تصنيف حالة العدوان على اليمن في إطار قواعد القانون الدولي الإنساني والتضليل الممنهج في هذا السياق

|| صحافة ||

على الرغمِ من الإنجاز القانوني على المستوى النظري لميثاق الأمم المتحدة؛ لجهة تضمنه نظاماً قانونياً أمراً يتصلُ على وجه الخصوص بحظر اللجوء لاستخدام القوة العسكرية أو التهديد بها في علاقات الدول، غير أن هذا الإنجاز لم يقوَ على الصمود يوماً أمام واقع الممارسة الدولية الذي ساد فيه التنافس وسباق التسلح تارةً، واستمرار نهج الغزو والاحتلال والبربرية الهمجية التي طالت بنارها المستعرة شعوباً مظلومةً ودُولاً منكوبةً على امتداد مساحة هذا العالم الفسيح وتاريخه الطويل تارةً أخرى.

لقد كرست فعلاً دولُ الاستعمار القبيح بشكله الجديد لمنطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي في ممارساتها دوماً، مسارَ انتهاك تلك المبادئ القانونية التي جاء بها ميثاق الأمم المتحدة، وتشدقت بها اختيالا دول الهيمنة المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها الولاياتُ المتحدة الأمريكية التي دأبت سلوكاً على غزوِ الأوطان واحتلال البلدان وإبادة الشعوب ونهب ثرواتها.

ولم يكن يعوز تلك القوى الاستعمارية يوماً وسائل الخداع وأساليب التدجين، فلقد كانت بارعةً دوماً في نسج شعارات التضليل وتسخير أدوات الهيمنة بمختلف أشكالها المؤسساتية والفضائية والسيبرانية من أجهزةٍ أممية وقنواتٍ إعلامية ومؤسساتٍ استخباراتية وشبكات عنكبوتية، ناهيك عن عملاء الميدان ووكلاء الاستعمار على المستويات المختلفة الوطنية منها والدولية.

فعبر قرارات مجلس الأمن الدولي، تُدول شؤون الأمم المستقلة، وتُصادر إرادات الشعوب الحرة، وتُفرض العقوبات الجائرة، ومن خلال الممارسة الدولية التحكُمية لجهة تحقيق أغراض قوى التسلط والاستغلال، على غرار الاعتراف الدولي ذات الطابع السياسي، تُنتهك سيادة الدول الوطنية وتُقوض ثورات الشعوب المنهوبة والأمم المظلومة التي كرس الاستعمارُ ضعفَها وبالغ في إيلامها وتمادَى في نهب خيراتها.

ومن خلال نهج توطين الصراعات حيناً وتدويلها حيناً آخرَ الذي تنتهجه دول الهيمنة؛ خدمةً لأطماعها وتحقيقاً لمصالحها، تتمترس قوى الاستعمار وتتستر تحت غطائه حين يقتضي الحالُ احتواءَ توجهات الشعوب الثائرة وتسويغ التدخل السافر في شؤونها وانتهاك سيادتها واستقلالها، ولصدِّها عن ممارسة حقها في تقرير مصيرها بعيداً عن تسلط الغزاة واستغلال قوى الاستعمار بأشكاله الحديثة.

وعبر نشاط الهيئات الأممية والمؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية من مشاريع التنمية وبناء القدرات ومناهج التعليم وبرامج الثقافة وقنوات الإعلام والشبكات الاجتماعية ومختلف الأدوات والأساليب الناعمة، تُدجّن الأمم ويُحرّك الشارع ويتقاتل الإخوة ويتصارع الأشقاء وتُدمّر الأوطان وتُزرع النعرات وتُخلط الأوراق وتُمرر المشاريع وتُصنع السياسات لصالح أغراض المستعمر وغاياته القبيحة، على شاكلة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية.

فلا غرابة حين تُجند الولاياتُ المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، عصابات الإرهاب ثم تزعُم تضليلاً قتالَها، ولا غرابة حين يُقتل الشعبُ الليبي وتنهب ثرواته بقرارات مجلس الأمن الدولي وتحت ذريعة حمايته أو تحريره، ولا غرابة أيضاً حين تُستباح سوريا وأرض العراق تحت ذرائع تحريرها وحماية شعوبها ومحاربة الإرهاب الذي جندته أمريكا وكيانُ الصهاينة وبعضُ الدول الغربية لاستهداف دول المنطقة ونهب خيراتها وتمزيق أواصر نسيجها الاجتماعي وتفتيت أقاليمها الجغرافية، وإضعاف جيوشها الوطنية واستهداف دينها وثقافتها وهُويتها الإِيْمَانية، لا غرابة في ذلك كلِّه فهذا دوماً دأبُ المستعمر على امتداد عصور التاريخ المديد.

كما لا غرابة أيضاً عندما تعمد قوى الاستعمار ودول العدوان وتسير على منوالها كيانات ومنظمات دولية ممن تسير في رِكابها، إلى تصنيفِ النزاع في سوريا وأفغانستان وغيرها من البلدان العربية والإسلامية التي تعتدي عليها دولُ الاحتلال البربري بشكلٍ مباشر همجي أحياناً، وعبر وكلاء الاحتلال وعملاء الاستعمار المعاصر أحياناً أخرى، على أنها نزاعاتٌ غيرُ دولية وصراعات داخلية لأغراضٍ وأهداف تروم تحقيقها دولُ العدوان ووكلاء الاحتلال وأدوات الاستعمار من كيانات أممية ومنظمات غير حكومية.

وعلى ذات المنوال تُصنِّف تلك القوى ودول العدوان والمنظمات الأممية والكيانات الدولية الوظيفية، ما يجري من عدوان همجي على اليمن، رغم حقائق الواقع التي لا مجالَ معها للتشكيك أو التردّد في القول بأن ما يجري في اليمن، إلى جانب كونه عدوانا سافرا ينتهك مبادئَ ميثاق الأمم المتحدة، هو نزاع دولي مسلح بالمعنى القانوني الدقيق للتصنيف في ضوء قواعد القانوني الدولي الإنساني، إذ أن واقعَ ما يجري في اليمن لا يعدو حقيقة كونه نضالا وطنيا مسلحا ضد قوى تسلط وهيمنة واستعمار أجنبي، دأب على فرض وصايته الفعلية على السيادة اليمنية ومصادرة القرار الوطني اليمني عبر أدوات وَوكلاء عملاء، جندتهم دولُ العدوان دوماً لحماية مصالحها وأطماعها الاستعمارية.

إنما يجري في اليمن هو نضال وطني تتصدره قيادة وطنية وخلفها شعب بأكمله ما خلا العملاء، ضد قوى استعمار وتسلط أجنبي، تعمل تضليلاً على توطين عدوانها المباشر وغير المباشر عبر وكلاء وأدوات احتلال مقيت، كشف الواقعُ زيفَ تضليله وتدليسه.

إنما هي حرب سيادة واستقلال وتحرّر وطني من براثن استحواذ استعمار مقيت، ومصادرة فاضحة للقرار الوطني اليمني وَوصاية قبيحة دأبت على فرضها وممارستها دولُ العدوان الغاشم على اليمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ونظام آل سعود، وهذا ما نروم إيضاحَه إيجازاً في إطار التصنيف الفعلي والقانوني لحالة العدوان على اليمن على ضوء قواعد القانون الدولي الإنساني، وذلك على النحو التالي:

 

أولاً: التصنيف القانوني للنزاعات المسلحة من منظور القانون الدولي الإنساني:

ليس من شأنِ مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني تنظيم مسألة اللجوء لاستخدام القوة المسلحة عدواناً أو دفاعاً أو لأي غرض آخر في سياق علاقات الدول وتفاعلاتها المتبادلة على الصعيد الدولي.

وبوجهٍ عام، يتمثّل الإطار القانوني الناظم لتلك المسألة على المستوى الدولي، في قواعد القانون الدولي العام، وعلى الأخص مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ذات الصلة المتمثّلة بالمواد (4-2)، (42)، (51)، التي تنظم بنحوٍ عام المسائلَ ذات العلاقة باستخدام القوة أو التهديد بها في علاقات الدول، واستخدام القوة المسلحة عبر مجلس الأمن الدولي، وكذا لجوء الدول فرادى أو جماعات لاستعمالها دفاعاً عن النفس عند تعرّضها لهجمة مسلحة، وذلك على سبيل الحصر في إطار ميثاق الأمم المتحدة.

ويُعنى القانون الدولي الإنساني، كفرعٍ من فروع القانون الدولي العام، بتقييد سلوك الأطراف فور نشوب حالة النزاع الفعلية أو العدوان، بقطع النظر عن مدى مشروعية اللجوء ابتداءً لاستخدام القوة العسكرية أو انتفائها كوسيلةٍ غير مشروعة من حيث المبدأ لتسوية المنازعات الدولية، إذ تنصُّ المادة (2) الفقرة (3) من ميثاق الأمم المتحدة على تأكيدِ التزام الدول لحلِّ المنازعات التي قد تنشب فيما بينها بالطرق والوسائل السليمة.

وتتجسد الغاية الأساسية المفترضة للقانون الدولي الإنساني غالباً، من خلالِ تحقيق الموازنة بين الاعتبارات العسكرية التي من شأنها ضرورة إلحاق الهزيمة بالعدو عبر استهداف قواته العسكرية وإضعافها من جهة، واعتبارات الضرورة الإنسانية التي تحتم على الأطراف ضرورةَ تفادي توجيه الهجمات صوب المدنيين والأشخاص والأعيان المحمية بموجب قواعد وأعراف الحرب، من جهةٍ ثانية.

وفي سياقِ القانون الدولي العام، يسود استخدامُ مصطلح “العدوان” ومصطلح “الدفاع عن النفس” عند اللجوء لاستخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية لا على سبيل الحصر، وطبقاً لطبيعة استخدام القوة المسلحة في كل حالة على حدة.

بينما يسود في سياق القانون الدولي الإنساني، استعمالُ مصطلح “النزاع المسلح” كبديلٍ لمصطلح “الحرب” الذي كان سائداً قبل عقد اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، وذلك بصرف الاعتبار عن كون اللجوء للقوة المسلحة عدواناً سافراً أو دفاعاً مشروعاً عن النفس.

ويُصنف النزاع المسلح في سياق القانون الدولي الإنساني إلى “نزاع مسلح دولي” وَ”نزاع مسلح ليس له طابع دولي”، والغايةُ الأساسية المفترضة من التصنيف، هي تحديدُ الإطار القانوني واجب التطبيق؛ ذلك أن القانونَ الدولي الإنساني يشتملُ على أنواع مختلفة من القواعد القانونية المنظمة لسلوك الحرب: القواعد القانونية التي تنطبق أثناء النزاعات الدولية، وتلك القواعد واجبة التطبيق أثناء النزاعات غير الدولية، وقواعد وأعراف أخرى تنطبق في الحالتين معاً على حدٍّ سواء.

والمعيارُ السائد للتصنيف الذي تستند إليه الجهات المختلفة، يتمحور بشكلٍ عام في الاستنادِ إلى صفة الدولة وطبيعة الأطراف المشاركة في النزاع المسلح، وحيث يَتقرّر لأطرافه صفة الدولة، يُصنف النزاع المسلح على أنه نزاع دولي بالمعنى القانوني الدقيق للتصنيف، بينما يُصنف على أنه نزاع ليس له طابع دولي على نحوٍ قانوني مماثل، إذا كان أحدُ أطرافه من غير الدول (الجماعات الوطنية أو غير الحكومية).

وهذا التصنيفُ للنزاع المسلح غالباً ما يتأثر دون أدنى شكٍّ باعتبارات السياسة ومصالح الدول، لا سيما الهمجية منها على شاكلة دول تحالف العدوان الغاشم على اليمن ومن يسيرُ في رِكابها.

ومن ناحيةٍ قانونية، يتعين أن يتم التصنيف للنزاع المسلح لأغراض تتعلّق بتحديد إطار القانون واجب التطبيق، على ضوء تلك القواعد المتضمنة في إطار اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، وعلى وجه التحديد، المادة الثانية مشتركة ضمن اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، والمادة (1) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977م، وكذا المادة (1) من البرتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الأربع.

وبالرجوعِ إلى نصوص تلك المواد، نجد أن المادةَ الثانية مشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع، تنصُّ على أن “تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدُها بحالة الحرب، كما تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميعِ حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة”.

وتنصُّ المادة (1)، الفقرة (4) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع، على أن “تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة، المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوبُ ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحقِّ الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاقُ الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة”.

بينما تنص المادة الثالثة مشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع، على أنه “في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كلُّ طرف في النزاع بأن يطبق كحدٍّ أدنى الأحكامَ التالية… إلخ”.

وتنص المادة (1)، الفقرة (1) من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الأربع، على أن يسري البروتوكول الإضافي الثاني على المنازعات المسلحة “التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى، وتمارس تحت قيادة مسئولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة مسلحة”.

 

ثانياً: بعض الآثار القانونية المترتبة على تصنيف النزاع إلى نزاع مسلح دولي، ونزاع مسلح غير دولي، في سياق انطباق قواعد القانون الدولي الإنساني:

يترتب على تصنيف حالة نزاعٍ مسلح ما إلى نزاع مسلح دولي ونزاع مسلح غير دولي، جملة من الآثار القانونية، نسرد أبرزها إيجازاً فيما يلي:

1- على مستوى الوضع القانوني للمقاتل الذي يقعُ في قبضة العدو في إطار النزاع المسلح الدولي، يتمتع المقاتلُ بمركز أسير حرب، وبالتالي لا يجوز مسألته جنائياً؛ بسبَبِ اشتراكه في قتال العدو على أيِّ نحوٍ كان، ويتمتع بالحماية القانونية المفترضة في إطار اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، ويُعدُّ ارتكابُ أفعال جسيمة في حقه جرائمَ حرب، وعلى عكس ذلك، لا يتمتع المقاتل الذي يقع في قبضة العدو في إطار النزاع المسلح غير الدولي بمركز أسير الحرب ولا تسري في حقه أحكام اتفاقية جنيف الثالثة، إلّا أنه يَتعيّن أن يُعامل معاملةً إنسانية في جميع الأحوال؛ لهذا نرى بعض الجهات انحيازاً تستعملُ مصطلح “محتجزين” بدلاً عن مصطلح “أسير”، في سياق تصريحاتها حول صفقات تبادل الأسرى، كما هو حال مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفث.

2- على مستوى الاستهداف، يتم الاستهدافُ في إطار النزاع المسلح الدولي على أساسِ المركز القانوني للمقاتل في جميع الأوقات، بينما يتم الاستهدافُ في إطار النزاع المسلح غير الدولي على أساس الاشتراك المباشر في الأعمال القتالية، وعلى مدار الوقت الذي يقوم خلاله بهذا الدور، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، على أساس الوظيفة القتالية الدائمة للمقاتل، وعلى مدار وقت بقاء تلك العضوية في إطار طرف مسلح من غير الدول.

3- على مستوى الاعتقال، تنظم قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة في النزاع المسلح الدولي، المسائل الإجرائية المتعلقة باعتقال الأسرى، والإفراج عنهم على نحوٍ واضح، كما تنظم أيضاً مسألة اعتقال غير المقاتلين لدواعٍ أمنية، والمراجعة الدورية لدواعي اعتقالِهم، وكذا الإفراج عنهم، وعلى العكس من ذلك في إطار النزاع المسلح غير الدولي، حيث تفتقر قواعد القانون الدولي الإنساني إلى وجود قواعد قانونية لتنظيم تلك المسائل الهامة.

4- على مستوى الإطار القانوني واجب التطبيق، تنطبق في إطار النزاع المسلح الدولي اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، وقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي، بينما تنطبقُ في إطار النزاع المسلح غير الدولي، المادة الثالثة مشتركة، والبروتوكول الإضافي الثاني، وقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي ذات الصلة، وبهذا يتضح أن القواعدَ القانونية المنطبقة في إطار النزاع المسلح الدولي أكثر حمايةً وأكثر تفصيلاً على عكس ما هي عليه تلك القواعد المنطبقة أثناء النزاع المسلح غير الدولي.

5- على مستوى التجريم الدولي، هناك بعضُ الانتهاكات التي تُعدُّ جرائمَ حرب في إطار النزاع المسلح الدولي، بينما لا تُعدُّ كذلك في إطار النزاع المسلح غير الدولي، غير أنه يمكن إزاءها إثارة المسؤولية الدولية المدنية للدولة، إعمالاً لقواعد المسؤولية الدولية؛ باعتبارها انتهاكا لقواعدَ قانونية دولية.

 

ثالثاً: كيف تُصنف بعضُ الجهات حالة العدوان الوحشي على اليمن، بما في ذلك دول العدوان الهمجي على اليمن؟:

1- فريق الخبراء البارزين في إطار المفوض السامي لحقوق الإنسان:

يُصنف فريقُ الخبراء البارزين حالةَ العدوان الغاشم على اليمن على أنها نزاع مسلح غير دولي، حيث نصَّ تقرير الخبراء لعام 2019م، على ذلك في إطار الفقرة (44) التي نصت على: “يتم وصف الوضع في اليمن بشكل أساسي على أنه نزاع بين الحكومة اليمنية المدعومة من قبل التحالف الدولي بقيادة المملكة العربية السعودية والحوثيين… إلخ”.

كما نصت الفقرة (46) من ذات التقرير على: “يُعتبر النزاعُ بين القوات المسلحة التابعة للحكومة اليمنية والحوثيين بمثابة نزاع مسلح غير دولي بين دولة طرف وجماعة مسلحة غير تابعة للدولة… إلخ”.

2- المنظمات الأممية واللجنة الدولية للصليب الأحمر:

وعلى منوالِ فريق الخبراء، تُصنف المنظمات الأممية واللجنة الدولية للصليب الأحمر حالةَ العدوان الأمريكي الصهيوني على اليمن، ويظهر ذلك بوضوحٍ في تقاريرها وتصريحاتها على غرار توصيف اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأسرى السعوديين بـ “المحتجزين” وليس بـ “الأسرى”، وتوصيف الأسرى اليمنيين بالمحتجزين لا بالأسرى.

وفي إطارِ القانون الدولي الإنساني، لا يُطلق مصطلحُ “الأسرى” إلّا في حالةِ النزاعات الدولية، وأما في إطار النزاعات غير الدولية فيستخدم مصطلح المحتجزين غالباً وإن كانوا في ميدان المعركة.

3- دول تحالف العدوان والدمية هادي:

تصف تدليساً دولُ تحالف العدوان، الطرفَ الوطني والشعبَ اليمني المناهض للعدوان الأمريكي الصهيوني بالجماعات المتمردة، وغايتها من ذلك التضليلِ في هذا السياق، هو التزييفُ البائسُ المناقض لحقائق الواقع الذي دأبت دولُ تحالف العدوان على تحريفه.

وهذا الاتجاه التضليلي كان واضحاً منذُ الوهلة الأولى لشنِّ العدوان الغاشم على اليمن، سواءً من خلال تصريحات ورسائل دمية العدوان هادي المزعومة أو في سياق تصريحات دول التحالف الهمجي على امتدادِ أيام العدوان الوحشي على شعب اليمن، وحتى هذه اللحظة.

ومن خلالِ التدقيق في كلِّ ما تنشره وتزعمه قوى العدوان وأدواتها الرخيصة، يتبين جلياً أن دولَ تحالف العدوان ودميتها في سياق هذا التدليس، قد بنت هذا التوصيفَ البائس على أساس تحقيق غاياتها العدوانية بشكلٍ أو بآخر، ومنها محاولة تسويغ التدخل العدواني والهمجي على اليمن من خلال التصوير المضلل بأن تدخل دول العدوان إلى جانب هادي، إنما جاء كنتيجةٍ لتدخل إيران في اليمن، كمحاولة رخيصة لتسويغ عدوانها وتبرير إجرامها الوحشي وتدخلها الغاشم؛ على اعتبار أن ذلك وهْمٌ قد يعزّز من أسانيد دول العدوان الزائفة على المستوى القانوني، إذ تعتمد دولُ تحالف العدوان دوماً على تلفيق الأسانيد الواهية لتبرير عدوانها الهمجي على اليمن.

 

رابعاً: التصنيف الفعلي والقانوني لحالة العدوان الهمجي على اليمن في إطار قواعد القانون الدولي الإنساني:

وتنصُّ المادة (1)، الفقرة (4) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع، على أن “تتضمن الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة، المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوبُ ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحقِّ الشعوب في تقرير المصير، كما كرسه ميثاقُ الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة”.

والمقصودُ من الأوضاع المشار إليها في الفقرة السابقة المنصوص عليها في الفقرة (4) من المادة (1) من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، أشكال النزاعات المسلحة الدولية المنصوص عليها في إطار المادة المشتركة الثانية في اتفاقيات جنيف الأربع، والتي تشيرُ إلى حالة الحرب المعلنة بين الأطراف السامية، أي الدول وأي نزاع مسلح آخر بين الدول، ولو لم يعترف أحد الأطراف بحالة الحرب، وكذا حالة الاحتلال الكلي أو الجزئي ولو لم يُواجه الاحتلال بالمقاومة المسلحة.

وما يجري في اليمن هو نضال وطني تتصدره قيادة وطنية وخلفها شعب بأكمله ما خلا العملاء، ضد قوى استعمار وتسلط أجنبي، تعمل تضليلاً على توطين عدوانها المباشر وغير المباشر عبر وكلاء وأدوات احتلال مقيت كشف الواقع زيف تضليله وتدليسه.

إنما هي حرب سيادة واستقلال وتَحرّر وطني من براثن استحواذ استعمار مقيت ومصادرة فاضحة للقرار الوطني اليمني، وَوصاية قبيحة دأبت على فرضها وممارستها دولُ العدوان الغاشم على اليمن، وعلى رأسها الولاياتُ المتحدة الأمريكية ونظام آل سعود، في إطار حقِّ الشعب اليمني في تقرير مصيره والتخلص من أيادي الاستعمار وَوكلاء الاحتلال الأجنبي الذي تتصدره على المستوى الظاهري مملكة آل سعود والإمارات المتحدة، وتقف من ورائهم الولاياتُ المتحدة الأمريكية.

 

المسيرة: عبد الوهاب الوشلي

قد يعجبك ايضا