موقع أنصار الله . تقرير | وديع العبسي
بعملياته الإسنادية النوعية التي لا تزال تلوي رقاب العالم للتأمل في اعجازيتها، دشن اليمن فعليا مرحلة جديدة من الردع ورسمِ قواعد الاشتباك، وفي عين الوقت من تراجع هيبة العدو. جاء الفعل الإسنادي مصداقا للقول، وكرّس أن اليمن صار بالفعل نِدّا يَفترِض مراعاته. ولا يزال العدو يلعق مرارة هزيمته، فيما استمراره في تلقي الضربات اليمنية النوعية يعطي بلاطجة العصر دروسا في الثبات على القيم والكرامة، وعلى نزعة الخير التي تأبى أن تخذل المستضعفين.
كشفت الحماقة الصهيونية بتنفيذ حرب الإبادة في غزة وتحدي الشعوب الحرة في المنطقة، أن العدو قد قذف بنفسه إلى مهالك الزوال حين تصور أنه بالشروع في تنفيذ مخططه التوسعي مع تحديث الهيمنة على المنطقة يمكن أن تنتهي به إلى الأهداف التي يريد، إذ جاءت رياح التغيير من اليمن لتكتب -على نحو واضح وأكيد- بداية التراجع لعصر اللعب الصهيوني بمصير الشعوب العربية والإسلامية، وهذا الأمر لا يستند إلى بيانات وكلمات حماسية تخفف من حالة الاحتقان الحاصلة في الشارع العربي، وإنما من فعل وتحرك عملي استند إلى وعد الله سبحانه، وتحرَك بصدق، لله وفي الله، وهذا ما يؤكده واقع الأرق الذي صار عليه أعداء الأمة وهم يراقبون الهجمات اليمنية دون أن يكون لهم حول أو قوة في ردها.
ومعها يراقبون كيف صار عمق الكيان وأمن الغاصبين مستباحاً، وأن فخر الصناعات الدفاعية الأمريكية والأوروبية لم تتمكن من رد المخاطر عنهم. وكانت صحيفة The Jewish Independent العبرية فضحت -في تقرير- حجم العجز الذي يعيشه كيان العدو أمام تصاعد عمليات الدعم اليمني للشعب الفلسطيني في غزة، مؤكدةً أن اليمن تحول إلى كابوس يومي يضرب عمق الكيان المحتل رغم بُعد المسافة بين الجبهتين بأكثر من ألفي كيلومتر.
"طوفان الأقصى" وتبلوُر محور المقاومة لا شك بأنه قد قلب كيان العدو رأسا على عقب، بحيث صار إلى مفترق طرق، بين الموت أو الخروج حيا، مع استحالة عودته إلى الوراء. وتُظهر يوميات المقاومة الفلسطينية مستوى الوهن الذي بلغه، بحيث وصل إلى القناعة بإمكانية أن يتم أسر عناصر جديدة من مسلحيه.
فيما تُبين عمليات الإسناد اليمنية النوعية أن العدو قد وضع نفسه في أسوأ مرحلة، كشف فيها ضعضعته، وسرابية تلك الهالة التي زرعتها الآلة الإعلامية الغربية بشأنه.
اقنعت عمليات الأسابيع الماضية ضد العدو سواء على جبهة المقاومة الفلسطينية أو جبهة اليمن، رُعاة الكيان، الذهبيين "أمريكا"، والفضيين باقي الأتباع من الغرب وأوروبا، بأنه قد دخل بالفعل مرحلة التأزُّم، ما بات يستدعي موقفا حاسما ينهي عنه هذا الانزلاق إلى الهاوية، بعد أن تبين أنه ليس أهلا لأي معركة، وأن كل الدعم الذي قُدم له، قد ذهب أدراج الرياح، وهو ما يتطلب الآن -كتحرك عاجل وسريع- إيقاف مغامرة نتنياهو وجوقته في غزة، فانهيار الكيان يعني العودة بمؤامرة السيطرة والهيمنة على أمّة المنطقة إلى نقطة الصفر.
وإذا كانت عمليتا إغراق سفينتيّ (ماجيك سيز) و(اتيرنتي سي)، اللتان أعتبرتا تحوّلًا استراتيجيًا في مسار المواجهة يمكن أن يقود إلى انهيار مفهوم الردع لدى الغزاة أمريكا و"إسرائيل"، فإن هذا الحدث قد دفع إلى تكثيف جهود القراءة والتحليل للقوة اليمنية الناشئة وبصورة مغايرة، فما يتم وضعه من تصورات لإيقاف هذه القوة عند مستوى معين، بمعطيات جديدة تَجُبّ كل ما وصلوا إليه واتفقوا عليه.. وهو ما يكشف حسب تقرير لصحيفة الـ"ديلي ميل" البريطانية عن مراكمة القوات المسلحة اليمنية للخبرات القتالية على نطاق استراتيجي، عبر استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية.
وحتى الآن لا تزال عملية إغراق السفينتين حديث المنصات الإعلامية والخبراء العسكريين وقدامى المحاربين، ليس فقط لما أحدثته من صدمة بشأن الإصرار اليمني العجيب وثباته على موقفه وقدرته في ترجمة القول إلى فعل، ولكن بما كشفت عنه من حيوية لدى القوات اليمنية، إذ أظهرت في مشهد الإغراق تطوراً استثنائيا منذ بدء معركة البحر الأحمر، يضاف إليه المسار التصاعدي من التطور الذي تشهده عمليات الإسناد في البحر وداخل الكيان، وهو ما جعل صحيفة الديلي ميل البريطانية تصف هذا المشهد بأنه “يمثل أقوى تحول في معادلة الاشتباك البحري، منذ بدء المعركة الإقليمية بعد العدوان الإسرائيلي على غزة”.
من جُملة ما اتفق عليه المراقبون، هو أن عمليات القوات المسلحة الأخيرة، سواء في البحر أو داخل الكيان، والتي ثبّتت بها الحصار عليه، وبهذه الاستمرارية، قد وضعت واشنطن في موقف مُحرج، يزيد من تآكل قوة الردع "الخرافية" التي تفرض بموجبها قُطبيتها الواحدة في التحكم بمسار الأحداث في العالم، وهو الموقف الذي تبلوَر وقْعه مع ما كانت واشنطن تشدقت به بالقول إنها أسقطت أكثر من 2000 ذخيرة على أكثر من 1000 هدف في اليمن خلال الأشهر الماضية، ليتبين أنه رغم هذه الترويجات إلا أنها لم تفلح في منع القوات اليمنية من تنفيذ هجماتها البحرية وبوتيرة متعاظمة، نوعية، ومحكمة، عجزت عن ردها مع التحالفات البحرية المدافعة عن الكيان الصهيوني.
تقول الكاتبة الأمريكية باربرا سلافين، إن "الحملة الجوية الأمريكية، التي زُعم أنها أضعفت قدرات صنعاء العسكرية، لم تمنعها من إطلاق صواريخ باليستية على مدينة يافا في فلسطين المحتلة، بعد العدوان الإسرائيلي على إيران منتصف يونيو/حزيران، ما كشف عن تنسيق إقليمي بين محور المقاومة، لا يمكن عزله عن مشهد التصعيد في البحر الأحمر". وأكدت الكاتبة في المقال الذي نشره موقع "ستيمسن" أن الغارات الأمريكية على اليمن، لم تحقق أهدافها المعلنة، بل أسهمت –بشكل مباشر– في تعزيز صورة قوات صنعاء وموقعها العسكري والسياسي داخل اليمن وخارجه".
الموقف المحرج الذي صارت عليه أمريكا في ظل تصاعد مشاهد التنكيل بالعدو من قبل القوات اليمنية يزداد حدة مع هذا المآل الذي صار إليه الكيان، في حجم الخسائر التي بات يتجرعها اقتصاده، وثِقَة شركات التأمين في جدوائية العمل معه، دون أن يكون بمقدور أمريكا فعل شيء.
إذ تسببت عمليتا (ماجيك سيز) و(اتيرنتي سي) بارتفاع تكلفة التأمين على شحن البضائع عبر البحر الأحمر إلى أكثر من الضعف، ما أجبر شركات التأمين العالمية على الانسحاب من تغطية السفن المرتبطة بـ"إسرائيل".
يؤكد مسؤولون في شركات التأمين البحري حسب وكالة "رويترز" أن "السفن المرتبطة بـ'إسرائيل' ستواجه مقاطعة من شركات التأمين، بعد إغراق الجيش اليمني لسفينتي 'ماجيك سيز" و'إتيرنيتي سي' في البحر الأحمر". ويقول مونرو أندرسون، المسؤول في شركة “فيسيل بروتكت” للتأمين البحري، إن استهداف السفن المتصلة بـ”إسرائيل” عاد إلى “مستويات عالية ودقيقة”، معتبراً أن هذه الهجمات باتت تشكل تهديداً مباشراً لأي شحنة ترتبط ولو بشكل غير مباشر بالاحتلال. فيما تذكر وكالة "أسوشيتد برس" بأن تأثير "العمليات البحرية اليمنية يمتد إلى الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد البحرية، ما يفرض على واشنطن وحلفائها إعادة النظر في أدوات المواجهة".
ومنذ أواخر 2023، استهدفت القوات اليمنية، أكثر من 200 سفينة، كان مصير أربع منها السكون في قاع البحر: "روبيمار" في 18 فبراير 2024، و"توتور" في 12 يونيو 2024، ثم "ماجيك سيز" في 8 يوليو 2025، وأخيرا وليس آخرا "إتيرنيتي سي" في 9 يوليو 2025، وهو ما يشير حسب مراقبين إلى أن البحر الأحمر لم يعد ممرًا آمنًا لمن يدعمون حرب الإبادة في غزة.
ما يرسخ قناعة بأن القوات المسلحة اليمنية باتت رقماً حاضرا بقوة في معادلة الحرب، وفاعلاً تجاوز الرضوخ والإذعان للمستعمر، وتسليم قراره السيادي له، وقادراً على التأثير في حسابات دولية كبرى.