حـمار وفيل وبقرة حلوب
موقع أنصار الله || مقالات || صلاح الدكاك
بعد أن أصبح فوز الديمقراطي جو بايدن شبه مؤكد؛ كيف ستسحب هذه النتيجة نفسها على الداخل الأمريكي والخارج، لاسيما السعودية؟ يتساءل مراقبون.
بالنسبة للداخل الأمريكي فإن مؤشرات كثيرة تشير إلى أن الجمهوري الخاسر دونالد ترامب لن يتقبل الهزيمة بروح رياضية، وهو يضغط منذ اليوم الثاني للانتخابات باتجاه طعون قضائية في عملية الاقتراع، ويعبئ أنصاره في كل الولايات مهدداً بفوضى في حال عدم فوزه كمسار موازٍ.
السعودية في ظل محمد بن سلمان الطامح لخلافة أبيه على عرش المملكة، رهنت معظم البيض في سلة دونالد ترامب، وبدت وسائل إعلامها كما لو أنها مملوكة للأخير في تغطيتها لانتخابات الرئاسة الأمريكية بالمقامرة على فوزه.
هل سيشهد الشارع الأمريكي انقسامات عنيفة تقوض أمريكا الإمبراطورية في المركز بالنسبة لمسار التساؤل الأول؟!
وعلى مستوى الخارج، هل سيبقى رهان بن سلمان على وراثة عرش والده العجوز بعد انكشاف الغطاء الأمريكي المتمثل في دعم ترامب عنه؟!
يحاول الديمقراطي جو بايدن بحزمة إصلاحات اجتماعية واقتصادية توصف بـ”الاشتراكية”، أن يستقطب المزاج الأمريكي الساخط لتردي الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة بفعل مقامرات البيت الأبيض الخائبة خارجياً، وكامتداد للأزمة المالية التي ضربت أمريكا بقوة مطلع العام 2008، ولاتزال تلقي بظلالها على كل مناحي الحياة، مخلفة ملايين العاطلين وفاقدي الأمل، وبالتوازي هجرة رؤوس أموال باتجاه مضاد من الولايات المتحدة إلى الصين، ويبقى ملف المهاجرين إلى أمريكا ملفاً شائكاً باعتبار الهجرة رافداً بشرياً مهماً بالنسبة لاقتصاد الولايات المعتمد على طيف بشري ملون، وقد أدت سياسات ترامب العنصرية لإشاعة الرعب في الأوساط الأمريكية ذات الأصول المتعددة.
ترامب الذي دفع بعجلة “التطبيع مع إسرائيل” في ما يسمى الشرق الأوسط وصولاً بها حد تسمية القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة واشنطن إليها، وانتهاءً بقطعان المطبعين مؤخراً؛ أراد بهذه القفزة أن يضمن ولاية رئاسية ثانية في المكتب البيضاوي، وكان بن سلمان في هذا السياق ناقة الرهان الطيعة بالنسبة له، غير أن هذه الورقة (الرابحة ظاهرياً) قد احترقت بالنظر لنتيجة الانتخابات المخيبة لآمال ترامب وأدواته السعودية والإماراتية.
هل ستنجح حزمة بايدن الإصلاحية في أن تعيد الأمان للشارع الأمريكي؟! لاسيما أنها تحاول عبور الأزمة البنيوية للنظام بإجراءات سطحية وغير عميقة، تتمثل في تطوير البنية التحتية، وبالخصوص المطارات لـ”توفير فرص عمل للعطالة الملايينية”، وربما يتمكن بايدن من إعادة الـ”30 مليون أمريكي” إلى طور الانتفاع من التأمين الصحي بعد أن قذف بهم ترامب من قائمة المنتفعين، ولم تشملهم هذه الميزة لأكثر من ولايتين هي حقبة حكم الديمقراطي باراك أوباما!
السعودية كـ”بقرة حلوب” طبقاً لتسمية ترامب أنفق أميرها الشاب الطامح للملك قدراً باهظاً وثقيلاً من المال في مسارين أحدهما ضمان غطاء وسلاح دولي في عدوانه الخائب على اليمن، وانتزاع الملك كاستحقاق عن فوزه بالحرب وإغراق خزائن ترامب بالمال مقابل الأخذ بيده دولياً إلى عرش المملكة.
وعلى ضوء خيبة أمله العسكرية في اليمن وخسارة ترامب للانتخابات الرئاسية، فإن بن سلمان قد خسر مساري الرهان، بينما دفع بالمملكة الأثرى عالمياً إلى حافة الإفلاس والانكشاف العسكري لضربات قوات الجيش واللجان اليمنية. مضافاً إلى ذلك “قشة خاشقجي” التي ستعود ولاريب إلى الواجهة لتقصم ظهر البعير.
بدأت وسائل الإعلام الأمريكية الأشهر تكشر عن أنيابها شامتة في مصير بن سلمان، كـ”الواشنطن بوست وسي إن إن”، في إذلال سيكون على الأمير المعتوه تلافيه بالمزيد من حليب بقرة باتت عجفاء.
جو بايدن هو الفردة الفائزة في الحذاء الأمريكي الواحد، بحسب تعبير فيديل كاسترو، ولن تكون سياساته مختلفة من حيث الجوهر عن سياسات سلفه الجمهوري ترامب بالنسبة لقضايا “الشرق الأوسط”، والتي تمثل فلسطين المحتلة والكيان الصهيوني والملف النووي الإيراني والحرب على اليمن أبرزها؛ وإذا أعاد واشنطن إلى الاتفاق النووي فإنه لن يعيد إيران إلى طوق الاتفاق الذي شبت عليه لجهة مستويات تخصيب اليورانيوم المتقدمة، كما ولجهة فرض قبضة عسكرية وأمنية مائية على هرمز ومياه الخليج وصولاً إلى رفد فنزويلا وسوريا المحاصرتين أمريكياً بسفن الوقود بالعبور في مسرح مائي واسع قوامه البحر الأبيض المتوسط شرقاً والكاريبي جنوب الكرة الأرضية.
فلسطينياً فإن جوهر السياسات الأمريكية بشقيها الديمقراطي والجمهوري يقوم على الدعم المطلق للكيان الصهيوني كثابت مبدئي. ويرى مراقبون أن بايدن لن يكون بمقدوره إعادة مسار “السلام إلى جادة أوسلو” بين فلسطين و”إسرائيل”، وسينظر إلى خطوة نقل سفارة بلده إلى القدس كأمر واقع. في حين أن كلفة الاشتباك على مستوى المشهد العراقي لجهة إذلال الوجود العسكري الأمريكي هناك ستبقى تجهض كاهل الديمقراطيين كما فعلت بالجمهوريين.
في هذا السياق يبرز المتغير العسكري اليمني الذي باتت معه صنعاء تمتلك يداً جوصاروخية طائلة، كمتغير جيوستراتيجي ليس بوسع المقاربة الأمريكية الديمقراطية القفز عليه سواء بالاستمرار في الدعم العسكري لدول تحالف العدوان من جهة، أو بتمرير أجندة العدوان في عملية سياسية تفاوضية وفرضها على صنعاء باسم الحل السياسي من جهة موازية، بينما يبقى الكيان الصهيوني منكشفاً للمتغير العسكري اليمني أكثر فأكثر مع تقاطع الكيان علناً بمسارات العدوان على اليمن وعلاقاته المباشرة مع دول التحالف، وسفور معطيات تؤكد حضوره العسكري على مستوى العمليات الجوية في اليمن وبراً في سقطرى والجنوب المحتل حيث تتحدث وسائل إعلامه عن “قواعد عسكرية” له في الجزيرة اليمنية الأشهر ونشاطات في الجغرافيا المحتلة جنوب اليمن.
كل ما سبق يؤكد أن الولايات المتحدة برئاسة بايدن لن تكون قادرة على لجم المتغيرات المهددة لنفوذها خارجياً، ما يجعل الداخل الأمريكي مرشحاً لسلسلة انقسامات حادة كارتداد لسلسلة خيبات الإمبراطورية في التخوم على مركزها.