التطبيع الخليجي: بين دعم الانظمة ورفض الشارع
|| صحافة ||
بعد فترة قصيرة على التغريدة التي نشرها الناشط السعودي محمد سعود قبل أيام على صفحته بموقع “تويتر”، والتي شملت اتصالاً مصوراً بين الناشط سعود ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، احتفى موقع “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، بحدث تطبيعي جديد مع الإمارات تمثل بإشعال شمعدان عيد يهودي خلف برج خليفة في دبي.
الموقع الإسرائيلي نشر خبراً جاء فيه أن ابناء الجالية اليهودية في إمارة دبي أشعلوا الشمعة الثامنة والأخيرة لعيد حانوكا اليهودي، مع صورة للشمعدان اليهودي ومن وراءه برج خليفة، ليتزامن هذا النشر مع الغضب الشديد في الأوساط الشعبية في السعودية من تغريد الناشط محمد سعود الذي انهالت عليه الردود السعودية نذكر منها: “أنت خائن ليس للأمه العربية والإسلامية فقط.. أنت خائن الإنسانية”. مغرد آخر علّق قائلاً: “هذا المشهد يمثل استغلال المحتال للساذج الغبي، فالعربي يظن أن اليهودي سوف يثق في من يخون أخاه، والوزير اليهودي يستغله للحملة الانتخابية”. في حين علق آخر: “هذا ليس سعوديًّا، وإن كان سعوديا فهو لا يمثل إلا نفسه، فهو خالف قوانين الدولة ويستحق العقاب، وتطبق عليه اللوائح والأنظمة، وموجة الاستنكار السعودي تثبت أن القضية الفلسطينية قضيتنا جميعاً، وأن الأقصى حق للمسلمين فقط”.
التطبيع الإماراتي
عوداً على التطبيع الإماراتي، لا تنفصل هذه الخطوة عن النهج التطبيعي الذي تقوم به بعض الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي. اليوم هناك ثلاث دول تمثّل رأس الحربة في هذا المشروع الذي يسعى لتأسيس الأرضية اللازمة لصفقة القرن التي تعرّضت لنكسات وتأجيلات عدّة. في مقدّمة هذه الدول الثلاث تقف البحرين المدعومة سعوديّاً، البحرين هي بالون الاختبار الذي استخدمته السعودية والإمارات في مسار التطبيع، ويقف خلف البحرين كل من السعوديّة والإمارات.
يبدو أن العقلية السائدة في كل من السعودية والبحرين تركّز على التطبيع السياسي وإن تمّ تغليفه بمغلفات أخرى دينية أو حقوقية. ولكن الإمارات تمارس هذا التطبيع على كافّة الصعد بدءاً من الرياض والسياحة، مروراً بالدين والعسكر، ووصولاً الاقتصاد والتجار. أي أن النظام الإماراتي يسعى لترسيخ العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، لكي تصبح مع مرور الوقت سياق طبيعي لدى الشعب الإماراتي الذي لا نشكّ في حبه لفلسطين وقضيتها ورفضه للمسارات التطبيعية لتصفية القضية وإن حملت عناوين برّاقة.
يخطئ من يعتقد أن الشعب الإماراتي، وكذلك هو الأمر بالنسبة للشعبين السعودي والبحريني، هو أرضية خصبة للتطبيع، فلو كان كذلك لأظهر النظام الإماراتي هذا الأمر منذ عشرات السنين، لذلك هو يعمد اليوم إلى تغليف هذا التطبيع بالشعارات التي ات تستفتز الشارع. نعم، لا ننكر وجود من يساند الحكومة في هذه الرؤية، وهؤلاء يمكن تقسيمهم إلى ثلاث أقسام رئيسية. القسم الأوّل وهو الأقل نسبة ويكادون لا يشكلون شيئاً بالنسبة للأقسام الباقية. هذا القسم يريد علاقة مع الكيان الإسرائيلي انطلاقاً من رؤيته الشخصية، أي العماله وكره القضية الفلسطينية. القسم الثاني وهو قسم كبير جداً. ويشمل هذا القسم النفعيين من أصحاب المناصب العالية حيث يميلون مع كل ما يريده الأمير محمد بن زايد ولو كان مخلفاً لقناعاتهم الدينية والأخلاقية. القسم الثالث وهم المُغرر بهم. هناك فعلاً فئظ تم تضليلها والتغرير بها إعلامياً وسياسياً سواءً عبر تلميع الكيان الإسرائيلي أوتشويه صورة الفلسطينين أو حتى التركيز على بعدهم الوطني الإماراتي، ومحاولة فصله عن الإطار العربي، وبالتالية زرع فكرة أن القضية الفلسطينية هي مسألة لا تعنينا في نفوس هؤلاء.
لا شكّ أن اقسم الثالث هو الأخطر، وهو الذي تسعى دول التطبيع لتعزيزه. لقد كتبنا على هذه الزاوية قبل سنتين تقريباً، مقالاً تحت عنوان “مع كل فنجان قهوة تطبيع جديد”، وقد أشرنا إلى أن الهدف من هذا التطبيع هو استهداف هذه الفئة حيث يكون السماع لأخبار التطبيع أمر يومي يُراد له أن يكون طبيعي في أنفسهم، وبالتالي يسهل جرّهم إلى التطبيع. إن مقول الصراع الفلسطييني- الإسرائيلي، او حتى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي انطلقت من العقلية ذاتها، وحاول تغييب حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا ما طالب به الكيان الإسرائيلي من عقود. لطالما طالب الكيان الإسرائيلي بمفاوضات ثنائية مع السلطة الفلسطينية حتى أنه اعترض على الرباعية الدوليّة التي كانت إلى جانبه دائماً.
لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي أمام التطبيع بشكل عام، وهذا التطبيع الناعم على وجه الخصوص، لذلم لا بدّ من استخدام الأساليب الناجعة لمواجهته.هناك أساليب كثيرة يمكن القيام بها لمواجهة هذا التطبيع، سواءً من خلال نشر جرائم الكيان الإسرائيلي ومظلومية الشعب الفلسطيني، أو حتى التركيز على البعد العروبي والعلاقة مع الدول العربية لدى هؤلاء. على سبيل المثال لا الحصر، يمكن لطلاب الإعلام والإخراج تقديم مواد إعلامية تستهدف هذه الفئة وتسعى لإنقاذها، أو يمكن القيام بمبادات محبّة تجاه هذه الشعوب في كل من غزّة ورام الله لتعزيز البعد العاطفي معها، فتحية شُكر للشعب الإماراتي أو الشعب السعودي من داخل المسجد الأقصى أو من قطاع غزة كفيلة بإسقاط مشاريع تكلّف ملايين الدولارات.
ختاماً، لا شكّ أن مشاريع التطبيع خطيرة، ولكن الطبيعة العربية والإسلامية التي تكره الكيان الإسرائيلي وتميل إلى الشعب الفلسطيني ستبقى عائقاً أمام هذه المخطّطات التي بدأي منذ ثلاثينيات القرن الماضي. لا بدّ من مواجهتها وإسقاطها، هذا ما نجح به الشارع العربي سابقاً، وسينجح به لاحقاً. اليوم، صفقة القرن هي الاختبار الجديد، فهل تستقط مع إعلان ترامب عنها؟
الوقت التحليلي