“داعش” نواة تنفيذ مخططات التفكيك ..و العرب أمام “سايكس بيكو” جديد لضمان بقاء اسرائيل
كتب/عاصم السادة :-
- يسعى الغرب بخطى حثيثة اليوم لرسم خارطة “جيوسياسية” جديدة في الشرق الاوسط خاصة الوطن العربي بهدف تفكيكي، مشظى، مستغلا غياب المشروع العربي القومي الجامع في اجندات الانظمة العربية الحاكمة وكذا الانقسامات الحادة في المجتمعات العربية على اسس طائفية ومذهبية.
هذه الارهاصات الغربية بدأت تطفو على السطح بعد ان غرست عوامل كثيرة دفعت بها القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية عبر حلفائها في المنطقة العربية لاسيما الدول النفطية الخليجية لإثارة النعرات الطائفية واذكاء الحروب والاقتتال الداخلي بين الشعوب العربية وذلك للوصول الى اقناع كل اطراف الصراع ان الحل الجذري لفصل النزاعات فيما بينهم هي اعطاء كل فريق او طائفة او جماعة او حزب حق تقرير المصير الذاتي في الحكم او المحاصصة السياسية في ادارة شؤون السلطة وهذا ما لا يعد حل اصلا بقدر ما هو اطالة امد الحرب والاقتتال من اجل السلطة والثروة.
إن الهدف الرئيس من هذا التفتيت هو خلق جمهوريات متعددة بعد ان كانت جمهورية واحدة في اطار دولة واحدة من اجل إضعاف تلك القوى العربية التي تشكلت كقوة رادعة ومناهضة للمشاريع الامبريالية اذ اعتمدت على ذاتها بعد تخلصها من ذلك الارث الوصائي والاستعماري الغربي. ولعل ما يحدث في المنطقة العربية اليوم من حروب بلغت حدا خطيرا يشق الصف المجتمعي العربي عامة واليمن خاصة بمسميات غريبة لم يكن اليمنيين منذ الالاف السنيين وغيرهم من الشعوب العربية يعرفونها او يلقون لها بالاً، لكن طالما العدو لا يزال يتربص بنا ويحمل ضغائنه التاريخية الصليبية وكذا صدام الحضارات فان العرب امام اختبار كبير فإما ان يتحدوا جميعا لصد هكذا مشاريع خارجية، واما التشظي وزوال الهوية العربية وحضارتها التاريخية. ولأهمية الموضوع ارتأت “الوحدة” مناقشته مع اكاديميين وسياسيين لمعرفة الخطر التقسيمي الداهم الذي يُقدم عليه الغرب تنفيذه في المنطقة العربية..
في السياق يؤكد الدكتور فؤاد الصلاحي استاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء ان تعميم الفوضى في المنطقة العربية هو استهداف لهدم الدولة الوطنية بأفقها القومي وعدم السماح باستكمال اندماج مجتمعي وسياسي على اسس وطنية، وبالتالي ظهر حلفاء امريكا في المنطقة من العرب في تمويلهم جماعات واحزاب داخل سوريا واليمن للانحراف بمسار الربيع الثائر وتعويم المجتمع ضمن سلسلة من الحروب وحالات الاقتتال الاهلي حتى يختفي الهدف الرئيسي من ثورات الربيع او انتفاضاته بتغيير النظم السلطوية ورموزها وسلوكها ومؤسساتها لتأسيس جمهوريات وطنية ذات افق ديمقراطي تتعزز معها المواطنة المتساوية .
خطورة المحاصصة الطائفية
ويضيف الصلاحي: “اليوم وبعد جولات عدة في جنيف وفيينا والرياض ومسقط وغيرها يقترب التحالف الغربي من التوقيع على خطة شاملة لإعادة بناء الدولة العربية وفق مخطط طائفي يجعل من الجهوية والمذهبية ركنا دستوريا ودلالاتها في اعتماد المحاصصة كقسمة بين اطياف مصطنعة من المرجعيات وهو امر له مخاطره الوخيمة في حاضر ومستقبل الوطن العربي بشكل عام، لأن هذا النموذج سيعمم في ليبيا وهو قائم تدريجيا في العراق. ويرى: ان بعض الاحزاب والجماعات والنخب قد ارتهنت للخارج وعماها طمعها بالسلطة والمكاسب المادية وبالتالي لابد وان ننبه ونحشد اخرين لهم صوت وحضور في السياق العام وان تتبلور رؤى وطنية ترفع صوتها لتسمع عامة الشعب مخاطر المخططات الخارجية والداخلية التي تستهدف الوطن ارضا وشعبا وتزرع فيه بذور انقسامات تشكل بؤر نزاع واقتتال اهلي طويلة الامد. ودعا الصلاحي كل المثقفين في اليمن وفي سوريا وعموم البلاد العربية لرفض مخطط التقسيم الطائفي الذي تعده امريكا وحلفائها الاوربيين وفي المنطقة العربية..نحن مخلصين لقضايانا الوطنية ولثوراتنا نحو التغيير والبناء بالاتجاه نحو مستقبل لامجال معه لاعادة انتاج رؤى ماضوية واوهام سياسية مسحوبة تاريخيا بل نحو آفاق رحبة تؤسس لمدنية تتجلي في مؤسسات الدولة ومنظومة الثقافة والمواطنة.
من جانبه يقول المهندس عبدالرحمن العلفي المديرالتنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والتاريخية اليمني (منارات): ان التسليم بحل الصراع في سوريا والعراق ولبنان وليبيا وبقية الدول العربية حيث تؤكد مسيرة الاحداث والمتغيرات السياسية والعسكرية من ان هذه البلدان يدار الصراع فيها من مطبخ واحد للدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة وبريطانيا .و تلعب الصهيونية العالمية والماسونية دورا اساسيا لإعادة رسم معالم الحدود السياسية للدول العربية كما لو اننا امام اعادة انتاج مشاريع السيطرة العالمية منذ بداية القرن العشرين وفي الصدارة انتاج “سايكس بيكو” جديدة تضمن لدولة اسرائيل البقاء والاندماج الاقتصادي والثقافي والسياسي في الوطن العربي.
لافتا الى أن النسيج الاجتماعي في حالة من الضعف والوهن وعلى وشك التمزق.. منوها أن الصراع العسكري والتنافر السياسي قد أعاد للنسيج الاجتماعي بعض قوته فلم تعد الذهنية المنفعلة بين شمال وجنوب بين من يدافع عن الوحدة الوطنية ومن يدعوا لفك الارتباط ذلك أن الاتجاه العام لدى الشارع السياسي تجلت أمامه أن السبب وراء كل هذه الاختناقات والانكسارات قيادة سياسية فاشلة وغير مستوعبة لحقائق الوجود وما يتمتع به هذا الشعب من مستويات واعية لدوره العربي والإسلامي ووجوده الحضاري الإنسان.
الدور المشبوه للقاعدة وداعش
واضاف الدكتور العلفي: إن خيوط الفتنة مع القاعدة ومن خلفها “داعش” لا يمكن فصلها عن الأدوار الخطيرة للمخابرات الدولية وإن محاولة فك طلاسم هذه القوة الزئبقية خارج إطار الصراع بين ما هو إقليمي وما هو دولي بما في ذلك مشاريع الإسلام السياسي التي تدفع المنطقة العربية لجعل الصراع (شيعي-سني) وهذا هو الخطر الداهم للأمتين العربية الإسلامية وفي خدمة الصهيونية والماسونية وتشترك في هذه اللعبة الدكتاتورية العربية التي تمارس الاستبداد وتقف حجر عثرة أمام مشاريع الوحدة العربية وتجاوز الأمة لحالات الانكسار والتراجع عن الأدوار الحضارية لشعوب المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي اللذان يشكلان نسيج واحد.
الى ذلك اوضح مدير البحوث والتطوير وشؤون التحليل العسكري في معهد الشرق الأدنى والخليج “تويودور كارسيك”: إن الشرق الأوسط على شفا التفكك، بدءاً من السعوديّة..مشيراً الى أنه إذا كانت هناك تحذيرات ومؤشرات تدل على أن المملكة العربية السعودية هي على وشك الانهيار، ليس فقط سياسيا مع الاقتتال الداخلي بين كبار الأمراء ولكن أيضا في المجال الاقتصادي. وأضاف: نحن نشهد أن المملكة العربية السعودية غير قادرة على تلبية كل المطالب من الناحية الاقتصادية، فبسبب الوضع غير المستقر في السعودية، هناك هروب رؤوس الأموال. وتابع قائلا: أن الإصلاحات التي أعلنت القيام بها المملكة العربية -مؤخراً- إنما تشبه بحذافيرها وتقريبا ما قام به ميخائيل غورباتشوف خلال الأيام الأخيرة في تاريخ الاتحاد السوفياتي..اذ حاول غورباتشوف إصلاح الاتحاد السوفياتي دون تغيير أساس المجتمع، والذي كان محور الدور الذي ركز عليه الحزب الشيوعي السوفيتي.
السعودية في مرمى التفكيك
وفي المملكة العربية السعودية، يتحدثون اليوم عن كيفية إصلاح النظام السعودي لكن دون تغيير الأسس التي تنبني عليها الدولة السعودية، تلك التي تقوم على المذهب الوهابي.
وفي سياق متصل فان مخططات التقسيم قد تم رسمها من قبل عدد من المستشرقين ابرزهم برنارد لويس مستشرق بريطاني، ومؤرخ مختص في الدراسات الشرقية الإفريقية بلندن . يعتبر صاحب أخطر مخطط طرح في القرن العشرين لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية و مذهبية. ويعد برنارد لويس منظرا لسياسة التدخل الأمريكية في المنطقة العربية أثناء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وحربه المزعومة ضد الإرهاب. وبحكم علاقته القريبة من الإدارة الأمريكية السابقة فإن مخططاته التي تنتهجها الولايات المتحدة في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط تعتبر جزءا من خريطة “الشرق الأوسط الجديد” التي لوحت بها علنا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام2006 كما يظهر ذلك أيضا في تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع ما أطلق عليه “ثورات الربيع العربي”.
مخطط برنارد لويس الذي يلعب على اشعال النعرات الأثنية والعرقية والدينية المتواجدة في دول العالم العربي الإسلامي نشرته لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأمريكية مرفقا بمجموعة من الخرائط التي توضح تقسيم كل دولة إلى 4 دويلات ودول أخرى قسمت إلى أكثر من 4 دويلات.
داعش حجر أساس التفتيت
من جهة أخرى، يذهب بعض الخبراء والمحللون أبعد من ذلك، حيث يعتبرون أن ما بات يعرف بتنظيم ” داعش” ما هو إلا صناعة أمريكية وحجر أساس لبداية تنفيذ هذه المخططات التي تلعب على الوتر الطائفي الديني. وبعيدا عن كل التكهنات، لعل كل متتبع للوقائع والأحداث الجارية بالعالم العربي أن يلاحظ أن الأمر قد خرج عن السيطرة بعد التمدد السريع والخاطف لتنظيم ما يسمى “الدولة الإسلامية” في كل من العراق وسوريا والقائم على أسس طائفية مذهبية. ما يرتكبه هذا التنظيم في اليمن والعراق وليبيا من تمزقات داخلية توصلنا جميعا إلى قناعة واحدة، تثبت أن الدول العربية تقع على فالق زلزالي، فأصعب الحروب على مر التاريخ وأشدها فتكا هي الحروب الأهلية والتي تسببها اليوم انتشار مجموعات مسلحة كـ”داعش” وغيرها والتي تعلن صراحة أنها تريد أن تقيم دويلات وتعيد تقسيم المنطقة من جديد .
يبقى مشروع برنارد لويس مشروعا قائما بذاته، ونظرية مطروحة بقوة خاصة مع ظروف عربية متاحة ومناسبة تثمن هذا المخطط وتشرذم واضح، واقتتال وتناحر داخلي يطفو يوما بعد يوم على السطح ..كل هذا يقدم خدمة جليلة للاستعمار الحديث ويمهد لمشروع “سايكس بيكو” جديد يحرق المنطقة ويحفظ أمن إسرائيل .