صفقاتُ الأسلحة الأمريكية- السعودية تؤكّد التورّطَ الأمريكي في الدم الـيَـمَـني، ومراقبون يعتبرون أمريكا القاتلَ الأساسي
حسين الجنيد / صدى المسيرة
عندما تقومُ أمريكا بتزويدِ السعودية بأخطْرِ الأسلحةِ الفتاكة وهي تخوضُ عُـدْوَانها على الـيَـمَـن، متجاهلةً نصوصَ المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة، فهذا يثيرُ تساؤُلَ الكثيرينَ عن إصرار الولايات المتحدة لتوريط نفسِها بجرائم حرب من أجل أحد أدواتها التي لا ترتقي حتى لمستوى الحليفِ الاستراتيجيِّ كدولة الكيان الصهيوني، إلا إذا كانَ العُـدْوَان على الـيَـمَـن شأناً يعنيها بالدرجة الأولى وتحرِصُ على حسم المعركة فيها لصالحها.
فالمتابعُ للشأن الأمريكي فيما يختصُّ بصفقات السلاح المصدّرة لدول العالم، يعي تماماً امتناعَ الولايات المتحدة بيعَ الأسلحةِ النوعيةِ الموسومةِ بنوعيتها وقُدرتها التدميرية، لأيَّة دولةٍ من دول منطقة الشرق الأوسط باستثناءِ إسْرائيْل؛ كونها الحليفَ الاستراتيجيَّ الأهمَّ لها في المنطقة، حِرْصاً منها على محافظة إسْرائيْل على تقدمها التسليحي بالمقارنة مع الدول المحيطة بها من جهة، ومن جهةٍ أخرى كما تزعم الولايات المتحدة أمام المجتمع الدولي، أنها لا تبيعُ هذه الأسلحة لأية دولةٍ تنتهكُ حقوقَ الإنسان أو لأية دولةٍ يُعْرَفُ عنها المُيُول العدائية والرغبات التوسعية، اتساقاً مع كُلّ المواثيق الدولية والمعاهدات الدولية المختصة بتنظيم تجارة الأسلحة بين الدول، وذلك من باب تقديم نفسها أمام المجتمع الدولي وشعوب العالم أنها الدولة الأولى في العالم التي يعنيها الإنسان وحقوقه.
وإذا ما قُمنا بعملِ إسقاط على الوضع السعودي وفق ما تدّعيه أمريكا في منهجية سياساتها، نجدُ تبايناً فاضحاً بين ما تدّعيه من دفاعِها عن حقوق الإنسان ورعايتها للسلم الأممي واحترامها لكافة المواثيق والمعاهدات الدولية، وبينَ ما تقومُ به دعماً للسعودية في عُـدْوَانها على الـيَـمَـن، فكيفَ تتجاهَلُ الولاياتُ المتحدة جرائمَ الإبادة التي تقترفُها السعوديةُ في الـيَـمَـن بالأسلحة التقليدية، وتقوم بتزويدها بأسلحة تصل بمستواها الفتاك حد المحرمة دولياً.
أسلحة نوعية ومحرّمة في خدمة العُـدْوَان
نشرت منظمة أيدكس الأمريكية تقريراً في أواخر عام 2015 موضحةً فيه حجم الصفقات التي أجرتها الولايات المتحدة مع السعودية ونوعها، حيث وصل إجمالي الصفقات بما قيمته 117 مليار دولار، كاشفةً بعضَ الصفقات التي تمت بشكل سري ولم يتم الإعلانُ عنها؛ نظراً لما تحتويه هذه الصفقات من أسلحة غير تقليدية ترتقي لتصنيف الأسلحة المحرّمة دولياً كصفقة بيع صواريخ جو- أرض (JSOW C Block III) التي تزن حوالي 1000 رطل وتنفجر كنظائرها من القنابل النيترونية وفق السلسلة الانشطارية، علما بأن هذا النوع من الصواريخ والقنابل قد تم إدراجه ضمن قائمة الأسلحة المحرمة دولياً لانتمائها لعائلة قنابل الدمار الشامل.
وفي نفس الفترة أعلنت شركةُ “لوكهيد الأمريكية” عن توريد أكثر من 22 ألفَ قنبلةٍ ذكيةٍ متفاوتة المستويات التدميرية للسعودية بقيمة 11 مليار دولار، مراقبون أبدوا استغرابَهم من عقد هكذا صفقات؛ كونها تندرِجُ ضمن قائمة الأسلحة التي رفضت أمريكا بيعها في السنوات الأخيرة الماضية للعديد من الدول الصديقة لها باستثناء إسْرائيْل، فما الذي دفع بالولايات المتحدة بيعها للمملكة وخصوصاً في مثل هذا التوقيت إلا إذا كانت المعركة تعنيها بالدرجة الأولى وبشكلٍ خاص، حسب ما قاله “أنجوس روبرتسون” رئيس كتلة الحزب الوطني في مجلس العموم البريطاني.
وفي يوم العشرين من شهر أبريل عام 2015 ألقى طيرانُ العُـدْوَان قنبلةً على جبلِ عطان أحدثت دماراً شاملاً وخلفت المئات من الضحايا، تضاربت آراءُ الخبراء حينها حولَ نوعية هذه القنبلة حتى تأكّد فيما بعدُ أنها قنبلةٌ فراغيةٌ، وهذا إثباتٌ قطعيٌّ لا يقبلُ الشك، لبيع الولايات المتحدة مثل هذه القنابل المحرّمة دولياً للنظام السعودي؛ لاستخدامها في العُـدْوَان على الـيَـمَـن، ويشير “فيكتورينو ماتوماس”، رئيسُ التحرير المساعد لمجلة “ذي ويكلي ستاندارد” (the Weekly Standard) في مقاله الذي نشرته الصحيفةُ في الأسبوع التالي من جريمة عطَّان، إلى استخدام الولايات المتحدة القنبلة الفراغية (BLU – 118) فوق كهفٍ يقع على بُعد 90 ميلاً جنوبي كابول في تشرين الأول من العام 2001 خلال عمليةٍ سميت “أناكوندا” (ANACONDA)، حيث كانت المَرَّة الأولى التي تم استخدام نوعية هذه القنابل في معركةٍ حقيقيةٍ، ولم تتكرر؛ نظراً لما أحدثته من دمارٍ مخيف، اضطر قيادة الجيش الأمريكي للتكتُّم عن هذه العملية، وفاجأني استخدامُها للمرة الثانية في عملياتِ عاصفة الحزم بالـيَـمَـن، واصفاً تسليمَ مثلِ هذا النوعِ من القنابل للسعودية “بالكارثة التي تتحمَّلُ تبعاتِها الولايات المتحدة”.
المعاهدةُ الدولية لتجارة الأسلحة تدين أمريكا
ووفقاً لنصوصِ المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة المعلنة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة والموقع عليها من قبل 154 دولةٍ من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية، في الثاني من أبريل عام 2013، والتي تنصُّ وبشكلٍ واضح على تجريم أية دولةٍ تصدّر الأسلحة بكافة أنواعها للدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وتحظر بيع وتصدير الأسلحة لأية دولةٍ تخرق اتفاقياتِ جنيف الثلاث أثناء الحروب باستهداف المدنيين أو المنشآت المدنية والبنى التحتية، وتعتبرها شريكةً أساسيةً في أية جريمة حرب تقترفها الدول المستوردة لأسلحتها.
فإن أمريكا تعتبر مسئولةٌ بشكلٍ مباشرٍ، وشريكةٌ في كُلّ ما تقترفه قوى العُـدْوَان على الـيَـمَـن من جرائم، أولاً، باعتبار السعودية على رأس قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان وفق التقارير الصادرة عن منظمة “فريدوم هاوس” التي صنفتها الدولة الأولى في العالم المنتهكة لحقوق الإنسان، وثانياً، لبيعها أسلحةً محرمةً وفتاكةً للنظام السعودي رغم إدانة العديد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، لجرائم الإبادة التي تقترفها دول العُـدْوَان بحق المدنيين الـيَـمَـنيين، في حين اعتبر بعض المراقبين والمحللين السياسيين أن أمريكا ليست فقط شريكةً ومسئولةٌ عن ما تقترفه دول العُـدْوَان من جرائم، بل هي التي تقتل الشعب الـيَـمَـني مع سبقٍ للإصرار والتعمُّد، وتعتبرُ رأسَ حربة هذا العُـدْوَان والمخططة له وفقاً لمعطيات ومجريات العمليات العسكرية التي تتم بإشرافٍ مباشرٍ، ودعمٍ، وإسنادٍ، ومشاركةٍ أمريكيةٍ فعليةٍ فيها، وأن مسألة بيع وتصدير الأسلحة للسعودية تعدّ تفصيلاً صغيراً مقارنةً بالدور الذي تلعبه في العُـدْوَان على الـيَـمَـن.