السعودية وشروط السلام في اليمن
موقع أنصار الله || مقالات ||علي الدرواني
محمد بن سلمان في حربه العدوانية على اليمن أشبهُ بمقامر خسر العديدَ من الجولات، وفي كُـلِّ جولة يُمَنِّي نفسَه بربح الجولة القادمة، لكنه لا يزال يمتلكُ الكثيرَ من الاموال، والكثيرَ من المشجعين فهو مستمرّ في مقامرته، التي ستودي به إلى خسارة كُـلِّ ما يملك.
لقد سمعنا مؤخّراً بعضاً من التصريحات لابن سلمان وأخيه خالد وصفت المبادرة اليمنية للسلام بالإيجابية، إلّا أنها إلى الآن ليست سوى فُقَاعة إعلامية وتصريحاتٍ لم تُقرأ إلا في تويتر، ويبدو أنهم يحاولون من خلالها تجاوُزَ حالة اللوم، وكسب الوقت، في حين لا تزال طائراتهم الحربية تعربد في سماء اليمن موزعةً غاراتِها على الكثير من المناطق.
السعودية في هذه المرحلة لا سيما بعد عملية ضرب أرامكو، وعملية نصر من الله، وبلُغة المنطق والعقل، ستبحثُ عن طريقةٍ للخروج من اليمن بأقل الخسائر، ومغادرة مربع المقامرة الذي انتهجته طوال السنوات الخمس الماضية، هذا في حال أن استجابوا لنداء العقل الواقع، وعملوا بنصيحة الناصح، وكم قد سمعنا من نصح لآل سعود بترك اليمن وشأنه، ومن المفارقات أن النصح كان يمنياً وعبّر عنه السيد عبدالملك الحوثي في كثير من المناسبات والخطابات، ولا تزال لُغةُ النصح هي الغالبة إلى الآن، النصح المختلط بالتحذير من التمادي، وعواقب الرد اليمني، وحتى من الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وفي الوقت الذي كان البعض يظن أن حالة التشفي ستكون هي السائدة بعد ضربة أرامكو، إلّا أننا سمعنا نصحاً صادقاً لآل سعود.
وإلى جانب التحكم الأمريكي بقرار الرياض سلماً وحرباً وانصياع الرياض للمخطّطات الأمريكية، فَإنَّ الخشية من ارتدادات الهزيمة والفشل في اليمن على الداخل السعودي ومستقبل بن سلمان وتأليب أعضاء العائلة السعودية عليه وعلى والده لها تأثيرها أَيْـضاً، وقد نقلت وكالة رويترز عن أعضاء بارزين من آل سعود استياءهم من سياسة بن سلمان وبالتحديد بعد ضربة أرامكو، هذا بالإضافة إلى إمْكَانية خسارة المملكة موقعَها ومكانتَها على مستوى المنطقة والإقليم والعالم، وقد خسرت الكثير منها فعلياً، ولوحظ ذلك من خلال المواقف من ضربة أرامكو أَيْـضاً.
لم تستمع السعودية للنصح، لكنها قد تستمع للتحذير والتهديد، فما ينتظرها أشدُّ بكثير مما لاقته على الأقل منذ عملية التاسع من رمضان، وضرب أنابيب النفط في الدوادمي ثم ضربة الشيبة، والآن الضربة الأشدّ إيلاماً بسحق ثلاثة ألوية بعدتها وعتادها في محور نجران، وما سبقها في بقيق وخريص، والتي لا تزال تأثيراتها إلى اللحظة حسب كثير من المراقبين، حتى وإن ادّعت السعودية أنها تجاوزتها وأعادت إنتاج النفط من هذه الحقول.
اللُّغةُ المرنة التي سمعناها هذه المرة من أُمراء آل سعود عن المبادرة اليمنية، ووصفها بالإيجابية، ما كان لنا أن نسمعَها في أوقات سابقة، مع مبادرات سابقة، أعلنها الرئيسُ الشهيد صالح الصمَّـاد، ورئيس اللجنة الثورية محمد الحوثي، حينها كانت الرياض تظُنُّ أنها في مأمن، أما اليوم فالوضع مختلف، وأصبح حاكمُ اليمامة يدرك جيِّدًا أن صنعاءَ 2019 لم تعد صنعاءَ ما قبل 2015، وأن التحذيرات يجب أن تؤخذَ في الحُسبان.
المرونةُ المشارُ إليها على مستوى التصريحات ليست كافيةً، خصوصاً وأن السفنَ النفطية ممنوعةٌ من الوصول إلى الحديدة، ومطار صنعاء لا يزال مغلقاً، والغارات متواصلة، وهي أمور لو تم حلُّها لفتحت المجالَ للتفاؤل حول تغيير طريقة التعاطي السعودي، وبدونها يبقى صوتُ الحرب هو الأعلى، ويبقى احتمالُ الرد اليمني الأقسى هو الأكثرَ احتمالاً، فمباردةُ السلام اليمنية ليست شيكاً على بياض، كما وصفها الرئيس المشّـاط.
الحديثُ عن السلام، في ظل هذه الوقائع، ليس مطمئناً عند الكثير من أبناء الشعب اليمني، الذين خرجوا في تظاهراتٍ حاشدةٍ في العديد من الساحات مبارِكة لعمليات نصر من الله، وطالبوا القيادةَ العسكرية بتصعيد الرد على الرياض بكل الوسائل؛ لأَنَّ التصريحاتِ السعودية تنطوي على كثيرٍ من الخُبث والمكر وتقطيعِ الوقت، فالرياض تريدُ عبر هذه التصريحات، وقفَ اليد اليمنية من أن تطالَ مواقعَ أكثرَ حساسيةً، وإيلاماً، وتخشى من تكرار ضربة بقيق، وربما تسعى إلى تثبيت وقف جُزئي لإطلاق النار، مع بقاء اشتعال الجبهات بواسطة مرتزِقتها، وبما يكفلُ أَيْـضاً عدمَ استثمار النصر الكبير في عملية أرامكو وعملية نصر من الله وترجمته على الميدان، وانعكاسه أَيْـضاً سياسياً.
ومهما تكُنِ الأسبابُ التي يمكنُ أن تدفعَ السعودية للقبول أَو الرفض لمبادرة صنعاء، فإن عليها أن تضعَ نصبَ عينها التحذيراتِ الأكيدةَ بتنفيذ عمليات أشدَّ إيلاماً، ستكونُ معها عملية نصر من الله مُجَـرّدَ نزهة، وعملية أرامكو مُجَـرّدَ تجربة تحذيرية، وإن كانت صادقةً في الذهاب نحو السلام فسنرى خطواتٍ لإثبات حُسْنِ النية، بفتحِ مطار صنعاء ورفعِ القيود عن وصول السفن النفطية وسفنِ الشحن إلى الحديدة بكُلِّ حرية، وتوقُّفِ الغارات الجوية.