العفو عنهم جريرة بعد بيعهم للأسيرة
موقع أنصار الله || مقالات || منير الشامي
اشتهر اليمنيون منذ القِدَمِ بمحامد الأخلاق ونُبل القيم ومواقف الرجولة والنخوة والشهامة، والمروءة والشجاعة والجود والإحسان، وترسخت من مواقفهم الرجولية أعرافٌ في مجتمعاتهم وتأصلت في أجيالهم عاداتٌ توارثوها جيلاً بعد جيل حتى صارت فيهم قواعدُ إنسانية ثابتة ونواميسُ راسخة كرسوخ جبالهم.
ولعل عبارة “مكسور ناموس” أكبر دليل وبرهان على ذلك، وقد كان يطلقها اليمنيون القدمى على الشخص الذي يخالف العادات السائدة والأعراف النبيلة وقوانين الدولة، فكل فعل من هذه الأفعال يعتبر كسراً للناموس، والناموس هو القانون.
هذه العبارة توارثها اليمنيون من عصر الدولة الحِمْيَرية وربما من قبله، وما زالت تتناقلها ألسنتهم حتى اليوم وتطلقها السنتهم على كُـلّ شخص يشذ عن عرف من أعرافهم أَو خلق من أخلاقهم، أَو عادة حميدة من عاداتهم كأن يرد على امرأة حتى ولو كانت تسبه وتلعنُه فلا يحق له أن يرد عليها؛ كونها امرأة، أَو يتحرشها بكلمة أَو لا يوليها بالاحترام والتقدير أَو حتى يمتنعَ عن مساعدة أية امرأة في لحظة تكون بحاجة إلى مساعدته أَو يتخلى عن الدفاع عن أية امرأة وحيدة يضايقها سفلة أَو يعترضون طريقها.
وهذه أبسط الأمثلة على ذلك، وكل شخص يكون بهذه الصفة يصفه اليمنيون بأنه “مكسور ناموس” ومعناها اليوم أنه إنسان واطٍ وحقير ونذل وساقط ومتجرد عن الرجولة ولا يحمل خلقاً من أخلاقها.
واليمنيون منذ القدم قد يختلفون في أي شيء إلَّا أعرافهم وعاداتهم المتوارثة فلم يختلفوا فيها أبداً، ولم يفرطوا فيها عبر القرون المتلاحقة، ولم يخالفها منذ القدم إلا أشخاص محدودون وبشكل حالات نادرة جِـدًّا وخلال فترات زمنية متباعدة، فنبذ المجتمع من خالفها وسقطت مكانته وساءت سُمعته وأصبح ممقوتاً طوال حياته، وهذه الحقيقة يجدها كُـلّ باحث حصيف في أدغال التاريخ اليمني وصفحاته.
ولم يشهد اليمن طوال تاريخه التليد شذوذَ فئة من فئاته ولا خروجا جماعيا لأفراده عن أعرافه وتقاليده كما شهده في زمن العدوان إطلاقا، ولو رجعنا إلى صفحات تاريخه وبحثنا عن الخونة من أبنائه على مر العصور لوجدنا الخونة منهم أفراداً معدودين خلال مئات السنين ولعرفنا أنه لم تحدث خيانة شعبيّة واسعة كالخيانة التي حدثت وشهدناها في زمن العدوان، بالتحاق هذا الكم الهائل من المرتزِقة إلى صفوف الغزاة يقاتلون أبناء جلدتهم ليمكنوا المحتلّين من أرضهم وأعراضهم ويتحولوا إلى عبيد يقاتلون ليُستعبدَ شعبهم وتنهب ثرواتهم وتسلب سيادة وطنهم وحريته وتداس تحت أقدام الغزاة والمجرمين.
التمسنا لهم العذر وقلنا غرّر بهم وأعمى بصيرتهم الشيطان ومضت ستة أعوام ونحن نناديهم في كُـلّ يوم وليلة منها: عودوا إلى رُشدكم وتوبوا من جريمتكم، فوطنكم فاتح لكم ذراعَيه وأحضانه وهو يتسع للجميع.. فما عقل منهم إلا ثلة قليلة جِـدًّا من جمعهم الكبير.
باعوا الوطن فشريناه، وأباحوه فحميناه، ودمّـروه فبنيناه، ومزقوه فجمعناه، ومع ذلك ظللنا نناديهم.
قتلوا أسرانا وعذبوهم واعتقلوا المسافرين وباعوا الأسرى وجثث الشهداء للغزاة فقلنا: سامحكم الله عودوا وليغفر اللهُ لكم.. فما عادوا ولا تابوا، وما ازدادوا إلَّا عتوًّا ونفورًا وطغيانًا وفجورًا، وتمادوا أكثرَ فأكثر وسقطوا أدنى فأدنى حتى وصلوا إلى قعر النذالة والدناءة والحقارة والقذرة وبلغوا من الوقاحة أن يقدموا على بيع الأسيرة اليمنية سميرة مارش للغزاة بعد طول اعتقالها، وهي امرأةٌ لا حول لها ولا قوة لم يرعوا لها حُرمةً ولم تأخذْهم بها شفقةٌ، فهل يؤمَّلُ فيهم خيرٌ بعد هذا السقوط؟
أُولئك هم مكسورو الناموس من إخوان الشياطين وعُبَّاد الملاعين، فلا ناموس لهم ولا شرف ولا إنسانية فيهم ولا وازع، إن هم إلَّا أمساخ قذرة لا صلاحَ لهم بعد اليوم ولا فلاح ولا دواء لهم ولا شفاء، فهم الخبث الخبيث ويجب تطهيرُ الوطن منه.