نص المحاضرة الرمضانية الأولى للسيد القائد 1440هـ-2019م

موقع أنصار الله  – صنعاء– 24 شعبان1441هـ

 

أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحَمْدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ المَلِكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عَبْدُه ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وباركت على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

أيها الأخوة والأخوات:

السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال، اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

يقول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: أَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة:183-187] صدق الله العظيم.

نفتتح محاضراتنا الرمضانية في هذا الشهر المبارك بالحديث على ضوء هذه الآيات المباركة، والتي يبين الله -سبحانه وتعالى- فيها ما يتعلق بفريضة الصيام (صيام شهر رمضان)، بدءًا بالآية المباركة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، سنقدم- إن شاء الله- عرضاً موجزاً مما نستفيده على ضوء هذه الآيات المباركة، ثم يكون لنا- إن شاء الله- وقفات للتأمل والتدبر على نحوٍ أوسع، نبدأ بالعرض الموجز لبعضٍ مما تفيده هذه الآيات المباركة، والتي تقدم لنا تعريفاً مهماً عن هذه الفريضة العظيمة وما يتعلق بها.

يخاطبنا الله “سبحانه وتعالى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} كمجتمعٍ مسلم بالعنوان الرئيسي الذي ننتمي إليه وهو الإيمان، بما يقتضيه هذا الانتماء من التزامٍ عمليٍ وطاعةٍ لله “سبحانه وتعالى”، فهذا الانتماء بحد ذاته يعتبر ميثاقاً ما بيننا وبين الله “سبحانه وتعالى” على السمع والطاعة، كما يجعلنا محط الرعاية الإلهية التي جزءٌ منها واسع يأتي عبر هذه الهداية، وعبر هذه التوجيهات ذات الأهمية الكبيرة في حياتنا في الدنيا ومستقبلنا العظيم في الآخرة.

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، الصيام في شهر رمضان هو فريضةٌ إلزامية، هذا يدل على أهميته؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” فيما يرشدنا إليه، ويدعونا إليه، ويهدينا إليه؛ هو يدعونا ويحثنا ويأمرنا بما هو خيرٌ لنا، وبما نحن بحاجةٍ إليه، وبما يمثل ضرورةً لنا لصلاح حياتنا، ولمستقبلنا في الآخرة، فعندما يجعل بعض الأشياء التي أمرنا بها أو دعانا إليها إلزامية؛ فهذا يدل على أهميتها؛ لأن الإنسان قد لا يكتفي بأن الله قد دعاه وأرشده إلى شيءٍ ما، وحثَّه عليه باعتباره أن فيه الخير له، والمصلحة له، قد لا يكتفي الإنسان بهذا، ولكن عندما يكون هناك إلزام فهذا يدل على أهمية المسألة وعلى خطورة التقصير فيها وأن الحاجة إليها حاجة ماسة بالنسبة للإنسان.

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وهذه الفريضة العظيمة وصلت في أهميتها والإلزام بها إلى أنها ركن من أركان الإسلام، {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} فهي فريضة ممكنة ومجربة في الواقع البشري، لا نتصور أنها صعبة وشاقة جداً، لدرجة أنه يصعب القيام بها، بل كانت مكتوبةً على الذين من قبلنا، وصاموا من قبلنا في شريعة الله “سبحانه وتعالى” للأمم السابقة، كما يدل على أهمية هذه الفريضة باعتبارها ضمن البرنامج الأصيل الذي تحتاج إليه البشرية في كل زمانٍ ومكان.

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فريضة لها هذه الأهمية وهذه الثمرة التي هي مهمة جداً للإنسان، مصدر الخطر على الإنسان هو الأعمال السيئة التي لها نتائج سيئة على هذا الإنسان، سواءً: منه على نفسه، أو منه على نفسه وعلى الآخرين، وأيضاً الإهمال لأعمال مهمة تقي الإنسان الكثير من الشرور والمخاطر، فمصير هذا الإنسان وواقع هذا الإنسان يتأثر بأعماله هو، أعماله بشكلٍ مباشر على نفسه، أو أعماله بشكلٍ مباشرٍ على نفسه وعلى الآخرين، وهذا هو الواقع الذي تعاني منه البشرية، فهذه الفريضة لها أهمية كبيرة كعامل مساعد في تحقيق التقوى، لماذا؟ لأنها تضبط لهذا الإنسان مسيرته في الحياة من خلال انضباطه في واقعه العملي، فهي تساعد الإنسان على السيطرة على الغرائز، وتساعد هذا الإنسان على التحمل والصبر؛ فيساعده هذا على تحمل المسؤوليات والنهوض بها، والنهوض بالأعمال والقيام بالأعمال المهمة التي إن فرط فيها أو قصر فيها كسب على نفسه الكثير أو على الآخرين وعلى انفسه الكثير من المخاطر، كما أنها تكسبه العزم والإرادة التي يحتاج إليها للنهوض بمسؤولياته والقيام بما عليه القيام به وفعل ما عليه أن يفعله، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وهذه الفريضة قدَّمها الله “سبحانه وتعالى” ولها الكثير من المكاسب والفوائد لصالح هذا الإنسان وأرفق معها الكثير من التسهيلات التي تيسِّرها لهذا الإنسان.

{أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} فليست فترة زمنية طويلة، لم تكن أشهراً متواصلة، مثلاً: ربع العام، أو ثلث العام، أو نصف العام، أو كذا كذا شهوراً متصلة؛ إنما كانت أياماً معدودات، أقصاها هو ثلاثون يوماً.

{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، وهذه المزيد من التسهيلات المتعلقة بهذه الفريضة، التي تراعي ظروف الإنسان المختلفة، بما فيها حالة المرض، وبما فيها حالة السفر، فيمكن للإنسان أن يفطر في هاتين الحالتين وأن يقضي مقابل هذه الأيام من أيامٍ أخر في بقية العام في الشهور الأخرى.

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} الذين يمكن لهم الصيام لكن بمشقة بالغة جداً، وبعنت ومشقة شديدة، مثل: الشيخ الهرم، الشيخ الطاعن في السن الذي يشق عليه بشكلٍ كبير أن يصوم، يمكنه أن يقدِّم البديل عن ذلك (الفدية): وهي طعام مسكين، ما يكفي المسكين الذي هو في غاية الفقر والحاجة، ما يكفيه من الطعام ليومٍ كامل، الوجبات الرئيسية على مدى يومٍ كامل، {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} قدَّم من الطعام ما هو أكثر، {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} فضل وأجر وزيادة خير، {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} والصيام فيه خير ومكاسب كبيرة لهذا الإنسان، فوائد تربوية وفوائد صحية أيضاً، من المعلوم- الآن- أن هناك فوائد صحية مهمة جداً للإنسان، سواءً: على مستوى الجهاز الهضمي، أو على مستوى الدورة الدموية، أو على مستوى فوائد صحية أخرى، حتى لإعادة بناء وتنشيط خلايا الجسم، كم يتحدث أصحاب الاختصاص في الطب عن هذه الفوائد، وحتى في بعض المجتمعات غير المسلمة لهم مواسم معينة يفرضون فيها حمية من الطعام على أنفسهم؛ حتى يصلوا إلى هذه الفوائد الصحية المهمة، وهناك كتب كتبت بهذا الشأن، فالفوائد التربوية، والفوائد الصحية، والفوائد النفسية للصيام تؤكد أنه ليس فقط مجرد واجبٍ وفريضةٍ دينية، إنما هذه الفريضة لها فوائدها العظيمة والمهمة التي تجعل منها خيراً لهذا الإنسان، وذات أثر إيجابي متعدد ومتنوع لصالح هذا الإنسان.

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، وجعلت هذه الفريضة المباركة في شهرٍ عظيمٍ ومبارك، هو شهر رمضان الذي هو بكله شهر مبارك، وأيضاً فيه ليلةٌ عظيمةٌ مباركةٌ هي ليلة القدر، وخصصت هذه الفريضة في هذا الشهر لا يمكن نقلها إلى شهر آخر إلا في حالة القضاء، حالة القضاء هي مسألة ثانية، أما حالة الأداء فأداؤها في هذا الشهر المبارك شهر رمضان، وشهر رمضان هو بنفسه مبارك، وهذه الفريضة عظيمة ومهمة، وفي هذا الشهر المبارك نزل القرآن الكريم في ليلة القدر، والقرآن الذي هو كتاب هداية {هُدًى لِّلنَّاسِ}، هداية شاملة لخير الدنيا والآخرة، {وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، وفي هذا الكتاب المبارك بينات تبين لنا الحق، وتبين لنا ما نحتاج إليه، هداية واضحة، هداية بينة، وكذلك الفرقان الذي نفرق من خلاله بين الحق والباطل، بين ما هو خطأ وما هو صواب، بين ما هو حكمة وما هي حماقة، بين ما هو خير وما هو شر، وهذا الفرقان يحتاج إليه الإنسان للتقوى، وإلا وقع في المحاذير والمخاطر والكوارث والعقوبات والسخط الإلهي.

واجتمع في هذا الشهر المبارك بركة هذا الشهر وأهميته، وأهمية نزول القرآن فيه، وعظمة هذه المناسبة: نزول القرآن الكريم الذي هو هبة الله، وعطيته العظيمة لعباده، وأعظم النعم الإلهية على الإطلاق، وهذه الفريضة، فهناك تناسب ما بين هذا الشهر وما بين هذا الكتاب أن ينزل فيه وما بين الصيام وما بين القرآن، كلاهما: القرآن الكريم والصيام نحتاج إليه لتحقيق التقوى.

{فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}  من لم يكن مسافراً خلال هذا الشهر فعليه أن يصومه، {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وحالة المرض يلحق بها أيضاً الحالات التي لها علاقة بالمرض، لها تأثير على المستوى الصحي، دخل في ذلك بحسب الشريعة الإسلامية حالة الضرر التي قد تتضرر بها المرضعة على نفسها وعلى جنينها أو على رضيعها، وحالة الحمل في حال تضررت المرأة الحامل على نفسها أو على جنينها، في حال كان هناك ضرر مؤكد، ففي هذه الحالات أيضاً تلحق بحالة المريض؛ لأنها ظروف صحية تؤثر على الصحة نفسها، على صحة المرأة الحامل والمرأة المرضع، وعلى الجنين أيضاً أو على الرضيع.

حالة السفر كذلك حالة معروفة {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، يعني: فيجزي عن تلك الأيام التي أفطر فيها المسافر أو المريض القضاء عنها بأيامٍ أخر في غير شهر رمضان المبارك، فنجد أن هذه الفريضة المهمة بما لها من فوائد ومكاسب، وبما قدم معها من تسهيلات نرى فيها رعاية الله ورحمة الله ولطفه، {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، فليس يريد التضييق علينا، بل أراد بنا اليسر، وهذه التشريعات تشهد بذلك: كيف راعى هذه الظروف وهذه الصعوبات، {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ} مطلوب منا إكمال العدة على مستوى إتمام الشهر في صيامه، وعلى مستوى أيضاً القضاء لما أفطر فيه الإنسان بسبب السفر أو المرض، {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} التعظيم لله -سبحانه وتعالى- بإدراك عظيم ما هدانا إليه أنه يمثل نعمةً عظيمةً علينا، وأنه هدانا إلى ما فيه خير كبير لنا، حتى بعض المسؤوليات أو التشريعات الإلهية التي نراها كبيرة، ونظن بكبرها أنها شاقة، وأن مشقتها زائدة.|لا| هي نعم عظيمة، وأهميتها كبيرة في واقع الحياة، مثل الجهاد في سبيل الله، مثل بقية التكاليف والتشريعات الإلهية كلها ما رأيناه كبيراً هو كبير الأثر، وهو كبير الفائدة، وهو أمرٌ عظيم، نعظِّم الله ونشكر الله عليه، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وهذا يعطينا نظرة صحيحة إلى كل ما هدانا الله إليه، وأمرنا به، ووجهنا إليه: أنه بكله هو خيرٌ لنا، هو خيرٌ عظيمٌ لنا، ومصلحةٌ لنا؛ لأن البعض ينظر إلى بعض التشريعات الإلهية والتوجيهات الإلهية إلى أن فيها المشقة، وفيها الصعوبة أو فيها الخطورة؛ فيتهرب من الالتزام بها والتنفيذ لها، بينما هي كلها نعمة، علينا أن نشكر الله عليها، وفيها خيرٌ كبيرٌ لنا، ووراءها خيرٌ كبيرٌ لنا، وفي الإخلال بها خطرٌ علينا وشرٌ علينا.

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} أتى في هذه الآية المباركة الحديث عن الدعاء بكلام عظيم ورقيق ومؤثر، ونجد فيه رحمة الله -سبحانه وتعالى- حيث يؤكد قربه منا، ويتيح لنا فرصة الدعاء، وفي شهر رمضان بالتزام الإنسان، بارتقائه في سلَّم التقوى، بالجو الإيماني، يجد الإنسان صفاءً في نفسه وذهنه، ويستشعر القرب من الله -سبحانه وتعالى- وهذه فرصة مهمة للدعاء، فمن المهم أيضاً اغتنام الفرصة في هذا الشهر المبارك بالدعاء، والتركيز على الدعاء، والدعاء فيما هو خيرٌ لهذا الإنسان، وما هو مهم لهذا الإنسان بدءاً بالأمور المهمة: الدعاء بالتوفيق، الدعاء أن يفوز الإنسان برضوان الله -سبحانه وتعالى- الدعاء بما يحتاج إليه الإنسان في حياته في الدنيا، ولمستقبله المهم في الآخرة، والله كريمٌ ورحيمٌ وقريبٌ من عباده، وليس هناك عوائق وصعوبات في وصول دعائك إلى الله، وفي أن يسمعك الله -سبحانه وتعالى- لا تحتاج إلى وسائط، ولا تحتاج إلى جهود وتعقيدات كبيرة، (الداعي) الداعي الواحد بمفرده، لا يحتاج الناس أن يجتمعوا كلهم حتى يسمع الله نداءهم، {إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، إذا أردنا الله أن يستجيب لنا في دعائنا؛ فلنستجب له فيما يدعونا إليه، وما يدعونا إليه، وما يأمرنا به فيه خيرٌ لنا، وعلينا من خلال الاستجابة والإيمان والتحرك العملي أن نتوجه إلى الله -سبحانه وتعالى- على أساسٍ من ذلك، ثم ندعوه ونحن نعيش هذا الواقع، ندعو الله من واقع عملي، وندعو الله على أساس إيماننا به -سبحانه وتعالى- ومن واقع إيماننا به، هنا يستجاب الدعاء، وهنا يكون للدعاء أثره، مثلاً: لو أتى البعض يدعو بالنصر من دون عمل، من دون جهاد، من دون سعي، هنا لا  ثمرة لهذا الدعاء، لو أتى الإنسان يدعو في كثيرٍ من الأمور بدون سعي عملي، بدون استجابة لله “سبحانه وتعالى” بخصوص ما وجهنا إليه في هذا الموضوع أو في هذه القضية أو في هذه المسألة أو في هذا الأمر، فمن دون الاستجابة العملية لن نصل إلى نتيجة فيما يتعلق بالدعاء، {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، الاستجابة لله “سبحانه وتعالى” والإيمان الحقيقي به الذي نستحضره فيساعدنا على الاستجابة، نستحضره في كل شؤون الحياة، إيماننا بالله، إيماننا بأسمائه الحسنى، إيماننا مثلاً بأنه القوي العزيز، فنجاهد في سبيله، ونثق بوعده بالنصر، إيماننا بأنه أرحم الراحمين فنستغيث به، ونلتجئ إليه، ونطبق توجيهاته، ونلتزم بتعليماته، كل هذا له أهمية كبيرة في أن يستجيب الله لنا، وفي أن نصل إلى الخير، الخير في كل شؤون الحياة، والنجاح في كل شؤون الحياة، وفي مستقبلنا في الآخرة، {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}، أحلَّ الله -سبحانه وتعالى- في الليل في شهر رمضان ما هو ممنوعٌ علينا أثناء الصيام في النهار، ففي الليل أحلَّ الله -سبحانه وتعالى- للإنسان أن يباشر زوجته، وأحلَّ له أيضاً أن يأكل وأن يشرب، وهذه الأشياء هي التي هي ممنوعٌ على الإنسان أثناء الصيام من طلوع الفجر إلى الليل، ممنوعٌ على الإنسان في صيامه أن يأكل، وأن يشرب، وأن يباشر زوجته، الصيام هو أصلاً الإمساك عن هذه المفطرات الثلاث: عن المأكولات، والمشروبات، وعن مباشرة الزوجة، ولكن في الليل أحلَّ الله -سبحانه وتعالى- ذلك في كل الليل، من أول الليل إلى آخر الليل، وهذه تسهيلات كبيرة، وفيها تسهيلات أكثر لهذه الأمة، في الأمم الماضية، وفي شرائع الله السابقة كانوا ممنوعين يمنع الإنسان أثناء شهر الصيام عن مباشرة الزوجة في الليل حتى، ولكن هذه من التسهيلات التي أضافها الله -سبحانه وتعالى- وهي سنةٌ لله -سبحانه وتعالى- تجاه كل التشريعات والتكاليف والتوجيهات التي يأمرنا بها، كلما أمرنا الله -سبحانه وتعالى- به قدم لنا فيه التسهيلات الكثيرة على مستوى التشريع، وعلى مستوى الرعاية الإلهية والتدخل الإلهي، نجد حتى في المسائل المهمة ومن ضمنها النهوض بالمسؤولية، لا نتوقع عندما أمرنا الله بالجهاد في سبيله- حتى نكون أحراراً ونواجه الطاغوت والظالمين والمستكبرين- أنه لا يقدم التسهيلات الكثيرة، والرعاية الواسعة التي تيسر لنا النهوض بمسؤولياتنا وواجباتنا في هذه الحياة.

{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}، حتى طلوع الفجر الذي يتضح في آخر الليل الفارق بينه عندما يعترض نور الفجر يعترض بشكلٍ واسع فيتجلى ويتبين عن الليل، {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} يستمر الصيام من طلوع الفجر وعلى الإنسان أن يتحرى في وقت الفجر لا يتساهل ويجلس يأكل ويشرب بدون أي تحرٍ، حتى قد يصل الحال بالبعض أن يكون قد طلع الفجر وهو لا يزال داخل الغرفة يأكل ويشرب، {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} وليس إلى آخر النهار كما يفعله البعض {إِلَى الَّليْلِ}.

{وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، أحل الله في ليالي الصيام للإنسان أن يباشر زوجته ما لم يكن معتكفاً في المسجد، إذا كان معتكفاً في المسجد فليس له أن يذهب من المسجد ليلاً إلى منزله ليباشر زوجته ومن ثم يعود إلى مواصلة اعتكافه، إذا كان اعتكافه لليل والنهار. فلا، لا يجوز له ذلك، والاعتكاف هو البقاء في المسجد مع الصيام، ويدخل الليل تبعاً للنهار إذا أراد الإنسان أن يعتكف النهار مع الليل، ولا يمكن اعتكاف الليل بدلاً عن النهار؛ إنما يكون النهار مع الصيام أصلاً في الاعتكاف وهو البقاء بغرض التفرغ للطاعة في المسجد، ولا يخرج الإنسان إلا للضرورة، وهذا لمن أراد، الاعتكاف ليس من ضروريات الصيام؛ إنما لمن أراد أن يعتكف في المسجد بهدف التفرغ أكثر للطاعة لله -سبحانه وتعالى- ولذكر الله -سبحانه وتعالى-.

{تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}؛ لأن المطلوب أن نلتزم أثناء الصيام، أن نتقي الله أثناء فترة الصيام في شهر رمضان، والإنسان إذا لم يتق الله في شهر رمضان، فكيف سيستفيد من هذا الشهر المبارك أن يكتسب التقوى لما بعده، ولغيره من المسؤوليات والأعمال والالتزامات التي عليه في دين الله -سبحانه وتعالى- {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} الاقتراب أحياناً من خلال التساهل فيما قد يسبب للإنسان أن يفطر إما في الطعام، أو في الشراب، أو في مباشرة الزوجة، لا يقترب، يحاول أن يبتعد عن كلما يصل به إلى الإفطار.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}؛ لأن التبيين نفسه يساعدنا على الالتزام بشكلٍ صحيح؛ فتتحقق لنا التقوى لله -سبحانه وتعالى-.

نكتفي اليوم بهذا المقدار الذي عرضنا فيه عرضاً موجزاً عن هذه الفريضة المباركة، ولنا وقفات للتأمل والتدبر مفيدة- إن شاء الله- سنتحدث عنها في المحاضرة القادمة بإذن الله.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهدائنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يَمُنَّ علينا بالنصر، وأن يفرِّج عن الأسرى، إنه سميع الدعاء.

 

وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛

 

قد يعجبك ايضا