صنعاء تعلن ثورة تصحيح إدارية مبتدئة من كشف الراتب وتصفيته من الوهميين والمزدوجين

‏موقع أنصار الله || مقالات || رشيد الحداد

في الوقت الذي اتفق مرتزقة العدوان السعودي الأمريكي في الرياض على اغراق الجهاز الإداري للدولة بعشرات الآلاف من الأسماء الجديدة، تعمل اللجنة الإشراقية العليا لتصحيح الاختلالات في العاصمة صنعاء على تنظيف كشوفات الراتب من الأسماء الوهمية والمزدوجة وظيفياً أو المُنقطعة عن العمل وغيرها من الاختلالات التي أعاقت أداء الإدارة العامة للدولة وتسببت بعجز دائم للموازنة العامة للدولة طيلة السنوات الماضية ، فمئات الآلاف من الوظائف في اليمن كانت وهمية وسبق للحكومات اليمنية السابقة أن اعترفت بذلك الخلل الجسيم الذي مثل بؤرة استنزاف كبرى للمال العام ولكنها لم تكن أقوى من جماعات المصالح التي ربت في أوساط المؤسسات العامة وحولت الوظيفة العامة إلى باب من أبواب الثراء على حساب عشرات الآلاف من حاملي الشهادات العليا الذين تتكدس ملفاتهم منذ سنوات طوال في مكاتب وزارة الخدمة المدنية ، وحالت دون تحسين رفع مستوى الحد الأدنى للأجور لمئات الآلاف من موظفي الدولة فارتفعت معدلات الفقر والبطالة وأدت إلى هروب الكفاءات الوطنية للخارج بحثاً عن عمل بعد أن عجزت الحكومات استيعابها وتوظيف قدراتها ومهاراتها لصالح التنمية ، ولكن اليوم أصبحت الدولة في العاصمة صنعاء اقوى من أي وقت مضى فمنذ أكثر من ثلاث سنوات عمد العدوان على فرض عقاب جماعي على موظفي الدولة منذ قرار الفار هادي بتعطيل وظائف البنك المركزي في صنعاء إلى عدن ، واجهت حكومة الإنقاذ تحد كبير تمثل بتراجع معدل الموارد العامة التي تراجعت إلى قرابة 80% عما كانت علية عام 2014م ، بسبب الحصار والحرب الاقتصادية التي يفرضها العدوان على شعبنا اليمني ، وأمام موارد شحيحة وجدت الحكومة نفسها أمام الأوليات التي لا يمكن تجاهلها كالنفقات التشغيلية للمؤسسات العامة للدولة الخدمية كالمستشفيات والمؤسسات الأخرى والتي حاول العدوان ايصالها إلى حالة الانهيار عبر مختلف السبل ، وما تبقى من تلك الإيرادات يتم جمعها بين فترة وأخرى وصرف نصف راتب لقرابة 800 الف موظف في المحافظات الشمالية ، تلك الفجوة بين الإيرادات في ظل العدوان والحصار والحرب الاقتصادية المسعورة وبين اجمالي النفقات التي يمكن ان تفي لصرف راتب أو نصف راتب بشكل منتظم ، دفعت رئيس المجلس السياسي الأعلى إلى تشكيل اللجنة الإشراقية العليا لتصحيح الاختلالات برئاسة مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى الأستاذ / هاشم إسماعيل علي وعضوية وزير المالية في حكومة الإنقاذ ووزير الخدمة المدنية والتأمينات ، ورئيس الهيئة العامة للتأمينات وآخرون ، للقيام بتصحيح الاختلالات في كشوفات المرتبات اعتماداً على التشخيص العلمي والدقيق لها ووضع المعالجات الصحيحة لتلك الاختلالات والمعضلات ، والمضي في اتخاذ الإجراءات الهادفة لتخفيف معاناة الموظفين المنضبطين في الدوام الرسمي .

وفي أولى اجتماعاتها الخميس الماضي برئاسة رئيس اللجنة الإشراقية العليا لتصحيح هاشم إسماعيل، كلفت وزارتي المالية والخدمة المدنية بإصدار تعميم إلى كافة وحدات القطاع العام والمختلط بوقف أي استحداثات أو إضافة في بند الأجور والمرتبات التعاقدية ، كما تم تكليف وزارة الخدمة المدنية بتشكيل غرفة عمليات وتخصيص رقم مجاني لاستقبال شكاوى الموظفين في مختلف قطاعات الدولة عن حالات الفساد المتمثل في الأسماء الوهمية أو المزدوجة وظيفياً أو المُنقطعة عن العمل وغيرها من الاختلالات التي مثلت امتداداً للعدوان وطالت آثارها كل موظف منضبط في دوامه ، وشددت اللجنة الإشرافية على ضرورة التزام جميع مؤسسات الدولة بالقرارات الصادرة عن اللجنة وتوعدت الفاسدين في المؤسسات العامة للدولة والرافضين للتصحيح بإجراءات قاسية ، مؤكدة أنه سيتم إحالة الجهات المخالفة للتعليمات إلى أجهزة مكافحة الفساد والقضاء بتهمة الإضرار بالاقتصاد الوطني والمساهمة في استمرار معاناة الموظفين.

وأكد مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى هشم إسماعيل في أول ظهور علني له ، أن اللجنة ستعلن خلال الأيام القليلة القادمة مسارات التصحيح في كشوفات المرتبات وتفاصيلها ، لافتاً إلى أنه سيتم نشر تقرير شهري للرأي العام بالإصلاحات والمعالجات التي تم القيام بها من قبل اللجنة ، وأوضح أن مشكلة كشوفات المرتبات والأعباء التي تتحملها الموازنة العامة للدولة ليست وليدة اللحظة لكنها نتيجة أوضاع وتراكمات سابقة نتيجة غياب الرؤية الحقيقية وعدم وجود الجدية وتدخل جهات خارجية ما أدى إلى وجود بطالة مقنعة وتضخم ، إلا انه من خلال حديثة أشار إلى أن اعتزام اللجنة تنظيف كشف الراتب من الأسماء الوهمية والمزدوجة وإصلاح كافة الاختلالات التي أدت إلى هدر المال العام على مدى العقود الماضية دون تراجع أو مواربة ، وهو ما يأكد وجود إرادة سياسة قوية لإدارة التغيير الإداري ابتداءً من كشوفات الراتب المعتلة ، بعكس الإجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة بطلب من البنك الدولي والتي كانت مدفوعة بالحصول على المزيد من القروض والهبات والمساعدات المالية ولم يكن ذلك التوجه من اوليات الحكومات السابقة ، فكانت النتائج عكسية تماماً فبرنامج الإصلاح الإداري والاقتصادي الذي نفذه البنك الدولي منذ أواخر التسعينيات حتى العام 2014، فشل في اليمن رغم انفاق البنك الدولي مئات الملايين من الدولارات وتحميل اليمن مئات الملايين من الدولارات كقروض ، لعدم وجود رغبة سياسية في إجراء إصلاحات حقيقية ترفع الأعباء عن الموازنة العامة للدولة التي كان يضاعفها قرابة 300 الف اسم وهمي ومزدوج ، وحتى قبيل ثورة 21 سبتمبر 2014م ، كان البنك الدولي في اليمن وسفراء الدول المانحة منها بريطانيا ، تطالب حكومة الوفاق الوطني حينذاك بأن تخفض الضغوط المالية خصوصا وأن وزير مالية تلك الحكومة صرح في أبريل من العام نفسه بأن وزارة المالية حينها ستكون عاجزة عن صرف رواتب موظفي الدولة بالإضافة إلى ارتفاع العجز العام في الموازنة إلى معدلات تفوق المتوقع ، فكان رد المانحين على تلك الحكومة بأن تلك الدول لن تقدم أي مساعدات في ظل استمرار المئات من الآلاف من الموظفين الوهمن في كشوفات الراتب ، وحثت تلك الحكومة بتخفيض النفقات من خلال القضاء على الأسماء الوهمية في كشوف الرواتب الحكومية وكذلك الازدواج الوظيفي، وترشيد الإنفاق الحكومي، وخفض النفقات الضخمة ، إنهاء حالات الازدواج الوظيفي وإلغاء الوظائف الوهمية، فهناك عشرات آلاف من الموظفين الحكوميين يحتفظون بأكثر من وظيفة ويتقاضون أكثر من راتب ، ووفقا للتقارير فإن الوظائف الوهمية التي توافقت عليها مراكز قوى سياسية وعسكرية في الحكومات السابقة بلغت قرابة 300 ألف وظيفة ونصف تلك الوظائف الوهميين في المؤسستين العسكرية والأمنية ، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي ما كانت تحصل عليه مراكز القوى النفوذ وجماعات المصالح من الأسماء الوهمية والمزدوجة تتجاوز 100 مليار ريال سنويا ، ورغم ذلك الاستنزاف الجائر للمال العام كانت الحكومات السابقة والرئاسة تتجنب تصحيح ذلك الوضع لارتباطه بشراء الولاءات.

ما عجزت عنه كافة الحكومات السابقة كان محل اهتمام كبير لدى جماعة “انصار الله” وهو ما يؤكده اتفاق السلم الشراكة الذي أيده مجلس الأمن الدولي والموقع برعاية أممية بين انصار الله والقوى السياسية بحضور جمال بن عمر في 21 سبتمبر 2014م ، في البند الثالث من الاتفاق الذي عكس رؤية الأنصار في اجراء إصلاحات اقتصادية وإدارية شاملة، فقد نص البند على “ضرورة تخفيف المعاناة عن الشعب مسؤولية مشتركة ويتطلب تضافر جهود جميع الأطراف”، لذلك تشكل الحكومة الجديدة لجنة اقتصادية لدراسة الوضعين الاقتصادي والمالي في اليمن عبر مراجعة الموازنة العامة للدولة والإنفاق، وتقدم توصيات حول كيفية استخدام الوفورات من أجل اعانة الفئات الفقيرة والمناطق التي تعرضت للتهميش ، وتضع اللجنة برنامجا شاملا ومفصلا وواضحا ومزامنا للإصلاح الاقتصادي يهدف في المقام الأول إلى تجفيف منابع الفساد في جميع القطاعات ومعالجة اختلالات الموازنة العامة وترشيد الإنفاق.

وأشار البند الثالث إلى ضرورة إلغاء الازدواج الوظيفي والوظائف الوهمية في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، والتوظيف في مؤسسات الدولة المدنية عبر وزارة الخدمة المدنية مع مراعاة ما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من معالجات استثنائية، وتطبيق نظام البصمة في جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وأشار البند إلى ضرورة تقديم اللجنة توصيات إلى وزير الخدمة المدنية حول إصلاح سلم الأجور بهدف إزالة العبء عن المواطنين اليمنيين محدودي الدخل ، كما شدد الاتفاق في البند الرابع منه على زيادة دفعات صندوق الضمان الاجتماعي بنسبة 50% وتسديدها للمستفيدين فورا، مع مراجعة معايير أهلية المستفيدين لضمان شطب غير المؤهلين وتسجيل المؤهلين الفعليين ، وزيادة أجور الخدمة المدنية وقطاعي الجيش والأمن، وتسريع عملية إلغاء الوظائف الوهمية والموظفين المزدوجين، من خلال تسديد جميع المدفوعات عبر المصارف أو التحويلات البريدية.

وعلى الرغم من توقيع الإصلاح على اتفاق السلم والشراكة إلا أنه انقلب على تلك البنود بصورة هيستيرية ، بينما التزمت “انصار الله” بما جاء في الاتفاق كأولوية لإصلاح الاختلالات من منطلق المسؤولية الوطنية، ولذلك وخلال فترة ما بعد العدوان تمكنت وزارة الخدمة المدنية في حكومة الإنقاذ في صنعاء من تنظيف 25 ألف وظيفة مزدوجة منهم وزراء سابقون من كشف رواتب موظفي الدولة في القطاع المدني كمرحلة أولى لتوفر كثيراً من الاعتمادات المالية في الباب الأولى «بند المرتبات» ، ولم تعتمد وزارة الخدمة في صنعاء وفق تأكيد وزيرها ادريس الشرجبي أي تزكية أو وظيفة رسمياً وإن تم اعتماد القلة لا يوجد تعزيزات مالية ، بينما المرتزقة استغلوا العدوان والحصار لتوظيف عشرات الآلاف من انصارهم في مختلف المحافظات لإعاقة أي جهود سلام مستقبلية .

وعلى الرغم من أن توجه اللجنة الإشرافية للتصحيح كشف الراتب لم يستهدف أي فئة سياسية أو فكرية، بقدر ما يستهدف الفاسدين في مختلف مواقعهم وانتماءاتهم، إلا أن تلك الخطوة أثارت ردود أفعال مرتزقة العدوان في الرياض، وهو ما يؤكد صوابية توجه اللجنة التي راعت الكثير من الاعتبارات ومنحت الموظف الحق في المراجعة، ردة فعل الطرف الآخر والتحريض على عمل اللجنة باعتبار توجهها يتناقض مع مصالحهم الخفية ، قوبلت بسخرية من قبل مراقبين أكدوا أن حزب الإصلاح وجناحه العسكري الذي يقوده الجنرال العجوز علي محسن الأحمر كان لهم دور بارز في اغراق كشوفات الرواتب بمئات الآلاف من الموظفين الأميين ، واستغلالهم للأزمات السياسية التي شهدتها اليمن ابتداء بحرب صيف عام 1994 ، التي خاضها الإصلاح والمؤتمر حينذاك وتمكن الاخوان من الدخول في شراكة ثنائية مكنتهم من توظيف عشرات الآلاف ليصل بهم الأمر إلى تسريح كافة موظفي الجنوب واستبدالهم بعناصر اخوانية غير مؤهلة، ومثلت تلك الصفقة أولى عمليات اغراق الجهاز الإداري للدولة بأسماء وهمية ومزدوجة بعد ذلك صفقة العام 1999والتي أعلن الإصلاح ولاءه لمرشح المؤتمر للرئاسة مقابل مكاسب وظيفية ، ومثلت ثورة 2011م ثاني أكبر عملية اغراق والتي من خلالها تمكن الإصلاح من توظيف أكثر من 300 الف شخص على أسس حزبية ليتسبب برفع فاتورة الأجور والمرتبات من 640 مليار ريال عام 2010 إلى 947 مليار ريال عام 2014م ، تلك الفاتورة ارتفعت مطلع العام الجاري لدى الطرف الآخر إلى تريليون و150 مليار ريال يمني ولم تشمل رواتب موظفي الدولة في المحافظات الشمالية ، ويتوقع مراقبون أن تصل إلى تريليون و500 مليار ريال بعد اتفاق الرياض المزمع توقيعه الثلاثاء والذي بموجية تمكن الإصلاح من ادخال عشرات الآلاف من أنصاره وموالية مقابل دمج مليشيات ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي في إطار مليشيات الإصلاح ، وهو ما يعد استهدافاً للمستقبل اليمني وللتنمية واعاقة لمسار السلام.

 

قد يعجبك ايضا