الشعب اليمني قادر على إحداث تنمية زراعية كبرى بمشاركة المجتمع.. نهضة تحت القصف
|| صحافة ||
تولي القيادةُ الثوريةُ والسياسيةُ اهتماماً كَبيراً بالجانب الزراعي وضرورة الارتقاء به، ولا تخلو معظم خطابات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي من التوجيه وحث المسؤولين والشعب على الاهتمام بهذا القطاع الحيوي الهام، وآخرها ما ورد في خطابه التاريخي، يوم أمس، بمناسبة الذكرى السادسة لثورة 21 سبتمبر.
ويؤكّـد الكثير من الباحثين والخبراء في المجال الزراعي، أن الارتقاء وتطوير الزراعة في بلادنا، يحتاج إلى اهتمامٍ كبيرٍ من قبل المجتمع والتعاون مع السلطات المختصة في هذا الجانب؛ ولهذا يقول وزير الزراعة عبد الملك الثور: إن من أهم المواضيع الواجب مناقشتها هو دور المجتمعات في التنمية.
لقد استطاع الشعبُ اليمنيُّ خلال 2000 يوم من الحصار والعدوان، الصمودَ تنمويًّا كما صمد عسكريًّا بعكس ما كان يعتقد العدوان وتحالفه -برأي وزير الزراعة- الذي كان يرى أن “مشاريعنا ستتوقف تماماً على اعتبار أن الكثير من مشروعاتنا وأعمالنا السابقة في المجال التنموي، كانت تعتمد على تمويلات خارجية أَو محلية”.
ويشير الوزير إلى أنه ومن واقع التجربة، فقد تم تنفيذ مشاريع خلال فترة الحصار والعدوان، وأثبتنا عبرها أن الأموال والتموينات ليست المحدّد الرئيس في التنمية، بل إن إرادَة الإنسان هي المحدّد الرئيس في التنمية وإرادَة المجموعة البشرية في الحياة وفي التنمية والعيش الكريم.
ويوضح الوزير الثور خلال ندوة عقدت قبل أَيَّـام في صنعاء، بعنوان (المجتمع شريك أَسَاسي في التنمية الزراعية)، أن اللجنة الزراعية العليا تبنّت تحريك المجتمع في وادي مور لعمل تصفير قنوات الوادي، حيث تجد وادي مور الذي كان يكلف صيانته الملايين هو الآن أفضل وأنظف مما كان سابقًا أَيَّـام وجود التمويلات والأموال، مُضيفاً أن الإخوة في اللجنة الزراعية العليا كثّـفوا العملَ مع المجتمع، حيث تم تجميع الإمْكَانيات عبر المشاركة المجتمعية بعدد 75 حراثة وصيانتها لتعمل بالتوازي في محافظة الجوف؛ بهَدفِ زيادة إنتاج الحبوب.
ويشير وزير الزراعة إلى أن تكاتفَ المجتمع والمبادرات المجتمعية عبر العمل التعاوني، يمكن من خلالها تحقيقُ المزيد وتحقيق المعجزات في حركة تعاونية بين الجهات المختصة كجهات رسمية وبين المواطنين المزارعين للتنمية الزراعية، والعمل على إعادة مسار التنمية إلى مسارها الحقيقي بشكل كامل ومضمون فعلي، وخَاصَّة في ظلِّ هذا العدوان والحصار، وهذا ليس غريباً على الشعب اليمني.
طريقة تفكير مختلفة
ويُعَدُّ استمرار العدان والحصار المفروض على بلادنا للعام السادس على التوالي، أبرز الإشكاليات التي تواجه القطاع الزراعي في بلادنا، لكن الشعب اليمني يستطيع تحويلَ التحديات إلى فرص.
ويقول رئيس اللجنة الزراعية العليا إبراهيم المداني -المدير التنفيذي لمؤسّسة بنيان التنموية- خلال ورقة عمل ألقاها في الندوة: إن الدول القوية لم تنشأ على مر التاريخ إلَّا عندما أشركت مجتمعها وجعلتهم هم وسيلة التنمية وهدفها، وبالنسبة لليمن وعلى مرِّ العصور احتفظت بتماسكها نتيجة للأنظمة المجتمعية التقليدية التي حمتها من الانهيار حتى في ظل غياب الدولة.
ويشير المداني إلى أن من أهمِّ التجارب الحديثة في المشاركة المجتمعية، هي تجربة التعاونيات في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي، حيث تفاعل الناس مع هذه التجربة والتي كانت بتوجّـه حكومي قوي، واستطاعوا قيادة التنمية في مناطقهم التي ما زالت معالمُها موجودةً حتى الآن، لافتاً إلى أنه تم لاحقًا تخفيف المركزية والتوجّـه نحو اللامركزية مع بداية القرن الواحد والعشرين من خلال إنشاء المجالس المحلية، إلَّا أن هذه التجربة لم تكن على قدر المأمول منها، رغم وجود القوانين والاستراتيجيات التي توضّح دور المشاركة المجتمعية في هذا النموذج الجديد، حيث أصبح عضو المجلس المحلي يعبّر عن المركز أكثر من كونه معبّراً عن أصوات الفقراء واحتياجاتهم وأولوياتهم.
ويمثل إحداث تنمية خلف خط النار، والأماكن التي يتوقع أن تكون مناطق إغاثة وليست تنمية، يعتبر مؤشراً على عظمة هذا الشعب وقدرته على التكيف في ظل أقسى الظروف، كتجربة وقصة من الواقع أثبتت أن الشعب اليمني لا يزال يمارس أنشطته المجتمعة والتنموية تحت قصف الطائرات لتعطينا درساً في التشبث بالأرض والعزة والكرامة.
ويؤكّـد رئيس اللجنة الزراعية إبراهيم المداني، أنه في العام 2016 تعرّض وادي مور لكارثة إنسانية؛ بسَببِ السيول، ما جعل الأراضي الزراعية مهدّدة بالتوقف بعد إصابة المنشآت المائية بالشلل، والتي توصل المياه إلى 20 ألف هكتار، يعمل فيها قرابة 5 آلاف أسرة، موضحًا أن المشكلة بدأت في الظهور بعد توقف الهيئة العامة لتطوير تهامة عن صيانة قنوات الري السيلي البالغ طولها 45 كيلو متراً؛ بسَببِ توقف التمويل الحكومي كما توقف الحاجز التحويلي عن استقبال مياه السيول؛ نتيجة تراكم الترسبات داخله وعدم صيانته.
ويضيف المداني بقوله: “تعاظمت المشكلةُ حتى قامت مؤسّسة بنيان في مراحل تأسيسها الأولى بتفعيل مجموعة من القيادات الشابة المجتمعية وإسنادها لتعملَ على تغيير وعي المجتمع وتحمل مسؤوليته في التنمية، وبالفعل تحَرّك المجتمعُ وقام بتجميع ما تبقّى من إمْكَانيات الحكومة في منطقة وادي مور، والمساهمة بمبالغ بسيطة استطاع أن يوفر التكاليف لصيانة تلك المنشآت المائية”.
ويؤكّـد المداني أن هذه التجربة تعتبر شاهداً حقيقيًّا على قدرة المجتمع اليمني على قيادة التنمية الريفية في مناطقة، وهذا لا يحدث إلَّا عندما تؤمن القيادات الحكومية والمجتمعية بأن المستضعفين قادرون على فعل المعجزات إذَا ما تم تشجيعهم وتمكينهم.
ويشير إلى أنه تم نقلُ هذه التجربة إلى مجتمعات الصيادين أسفل وادي مور على ساحل البحر الأحمر، والتي توضح كُـلُّ المؤشرات نجاحَها، هذا بالإضافة إلى سعي ومواصلة مؤسّسة بنيان بنقل التجربة إلى بقية أودية تهامة؛ مِن أجلِ تخفيف الأعباء على الحكومة ولإحداث تنمية مستدامة قائمة على المجتمعات المحلية وللوصول إلى الاكتفاء الذاتي ولو نسبياً في ظل الحصار والعدوان.
السلطة المحلية وَتحريك المجتمع
وتضمنت وثيقة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديث في مضامينها عن تحريك المجتمع وضمان مشاركته للإسهام في مختلف مجالات التنمية ومنها التنمية الزراعية كجزء من المشروع وطني.
ويقول مستشار وزارة الإدارة المحلية عبد الباقي نعمان: “إن السعي لتحويل المشاركة المجتمعية كمطلب يستوجب ضمان تحقيقه كجزء من مشروع عمل وطني، بحيث يتم التركيزُ والاهتمامُ والجهود بصياغة الخطط والبرامج التنفيذية على أيدي الكوادر الوطنية المعروفة بالخبرة والنزاهة والمعرفة العلمية في مختلف مجالات التنمية التي تعد مشاركتها في صياغة تلك البرامج والإسهام في متابعة تنفيذها أهمَّ ضمانات نجاحها”.
ويضيف نعمان خلال ورقة عمل ألقاها في الندوة، أن قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2000 أجاز في لائحته التنفيذية للمجلس المحلي على مستوى المحافظة والمديرية تخصيصاً لا يتجاوز نسبة 20 % من إجمالي بعض الموارد المحدّدة في الموازنة السنوية للوحدة الإدارية؛ وذلك لغرض المساهمة في تمويل المشاريع التنموية والخدمية القائمة على أَسَاس المبادرات الذاتية والتعاونية، موضحًا أنه ومن خلال ذلك تعمل السلطةُ المحلية على تحفيز وتحريك المجتمع للمشاركة في التنمية والتنمية الزراعية والتي تحدّد عبر عدة مهام منها: إيلاء اهتمامها بالتواصل واللقاء مع المواطنين والأهالي في حدودها الإدارية، وتلمس همومهم وتلبية مطالبهم، وتشغيل مشاريع الخدمات الأَسَاسية بالإضافة إلى الدعوة وتحفيز مواطني الوحدة الإدارية لتبني إنشاء جمعيات تعاونية وزراعية بالتعاون مع الجهات المعنية والمختصة، وَاستحداث وإنشاء إدارات مختصة بمتابعة شؤون المشاركة المجتمعية، وغيرها من المهام الأُخرى التي تحقّق مطلب المشاركة المجتمعية في التنمية الزراعية بشكل خاص والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تمثّل في الأخير وسيلةً من وسائل التصدي ومواجهة لهذا العدوان الظالم على شعبنا بحسب نعمان.
وتمثل المشاركة المجتمعية بكل جوانبها نموذجاً حيًّا لصدق التوجّـه نحو تنمية زراعية مستدامة يلمس عطاءَها عدد كبير من أبناء المجتمع في مختلف المناطق المستهدفة.
ويقول مدير الإرشاد الزراعي بمكتب الزراعة في محافظة ذمار فؤاد الكوري: إن أهميّةَ المشاركة المجتمعية هي مبدأ أَسَاسي من مبادئ تنمية المجتمع، كما يستطيع المستهدفون التعلّم وحلَّ مشاكلهم بأنفسهم، كما أن المشاركة المجتمعة تضمن الدعم والمساندة من أبناء المنطقة المستهدفة، وسهولة معرفة المشاكل المجتمعية، وبالتالي حلُّها من خلال المشاركة المجتمعية؛ كون أبناء الأماكن المستهدفة هم أدرى بمشاكلهم واحتياجاتهم.
القطاع الخاص.. ما دورُه؟
وتعد الجمعيات التعاونيات الزراعية ركيزة أَسَاسية في التنمية المجتمعية، والتي تجسد المشاركة المجتمعية في التنمية الزراعية، وعلى رأسها الاتّحاد التعاوني الزراعي وجمعياته التعاونية الزراعية الموجودة في الأحياء والمناطق المختلفة في الجمهورية اليمنية.
ويقول عضو المكتب التنفيذي في الاتّحاد التعاوني الزراعي صالح الجماعي: “نه وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الاتّحاد، إلَّا أن دور التعاون الأهلي برز في اليمن بشكل فريد، حيث شارك بنسبة 41 % في التنمية، كالمساهمة في بناء الطرقات والمدارس وغيرها من الخدمات المجتمعية في السابق”.
ويضيف الجماعي خلال ورقة عمل ألقاها في الندوة، أنه وفي ظل هذه الظروف التي يمر بها الوطن وتحت قصف طائرات العدوان وحصاره للعام السادس على التوالي والخمول الذي طال عمل الاتّحاد التعاوني الزراعي في المجال، إلَّا أن هناك اهتماماً واضحاً بالجانب التنموي والمشاركة المجتمعة من القيادة السياسية وسعيها نحو تحقيق انتصار في جانب التنمية؛ كونها أمراً مهمًّا ترتكز عليه معيشة الناس وصمودهم أمام الصعوبات وتحديات والنضال؛ مِن أجلِ البقاء.
ويسرد الجماعي عدداً من التحديات التي تواجه القطاعَ الزراعيَّ التعاوني، منها الأضرار والخسائر المباشرة وغير المباشرة؛ نتيجة العدوان وقصفه للبنية التحتية للقطاع الزراعي بشكل عام والقطاع التعاوني بشكل خاص من ممتلكات وأصول للجمعية التعاونية، وازدياد حدة الضغط على الموارد الزراعية وارتفاع الطلب على السلع الغذائية من قبل المستهلك، بالإضافة إلى قصور التشريعات والتدخل والازدواجية وضعف التنسيق المؤسّسي، وضعف إقبال القطاع الخاص على الاستثمار في القطاع الزراعي، وغيرها من التحدّيات الراهنة التي لا تزال تواجه هذا القطاع ويجب تجاوزُها.
صحيفة المسيرة: محمد الكامل