وسائل إعلام العدو.. أدوات سايكس بيكو جديدة
زكريا الشرعبي / صدى المسيرة
بقليلٍ من المتابعة التحقيقية والنظر العميق إلَى ما تقدمه وسائل إعلام العدو من مواد موجّهة سواء بشكل رئيسي صوب عاطفة وذهن الشعب اليمني أَوْ صوب المشاهد العربي والرأي العالمي المعولم يكتشف الحاذق اللا قشور فيما تقدمه هذه الوسائل الإعلامية، وأن سياساتها لا تتولد من فروض اللحظة الراهنة المقتضية، منها تبرير العدوان بـ “مانشيتات” وأخبار عاجلة.
إنما سياسات استراتيجية أقل أهدافها خض أفكار المجتمع واستلاب الأسماء من مسمياتها لإضفائها على مسميات أخرى شاذة ودخيلة في الوقت ذاته تم تشكيلها في معامل العمال والعمل لغير الوطن، فتشرعن التعصبات خارج طاولات الإجماع بعيداً عن الثوابت غير المختلف عليها في ميزان العقل وتحقيق الأمن والسلم الاجتماعيَّين.
قصف العقول
هذا لم يبدأ في السادس والعشرين من مارس العام الماضي ولا حتى منذ بداية ما أطلق عليه أحداث الربيع العربي والذي لعبت فيه قناتا الجزيرة والعربية دوراً محورياً في توجه الحركات وحرف مسارها إلَى الفوضوية وتخريب الأوطان غير أن هذا التاريخ تأريخا مفصلياً في تفتح الوعي العميق بمخاطر ما تكرسه هذه المجتمعات من ثقافة منذ زمن يتقبلها المشاهد العربي بثقة عمياء ظاناً بها نفعاً وجوازاً لاستعادة أمجاد الأمة والثورة على الانحطاط.
ومنذ بدأت هذه الأحداث تصدرت قناتا الجزيرة والعربية لا لتغطيتها ونقل تفاصيلها بل لتسييرها أَوْ بالأصح لصناعة مستجداتها على جميع الأصعدة وتكريس الثقافة التخريبية التدميرية في ذهن الشباب، فمجرد أن خرجت هذه الجماعات بشعار “الشعب يريد” كرست قناة الجزيرة هذا الشعار وجعلت خلفيات لشاشاتها دون مصداقية أَوْ حياد أَوْ حتى احترامٍ لذهنية المشاهد الذي يعلم أن الشعب لا يمكن أن يتمثل بفئات قليلة وإضفاء صفة الشعب على مليون مواطن على سبيل المثال في مصر ونفيها عن تسعة وسبعين مليون مواطن يدل على أن هذه القناة عبر ترويجها لهذا الشعار وكتابتها في أخبارها العاجلة أَوْ في مقدمات نشراتها أَوْ أخبارها الشعب المصري أَوْ اليمني قاصدة مَن خرجوا في التظاهرات ضد الأنظمة تكريس لهوية أخرى مصطنعة وتعمل وفق أجندات مرسومة مسبقًا لهذه الحركات وكذا تشرعن لها اتخاذ أية خطوة بعيداً عن الديمقراطية وكذا إلغاء أَوْ إقصاء الآخر.
على سبيل المثال الآخر الذي كان يتظاهر في ميدان السبعين باليمن ويرفع أَيْضاً شعار (الشعب يريد) لقد كانت قناة الجزيرة تعتبر الذين يتظاهرون في حي الجامعة (ساحة التغيير) شعباً، بينما من يتظاهر في السبعين “بلاطجة ومرتزقة”، حد وصف هذه القنوات.
غير هذا كانت هذه القنوات تكرس مبدأ العنف وتوجّه المظاهرات وتبالغ في عدد الضحايا وتنصب من استيديو الأخبار محكمة وتنطق بأحكام تسمّي فيها القتلة دون علم منها أَوْ تثبت، هذا فضلاً عن برامجها الحوارية ذات الطابع الصدامي والتي يعود بعضٌ منها إلَى ما قبل 2011م كبرنامج الاتجاه المعاكس الذي يؤجج لخلافات ويخرج المتحاورين فيه أشد خصاماً مما كانا عليه قبل دخولهما إياه وذلك بسبب سياسة البرنامج وسياسة مقدمة النابعة من توجه القناة بإشعال نيران الفتنة والدمار.
وفي 2011م أَيْضاً بدأت هذه القنوات تصنع أرقاما خياليه وتنسبها إلَى ثروات الرؤساء لتزيد الشارع ناراً وفتنة، وإضافة إلَى هذا صنعت قنوات الجزيرة والعربية في مطابخها محللين استراتيجيين وسياسيين وعسكريين وثواراً ومقاومين، هكذا أسماء أخرى من التي كانت تظهر على شاشاتها وصدرت هذه الأسماء كنخب جديدة لتحريك الرأي العام بدلاً عن النخب الحقيقية الرزينة.
وعلى سبيل المثال صار وسيم القرشي وتوكل كرمان وحمزة الكمالي ورشاد الشرعبي قادةَ رأي، فتكرس في ذهن المجتمع أن هؤلاء هم النخبة والمثقفون وقادة الرأي وأصبح هؤلاء يثيرون الشارعَ والفتن بمقابل منحهم هذه الألقاب وتأشيرات سفر إلَى أبو ظبي أَوْ الرياض.
في سياق صناعة النخب والهويات المزيفة وتضليل الشعب صنعت هذه القنوات “جيشاً وطنياً” يقاتل أبناء وطنه وحرق ويدمر ويفجر ويواجه أمن جيش وأمن بلده الذي صيرته هذه القنوات “شبيحة ومرتزقة وبلاطجة”.
ففي اليمن كانت تطلق هذه القنوات على قوات الفرقة الأولى مدرع المنشقة الجيش الوطني (حُماة الثورة) وتطلق على باقي قوات الجمهورية اليمنية اسم “قوات المخلوع”، ونفس الأمر في سورية أصبح الجيش العربي السوري “شبيحة الأسد” وداعش والنصرة وأفراد لا يتجاوز عددُهم أصابع الأيدي من الذين تم تدريبهم في تركيا جيشاً وطنياً.
وفي سياق صناعة النخب تقيم هذه القنوات مسابقات وتخلع أسماء وصفات على الفائزين فيها كـ(عرب آيدول، أمير الشعراء، ذا فويس)، هذه المسابقات يحسبها المرء نوعاً من تشجيع المواهب دون انتباه لمغزاها وما تريد هذه القنوات من وراءها ولو انتبه لوجد أن هذه القنوات تسعى من خلال مسابقاتها إلَى صناعة قادة رأي عام يحركون العامة من شعوبهم من منطلق التقمص الوجداني والاستمالات العاطفية الأخرى حسب ما تقتضي سياسة الدول والكيانات المبرمجة لسياسات هذه القنوات. فترى “تميم البرغوثي ” يسمي ما يجري في سورية من إرهاب ثورة وعلى نفس النهج يمضي نجوم “ذا فويس وعرب آيدول”.
أدواتُ سايكس بيكو (طائفية ومناطقية نتنة)
(قالت ممثل الطائفة العلوية السوري إن..) “دعت قوات الحشد الشعبية الشيعية في العراق”
“انفجار انتحاري في الضاحية الجنوبية للبنان التي تقيم فيها طائفة حزب الله الشيعية”
عناوين ويافطات بارزة في الإعلام الخليجي من يتأمل فيها يجد أنها ليست سوى تكريس لطائفية مقيتة ودعوة حاقدة لتفتيت المفتت من المجتمع العربي وتنفيذ ما تبقى من بنود “سايكس بيكو” بتقسيم الوطن العربي إلَى كانتونات وجماعات متناحرة تقتل بعضها البعض فحورت هذه القنوات بشعاراتها هذه الصراع في كثير من الدول من صراع سياسي إلَى صراع طائفي.
ألم تقل هذه القنوات أن ما يحدث في سورية ثورة على النظام العلوي الرافضي وأن ما يحدث في العراق ثورة سنية على النظام الشيعي الموالي لإيران. فهل ما يحدث كذلك أم أنها تسوق لشيء آخر؟
التضليل الإعلامي خلال العدوان على اليمن
هذه السياسات التدميرية وسياسات أخرى طبقتها هذه القنوات ومعها قنوات وصحف ومواقع محلية أخرى عميلة للعدوان الأَمريكي السعودي في استهداف النسيج الاجتماعي والبنية الثقافية للمجتمع اليمني وعملت من خلال ما تقدمه من أخبار وما تعرضه من مقاطع مفبركة أَوْ مصطنعة على توجيه سهامها نحو هذا المجتمع فقبل أيام فقط من بدء العدوان الأَمريكي السعودي حربه على اليمن استهدف تفجير إرهابي جامعي بدر والحشحوش وأدى الحادث إلَى سقوط عشرات الضحايا.
لم تتطرق هذه القنوات إلَى أن هذا الحادث إجْــرَامي، بل ظهر على شريطها الإخباري العاجل أن هذا التفجير استهدف تجمعاتٍ للشيعة في اليمن، مع أن هذا لم يكن وحتى إن كان فيجب وصف هؤلاء الذين استهدفوا بالهُوية الجامعة التي هي الانتماء إلَى بلدهم اليمن وليس إلَى الطائفة، فاليمن لم تعرف الطائفية منذ القدم.
وتكرس هذه القنوات والمواقع ثلاثة أَنْوَاع من الحروب في اليمن:
حرب طائفية بتصوير الحرب بين الجيش واللجان الشعبية مع المرتزقة بـأنها حرب سنة وشيعة وحرب مناطقية بتصويرها حرباً بين أبناء المناطق الشمالية والمناطق الجنوبية والوسطى، وحرب عمالة بتصويرها حرباً بين من تطلق عليهم هذه القنوات “عملاء إيران” والمليشيات الإرهابية التي تطلق عليها هذه القنوات لقب “المحرّرين”.
هنا يحضر مصطلحا التحرير، المقاومة، فتطلق هذه القنوات على مَن يحارب مع الغزاة من كُلّ أنحاء العالم ويستجلبهم إلَى أرضه لقتل أهله واستعمار بلده صفة مقاوم ومحرر، وفيما تسمي الجيش واللجان الشعبية بمليشيات صالح والحوثي وتطلق على الجماعات الإرهابية الداعشية في الجنوب وجماعة أبو العباس وكتائب الموت في تعز بالجيش الوطني.
ومن خلال مطابخها التدميرية تستضيف هذه القنوات مجموعةً من مرتزقة الفنادق في الرياض وأبو ظبي وتركيا وتقوم بإضفاء الصفات آنفة الذكر عليهم ليتحدثوا عن شؤون اليمن المحلية والمعارك في مأرب وتعز والجوف.
كتم الصوت الآخر لتحقيق الهدف
كي تصل هذه السياسات إلَى مبتغاها وتحقق أهدافها لا بد أن يكون صوت وسائل الإعلام هذه وحيداً في الساحة، ووجود مصادر وعي حقيقية تكشف الوعي المزيف الذي تقدمه وسائل الإعلام العدو يهدد سياساتها؛ لذلك عملت الدول والكيانات الراعية لسياسة هذه القنوات منذ 2011م على إغلاق الصوت الآخر المعارض له إما بمنعه من البث بواسطة الأقمار الاصطناعية التابعة للبترودولار الأَمريكي الخليجي أَوْ التشويش عليها إذا لم يتم، وقد حدثت الحالتين مع القنوات التابعة للجمهورية العربية السورية وقناة العالم لأَكْثَــر من مرة.
هذا قبل العدوان على اليمن، أما مع العدوان على اليمن فقد اعتبر ناطق العدوان الإعلام اليمني أهدافاً عسكرية، مناقضاً كُلّ مواثيق الحرية واتفاقاتها، ووفقاً لهذا تم استهداف العديد من قنوات الإعلام لكي تصل وسائل إعلامهم إلَى مبتغاها ويتم الحيلولة بين أنّات الضحايا ومسامع العالم لإخفاء جرائم لا يقرها دين ولا شرع.
ودليلٌ على هذا استشهد 23 صحفياً وإعلاميا يمنياً بغارات طيران العدوان الأَمريكي السعودي خلال عام من العدوان الهمجي على اليمن، فضلاً عن تعرض 7 مؤسسات إعلامية يمنية للقصف والاستهداف الجوي المباشر وتدمير 5 منشآت إعلامية بشكل كلي.. فيما بلغت عدد القنوات التلفزيونية الرسمية التي تعرضت للإغلاق عبر القمرين الاصطناعيين عربسات ونايل سات صبيحة العدوان على اليمن في 26 مارس 2015م، أربع قنوات، وثلاث قنوات تم استنساخُهن.
هذا بالإضافة إلَى إيقاف بث قناتي الميادين والمنار؛ بسبب تغطيتها لجرائم هذا العدوان في اليمن ووقوفهما ضد المؤامرة المحاكة ضد العرب.
عناوين فرعية
– عناوين ويافطات بارزة في الإعلام الخليجي من يتأمل فيها يجد أنها ليست سوى تكريس لطائفية مقيتة ودعوة حاقدة لتفتيت المفتَّت من المجتمع العربي
– تطلق قنوات العدو على من يحارب مع الغزاة من كُلّ أنحاء العالم ويستجلبهم إلَى أرضه لقتل أهله واستعمار بلده “مقاوم” و”محرر” فيما تسمي الجيش واللجان الشعبية “بمليشيات صالح والحوثي” وتطلق على الجماعات الإرهابية الداعشية في الجنوب وجماعة أبو العباس وكتائب الموت في تعز “بالجيش الوطني”