سبحانه وتعالى أنه وحده هو من يملك حق التشريع لنا، وحق ولاية أمرنا؛ لنحقق أيضاً {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56).

 

 

 

اللهم وفقنا لأن نكون من أوليائك، ولأن نكون ممن يثق بك، وبصرنا اللهم هدايتك التي هديت عبادك إليها، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، واهدنا الصراط المستقيم، وأبعدنا عن السبل

 

الجائرة في هذه الحياة، وصلى الله على محمد وعلى آله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله.

 

[ الله أكبر / الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام]

معرفة الله نعم الله الدرس الخامس نهاية الدرس.

 

قد يعجبك ايضا