لو كان المؤمنون من سبقوا الي الصناعة والابداع لقُدِّم العالم بشكل أفضل مماهوعليه الآن
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
فما الذي سيحصل؟ ستعمر الحياة حينئذٍ على أرقى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان، وفي المجال الذي يخدم الإنسان حقيقة, تعمر بالصلاح النفوس وهي تزداد خشية من الله، وهي تعمق فيها معرفته من خلال ما تكتشفه حيناً بعد حين وهي تنطلق بعد قوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} برجال يتفكرون، عبارة (قوم) هنا تعطي معنى لمن هم جديرون، لمن هم رجال يتفكرون, وليس للناس الذين ينصرفون ببساطة عن هذه الأشياء فيرون هذه الآيات لا قيمة لها، فتعمر النفوس بالصلاح والتقوى ثم تعمر الحياة؛ لأن نفس الإنسان هي الأساس في أن يتجه عمله في واقع الحياة بالشكل الذي يكون صلاحاً، بالشكل الذي يكون عمارة للحياة، بما يصلح الحياة هذه على أسس صلاح.
حتى في مجال البيئة ربما كان باستطاعة المسلمين أن يتوصلوا إلى أكثر مما توصل إليه الغربيون فينتجوا الأشياء الكثيرة التي هي نفسها لا تؤثر على البيئة، أو لو كان فيها ما يؤثر على البيئة لدفعهم تقواهم وصلاحهم وخشيتهم من الله إلى أن يحترموا هذا الإنسان فيحاولوا أن يعدلوا إلى المواد الأخرى التي هي أكبر حفاظاً على سلامة البيئة وإن كانت التي تلوث البيئة أقل تكلفة؛ لأنه هنا سيقال إنني في مقام مسئولية لا أريد أن أضر بعباد الله.
ولكن ما الذي حصل على أيدي الغربيين؟ أليسوا هم من لوثوا البيئة؟ أليسوا هم من يحدثنا بأن البيئة قد تلوثت بشكل رهيب؟ على أيدي من؟ على أيديهم هم؛ لأنهم انطلقوا عندما هم اخترعوا فسبقونا سبقونا فأصبحوا هم القوم الذين يتفكرون, لكن نفوسهم لم تكن صالحة، فما الذي حصل؟ لوثوا البيئة، ولم يرعوا حرمة الإنسان، ولم يحافظوا على سلامة الإنسان، المهم هو أن ينتج بأقل تكلفة فتأتي النفايات النووية وتأتي نفايات أخرى كثيرة جداً فيتحدثون عنها وهي تهدد العالم، لكن ماذا كان سيحصل لو أن من بأيديهم هذه الأشياء هذه الآليات ومن هم سادة الإنتاج لو كانوا مؤمنين لكانوا يراعون سلامة الإنسان والحفاظ على البيئة فيعدلون إلى الأشياء التي فيها سلامة البيئة وإن كانت أكثر تكلفة.
تجد الله سبحانه وتعالى كيف أنه فيما خلقه وفيما صنعه كيف كانت سنن هذه الحياة كلها قائمة على الحفاظ على البيئة، ترى مثلاً مخلفات الحيوانات أليست هي مما يساعد على تخصيب التربة؟ تتلاشى تلقائياً ثم تتحول من جديد إلى فوائد للتربة، لكن حاول أن تغير زيت سيارة عند مزرعة ما الذي سيحصل؟ تسكب هناك الزيوت أليست نفايات السيارات ستترك أثرها فتحرق المزرعة وتتلفها؟ لأن المؤمنين حينها سينطلقون ليتخلقوا بأخلاق الله سبحانه وتعالى فيكونون حريصين على أن يحافظوا على البيئة فهم من كان سيعمر الحياة ويعمر النفوس ويتجلى على أيديهم المعرفة الواسعة لله تعالى، فما الذي حصل؟
عندما أصبح الإنتاج بأيدي الآخرين وكان الآخرون هم المبدعون وهم المخترعون وهم من طوروا علوم الصناعات وطوروا الصناعات وغيرها، ما الذي حصل؟ جاء اليهود ليستخدموا الثورة الصناعية فاستغلوها في الجانب الثقافي أن يقدموا للمسلمين بأن عليكم أن تتخلوا عن دينكم حتى تكونوا كمثلنا فتلحقوا بركابنا، استغلوها أيضاً في الجانب الاقتصادي فملأوا الدنيا ربا، استغلوا الاقتصاد السياسي في الهيمنة على الشعوب واستنزاف ثرواتها.
أليس اليهود هم الذين استفادوا من الثورة الصناعية؟ أليسوا هم من مسخ وجه العالم؟ لو كان المؤمنون هم من سبقوا لقُدِّم العالم بشكل آخر، لكن مشكلتهم أنهم تخلّوا عن أول رجل بعد رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) كان يقول: ((إن هاهنا لعلماً جمَّاً لو وَجَد ت له حَمَلة)) من كان يقول: ((علمني رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ألف باب من العلم كل باب يفتح ألف باب)) من كان يقول: ((سلوني قبل أن تفقدوني)) وتولوا آخرين؛ لأن ذاك يتركع ألف سجدة، أو لأنه يقرأ القرآن في سجدة، أو أنه اشترى للنبي جملا وهو يهاجر، أو عبارات من هذه.
وهل هذا هو ما كان يهم النبي (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) هو مراعاة للجَمَل الذي شراه أبو بكر أن يقلده قيادة الأمة هذه ، وهي هذه الأمة التي أراد القرآن أن تكون على هذا النحو؟ ما هو العلم الذي يحمله حتى يمكن أن يكون جديراً بقيادة الأمة؟
الأمة ضاعت من أول يوم بعد موت الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) وهكذا تعززت عوامل الضياع، تعززت على طريق ما قدمه الآخرون لنا من ثقافات مغلوطة تحول الآيات القرآنية إلى غير المجال أو تحول توجهنا نحن من خلال تأويل الآيات القرآنية إلى غير ما يراد منا في واقع الحياة.
لو كانت المسألة هي فقط أن نعرف الخلاصة التي قالوا من أجلها عرفنا من خلال المحدثات أن هناك محدثا وأن هناك صانعا، لو انطلقنا هذا المنطلق لكان يكفي الناس واحد من ألف أو اقل من هذه النسبة مما في هذا العالم من أصناف؛ لأن شجرة واحدة ممكن أن تقوم بهذه المهمة، شجرة واحدة محدثة أليس لها محدث؟ طيب هذه الشجرة نراها ورقها وسيقانها وزهورها وثمرها محكمة، أليست تدل على أن هناك قادرا وحكيما؟ تقضي على أن فاعلها عالم، وتدل على أنه حي؟ شجرة واحدة أمكن أن تقوم بالمهمة التي انشغل حولها [المعتزلة] والأصناف الهائلة هذه هل كلها من أجل تحصيل العقائد الصحيحة كما يقولون على النحو الذي قدموه لنا، الذي كان يكفي لها شجرة واحدة أو نعجة واحدة أو حيوان واحد من أي صنف كان؟
والله سبحانه وتعالى يقول: {الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ} (الجاثـية: من الآية12) من هم سادة البحار الآن؟ اليهود والنصارى، أليس كذلك؟ متى ما أردنا أن نشتري غواصة منهم بكم تكلف؟ ملايين، مئات الملايين، وقيمتها المادية قد لا تكون بعشر ثمنها، قيمة التكلفة.
{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} (النحل: من الآية14) أصبحنا فعلاً في هذا العالم [متعلقين] نركب معهم في البحار، نركب معهم في البر، متعلقين مثل الأطفال إذا أنت ماشي في الخط يأتي واحد يتعلق في سيارتك أليس كذلك؟ نحن الآن المسلمون عبارة عن ركَّاب فقط، نركب مع اليابانيين مع الكوريين نركب مع الأمريكيين مع البريطانيين ومع الفرنسيين والإيطاليين وهكذا؟ ركاب متعلقين في البر والبحر وفي الجو أيضاً.
{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(لقمان: من الآية20) ولاحظ ربما، هم قالوا فيما يتعلق بصناعة الطائرات كانت الطيور مما يوحي بالفكرة حتى فيما يتعلق بالنسر عندما يفتح أطراف ريشه الكبيرة عندما يكون متجهاً إلى الهبوط، الطائرة هكذا تعمل تفتح فتحات في الأجنحة تساعد على دخول الهواء أو من هذه الأفكار التي تساعد على الهبوط.
كنا نحن العرب عندما نشاهد النسور وهي تنـزل همُّ الواحد منا أن يقول: هذا لي، وآخر يقول: ذلك له، وننظر من الذي سيغلب الآخر عندما [يتناقرون] أم أن الطيور لم تأت إلا من بعد ما جاء الغربيون؟ بل الطيور من زمان.
{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} تجارة، من هم سادة التجارة الآن؟ أليسوا هم الغربيين؟ {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: من الآية185) فعلاً لو كان المؤمنون هم من انطلقوا فأصبحوا سادة هذه الأشياء، هم بإيمانهم سيزدادون خشية، ثم يكونون أكثر شكراً لله، فتكون هي من بواعث الشكر، إذاً فنعرف الزهد الذي يعني ترك هذه في البر والبحر، الزهد الذي يعطل هذه الأشياء التي تعتبر مهمة في خلق مشاعر داخلية في نفس الإنسان، هي شكر لله سبحانه وتعالى، وإجلال وتعظيم لله، هل يمكن أن يكون هذا الزهد الذي يقدم هو من دين الله؟ وهو هنا يقول: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} غاية من غاياتها أنها يمكن أن تشكل عاملاً مهماً جداً في مجال خلق مشاعر شكر وإجلال وتعظيم من قبلنا نحو الله سبحانه وتعالى.
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}(الجاثـية: من الآية 13) من أجل ماذا؟ أن ننظر لنعرف فقط من خلالها كيف نصدر حكماً ونسميه عقائد، عقائد هي بمثابة مقدمات منطقية ينتج عنها إصدار أحكام فقط؟
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إذا تأمل الإنسان سيرى ما أكثر الأصناف، أصناف النباتات، وأصناف الحيوانات، أصناف التربة، أصناف الصخور، أصناف متعددة من كل جنس متعدد، أصناف المعادن سخرها {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثـية: من الآية13) فهي تهديه إلى كيف ينتج، وكيف يصنع، وهي تهديه إلى كيف يزداد خشية من الله, ومعرفة تزيده خشية من الله فينطلق إنساناً صالحاً شاكراً يعمر الحياة على أرقى ما يمكن أن تصل إليه بالصلاح، وعلى أساس التقوى والشكر والعبادة لله سبحانه وتعالى.
معرفة الله – نعم الله – الدرس الثاني / ص – 13- 15.
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.