مملكة آل سعود و”داعش”.. هل يحارب القلبُ العقلَ؟!

موقع أنصار الله || فاديا جبريل || صحيفة تشرين


 

عبر تاريخها المتخم بصور العدوان والإجرام، قادتْ اميركا حروباً بالوكالة ضد أعدائها، لعبت فيها مملكة آل سعود، ولاسيما في الشرق الأوسط، دوراً وظيفياً كـ”خزان” غذّى تلك الحروب بجيوش من المرتزقة والمتطرفين إلى درجة ارتبط وجود نظام آل سعود بتقديم “القاعدة” لخدمة خطط الإدارة الأمريكية، بدءاً من أفغانستان وصولاً إلى الشيشان وإفريقيا.
وبها كانت ذريعة دخولها المنطقة بعد تبني أسامة بن لادن للعمليات الإرهابية في 11 أيلول بنيويورك، لتبدأ مرحلة المواجهة الأخطر في صراع دولي لجأ الحلف المعادي فيه إلى فتح جبهات متعددة في وقت واحد، وفي جميع هذه الجبهات تبدو الأحلاف واحدة وبشكل علني: “القاعدة” والخليج (الفارسي) والولايات المتحدة و”إسرائيل” ومن يتبعها من البلدان الأوروبية، مقابل إيران وروسيا وسوريا وخلفهم دول “بريكس”.

لقد استخدمت الولايات المتحدة كل وسائل “الحروب القذرة” وأبرزها “الإرهاب”، فكان آل سعود الذراع الأشد بطشاً في تفتيت الشرق الأوسط طائفياً ومذهبياً، وفي الوقت نفسه دعم مشروع تطويق روسيا، الأمر الذي بدأ فعلياً عندما تحرّك المتزعم في تنظيم “القاعدة” شامل باسييف وبعد استقلال الشيشان عن روسيا باتجاه داغستان للسيطرة عليها وإعلانها جمهورية إسلامية، ما دفع بموسكو للقيام بالحرب الشيشانية الثانية لقطع الطريق على الولايات المتحدة وحلفائها، ومنع سقوط أولى الجمهوريات الإسلامية بيد “القاعدة” في لعبة “الدومينو” الأمريكية.

لقد فشلت تلك الحلقة من المشروع لكنه لم يُهزم، فكانت ساحات جورجيا وأوكرانيا تشتعل، مع بدء مخطط الإجهاز على منطقة الشرق الأوسط والإطباق عليه بذراعين، ذراع “القاعدة” أي مملكة آل سعود، وذراع “إسرائيل” التي قامت بعدوان تموز على لبنان ليشكل نقطة البدء في ولادة “الشرق الأوسط الجديد” كما سمّته كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا آنذاك، الهدف الإستراتيجي منه “إسقاط” سوريا تمهيداً للانقضاض على حلف المقاومة.

مشهد إقليمي ودولي يوحي بثقة واشنطن في “الإطباق” على دمشق بقوة عوامل عدة، أبرزها أن الوجود الروسي في الساحة الدولية غير مؤثر آنذاك بالقدر الذي يمكّنه من مواجهة الولايات المتحدة، وإيران الغارقة بالدفاع عن حقها في الملف النووي ولا تتمتع بالقدر الكافي من مرونة التحرك الدولي، ما جعل العبء الأكبر يقع على كاهل السيد الرئيس بشار الأسد في توفير أسس الصمود والثبات لكونه يمثل الحلقة الرئيسية التي إن “كُسرتْ” انهار حلف المقاومة.

من هنا برز دور الرئيس الأسد في التصدي منفرداً لأخطر حلقة من حلقات الصراع على المنطقة وفي مرحلة بالغة الحساسية والدقة، إذ كان الصوت الوحيد الذي رفض غزو العراق، وأكد حق روسيا في حربها ضد جورجيا، الأمر الذي أفضى إلى ضغوط دولية متلاحقة، فضلاً عن محاولات استقطابه بمغريات عدة، ولاسيما عقب القرار الإستراتيجي بالانسحاب من لبنان، حيث كشف السيد حسن نصر الله عن عرض أمريكي، ببقاء الجيش العربي السوري في لبنان، مقابل “نزع” سلاح حزب الله. ولا ننسى أيضاً العروض التي انهالت على الرئيس الأسد، وسبقت الحرب على سوريا، للانضمام للتحالف الأمريكي من خلال قطر وتركيا والسعودية التي ظلّت تتهم القيادة السورية باغتيال الحريري، حتى رأينا موفد آل سعود “سعد الحريري” في دمشق يتقرّب من الرئيس الأسد كبادرة للقول “بيدنا حل جميع مشكلاتكم”.

في تلك المرحلة من الصراع على تشكيل عالم جديد، تكثف جلّ الجهد الدولي على شخص الرئيس الأسد الذي صُنّف “مدمراً لأحلامهم”، ولتبرز للعلن حالة من الهياج صداها حرب إعلامية غير مسبوقة يقودها زعماء الدول الكبرى في العالم وأذنابهم في المنطقة، تتناول الرئيس الأسد شخصياً بشكل لا يوحي إلا بعقدة نفسية سيطرت على ذاكرتهم وأدائهم السياسي اسمها “عقدة الأسد” للقناعة الراسخة في كونه بحق صمام صمود الحلف المقاوم.

قائد واجه إمبراطوريات مالية وعسكرية وتنظيمات آل سعود الوهابية الإرهابية وما زال صامداً على مدى خمس سنوات الأمر الذي أربك حساباتهم وضيّق خياراتهم وأفشل مخططاتهم، فماذا سيكون حال آل سعود الذين استنفدوا كل الوسائل “لإسقاطه”، ليصلوا اليوم إلى خيار أخير ويطلقون للعلن نكتة سمجة بأنهم قادمون إلى سوريا لـ”محاربة الإرهاب”؟!.
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه: تحت أي راية ستقاتل السعودية في سوريا هل في “تحالف دولي ضد داعش!!”، وهل يعقل أن يحارب القلبُ العقلَ؟، فمملكة آل سعود و”القاعدة” باختلاف مسمياتها جسد واحد، وهي التي لم تحاربها تاريخياً ولو من باب الادعاء كونها صدى للمؤسسة الدينية السعودية والخارجة من عباءتها، كيف سيكون ذلك إذا كانت كل وحشية “داعش” لا تسمّى إرهاباً في العرف السعودي، لا بل أكثر من ذلك يُنادى في الحرم المكي بالدعاء لـ”نصرة” إخوانهم في الشيشان سابقاً وفي سوريا لاحقاً، حتى الأزهر لم يستطع تكفيرهم، و”جبهة النصرة” الجناح الآخر لـ”القاعدة” لم تستطع القول: إن “داعش” يختلف عنها، بل الصراع معهم خلاف أفراد البيت الواحد كونهم من المنبع الوهابي نفسه، إذاً فالحديث السعودي عن “داعش”، والعين مرة أخرى وأخرى على قاهر أحلامهم ومذل وجودهم الرئيس الأسد.

الحلف المعادي بات يدرك اليوم يقيناً أن الرئيس الأسد عقدة عصيّة على الحل، وهو رجل مؤمن بالدفاع عن وحدة سوريا مهما كان الثمن، وقالها يوماً: “لن نموت إلا واقفين”، كما أكد لوكالة الصحافة الفرنسية أنه مصمّم على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، ليعلم النظامان السعودي والتركي، ومن خلفهما والذي يتلقف كلامهما ويعيه جيداً بأن ما يجري العمل عليه لـ”تقسيم” سوريا عرقياً وطائفياً لن يتحقق. ويدرك أيضاً أنه لا إمكانية لمحاربة الرئيس الأسد بشكل مباشر وهم من حاربوه بأدواتهم، ولا تملك السعودية أقوى من أذرعها الإرهابية التي لم تستطع “قهر” الرئيس الأسد ولم تدخر طريقة للانتصار عليه لكنها فشلت في كل تلك الحروب.

فقد قاد الرئيس الأسد معركة صمود حلف المقاومة بحنكة وثبات في مواقف أدّت إلى وضع روسيا على خريطة الشرق الأوسط من جديد، وتبلور قوة إيران في المنطقة ولتصبح يد الحلف المقاوم هي العليا بتكامل وانسجام أطرافه، مقابل حلف متصدع بالأهداف والغايات.

مشهد تجلّى بتسارع انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه، وأجبر الرأس الأمريكي على الابتعاد عن الذيل السعودي والتركي، لوعي واشنطن أنها “الهزيمة”، فانتصار الرئيس الأسد قلب كفة الميزان الدولي وها هي اليوم تحاكي واقعاً قسرياً عبر ادّعاء السعي إلى حلّ سياسي، إذ لا مشكلة في أن تنسب الهزيمة لأزلامها في المنطقة، الذين فقدوا عقولهم وهم يرون أحلامهم تتهاوى بانتصار حلف المقاومة الذي سوف يغيّر وجه المنطقة لعشرات السنين القادمة، هؤلاء الذين أعماهم حقدهم يعون جيداً مفردات الممكن والمستحيل مكبلين بحقيقة أنه وبعد الآن فإن أي خطوة للأمام ستكون بمثابة انتحار.

قد يعجبك ايضا