الصماد وتأسيس الدولة اليمنية الحديثة (الحلقة الثانية)
موقع أنصار الله || مقالات || حمدي الرازحي
على امتداد العقود الزمنية التي تلت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العام 1962م وأباطرة العرش السعودي يسعون لابتلاع اليمن بكل مكوناته البشرية والطبيعية، والحيلولة دون تحقق قيام دولة يمنية مستقلة وقوية، قادرة على استثمار مواردها الطبيعية والاستفادة من موقعها الاستراتيجي المتحكم في مسار التجارة العالمية البحرية.
وخلال الفترات السابقة تحقق للسعودية ما أرادت من خلال شراء الولاءات الاجتماعية والسياسية وتأسيس المذاهب التكفيرية لزرع الشتات والقطيعة بين أبناء الشعب اليمني الواحد، وبقيام ثورة الحادي العشرين من سبتمبر ونجاح ثورة الشعب أدركت السعودية أن المارد اليمني بدأ يكسر قيود التبعية قيداً بعد آخر، وأن بداية النهاية لهيمنتها على القرار السيادي اليمني قد أشرق فجرها، فعمدت إلى إشعال حرب كونية على اليمن لتدمير أحلامه ووأد ثورته التحررية في مهدها دون أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة اليمن أرضاً وإنساناً كجغرافية ترفض العيش في ظلال الغزاة والطامعين.
سنوات من الحرب والصمود عاشتها اليمن في ظل قيادتها الثورية والسياسية ورجالها يسطرون ملاحم البطولة في البحر والبر، وينقشون تاريخ اليمن الجديد بدمائهم على صفحات الصخر دونما تراجع أو انكسار.
تسلم الشهيد الصماد دفة الحكم والقيادة خلال تلك المرحلة الحرجة من تاريخ اليمن ليبدأ رحلته مع برنامج تصحيح المسار، مسار العمل السياسي والعسكري من جهة، ومسار العمل التنموي النهضوي من جهة أخرى، لتكون مقولته الخالدة: (يد تبني ويد تحمي) شعار التأسيس الحقيقي ليمن الصمود والانتصار.
بدأت المؤسسة العسكرية في ظل الشهيد الصماد تسترد عافيتها بعد مؤامرة الهيكلة والتفكيك التي أنهكتها في ظل الأنظمة العميلة، وبعد جريمة تدمير المنظومة الصاروخية اليمنية وقوات الدفاع الجوي ظهر الصماد بجيل جديد من الأسلحة الحديثة الممهورة بختم التحدي والصمود (صنع في اليمن) وبمديات متعددة وطويلة، وبأجيال متعددة، والأعظم من ذلك أن الثقافة القرآنية التي سار الشهيد الصماد على دربها قد انعكست بآثارها الطيبة على العقيدة العسكرية التي حرص الشهيد الصماد على أن تكون ذخيرة المؤسسة العسكرية وزاد أفرادها من خلال محاضراته الإيمانية القرآنية وتوجيهاته الرائدة ليظهر كأرقى رئيس عربي قد شهدته المنطقة على امتداد تاريخها الحديث.
وفي كل ميدان على خلاف المعهود كان الشهيد الصماد يتجاوز خطوط النار الأولى خلال زياراته الميدانية لمختلف الجبهات البرية والبحرية وبشكل أذهل العالم، وأثار إعجاب الأعداء والأصدقاء في نفس الوقت، إنه رئيس انتزع احترام الجميع له ولشعبه انتزاعاً رغم كيد قوى الاستكبار وصلفهم.
دمر الأعداء أسلحة اليمن فأسس الشهيد الصماد ترسانة مرغت كبرياء تحالف البغي والعدوان السعودي الأمريكي بالتراب، وهيكلوا الجيش اليمني وقتلوا أبرز عناصره وقياداته فتحول الشعب اليمني بأكمله إلى جيش جرار لا يعرف مفردات الهزيمة والفشل ضمن مفردات قاموس صموده الأزلي، فلعبوا المعركة وفق استراتيجياتهم وحولوا استراتيجيات الأعداء إلى هزائم وانكسارات يخجل التاريخ من توثيقها.
عاش الصماد قائداً فريداً، ومجاهداً شجاعاً لا يهاب الموت فأحبه أهل اليمن، وتشرف التاريخ بتوثيق سيرته وتمجيد بطولاته وتخليد حضوره التاريخي في زمن التيه والتبعية والانبطاح.