عودة الأمية وغياب الحكمة عن واقع الأمة
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الكتاب هو القرآن الكريم، كرره مرتين في هذه الآية؛ لأنه هو المهمة الرئيسية للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أن يتلو الكتاب على الناس، يعلم الناس بهذا الكتاب، عمله كله يدور حول القرآن الكريم، يتلو عليهم الكتاب {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} التي هي القرآن الكريم.
{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الحكمة هنا ما هي؟. عادةً يقول بعض المفسرين السُنة. يسمونها السنة. الكتاب والحكمة قال: الكتاب والسنة، هذا غير صحيح، غير صحيح.
الحكمة: أن تكون تصرفاتهم حكيمة، أن تكون مواقفهم حكيمة، أن تكون رؤيتهم حكيمة. الحكمة هي ماذا؟ هي تتجسد بشكل مواقف، بشكل رؤى، بشكل أعمال، هي تعكس وعياً صحيحاً، وعياً راقياً، تعكس زكاءً في النفس، تعكس عظمة لدى الإنسان, الحكمة في الأمور. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}؛ لأن الله قال في آية أخرى لنساء النبي {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}(الأحزاب: من الآية34) هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت؟ لا.
القرآن الكريم اسم عام للقرآن الكريم: القرآن الكريم داخله آيات، كلمة (آيات القرآن) لا تعني فقط الفقرة من الكلام ما بين الرقم والرقم، ما بين الدائرة والدائرة، آياته حقائقه أعلامه فيما يتعلق بالحياة بصورة عامة، فيما يتعلق بالتشريعات بصورة عامة، فيما يتعلق بالهداية بشكل عام، آياته.
والقرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}(الاسراء: من الآية39) كما قال في سورة [الإسراء] بعد أن ذكر عدة وصايا الوصايا العشر يعددها ثم قال: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}.
كلمة (حكمة) في القرآن الكريم لا تعني سُنة إطلاقاً. لا تعني سُنة إطلاقاً رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مُهمتُه هو أن يعلم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات وهي: أعلام وحقائق في كل مجال تتناوله.
{وَيُزَكِّيهِمْ} تزكوا نفوسهم تسمو تطهر، وعيهم يرتقي يرتفع بما فيه من الحكمة؛ ولهذا جاء في أكثر من آية يصف القرآن الكريم بأنه كتاب (حكيم)، وسمّاه في أكثر من آية بأنه (حكيم)، وأن آياته (أُحْكِمَت)، وأن آياته (محكمة) إلى آخر ما في القرآن الكريم من ثناء على نفس القرآن.. أنه في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفون بثقافته يُمنحون الحكمة. والعكس, الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن، لا يهتمون بالقرآن سيفقدون الحكمة، وسيظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة في المواقف المطلوبة منهم في القضايا التي تواجههم.
مثلاً الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية, الأمة الإسلامية، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين ومن علماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً، تجد موقف الناس الآن موقف الناس بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة، أي هم فقدوا الآن الموقف الحكيم مما يواجهون، الرؤية الحكيمة لما يواجهون، النظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون.
فقدوا الحكمة فعادوا إلى الأُمية، عدنا إلى الأمية من جديد، بينما الله سبحانه وتعالى كان قد أنقذنا من تلك الأمية, كنا عرب بدائيين لا نعرف شيئاً: لا ثقافة، لا تعليم، لا وعي، وعي يكون بمستوى قضايا عالمية، قضايا تَهُمَّ الإنسان كإنسان بصورة عامة.
عدنا من جديد إلى الأمية على الرغم من وجود القرآن الكريم فيما بيننا، على الرغم من أننا نقرأ ونكتب، ومدارس متعددة وصحف ومجلات ومكتبات في الشوارع، ومكتبات عامة في الجامعات، ومراكز علم كثيرة جداً، مدارس أساسية مدارس ثانوية وجامعات ومراكز علمية ومكتبات تملأ الشوارع، وكتب على الأرصفة أيضاً تُباع، ومجلات كل يوم تصدر أو كل أسبوع، لكن لا يمكن أن يُخرج العرب من الأمية إلا القرآن الكريم، فتصبح أمة ثقافتها أعلى من ثقافة الآخرين، مواقفها حكيمة، رؤيتها حكيمة.
الآن أصبح وضعنا وضعاً رهيباً جداً، ومؤسفاً جداً، الآن ليس هناك رؤية في الساحة، ليس هناك موقف في الساحة للعرب، هاهم مستسلمين الآن، ونرى مع الأيام كل مرة إنجاز لأمريكا وإسرائيل في سياستهم، كل مرة إنجاز، كل مرة يسوقون العرب إلى تنازلات، إلى تقديم استسلام أكثر، وأشياء من هذه، وبقيت الأمة كلها مستسلمة، هل هذا موقف حكيم؟. ليس موقفاً حكيماً. بل الرجل العادي من الناس يقول: [لماذا العرب هكذا؟! لو أن العرب اجتمعوا، لو أن الزعماء اجتمعوا لاستطاعوا أن يضربوا إسرائيل]. أبسط مُحلل عادي من الناس يشهد بأن الوضعية هذه كلها للعرب ليست من الحكمة في شيء، ليست من الحكمة في شيء.
إذاً فنحن عندما نتعلم.. عندما نتعلم يجب أن يكون همّنا هو ماذا؟ أن نتعلم القرآن الكريم، ثقافتنا تكون قرآنية، ثقافتنا قرآنية، عنوان حركتنا ونحن نتعلم ونُعلّم ونحن نُرْشِد ونحن في أي مجال من مجالات الثقافة أن ندور حول ثقافة القرآن الكريم.
وعندما نقول: نحن نريد لهؤلاء الطلاب أن يتعلموا القرآن الكريم ربما قد شُوِّهت صورة القرآن فيفهم الطالب أن معناه [أن يكون له مَعْشَر يُسَمِّعه فيما بعد ومعشر ثاني يوم يسمعه حتى يكمل المصحف ويضوي] أي أن يقرأ القرآن ويضوي، بالشكل المعروف سابقاً.
القرآن علوم واسعة، القرآن معارف عظيمة، القرآن أوسع من الحياة، أوسع مما يمكن أن يستوعبه ذهنك، مما يمكن أن تستوعبه أنت كإنسان في مداركك، القرآن واسـع جداً، وعظيم جداً، هـو ((بحر – كما قال الإمام علي – لا يُدرَك قعره)).
نحن إذا ما انطلقنا من الأساس عنوان ثقافتنا: أن نتثقف بالقرآن الكريم. سنجد أن القرآن الكريم هو هكذا، عندما نتعلمه ونتبعه يزكينا، يسمو بنا، يمنحنا الحكمة، يمنحنا القوة، يمنحنا كل القيم، كل القيم التي لما ضاعت ضاعت الأمة بضياعها، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين، وفي وضع العرب بالذات. وشرف عظيم جداً لنا، ونتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافة القرآن الكريم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} يؤتيه من يشاء، فنحن نحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يُؤتَوا هذا الفضل العظيم.
لا تفكر إطلاقاً أن العلم هو في أن تنتهي من رصّات من الكتب، ربما رصات من الكتب توجد في نفسك جهلاً وضلالاً، لا تنفع. استعرض الآن المكاتب في الشوارع في المدن تجد رصات من الكتب، رصّات من الكتب في الحديث في التفسير في الفقه في فنون أخرى، لكن كم تجد داخلها من ضلال، كم تجد أنها تنسف الإنسان أنه حتى لا يبقى على فطرته.
لم يعد العرب – حتى في مواقفهم من الآخرين، لم يعودوا – على فطرتهم الأوّلة كعرب، يوم كانوا عرب على فطرتهم كانوا يمتلكوا قيماً: يأبى العربي أن يُضَام، يأبى أن يُظلم، يتمتعوا بقيم مهمة: النّجدة، الفروسية، الشجاعة، الكرم، الاستبسال. كانوا معروفين بهذا، حتى في عصر قبل الإسلام، ما كان أحد يستطيع أن يستعمرهم، معظم البلاد العربية ما كان أحد يستطيع أن يستعمرهم، وإن كان هناك بعض مناطق مثلاً في الشام كان تستعمرها الدولة الرومانية، وبعض مناطق في العراق يستعمرها الأكاسرة، لكن مثلاً شبه الجزيرة واليمن كان في معظم مراحلها لا تخضع للاستعمار، وكانوا يقاوموا، وكانوا يأبَوا.
دروس من هدي القرآن الكريم
#ملزمة_الثقافة_القرآنية
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 4/8/2002م
اليمن – صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام