موقع انصار الله . تقرير | أحمد داود:
يتعمد المجرم نتنياهو كثرة اللعب بالنار. لا يفكر بإيقاف العدوان على قطاع غزة، بل يمضي منفرداً ومتحدياً العالم لاحتلال القطاع بالكامل، متجاهلاً كل التداعيات الإنسانية لذلك، والكلفة الكبيرة لهذه المغامرة.
وأمام هذا الجنون، يقول رئيس المعارضة الصهيونية يائير لابيد بامتعاض تعليقاً على هذه الخطة التي يعارضها بشدها: "الأسرى سيموتون، والجنود سيموتون، والاقتصاد سينهار، والمكانة الدولية لنا ستتداعى".
وإذا كانت هذه هي مخاوف المعارضة الصهيونية من خطة نتنياهو في احتلال غزة بالكامل، فإن سكان القطاع أكثر خشية من القادم المجهول الذي ينتظرهم، والذي بدأت ملامحه تظهر باغتيال 6 صحفيين من بينهم مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف، فالأقلام الثقيلة هنا تتساقط، لتعكس وجع شعب يرزح تحت وطأة التجويع والتعطيش، وتحت وطأة القنابل والصواريخ الصهيونية التي لا تتوقف للحظة واحدة عن قتل المدنيين وتدمير كل ملامح الحياة في قطاع غزة.
كل القراءات تُجمِع على أن الاحتلال أراد بهذه الجريمة إسكات صوت الحقيقية، بهدف الانتقال إلى مرحلة أكثر قسوة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، دون أن يتم نقلها بالصوت والصورة، وهذا ما عبر عنه بوضوح مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية، الذي أكد أن كيان العدو قتل المراسلين الصحفيين "تحضيراً لارتكاب مجزرة كبيرة تريدها أن تكون دون صوت أو صورة".
ويعبر أبو سلمية هنا عن خشيته من أن يُقتل مدنيو غزة دون أن يسمع بهم أحد، فقتل الصحفيين يشي بأنها تخطط لشيء كبير لمدينة غزة.
ومع أن الكثير يرون بأن المجرم نتنياهو قد فقد عقله وهو يمضي قدماً نحو مخططه الهادف إلى الاحتلال الكامل لغزة، إلا أن المجتمع الدولي والعالم بأسره غير قادر على إيقاف هذا الجنون، والسبب الرئيس في ذلك أن مجنون البيت الأبيض يقف بكل إمكانياته مع نتنياهو، ويحثه على الاستمرار في حرب الإبادة الجماعية وتجويع وتهجير سكان غزة.
اللافت هنا أن بعض الأصوات الأوروبية بدأت تبرز مؤخراً وبقوة ضد حرب الإبادة في غزة، فوزير الدفاع الإيطالي -على سبيل المثال- يدعو إلى فرض عقوبات دولية على كيان العدو الإسرائيلي، في المقابل تواصل الأنظمة العربية سياسية التواطؤ والصمت، ويعيش الشارع العربي والإسلامي مرحلة موت الضمير، فلا احتجاجات ولا مسيرات غاضبة ولا ندوات تؤازر غزة وتنتصر للمذبحة الجماعية التي يتعرض لها سكان القطاع.
وبإصراره على المضي قدماً في احتلال غزة بالكامل، يقول نتنياهو للعالم الذي يزداد استياؤه منه، إنه لا يأبه بالانتقادات، بل يلوح للعالم بعلامة الاحتقار والتحدي، كما أنه يتجاهل نصائح قادته العسكريين ورغبات عائلات الأسرى وغالبية المغتصبين الصهاينة.
وفي واحدة من أسوأ حالات الاستغباء للعقل البشري، يشير نتنياهو إلى أن مخططه العسكري لا يهدف إلى احتلال غزة، وإنما إلى "تحريرها من حماس"، وهي رواية مشابهة لتحالف العدوان السعودي الأمريكي الذي كان يدعي خلال عدوانه على اليمن منذ 2015م أنه يسعى إلى تحرير اليمن من اليمنيين.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023م، لم يكن العدو الإسرائيلي يفكر في معركة جزئية مع المقاومة الإسلامية في قطاع غزة، وإنما كان الهدف العام هو هزيمة حماس، وإجبارها على الاستسلام، وهنا لم يكن نتنياهو بمفرده، بل كانت أمريكا وحلف الناتو وزعماء الغدر والخيانة من العرب والمسلمين معه، وقد بذلوا كل ما يستطيعون لتحقيق هذا الهدف، لكن دون جدوى، رغم الجرائم الكبيرة والوحشية بحق المدنيين بالقطاع، والحصار الخانق، واللجوء إلى كل الأساليب لإلحاق الهزيمة بالمقاومة الفلسطينية، ومع ذلك لم يفلحوا.
ومع الإصرار على التصعيد في غزة، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من التهجير القسري، والمزيد من القتل، والمزيد من المعاناة التي لا تُحتمل، والمزيد من الدمار العبثي، والمجازر، كما تشير صحيفة "ليمانيتي" الفرنسية، والتي تقول بكل وضوح: "نحن أمام واحدة من أكثر المشاريع الإجرامية منذ عقود، أمام أنظار العالم بأسره".
وبمقارنة بين الاندفاعة الصهيونية للعدوان على غزة بعد السابع من أكتوبر والتصعيد الآن، نجد أن المجرم نتنياهو أصبح منبوذاً، فالمغتصبون الصهاينة ضده، وجزء كبير من "الجيش" ضده، ومن عائلات الأسرى، وهو أيضاً موضع انتقاد من معظم قادة العالم، بما في ذلك المستشار الألماني، الذي كان في السابق يدعمه، والذي أعلن يوم الجمعة الماضي وقف بيع أي أسلحة لكيان العدو الصهيوني يمكن استخدامها في قطاع غزة.
وإلى جانب ذلك، يرتفع الصوت العالمي المطالب بإيقاف جرائم الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، فالمظاهرات في طوكيو كانت استثنائية الأيام الماضية، والصوت يرتفع بشكل كبير في المدن الأوروبية، وهو حراك له تأثيره على خطط نتنياهو وطموحاته في التوسع على حساب المدنيين الأبرياء في غزة.
سيظل الإخفاق سيد الموقف للمجرم نتنياهو، فالمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لن ترفع راية الاستسلام، وخبرتها تتراكم من يوم إلى آخر في مواجهة عصابات الاحتلال، وبالتأكيد فإن خسائر المعتدين ستكون فادحة وكبيرة، فاحتلال غزة لن يكون نزهة، وإنما هو بمثابة الزج بهؤلاء الجنود إلى حقول ألغام كبيرة ومتشابكة، والمحظوظ هو من سيخرج سالماً.