تناقض مواقف دول العدوان بين اليمن وليبيا
موقع أنصار الله || مقالات || عبد الوهاب الوشلي
في 21 أبريل 2011م، تقدم مجلس التعاون الخليجي بمبادرة سياسية تضمنت مجموعة من الإجراءات والخطوات بغرض الترتيب لانتقال سياسي في اليمن يتلاءم ومصالح تلك الدول راعية المبادرة، والتي لم تأل جهداً في العمل على احتواء تطلعات الشعب وتحديد مسار الثورة اليمنية.
وقد نصت المبادرة المقدمة على مرحلة انتقالية مدتها عامان، وعلى أن يتولى عبد ربه منصور هادي الذي كان حينها يشغل منصب نائب الرئيس، رئاسة الدولة اليمنية لفترة انتقالية مزمنة، وعلى أن يناط بسلطته الانتقالية إنجاز مهام المرحلة المحددة، وفي إطارها الزمني طبقاً للمبادرة الخليجية.
وعلى أساس المبادرة المقدمة، وإرادة التوافق السياسي المشوب بالنقصان لعدم مشاركة أطراف سياسية وطنية وإصرارها على البقاء في ميادين الثورة، ناهيك عن الاستفتاء المحدود والمقيد باختيار هادي كمرشح وحيد فرضته المبادرة الخليجية، تقلد هادي زمام الإدارة في اليمن على رأس سلطة انتقال سياسي لتحقيق أهداف مرحلية مزمنة في سياق ثورة شعبية عارمة وتدخل خارجي مقيت.
ونتيجةً لانفراد هادي كمرشح لا ينافسه أحد كقيد فرضته المبادرة الخليجية، ولكون عملية الاستفتاء لم تكن بمنأى عن التعتيم والفبركة في ظل عزوف شعبي واسع عن المشاركة في الشمال والجنوب، فضلاً عن افتقارها لمعايير النزاهة وحرية الاختيار والتنافس الوطني، كانت عملية الاستفتاء بمثابة إجراء شكلي فرضته الإرادة الخارجية في محاولة لإضفاء الشرعية الشعبية وتعزيز مكانة المبادرة السياسية التي من خلالها استطاعت الدول الراعية للمبادرة أن تضبط اتجاه الثورة في اليمن.
وعلى الرغم من انتهاء مدة ولاية هادي وفقاً للمبادرة الخليجية المحددة بعامين، وبالرغم أيضاً من الفشل الذريع لهادي في تحقيق أي منجزات تُذكر، وإدخال البلد في نفقٍ مظلم وتدمير بنية الدولة، وتوظيف الإرهاب، وتدهور الأوضاع العامة بشكل كارثي، وانفراط وثاق التوافق السياسي، وإصرار بعض الأطراف الموقعة على المبادرة بعدم التمديد، وحديث هادي عن الالتزام بعدم التمديد في خطاب متلفز، ومع ذلك كله سعى هادي ومن ورائه دول العدوان للتجديد فترة أخرى لمدة عام.
وعلى فرض صحة ذلك التمديد على سبيل الفرضية لا أكثر، فهذا يعني أن هادي في تلك الفترة يستند إلى مؤتمر الحوار والتوافق السياسي المزعوم لا غير، ولمدة محددة بعام لا غير، تصرمت وانتهت وانقضى أجلها وإلى غير رجعة.
وبالعودة إلى الإطار المرجعي الذي تتحدث عنه دول العدوان كمرجعية لإدارة المرحلة وفي مقدمتها مخرجات الحوار، التي كان الفاعل الأساسي في صياغتها وإخراجها طبقاً لمصالحه، هو دول العدوان عبر الأدوات المختلفة والورشات المكثفة لصناعة التصورات الوطنية، وكذا قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 2216 الذي تحدثت بعيد اتخاذه مندوبة قطر في مجلس الأمن آنذاك على قناة العربية، كاشفةً من حيث لا تدري بحديثها عن كيف كانت تُتخذ قرارات مجلس الأمن، وهو ما ظهر جلياً من خلال انزعاج الدول الأعضاء في مجلس الأمن من غير دول العدوان على الطريقة التي انتهجتها أمريكيا وأدواتها في صياغة وتمرير القرار 2216.
وبالعودة إلي تلك المرجعيات نجد أن هادي حتى قبل انتهاء مدة ولايته كرئيس للدولة اليمنية لمرحلة انتقالية، لم يكن يتمتع بصلاحيات رئيس دولة في ظل ظروف طبيعية، بل كانت مرحلة ذات طبيعة استثنائية انتقالية محددة بصلاحيات وسلطات مقيدة، ومنها عدم قدرة هادي على الاستعانة بقوات خارجية أو تدخل أجنبي على النحو المنصوص عليه في فقرات متعددة في إطار مخرجات الحوار الوطني التي تزعم دول العدوان أنها صارت مرجعية أساسية تبناها مجلس الأمن، وبالتالي إضفاء الشرعية الدولية على وثيقة مؤتمر الحوار كما هو حديث دول العدوان وأدواتها.
وبالرجوع إلى وثيقة مؤتمر الحوار نجد ما يلي من النقاط:
- قرار الحرب والسلم قرار وطني يتخذ عبر البرلمان وينظم ذلك الدستور والقانون.
- يجرم أي مساس بالسيادة الوطنية تحت أي مبرر أو الاستعانة بقوات خارجية في الصراعات الداخلية.
- تلغى كل الاتفاقيات السرية أو العلنية التي أباحت وتبيح الأراضي والمياه والأجواء اليمنية أمام الطائرات والقوات الأمريكية أو غيرها من القوات سواء للاستطلاع أو تنفيذ غارات جوية أو عمليات عسكرية داخل الوطن وكل ما يمس السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال.
- لا تعتبر أي اتفاقية تعاون لمكافحة الإرهاب نافذة ما لم تكن مقرة من قبل السلطة التشريعية.
- الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة، وهي مؤسسة وطنية موحدة تتبع وزارة الدفاع، ويتم بناؤها على أسس وطنية، وغير جهوية، وفق عقيدة تتكرس فيها قيم الانتماء الوطني.
- تجريم استخدام الأراضي اليمنية لأي غرض من شأنه دعم أو مساعدة العناصر الإرهابية، كتجنيد وتدريب مقاتلين يمنيين أو أجانب للقتال سواء في الداخل أو الخارج.
- القوات المسلحة ملك الشعب، مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها ووحدة وسلامة أراضيها وسيادتها.
- إيقاف كل مظاهر التدخل الأجنبي من ضربات جوية وغيرها.
- إيقاف كل مظاهر التدخل الأجنبي بما فيها الضربات الجوية وعدم السماح بإنشاء قواعد عسكرية.
- يحرم منح أي جهة أجنبية الحق في انتهاك السيادة الوطنية واستخدام الأراضي والأجواء والمياه الاقليمية لليمن لتنفيذ أي عمليات قتالية أو عسكرية تحت أي مبرر.
وبالعودة إلى واقع حال تحالف دول العدوان على اليمن، نجد أن دول العدوان تستجيب لهادي حسب زعمها بحجة أنه “طلب من رئيس شرعي” وهي تعلم علم اليقين أن سلطاته مقيدة ولا يملك حق طلب تدخل خارجي تحت أي مبرر، كونها كانت راعية للمبادرة و تمارس مهام الوصاية المقيتة على قرارات اليمن وسيادته واستقلاله، ناهيك عن انتهاء ولايته وانتهاء مركزه القانوني، وطي صفحات العملاء وقذفها إلى مزابل التاريخ، فضلاً عن قائمة طويلة من الأسباب والأسانيد القانونية الرصينة طبقاً لقواعد القانون الدولي في هذا السياق.
كما نجد أن جنوب اليمن بات مرتعاً لجماعات الإرهاب التي تسعى دول العدوان إلى رسمنتها عبر مظلة هادي، ونجد الصهاينة عبر الإمارات يكرسون الجهود الحيثية للتواجد في جنوب اليمن، ونجد أحمد عسيري يصرح على قناة “العبرية”، أن السعودية هي من قامت ببناء الجيش الذي يزعمون أنه وطني.
كما نرى ونشاهد كيف يتم تجنيد الخونة للقتال دفاعاً عن مملكة آل سعود، وكذا جلب المرتزقة من شذاذ الآفاق من بينهم من يحمل جنسية اسرائيل، للعمل في إطار قوات الإمارات في جنوب اليمن التي تحتلها وتسعى لتقسيمها والسيطرة عليها.
كما نجد أيضاً سيلاً من الممارسات تجاه من أسموها “حكومة هادي”، أقلها إهانةً وتحقيراً وصف الإمارات لهادي ومليشياته بأنها جماعات إرهابية، وقامت الإمارات بتوجيه ضربات جوية استهدفتها وقتلت عناصرها، وكذا منعها من ممارسة أي اختصاص، وطرد عناصر حكومة هادي المزعومة أذلاءً من عدن. فهل هذه “شرعية”!! ما لكم كيف تحكمون؟
فعلاً إنها سخرية القدر ومهزلة العصر وهمجية نهج أمريكا وأدواتها الرخيصة.
لنقل أن تلك المواقف لدول العدوان كانت في اليمن، ولنقل أن هذا هو نهج دول العدوان، إذاَ لماذا تنزعج تلك الأبواق القبيحة من تدخل تركيا في ليبيا وهي تستجيب لحكومة معترف بها دولياً عبر قرار مجلس أمن!! ولماذا تنزعج أيضاً من دعم تركيا لحكومة معترف بها كما كانت تروج دول العدوان لشرعية هادي الساقطة، في حين أن دول العدوان الآن تدعم جماعات في مخالفة لقرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا!!
لماذا الآن تصرخون؟ ألستم تشربون الآن من ذات الكأس الذي أردتم أن تسقوا منه غيركم!! أليست تركيا الآن في ليبيا تسلك ذات الطريق الذي سلكتموه أيها الأعراب الصهاينة!!
إذن فلتخسأوا ولتخرسوا، وإلى مزبلة التاريخ أنتم وتلك “الشرعية” المفبركة التي صنعتها أيادي الصهاينة الأعراب لتمرير مشاريعها على حساب مصالح وسيادة واستقلال اليمن وقراره الوطني.
وأما مجلس الأمن والأمم المتحدة فعليها أن تحمي أولاً قراراتها في ليبيا قبل أن تتحدث عن قراراتها في غيرها من البلدان، فمن يعجز عن منع دول العدوان عن خرق قراراته علناً في ليبيا وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي، فليس خليقاً به الحديث عن قراراته الهزيلة في غير ليبيا.