تفجيرات بغداد.. والدولة الامريكية العميقة!

|| صحافة ||

شكل التفجير الاجرامي المزدوج في وسط بغداد والذي خلف عشرات الضحايا بين جريح وشهيد، عودة غير حميدة لذكريات لم تطوَ بعد من ذاكرة الشعب العراقي الذي يعد من اكثر الشعوب استهدافا بعمليات الارهاب القذرة والتي تستهدف تركيعه وحشره حشرا في محور امريكي سعودي دون ادنى فرصة للقيام بدور العراق الطبيعي كضلع من اضلاع محور المقاومة.

وهذا التفجير المزدوج من حيث تكتيك العملية الجبانة، هو ايضا مزدوج من حيث الابعاد والاهداف، فهو انعكاس لهزيمة محور الاستعمار وفشله في تدجين العراق في حظيرة الاستعمار بشكل كامل بفضل صمود المقاومة العراقية وثباتها ووفائها لمحور المقاومة، وايضا مؤشر على طبيعة التعاطي الاستعماري والسعودي القادم والذي يعيد استنساخ ادواته الارهابية القديمة لقطع الطريق على المقاومة للاستفاقة واحتلال مكانتها الاقليمية اللائقة بصمودها وانتصاراتها على الحصار.

وهنا نحن امام مشهدين متتاليين يمكن رصدهما عبر استعراض خبرين بثتهما وكالات الانباء، وفيهما دلالات واضحة على ما حدث ولما يمكن استشرافه:

الاول: في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلنت هيئة المنافذ الحدودية في العراق، افتتاح منفذ عرعر الحدودي مع السعودية بشكل رسمي، أمام التبادل التجاري بين البلدين.

وقالت وكالة الأنباء العراقية إن “جميع الاستعدادات أصبحت مكتملة بافتتاح منفذ عرعر الحدودي للأغراض التجارية ومرور المسافرين”.

وقال رئيس هيئة المنافذ الحدودية في السعودية، عمر الوائلي في تصريحات إن “افتتاح منفذ عرعر من الخطوات المهمة لعمل المنافذ الحدودية، لأنه بوابة رئيسية لدول الخليج على العراق”.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن عبد العزيز الشمري، السفير السعودي لدى بغداد، قوله إن افتتاح منفذ “جديدة عرعر” من شأنه أن يساهم في زيادة التبادل التجاري بين البلدين، ويزيد من الاستثمارات النوعية من الجانبين.

الثاني: في اعقاب التفجير الارهابي، قال مستشار في “قيادة عمليات بغداد” التابعة للحشد الشعبي، إن التسريبات الواردة تكشف جنسية أحد الانتحاريين اللذين فجرا جسديهما في بغداد.

وقال عباس الزيدي في تصريحات تلفزيونية إن أحد الانتحاريين في التفجير المزدوج الذي استهدف سوقا مزدحمة بمنطقة ساحة الطيران وسط بغداد وراح ضحيته 32 قتيلا و110 جرحى، كان يحمل الجنسية السعودية.

وتابع: “التسريبات الواردة تقول إن أحد الانتحاريين يحمل الجنسية السعودية، وقد دخل عن طريق منفذ عرعر وبصفة سائق شاحنة، وما إن تواجد في الداخل حتى تم نقله إلى أحد الملاذات الآمنة المعروفة في بغداد”.

هنا يمكننا استخلاص ان منفذ عرعر الخليجي على العراق هو منفذ لدخول الارهاب، وان الاستثمارات الخليجية المزعومة هي استثمارات استخباراتية في الدم العراقي كطريق نحو التركيع وفرض النفوذ الخليجي وترهيب المقاومين وعودة للقتل على الهوية واشاعة الفتن الطائفية.

ومن حيث توقيت التفجير وتزامنه مع تسليم السلطة في الولايات المتحدة، فإن هناك دلالات سياسية واضحة، وربط التفجير بامريكا، اكثر وجاهة من فصله عما يحدث بها، حيث لا انفصال بين المشروع التكفيري وبين امريكا وخاصة الدولة الامريكية العميقة.

في كتاب “إخفاء الدولة” يقول البروفيسور جيسون رويس ليندسي: “حتى بدون وجود جدول أعمال تآمري، فإن مصطلح الدولة العميقة مفيد لفهم جوانب مؤسسة الأمن القومي في البلدان المتقدمة، مع التركيز على الولايات المتحدة”.

وكتب ليندسي، إن “الدولة العميقة تستمد القوة من مجتمع الأمن القومي، والمخابرات، وهو عالم يعتبر أن السرية هي مصدر القوة”.

ويذكر ألفريد دبليو مكوي أن الزيادة في قوة مجتمع الاستخبارات الأمريكي، منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر “شيدت فرعًا رابعًا من الحكومة الأمريكية”، وهو “مستقل من نواح كثيرة عن السلطة التنفيذية، وبشكل متزايد””.

ويرجع البعض هذا المفهوم لابعد من ذلك، فوفقًا للعالم السياسي جورج فريدمان فإن “الدولة العميقة” موجودة منذ عام 1871 وتستمر تحت الحكومة الفيدرالية، وتسيطر على السياسات وتعيد تشكيلها باستمرار”، ناهيك عن الاعترافات الحديثة، مثل اعتراف السناتور راند بول والذي قال نصا: “بالتأكيد هناك دولة عميقة، لأن الدولة العميقة هي أن مجتمعات الاستخبارات ليس لديها رقابة”.

وسبق وان تناولنا في مقال بعنوان “امريكا ومعارك استعادة الصورة”، لمحة عن المرحلة التي تلي تسلم بايدن للسلطة مباشرة، وهي ان هناك جهدا أمريكيا كبيرا سيتم بذله ووقتا طويلا سيمر في اطار السعي وراء استعادة الصورة الامريكية المصدرة على أنها قبلة للحريات والديمقراطية، ناهيك عن تغير مرتقب للتنافس التقليدي بين حزبين رئيسيين يتم تناوب الحكم بينهما، بعد ان نجح ترامب في شق صفوف الحزب الجمهوري، وربما تتشكل حركة أو حزب جديد يتسم بالفاشية بقيادة ترامب وبومبيو، وهو ما سيقلب موازين السياسة الداخلية والخارجية الامريكية ويكشف سوءاتها التي حاول كلا الحزبين مداراتها عبر عقود من التجاوز والتمرير لبعضمها البعض باعتبارهما شريكين في عصابة اجرامية كبرى تشكل قوة عظمى تسمى الولايات المتحدة الامريكية.

وقلنا ان كلا الجهد والوقت المبذولين لترميم الصنم الامريكي، وبقاعدة عدم وجود فراغ في السياسة، سيسمح لقوى أخرى بالوثوب لمسرح الحكم العالمي، سواء من حلفاء أمريكا أو خصومها.

وان هذا السد للفراغ الأمريكي يجعل العالم مرشحًا للتوتر، حيث يتوقع أن تبذل جهود للتعطيل والالهاء عبر نشر حروب صغيرة متناثرة على حدود من يخشى احتلالهم للمكانة الامريكية او القفز الى درجة متقدمة في سلم التوازن الدولي، أو توريط القوى المرشحة للتقدم في حروب مباشرة لاستهلاكهم واستنزاف قوتهم وامكاناتهم ريثما تستفيق أمريكا من كبوتها وتحاول استعادة توازنها.

مرة اخرى نقول انه وباختصار، فإن هناك قنابل دخانية متوقعة يشارك العدو الاسرائيلي وأصدقاؤه من المطبعين العرب في تفجيرها بغرض معاونة أمريكا على استعادة توازنها، وما يحدث بالعراق ولبنان والعدوان الصهيوني المتكرر على سوريا، ليس الا حلقة من حلقات التعطيل المشار اليها، والدولة الامريكية العميقة المتجاوزة لاسماء الرؤساء، شريكة بهذا الامر.

 

العهد الاخباري: إيهاب شوقي

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com