ما هو الثمن لحماية السعودية من الغريزة البدائية؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الميادين نت
في خطابه أمام أنصاره في ويسكونسون الأميركية، يذكر الرئيس الأميركي عن الملك السعودي أن رؤساء أميركا السابقين لم يطلبوا من السعودية ما يطلبه ترامب. لكن الرئيس الأميركي علّل ذلك بأنهم كانوا أغبياء.
والحقيقة أن رؤساء أميركا كانوا يحظون باستراتيجية في علاقة أميركا بالدول والمنظومة الدولية تميّزت بعد الحرب العالمية الثانية باستراتيجية الحرب الباردة بين معسكرين وتميّزت باستراتيجية إحكام التبعية على دول العالم الثالث ومواجهة حركات التحرّر.
لكن ترامب يأتي من عالم آخر تحكمه شريعة الغاب ومن دون مرجعية سياسية ولا أخلاقية ولا استراتيجيات دولة ولا منظوماتها.
فرانكلين روزفلت الذي عقد اتفاق أميركا الأول مع الملك عبد العزيز، كان عائداً من مؤتمر يالطا الذي أرسى انقسام المعسكرين بعد الحرب عام 1945. وعلى متن الطراد “كوينسي” الذي حمله من يالطا، اتفق مع عبد العزيز على حماية السعودية من المعسكر السوفييتي ومن حركات التحرر العربية والإسلامية مقابل امدادات النفط إلى أميركا والدول الغربية والتبعية السياسية والاستراتيجية إلى هذا الحلف.
لم تتغير هذه المعادلة التي جدّدها جورج بوش في العام 2005، ولم تتغيّر في عهد باراك أوباما بأن أميركا ملتزمة باتفاق حماية السعودية من المتغيرات حولها، لكن مسؤولية حكام السعودية حمايتها من تأثير المتغيرات الداخلية.
وفي مجمل هذه العلاقة الطويلة مع السعودية، تحرص أميركا على الحفاظ الشكلي على بعض المعايير الضرورية التي تسند نفوذها كدولة عظمى والتي ترتكز إليها من أجل توسّع مصالحها الامبريالية كالخطاب الأميركي المشهور في الترويج للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وما تسميه سيادة الدول، وخاصة من الحلفاء.
على نقيض ذلك، ينظر ترامب إلى مجمل حلفائه في أوروبا وشرقي آسيا بأنهم فائضون عن الحاجة ولا يهتم لأمر الحلفاء. لكنه في علاقته مع السعودية وبعض الدول العربية والإسلامية، يغلب على عقله الباطني الاشمئزاز واحتقار معتقداتهم وعاداتهم وطريقة عيشهم، بل لا يراهم بشر يستحقون الحياة ولا يرى في السعودية سوى المال، كما يجاهر بذلك أكثر من مرّة في خطاباته.
ترامب الذي يعرف الخليج منذ الثمانينات وقت انطلاقه في عالم الأعمال، يعبّر عما يراه في الخليج في مقابلة مع المذيعة الأميركية “أوبرا وينفري” في العام 1988 بقوله “نحن نوفّر لهم بيع نفطهم فلماذا لا نقتطع 25% مما يجنون؟”.
لكنه يذهب أبعد من ذلك خلال الحملة الانتخابية في العام 2016 بقوله “نحن في أميركا مدينون بـ 19 ألف مليار دولار ولن ندفعها، بل هم سيدفعون” في السعودية والخليج. وهو يطمع بذلك أكثر من المليارات التي تدفعها السعودية لأميركا ولا يطمع بالمال وحده، بل يطمع بامتلاك السعودية التي ينظر إليها نظرة احتقار السيد للعبد.
ما يقوله ترامب بأن على السعودية أن تدفع مقابل تأمين الحماية، لا ينم عن إذلال على مستوى ابتزاز المال، بل ينمّ عما في خلده من تفوّق العرق الأبيض تجاه العرب والمسلمين والشعوب الملوّنة.
فترامب لا يحمي السعودية من التهديدات الإقليمية والدولية، لكنه يحميها من عواقب مغامراتها الناجمة عن جموح الثأر البدائي في المنطقة. فقد تدخل ترامب بقوّة لحماية ولي العهد من جريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ويتدخّل بحمايتها في جرائم الحرب على اليمن “ولا يريد أن يخسرها ويجب دعمها عسكرياً”، كما يقول. ويتدخل بحمايتها من عواقب الإعدامات في السعودية وعواقب القمع والتنكيل بالمساجين وناشطات حقوق الإنسان.
التهويل السعودي بالخطر الإيراني إيحاء بأن ترامب يحميها من هذا التهديد، هو محض خيال تختلقه السعودية أملاً بالثأر من إيران، التي أثبتت نجاح سياستها في المنطقة بردع العدوان الإسرائيلي وهزيمة العصابات الإرهابية في العراق وسوريا.
وما يسعى إليه ترامب في العقوبات ضد إيران، لا يعير أدنى مراعاة للسعودية في هذا العدائية. فترامب المبني على تفوّق العرق الأبيض والانجيلية المسيحية، ليس في عقله غير أساطير “إسرائيل” وفي قلبه.