حين يكون تحرير القدس خطرا ، يصبح الموت في صف اسرائيل شهادة

هل نجحت أمريكا و حلفاؤها في الحيلولة بين الاهتمامات العربية و الإسلامية و بين قضاياها المركزية كقضية تحرير فلسطين و تحرير القدس ثالث الحرمين و أولى القبلتين و مسرى خاتم النبيين ..؟

 قد تكون الإجابة بالإجماع " نعم " .. غير اننا لو أضفنا إلى السؤال : كيف استطاعت أمريكا الحيلولة بين الاهتمامات العربية و الاسلامية و بين قضاياها المركزية كقضية تحرير فلسطين و تحرير القدس ..؟
لو جدنا أنفسنا أمام شبكة من المغالطات و التبريرات الهاربة من الإجابة ، بل إن تلك التبيانات و المغالطات تعد إحدى دلائل نجاح أمريكا في هذا المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي أبعد الوعي العربي و الإسلامي عن القضية الأساسية و وجه بوصلته باتجاه آخر .

حين قامت الثورة الإيرانية و نجحت في إخراج إيران من التحالف الأمريكي الصهيوني لم يكن الأمر بالهين على أصحاب المشروع الاستعماري و لا حلفائه في قلب العالم العربي ، فبدأت الحرب المعلنة على إيران ليس تحت عناوين قومية " عربية فارسية " لم تكن موجودة أيام حكم الشاه ، و كان الغرض منها عزل إيران و مشروعها المناهض للوجود الإسرائيلي و للمشروع الأمريكي برمته ، و مع ذلك لم تنجح تلك الحرب في إبعاد بوصلة الاهتمامات العربية و الاسلامية عن فلسطين و القدس – و إن نجحت نسبيا في وضع إيران في خانة العدو القومي للعرب – فالمقاومة استمرت في مشروعها و استطاعت ان تبقي انظار العرب و
المسلمين متطلعة صوبها و متفاعلة معها ، و لم تستطع تلك الحرب الضروس بين المشروع الامريكي الصهيوني و بين المشروع الإيراني أن تحول بين الأخير و بين الاتصال بالمشروع المقاوم داخل فلسطين المحتلة  و داخل لبنان المحتلة آنذاك .

و حين جندت أمريكا الكثير من العرب و المسلمين في الحرب بينها و بين الاتحاد السوفيتي في أفغانستان و الشيشان و غيرها نجحت إلى حد ما في أن توظف الطافات الجهادية بعيدا عن فلسطين و بعيدا عن تحرير القدس الشريف لدرجة ان الكثير من الأسماء الجهادية الفلسطينية فضلت الذهاب للجهاد في افغانستان و تحرير الأرض الأفغانية على الجهاد داخل أرضها المحتلة و مواصلة طريق التحرير المقدس ، و هذا يعطي دلالة واضحة أن أمريكا و حلفها العربي تمكنوا من توجيه قطاعات كبيرة في المجتمعات العربية صوب الانشغال بعدو بعيد عن القضية لصالح العدو الحقيقي الذي يتوسع و يتمدد و يكرس وجوده على جزء من الارض العربية و يبسط نفوذه عليها و على مقداساتها و يكسب الاعتراف الدولي و العربي في ظل غياب المشروع العربي المقاوم و انشغاله بتحرير بلاد الأفغان في مشرق الشمس .

و مع ذلك لم ينجح المشروع الأمريكي الصهيوني في صرف الاهتمامات العربية و الاسلامية عن القضية الفلسطينية بشكل دائم أو بالشكل الذي يريده ، فسرعان ما اكتشف اصحاب ذلك المشروع أنهم لم يتمكنوا من تطبيع الوعي العربي على نسيان جرحه في فلسطين و لم يتمكنوا من الحيلولة دون تنامي المشروع المقاوم و تعاظمه و اتصاله بالجمهورية الاسلامية و استفادته من النجاحات التي حققتها الثورة الإيرانية ، رغم دخول
الأمريكان و قواتهم و بارجاتهم إلى شواطئ الخليج و احتلال العراق و أفغانستان ، كان هدف الأمريكان من غزو العراق و افغانستان هو التخلص من القوى التي جندتها في حروبها ضد الثورة الإيرانية و ضد السوفيت
و التي كانت تشكل عبئا عليها و  أوراقا محروقة ينبغي التخلص منها و اضعافها خوفا من تحولها الى قوة خارج سيطرتهم ، إضافة إلى اتخاذها ذريعة لتبرير التواجد العسكري الاستعماري في شواطئ و مياة العرب الأمر الذي أدى إلى تطبيع الوعي العربي على تقبل التدخل الأمريكي العسكري و السياسي و تلطيف الوصاية الأمريكية على القرار العربي و على المواقف الرسمية تجاه القضية الفلسطينية و المطالب المقدسة بتحرير الأرض و المقدسات من الاحتلال ، و مع هذا لم ينجح الأمريكان في توجيه اهتمام المجتمعات العربية بعيدا عن فلسطين و ان نجح في تطويع الأنظمة العربية باتجاه مشروع السلام و خذلان مشروع المقاومة و تم وضع حواجز بين الأنظمة العربية و بين مشروع المقاومة .

خلال تلك المرحلة كانت الجمهورية الإسلامية في إيران قد أستطاعت أن توسع دائرة تحالفاتها في العالم العربي و تؤسس لمحور الممانعة عبر سوريا و حزب الله و حركات التحرر في العراق و فلسطين و التي أثمرت أعظم انتصارين عربيين على الكيان الصهيوني سواء في حرب صيف 2006 التي قادها حزب الله في جنوب لبنان و كسرت الصورة النمطية للجيش الصهيوني الذي لا يهزم و مرغته بالتراب ، أو في حرب 2008 التي واجت فيها حركة المقاومة الاسلامية حماس و الفصائل الأخرى أعنف و أصلف حرب صهيونية على أصغر جغرافيا في العالم و هي غزة و مع ذلك لم تستطع قوات الاحتلال أن تكسر شوكة المقاومة لتكون المرة الثانية التي تكسر الصورة النمطية للجيش الصهيوني الذي لا يقهر حسب ما صورته المواقف العربية الرسمية طوال عقود .

كان هذان الانتصاران كفيلان بأن يصل القلق ذروته لدى الأمريكان و حلفائهم من الأنظمة العربية من أن يكبر في الوعي العربي انطباع جديد تخلق من رحم الانتصارين الكبيرين في لبنان و غزة .

فبدأ التفكير الأمريكي و بمساعدة التفكير العربي المنحط بالتخطيط لقتل الوعي الذي بدأ يتخلق . كان الوعي العربي يتفاعل مع انتصارات المقاومة في لبنان و فلسطين بعيدا عن الفرز الطائفي و بعيدا عن التعصب الأيديولوجي ، غير أنه سرعان ما وقع ضحية الأفكار الشيطانية التي تمكنت من اختراقه عبر الطائفية و إثارة النعرات الفئوية و اللعب على وتر الشيعة و السنة .

كان الفرز الطائفي و اثارة النعرات العدائية بين الشيعة و السنة هي الفكرة الجديدة التي مكنت المشروع الأمريكي أن يضع حاجزا بين الاهتمامات العربية و بين القضية الفلسطينية ، و كانت الأبواق الدينية الوهابية هي الأكثر تأثيرا في حشد العداء داخل المجتمعات العربية نحو عدو جديد هو الشيعة و ظهرت مصطلحات و تنظيرات جديدة هي المد الشيعي و النفوذ الإيراني و الأطماع الإيرانية و الخطر الإيراني ووووو الخ ..

نستطيع اليوم و بكل وضوح أن نشاهد ثمار ذلك الشحن الطائفي ضد إيران و مشروع ايران و كل ما تفعله ايران من خلال ظهور ظاهرة خطيرة داخل الوعي العربي و هي الاصطفاف الأعمى مع المشروع الأمريكي و الصهيوني في مواجهة أي مشروع مقاوم و ممانع بحجة مواجهة المد الشيعي و الخطر الإيراني ، حتى و إن كان ذلك على حساب القضية المركزية و هي قضية فلسطين و تحرير القدس .

لقد نجح المشروع الأمريكي في تطبيع الوعي العربي بشكل كبير على تقبل الاصطفاف ضد المشروع المقاوم عبر الخطاب الديني الطائفي أكثر من الخطاب القومي و السياسي الذي فشل في السابق و اكتشف الأمريكان أن الجماعات الدينية أكثر تأثيرا في تحويل اهتمام الشارع العربي بعيدا عن القضايا المركزية
بسرعة خيالية .

و هذا ما أثبتته مرحلة ما يسمى الربيع العربي الذي اتجهت في أمريكا و حلفها نحو تمكين الجماعات الإسلامية من الوصول إلى السلطة و بالتالي تجييش الشارع العربي لمحاربة المشروع المقاوم و قوى
الممانعة تحت مبرر مواجهة إيران و المد الشيعي تحت عناوين دينية و عقائدية .

اليوم الجماعات الجهادية يتم تهريبها إلى داخل سوريا و مدها بالسلاح و المال و مساندتها دوليا و اعلاميا لإسقاط نظام يقف في مربع الممانعة و يدعم مشروع المقاومة ، تلك الجماعات التي كانت حريا بها أن تتسلل
إلى الأراضي الفلسطينية و تصطف في صفوف المقاومة منذ عقود ، و كانت تبرر ذلك بوقوف الأنظمة العربية دون ذلك ، اليوم و قد اصبحت تلك الجماعات على رأس السلطة في مصر مثلا المنفذ المناسب لتهريب المجاهدين الى فلسطين لا نجد فرقا بين الوضع ايام نظام مبارك و بين الوضع اليوم بل على العكس نجد أن هناك تواطؤا واضحا و تجنيدا مستمرا للجهاد في سوريا بعيدا عن القضية المركزية و تجاهلا متعمدا و فجا للواقع الفلسطيني .

اليوم نشاهد ما كنا نعتقده ضربا من الخيال يتحقق أمام أعيننا . العرب و المسلمون يصطفون في صف أمريكا و اسرائيل في مواجهة عدو افتراضي أيا كان ، الاصطفاف في حد ذاته لم يكن مقبولا لا في المنطق و لا في المبدأ .

و أصبحت القضية الفلسطينية و مسألة تحرير القدس جزءا من الأجندات الإيرانية و المشروع الإيراني الذي يجب مواجهته ، هكذا تمت تعبئة الوعي العربي ، أي شيء تنادي به إيران و تدعمه إيران يجب مواجهته حتى و لو كان ضمن ثوابتنا و أولويات الهم العربي .

كنا نستبعد قبل حرب الخليج و غزو العراق أن يقاتل العربي في صف المحتل ضد اخيه العربي او المسلم ، و لكننا شاهدنا بأم اعيننا كيف قاتل العربي و افتى العربي و المسلم في صف المحتل . و سنرى بأم أعيننا قريبا جدا كيف تسخر الدعوات الجهادية و الفتاوى و التبريرات للقتال في صف إسرائيل و أمريكا ضد المشروع الممانع و المقاوم .
و كيف سيقاتل اليهودي و العربي صفا الى صف في وجه من يقول لا إله الا الله .. و كيف سيقاتل العربي جنبا الى جنب مع اليهودي للحيلولة دون تحرير فلسطين و تحرير القدس و للأسف سترفع راية الجهاد في صف اسرائيل و سيسمى القتل في صف اسرائيل و أمريكا شهادة .

قد يعجبك ايضا