السعودية والإمارات و “إسرائيل”.. “معسكر الحرب” أين هو؟

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الميادين نت

الثلاثي الذي برز حتى أيام قليلة “معسكر حرب” متباهياً بالتحريض على الحرب ضد إيران، يعيش تحت وطأة أعباء انقلاب السحر على الساحر.

الثنائي السعودي – الإماراتي لم يجد حرجاً في دفع عواصم خليجية وعربية إلى اتهام حركات المقاومة في فلسطين بالإرهاب واتهام حزب الله بأنه رأس الإرهاب! وهو ثنائي التحالف مع “إسرائيل” في الأمن والسياسة والاستراتيجيا.

هذا ما أثبتته تطورات السنين الأخيرة، التي أخرجت إلى العلن، ما كان على مدى عقود في السرّ، لا يفعل ويحرض إلا على الحرب. لا يدير السياسة إلا بالتصعيد ولا يقود الدبلوماسية إلا بالتحريض ولا يموّل إعلاماً إلا ليكون صوت التصعيد والفتن والحروب.

بات المعسكر أكثر وضوحاً في مساعيه لأن تشتعل المنطقة بحرب أميركية على إيران؛ فمعظم التصريحات والسياسات، ووسائل إعلامهم ومواقف مسؤوليهم، وما يسربه ويكتبه أتباعهم من نخب وإعلاميين وسياسيين هنا وهناك، يسودها التحريض على إيران ومحورها وخياراتها ويطغى عليها قرع طبول الحرب والعدوان على إيران. والتهليل للعقوبات الأميركية، وقيادة حرب نفسية كلها نرجسية الذات والحطّ من شأن إيران وحلفائها في محور المقاومة.

بدت السعودية والإمارات على استعداد كامل لتعويض النقص الذي تراءى لهما واقعاً ملموساً نتيجة افتراضهما عدم قدرة إيران على تصدير النفط. الرياض أعلنت هذا صراحة! فالبلدان الخليجيان ظهرا شديدي الطموح والتفاؤل للقيام بأي عمل يساهم في تضييق الحصار على إيران، وتشديد العقوبات عليها، وبالتالي إنجاح قرارات إدارة ترامب.

تزامن جموح الإمارات والسعودية مع تحريض إعلامي لوسائل الإعلام السعودية والإماراتية مباشرة، ولتلك التابعة لهما ولأصواتهما هنا وهناك، للدفع باتجاه العدوان، الذي توهموه يشفي الغليل.

الإعلام الإسرائيلي بدأ يكشف بنفسه أن نتنياهو هو عرّاب هذا التصعيد الأميركي وهو المؤثر الأساسي في استراتيجية العقوبات والحصار على إيران ثم العدوان العسكري بحجة وقف مشروعها النووي!

 

لكن هو “معسكر الحرب” الآن؟ إنه في وضع لا يحسد عليه! ففي غضون أيام قليلة، تحولت العربدة السياسية والإعلامية إلى دعوات للتهدئة! لماذا يا ترى؟ الأكيد أن هذا المعسكر يتابع عن كثب أبعاد مواقف البيت الأبيض ومواقف ترامب تحديداً.

ترامب الذي هدّد وتوعد وحاصر ووقّع قرارات عقوبات وشدد عليها ووضع لها يوم بداية، كان في انتظار انهيار إيران بسرعة، مع أمل لديه ولدى صقور إدارته باندلاع تحركات احتجاجية في الداخل على الوضع الاقتصادي الصعب (لا يزالون يعملون على إشعالها بالمناسبة). أملوا بانقسام مؤسسات الدولة وقوى النظام وتياراته وتوقعوا ارتباكاً دبلوماسياً، وضعفاً إعلامياً، وهواناً لحلفاء طهران.. خططوا لوضع طهران في خانة العجز عن المبادرة، وفي عزلة دولية، ومن ثم ركوعها لمشيئة ترامب، والقدوم صاغرة بقبول شروط أميركا تحت يافطة التفاوض.

المفارقة أن ترامب لم ينتظر طويلاً ولا حتى قليلاً، ليرى مفاعيل قراراته وسياساته. لم ينتظر، وبدأ سريعاً في طلب التفاوض. فالإعلام الأميركي المطلع يتحدث عن شعور ترامب بإحباط شديد.

في الواقع، يبدو ترامب مضطراً للإلحاح على التفاوض، ووصل به الحال سريعاً أن يطلب علناً وأمام العالم كله من طهران تفاوضاً معها، يقول إنه جدي. وصل به الحال إلى القول أمام العالم، إنه ينتظر اتصال طهران مباشرة به على هاتفه. سلّم رقم هاتفه المباشر إلى السفارة السويسرية في طهران التي ترعى المصالح الأميركية! فبدا المشهد وكأننا نتابع فيلماً سينمائياً..

طهران ترفض التفاوض. أقله إنها لا تقبل أي تفاوض أو حديث تحت مقصلة العقوبات والتهديد.. قالها قادة طهران بوضوح. المرشد خامنئي أعلنها فصيحة: لا حرب ولا تفاوض. لا حرب، لأن أميركا عاجزة عن مواجهة إيران عسكرياً في المنطقة، بمعنى إلحاق الهزيمة بها، كما يتوقع وينظّر صقور إدارة ترامب ومعسكر الحرب في منطقتنا.

ليس هذا فقط، بل أن الحرب الأميركية على إيران، تؤدي لا محالة إلى استهداف إيران وحلفائها جميع القوات الأميركية أينما وجدت وانتشرت في المنطقة بكاملها، في الجو والبحر واليابسة، وقد انتبهت واشنطن فسارعت إلى إيفاد بومبيو إلى العراق للتحذير من استهداف القوات الأميركية وقواعدها من قبل فصائل المقاومة العراقية.

بدا كأن جنرالات البنتاغون أدركوا أن قواتهم في خطر جدي بالعراق، وإمكانات صمودها، لا بل بقائها غير مضمونة مطلقاً.

المرشد خامنئي أكد أيضاً أنه لا تفاوض على اتفاق نووي جديد، يفرض أي شرط أو تعديل جديد، ولا تفاوض بأي شكل من الأشكال حول أي قضية لا علاقة لها بالاتفاق النووي..

كل هذا يتزامن مع تطورات ميدانية جعلت “معسكر الحرب” يدرك أنه في ورطة حقيقية.. نشير إلى تفجيرات الفجيرة واستهداف ينبع.. ليس معلوماً من كان وراء “الفجيرة”.. لكن المحصلة أنها شكلت ضربة للإمارات في العمق، أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً..

أمنياً، لأنه حصل اختراق أمني كبير، لميناء استراتيجي محصن، وفي وجود قوات أميركية وفرنسية، علماً أن التفجيرات بدت مجرد رسالة، ولم تكن عملاً أراد فاعلوه إلحاق أذى كبير وجدي..

يقول الخبراء إن الفاعلين كانوا قادرين على ذلك، طالما أنهم استطاعوا الوصول إلى ناقلات النفط واستهدافها.

عسكرياً، لأن من نجح في عملية أمنية بميناء الفجيرة البعيد نسبياً، وأيضاً بلغ عمقه، ليس بعاجز عن ضرب أي مكان في الإمارات بصواريخ تدمر البلد.. بقطع النظر عن إمكانات الإمارات العسكرية، وما تتباهى به أصواتها في الإعلام وعبر تغريدات أقلام الخيبة والفشل! طبعا هذا كله له انعكاسات اقتصادية مباشرة، فأي تصعيد في الإمارات قد يتبخر في يوم واحد.

يقول الخبراء الاقتصاديون والماليون، إن الإمارات قد تخسر كل إنجازاتها المالية والاستثمارية، ووجود آلاف الشركات الأجنبية.. كذلك قد تذوب صورتها العالمية كواحة استقرار وأمان للأموال والمستثمرين.. تلك صورة رسختها الإمارات على مدى عقود طويلة..كلها قد تنهار في يوم واحد.. أما إعلامياً، فلا داعي لاستحضار مدى وضع الإرباك وفقدان المصداقية الذي بلغه هذا الإعلام ووسائله في داخل الإمارات وخارجها.

وسائل إعلام وأصوات داخلها لم تعد تملك سوى تحريض رخيص أجوف مع بلادة مهنية لا تتوقف.. هذا كله ولا أحد يعرف بالفعل من كان وراء تفجيرات الفجيرة، حتى وإن كانت نتيجتها أربكت معسكر الحرب وأقلقت واشنطن وأسكتت تل أبيب ودفعت طهران إلى الإعراب عن الأسف والقلق هي أيضاً..

الأمر ذاته تقريباً ينسحب على السعودية.. ضربة واحدة استهدفت ينبع وأنابيبه بطائرات مسيرة ومن على بعد مئات الأميال ومن قبل اليمنيين، جعلت الجميع يدرك أن اللعبة باتت أعقد وأخطر مما كان يحسب صقور معسكر الحرب.

اللافت هو بداية تغير في المشهد الدولي والإقليمي العام، حيث باتت أوروبا أكثر جرأة في التعبير عن رفض التصعيد العسكري وإعادة التأكيد على إعلان التمسك بالاتفاق النووي، حتى وإن كان فعلها أقل جدوى وفاعلية من حديثها. بومبيو لم ينجح في تغيير الموقف الأوروبي في بروكسل وإيجاد تحالف أطلسي – أميركي – أوروبي ضد إيران وما يسميه بتهديداتها..

الصين وروسيا هما علناً ضد أي عزل لإيران أو عقوبات عليها. ترفضان علناً أي استهداف عسكري لطهران..

صقور إدارة ترامب يبدون الآن في عزلة، مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون يلتزم الصمت عن التصريح وحتى التغريد.. تنقل صحف نافذة في واشنطن أن بولتون ذاته يعيش حالة إحباط.. كان يمنّي النفس بأن يشن ترامب حرباً تؤدي إلى إسقاط النظام في إيران بعد مزيد من التضييق الاقتصادي غير المسبوق.

لنقل إن بولتون والصقور في فترة سكون.. ربما لأن استراتيجيتهم أصيبت في مقتل الإرباك والضعف والإخفاق وهي في بدايتها مع إيران.. يتزامن إخفاقهم هذا مع فشلهم الذريع في فنزويلا حتى الساعة.. هم لا يزالون يخططون وقد يستعيدون زخمهم من جديد..

الدبلوماسية الإيرانية تبدو أكثر نشاطاً وأكثر حضوراً وفاعلية ومصداقية في خطابها على عكس الدبلوماسية الأميركية، هذا ناهيك عن غيرها الباهت الغائب ممن يصف تصريحات ظريف بالجوفاء!

ترامب ذاته يسابق الزمن.. لا هو يريد حرباً مع إيران كما يعلن، ولا هو قادر على إحداث اختراق للتفاوض.. لا هو نجح في إيجاد تحالف دولي أو أوروبي معه ضد إيران، ولا هاتفه الذي ينتظر اتصالاً من طهران رن جرسه!

الضعف والارتباك والخوف لدى “معسكر الحرب” من أن تتمكن طهران من استعادة زمام المبادرة وسط جمود أميركي.

“إسرائيل”، العضو المحوري في معسكر الحرب لا يمكنه الذهاب إلى أي تصعيد عسكري ومع أي كان.. “إسرائيل”/ نتنياهو هي آلة تخطيط وتحريض وتوريط لغيرها، كل غيرها.. لكنها ليست آلة قادرة على شن حرب على إيران أو حلفائها الرئيسيين.

“إسرائيل” تريد وتعمل على أن تقاتل أميركا بنفسها.. هذا ما يبدو أن ترامب لا يريده وليس مستعداً له، في هذه المرحلة وفي الأفق المنظور على الأقل..

السعودية والإمارات أعجز من أن يقوم أحدهما أو كلاهما بأي مبادرة أمنية أو عسكرية بمفردهما مع إيران.. هما مع “إسرائيل”، أي ثلاثي “معسكر الحرب”، ينتظر واشنطن ماذا تفعل وماذا تقرر وماذا تبادر. دور معسكر الحرب هو التحريض والتمويل.. من هنا ييدو معسكر الحرب في أزمة جدية هذه الأيام.

قد يعجبك ايضا