دولة الحقوق المتساوية
موقع أنصار الله || مقالات || د. أحمد صالح النهمي
منذ ثلاثينيات القرن الماضي يناضل اليمنيون من أجل تحقيق بناء دولة الحقوق المتساوية، دولة النظام والقانون وفي سبيل ذلك قدموا التضحيات الكبيرة في كل مراحل التحول السياسي التي طرأت على الحياة اليمنية منذ حركة 1948م الدستورية وحتى اليوم.
المشاورات في الكويت إذا لم تفض إلى تحقيق هذا الهدف العادل الذي يلبي تطلعات جماهير الشعب اليمني في بناء الدولة المدنية العادلة وتنجز التحول الديمقراطي الذي يصبح فيه الشعب هو صاحب الكلمة الفصل في اختيار حكامه ، فإننا سننتظر اهتزازات جديدة وصراعات قادمة تعصف بدولة التقاسم والمحاصصة، ولن تكون الحلول المطروحة سوى مسكنات مؤقتة، لا تسمن ولا تغني من جوع، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه في مقامنا هذا هو إلى مدى يمكن أن تساعد القوى الدولية الراعية للحوار (خليجية ودولية ومنظمة أممية) في وصول الأطراف اليمنية المتحاورة إلى تحقيق هذا الإنجاز؟
تقول المؤشرات أن هذه القوى تسعى إلى الإبقاء على الدولة اليمنية في منزلة بين المنزلتين ، كما تقول المعتزلة، لا هي حي فترجى، ولا ميت فتنسى، فهذه القوى حريصة على عدم انهيار الدولة اليمنية وتلاشي ما تبقى فيها من مؤسسات قائمة على الحد الأدنى من الأداء، ولكنها بالقدر نفسه ستكون حريصة على عدم تمكينها من وضع الأسس الصحيحة التي تؤدي لقيام دولة يمنية ديمقراطية النظام، مستقلة السيادة، وطنية القرار، معتمدة على نفسها في التنمية، تتحقق فيها ملامح الدولة القوية.
يقول الممثل الأممي السابق جمال بن عمر لصحيفة وول ستريت جورنال: “عندما بدأت هذه الحملة (العدوانية على اليمن)، كان اليمنيون على مقربة من التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يؤسس لتقاسم السلطة مع جميع الأطراف،”.وعلى هذا يبدو أن السعوديين، والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لايريدون أن يروا انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً لليمن في الواقع، فالولايات المتحدة تعارض صراحة، الديمقراطية في منطقة الخليج بأكملها، لأنها تسعى من خلال ذلك إلى “استقرار” تدفق النفط من الخليج إلى الأسواق العالمية .
وفي مارس 2015، أوضح مستشار الجيش الأمريكي والناتو أنتوني كوردسمان، من مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية، أن “اليمن له أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة، لما يشكله من استقرار للمملكة العربية السعودية، وجميع دول الخليج العربية”.وبعبارة أخرى، فإن الحرب على اليمن،تحافظ على المصالح الأمريكية في دول الخليج واستمرار تدفق النفط الخليجي إليها .وأشار كوردسمان، أن “أراضي وجزر اليمن تلعب دوراً حاسماً في حماية ممر عالمي آخر في الطرف الجنوبي الشرقي من البحر الأحمر أو ما يُسمى باب المندب أو (بوابة الدموع)”.ويعد مضيق باب المندب “ممراً بين القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وهو وصلة استراتيجية بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي”.
إن مهمة بناء الدولة اليمنية الديمقراطية الحديثة يجب ألا يتسلم مقاليدها القوى الأقليمية والدولية، بل يجب أن تكون شأنا يمنيا خالصا، وأن نشهد تنازلات من جميع الأطراف لصالح الوطن حرصا على مستقبل الأجيال اليمنية القادمة، وأن تلتفت هذه القوى بأجمعها إلى ما يتعرض له الوطن من مخاطر وقرصنة دولية تسعى إلى السيطرة على ممراته المائية وسلب قراره السياسي والتحكم في ثرواته ومصير أبنائه، ولا مواجهة لهده المخاطر إلا بتقديم التنازلات من أجل الوطن .