الأبعادُ السياسية والعسكرية لانتصار الجيش واللجان الشعبية ضد التنظيمات الإجرامية في البيضاء

|| صحافة ||

شكّلت معركةُ ولد ربيع وتطهيرُها من تنظيم القاعدة وداعش منعطفاً مهماً في الحرب العدوانية على اليمن؛ لأسبابٍ مهمة، أولُها أن تنظيمَ القاعدة وداعش تَعتبِرُ حربَها ضدَّ الجيش واللجان الشعبيّة حربًا عقائديةً، حيثُ أنها تعتبرُهم كُفَّاراً وروافضَ؛ لذلك فهم يستبسلون في مواجهتهم للجيش، وَالقضاء عليهم في هذه المنطقة والتي استمر تواجدهم فيها منذ العام 2015، كآخر حِصنٍ لهم في اليمن يُعتبَرُ إنجازاً استراتيجياً مهماً.

 

خلفية ديمغرافية عن محافظة البيضاء ومديرية ولد ربيع

مديرية ولد ربيع تقعُ في أطراف محافظة البيضاء، تحُدُّها محافظة مأرب (مديرية ماهلية ورحبة) ومحافظة صنعاء (مديرية بني ضبيان) ومحافظة ذمار (مديرية الحدا وميفعة عنس) وتبلغ مساحتها الإجمالية 474.7 كم2.

عدد سكانها يبلغ (20112 نسمة) وفق كتاب الإحصاء السنوي الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2017 الكثافة السكانية تصل إلى 40 نسمة/ كم2، وعدد الأفراد تحت من 0- 18 سنة يصل إلى 42% من إجمالي عدد السكان، وهم الفئة المستهدفة للجماعات الإرهابية، وهم وقوع المعارك بالنسبة لهذين التنظيمين (القاعدة وداعش).

بالنسبة لمحافظة البيضاء، فهي تقعُ في وسط اليمن، حيث تحدها العديد من المحافظات، ويعتبر موقع البيضاء استراتيجي، حيث تقع ما بين ثمان محافظات، وتعتبر من المناطق الوسطى في اليمن ذات موقع استراتيجي مهم، كما تعتبر تاريخياً منطقةَ صراع على مدى تاريخ اليمن قديماً وحديثاً لأسبابٍ منها:

1-         البُعدُ عن المركز وهي العاصمة صنعاء وهو عنصر مهم للتمركز بعيدًا عن قوة الدولة.

2-         التمركُزُ فيها يصعبٌ على أية الحكومة من الوصول إليها؛ بسَببِ أنها مفتوحة على ثمان محافظات حولها هي (شبوة، مأرب، صنعاء، ذمار، أبين، لحج، الضالع، إب).

3-         عددُ السكان قليلٌ قياساً إلى حجم الأرض، بحيث لا يستطيعون من التغلب على عناصر القاعدة وداعش الآتين من خارج اليمن ومراقبة تصرفاتهم والتمركز فيها دون عناء كبير.

4-         أنها من مناطق جبلية وعرة وصعوبة التضاريس 70 % من مساحتها جبلية وعرة.

 

البعدُ العسكري

تعتمدُ القاعدةُ على الدفاع عن خطوطها العسكرية في مواجهة الجيش واللجان الشعبيّة على الخطوط المتراصة، بحيث تكون هناك خمسة معسكرات، وفي خلفيها الثانية هناك حوالي ستة معسكرات، والخط الثالث أَيْـضاً عدد مقارب لها ستة معسكرات، وهذا ما تمت ملاحظته في تمركز معسكراتها في منطقة ولد ربيع- قيفة، وبهذه الطريقة تمنع من استخدام أُسلُـوب الالتفاف حول قواتها وإسقاطها، وهو الأُسلُـوب الذي استخدمه الجيش واللجان عند تحرير وادي آل أبو جُبارة في عملية “نصر من الله” أَو في تحرير جبهة نهم في عملية “البنيان المرصوص”، ولكن الجيش واللجان استخدموا مع هذه المواقع أُسلُـوب الصدمة والإرباك عبر الاقتحام المباشر لخطوطهم الدفاعية والالتحام مع المقاتلين على الأرض من مسافة صفر، واستخدام الجيش أَيْـضاً سلاح الدبابات والسلاح الثقيل المحمول على سيارات الشاص، وحمل مضادات الطيران الرشاش الثقيل وحملات الجُند.

وهذا يدُلُّ على الفاعلية الكبيرة والحماية التي تم توفيرها للمقاتلين عبر قصف العمق السعودي على مدى أشهر سابقة، مما خلق نوعاً من توازن الرعب، ما بين قوات الجيش واللجان الشعبيّة وقواتِ النظام السعودي عبر تحييد سلاح الطيران على الحد الأدنى.

سرعة الحسم خلال فترة لا تتجاوز الأسبوع في معركة صعبة من الناحية الجغرافية (جبال) ومقاتلين عقائديين ينُـــمُّ عن تخطيط سليم ومعرفة عميقة بتمركزات قوات العدوّ، ويجسد مدى التطور والرقي الذي وصلت إليه قوات الجيش واللجان، وخَاصَّةً إذَا عرفنا بأن قوات القاعدة وداعش كانت تستخدمُ أسلحةً حديثةً عُثر عليها بحوزتهم وأن هذه العناصر مدربة تدريباً عالياً على استخدام هذه الأسلحة أَو غيرها في الحرب في سوريا أَو غيرها من البلدان كأفغانستان.

وهذا يدل على التنامي الملحوظ للجيش واللجان الشعبيّة والخبرات القتالية والمتنوعة بحسب كُـلِّ معركة على حدة وفي مناطقَ جغرافية وَعِرَة.

الأهميّةُ الاستراتيجيةُ من الناحية العسكرية أنها أتت بمساعدةِ أبناء القبائل والتنسيق العالي ما بينها وبين الجيش واللجان الشعبيّة وَأَيْـضاً قوات وزارة الداخلية وهذا دليل على وحدة القيادة.

 

البُعدُ السياسي

الأهميّةُ الاستراتيجيةُ من الناحية السياسية، حيث قام العدوان بزرع هذه العصابات من سنوات في خاصرة الدولة اليمنية في هذه المحافظة الاستراتيجية التي تطل على ثمان محافظات، وتعتبر كخط الدفاع الأول عن مناطق الثروة والتوسع بنشر الجرائم في مناطق سيطرتها فهي تتعدى البُعدَ المحلي إلى بُعدها الإقليمي والدولي، فأولُ رسالة سياسية هي أنه بالإمْكَان القضاءُ على هكذا تنظيمات إرهابية دون الخضوع لشروط الغرب، وعقد التحالفات الدولية، كما حدث في العراق، فقد استطاع الجيشُ واللجان الشعبيّة ورجال الأمن الشرفاء من أبناء القبائل تحقيق هذا الانتصار في أَيَّـام قليلة، والتي تنعكسُ على السياسة الأمريكية التي ظلت لسنوات تستخدم هذه الجماعات كشماعة للتدخل في شؤون الدول وانتهاك سيادة الدول تحت مبرّر محاربة هذه الجماعات الإرهابية.

أيضاً شكّل إحراجاً كَبيراً لدول العدوان وخَاصَّة أمريكا، حيث ظهرت الكثير من الأسلحة الأمريكية كانت تستخدمها هذه الجماعات وصور تابعة لمنظمة الفاو التي تدّعي الحيادية ويجعل من الأمم المتحدة كطرف مباشر في دعم هذه المنظمات الإرهابية إلى جانب أمريكا.

الرسالة الثانية هي هشاشة هذه التنظيمات الإرهابية، حيث تم القضاء عليها في غضون 3 أَيَّـام دون تحالف دولي ولا إقليمي، بل في ظل حرب عدوانية كبرى تشن ضد الجيش واللجان، ولكنه استطاع أن يقضيَ على هذه الجماعات رغم أنه مشغولٌ في 45 جبهة مشتعلة ضده.

الرسالةُ الثالثةُ أنه عزَّزَ الأمنَ القومي والدولي فقط كانت هذه الجماعات تسعى لضرب الأمن الإقليمي والدولي، وما المفخخات التي خرجت من المنطقة إلا دليل كبير على عمالة وارتهان هذه التنظيمات الإرهابية للاستخبارات الأمريكية، وتستخدم؛ مِن أجلِ ضرب الأمن الدولي، فقد كانت تعتبر هذه المنطقة رقم (1) في منطقة الجزيرة العربية والعالم، وخَاصَّة للقاعدة وداعش، وكانت تنسِّقُ منه كبرى العمليات العالمية في العمليات الانتحارية.

الرسالة الأخيرة أن هذه العملية تمثِّلُ فتحاً كبيراً نحو السيطرة على محافظة مأرب عبر الالتحام بجبهة صرواح وارتباطهما؛ مِن أجلِ حصار مدينة مأرب، واكتمال الطوق، وهذا ما دفع السفير البريطاني يهاجم الجيش واللجان الشعبيّة ووصفه عملياتِ الجيش بأنها غير إنسانية!!!

إذاً، فهذه العمليةُ تُعتبَرُ ضربةً موجعةً لدول العدوان الأمريكي السعودي البريطاني، ورسالةً للخارج بأن الجيش واللجان بإمْكَانه هزيمة الإرهاب بسرعة قياسية ودون مساعدة خارجية، وتحييد الضغط الأمريكي وكشف محاولات أمريكا نحو تصنيف أنصار الله كتنظيم إرهابي؛ باعتبَار أن الجيشَ واللجانَ يتشكَّلُ من تنظيم أنصار الله كعنصرٍ أَسَاسيٍّ في لجانه الشعبيّة.

 

الأهميّة العسكرية

تعتبر محافظة البيضاء من النقاط المهمة من الناحية العسكرية، فهي -كما تحدثنا- تطلِّعُ على ثمان محافظات، وبالإمْكَان تطوير الهجوم؛ مِن أجلِ العودة إلى شبوة أَو أبين أَو الضالع أَو مأرب واستعادة السيطرة عليها؛ كون الطريق الرابط ما بين صنعاء ومأرب أَو صنعاء والجنوب يمر عبر هذه المناطق في عقبة ثرة.

بالنظر إلى خريطة محافظة مأرب والتقسيم الإداري، فقد أتاحت لقواتِ الجيش واللجان الشعبيّة التقدُّمُ نحو مأرب وفتح جبهات متعددة باتّجاه الجنوب.

 

تحييدُ الطيران

على مستوى الطيران، استطاعت قواتُ الجيش واللجان الشعبيّة تحييدَ الطيران الحربي والدخول بالأسلحة الثقيلة في هذه المعركة، فقد اشتركت الدباباتُ وحاملةُ الجُند، والمضادات الأرضية.

وتأتي هذه بعد الضربات الصاروخية واستخدام الطيران المسيَّر ضد السعودية، ما جعل من استخدامِ الطيران ذا كُلفةٍ عاليةٍ وغير فعّال ضد قوات الجيش واللجان الشعبيّة.

صحيفة المسيرة – د. عبد الملك عيسى

 

أُستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا