أمريكا والكيان الصهيونيّ عقبة في طريق المصالحة الفلسطينيّة.. هل نشهد إجماعاً داخليّاً؟
|| صحافة ||
لم تأت تصريحات أمين سر اللجنة المركزيّة لحركة التحرير الوطنيّ الفلسطينيّ “فتح”، جبريل الرجوب، الاثنين الفائت، بجديد حيث أشار إلى أنّ أطرافاً أمريكيّة وصهيونيّة رفضت تحالف حركة فتح مع حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس”، وفي تصريحات لتلفزيون فلسطين الرسميّ، قال إنّ الحركة منفتحة مع الجميع ضمن مشروعها الوطنيّ، مؤكّداً أنّ فتح لا تضع “فيتو” على أحد، وأنّ حركة حماس شريك في المشروع الوطنيّ، متحدثاً عن رغبة لتشكيل جبهة وطنيّة لمواجهة الكيان الصهيونيّ الغاصب.
من المعروف للقاصي والداني أنّ الكيان الصهيونيّ المعتدي، أعلن مراراً عن معارضته الشرسة لأيّ اتفاقات ترفع من احتماليّة حدوث المصالحة الفلسطينيّة، وبصورة حادة رفضت تل أبيب أيّ تعاون وتقاسم للحكم بين حماس والسلطة الفلسطينيّة، واليوم تؤكّد فتح على لسان أمين سر اللجنة المركزيّة، أنّ الحركة ستخوض الانتخابات التشريعيّة في قائمة موحدة، وأنّ القيادة الفلسطينيّة تسعى إلى تشكيل مجلس وطنيّ (برلمان منظمة التحرير) يشمل كل الفلسطينيين.
ووفقاً للمسؤول الفلسطينيّ، فإنّ الرئيس الفلسطينيّ، محمود عباس، قدم رؤية لحل مشاكل قطاع غزة المحاصر، للجنة المركزيّة لحركة فتح، موعزاً لتنفيذها قبل الذهاب إلى حوار العاصمة المصريّة القاهرة، بداية شباط القادم، ومن المقرر أن تجري الانتخابات الفلسطينيّة العامة، على 3 مراحل خلال هذا العام، أولها تشريعيّة في 22 أيار، ورئاسيّة في 31 تموز، وانتخابات المجلس الوطنيّ في 31 آب، وفق مرسوم رئاسيّ سابق.
يشار إلى أنّ حركتيّ فتح وحماس، تريدان لفلسطين أن تنعتق من الكيان الصهيونيّ الغاشم، مع اختلاف في اختيار وسائل هذا التحرير، ولم يتوقف الأمر عند حد الاختلاف في الرؤى والتوجهات وتقييم الواقع وطرق التعامل معه، وإنما تحول الخلاف والاختلاف إلى اقتتال سالت على إثره دماء كان من المفترض أن تسيل من أجل مقدسات وطن وأرض وشعب طالت معاناته، ومنذ العام 2007 يسود الانقسام بين حركتيّ حماس وفتح، فيما أسفرت وساطات واتفاقات عديدة مطلع كانون الثاني الجاري، عن توافق الحركتين على شكل وتوقيت الانتخابات، وقد أجريت آخر انتخابات للمجلس التشريعيّ عام 2006، وأسفرت عن فوز حركة حماس بالأغلبيّة، فيما سبقها بعام انتخابات للرئاسة وفاز فيها رئيس السلطة الفلسطينيّة الحاليّ، محمود عباس.
ومن المثير للاهتمام أنّ حركة حماس، قبل أسابيع أشارت إلى وجود “فيتو” من بعض الأطراف العربيّة على انضمام الحركة لمنظمة التحرير الفلسطينيّة التي تأسست عام 1964، لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدوليّة، وحينها قال رئيس مكتب العلاقات الوطنيّة للحركة، حسام بدران، “ليطمئن الجميع أنّ حماس لا يمكن أن تتأثر من شدة عداء الاحتلال الصهيونيّ، أو شدة الخصومة من الأقربين، ولن نتراجع عن مواقفنا وثوابتنا”، في الوقت الذي تدرك فيه الفصائل الفلسطينيّة جيداً حجم المخاطر التي تواجه القضية اليوم، والمتمثلة بـ “صفعة القرن” الرامية إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة، والتطبيع الذي شكل طعنة في ظهر هذا البلد، ناهيك عن مخططات الاستيطان والضم التي لا تتوقف عن قضم ونهب أراضي الشعب الفلسطينيّ.
ودائماً ما تُصر حماس أنّها تمتلك شرعية المقاومة والتضحية، وأنّها تمثل رأس الحربة في مقاومة الاحتلال الصهيونيّ منذ أكثر من 20 عاماً، كما أنها تمتلك شرعية انتخابيّة، حيث حصلت على النصيب الأكبر من أصوات الناخبين في آخر انتخابات أجريت في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، والقدس، إضافة إلى استعدادها الدائم للحوار مع الكل الوطني الفلسطينيّ، وتقديم التنازلات في كل القضايا الحزبيّة، مع تأكيدها على رفض تقديم أيّ تنازلات في ثوابتها وموقفها الأصليّ من المقاومة، وحق العودة، ورفض التعاون مع العدو الغاشم.
وفي وقت سابق، أعلن رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس، إسماعيل هنية، قبول حركته بإجراء انتخابات فلسطينيّة برلمانيّة ورئاسيّة ومجلس وطنيّ على التوالي بضمان تركيا ومصر وقطر وروسيا، وتراجعت عن شرط إجراء جولات الانتخابات الثلاث، بشكل متزامن، تفهماً لضرورة استئناف مسيرة الحوار الوطنيّ، وإنجاز اتفاق لإجراء انتخابات تنتهي في غضون 6 أشهر.
إضافة إلى ذلك، لا تخفي فتح رفضها للرعاية الأمريكيّة الحصريّة لعملية السلام مع العدو الصهيونيّ المعتدي رغم انفتاحها على الجميع كما تقول، وتؤكّد على لسان أمين سر اللجنة المركزيّة أنّها لا تراهن على الإدارة الأمريكيّة الجديدة، وأضاف إنّ الحركة مع رعاية أمميّة وعربيّة، وتقبل أن تكون مصر والأردن، ولكن لا يمكن لفتح بأيّ شكل من الأشكال القبول برعاية أو مشاركة إماراتيّة، مذكراً بالدعوات المتكررة الصادرة عن الحركة والمتعلقة بعقد مؤتمر دولي لما تسمى “عملية السلام” برعاية الأمم المتحدة وبمشاركة أطراف دوليّة وعربيّة.
وما ينبغي ذكره، أنّ الكيان الصهيونيّ الإرهابيّ، منزعج بشدة من دخول حماس بقوة في معترك السياسة، في ظل الشعبيّة الكبيرة التي تتمتع بها الحركة، وخاصة أنّها استطاعت الانتصار على الكيان الإرهابيّ في عدة حروب، وانتصرت غزة بشعبها العظيم ومقاومتها التي تشكل حماس رأس حربتها، وأذلت ناصية العدو الصهيونيّ المعتدي الذي أثقب مسامعنا بأنّه “لا يقهر”، وبالرغم من الحصار الذي يفرضه الكيان الوحشيّ على قطاع غزة، لم يتمكن من إرضاخ القطاع ولا المقاومين داخله.
وتعيش الأوساط الصهيونيّة قلقاً كبيراً، بسبب احتمالية فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعيّة المقبلة، فيما توقعات تتحدث أنّ حركة حماس هي المنتصرة في تلك الانتخابات، حيث تظهر تقارير الإعلام العبريّ أنّ المقربين من الرئيس عباس، يعلمون أنّ استطلاعات الرأيّ المختلفة التي أجريت قبل مدة في الضفة الغربيّة المحتلة، تدل بما لا شك فيه على أنّه في حال جرت الانتخابات التشريعيّة بالفعل فإنّ حركة المقاومة الإسلاميّة ستتفوق على حركة فتح التي يرأسها عباس، وأنّ رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، سيفوز على عباس في انتخابات الرئاسة بفارق غير كبير.
وقبل أيام، دعا رئيس الوزراء الفلسطينيّ، الأمم المتحدة إلى التدخل والضغط على العدو الصهيونيّ للسماح بإجراء انتخاباتهم العامة في شرق القدس، وحثها على بذل كل الجهود لتسهيل إجراء انتخابات الفلسطينيين ومطالبة تل أبيب بتمكين المقدسيين من المشاركة فيها، وأكّد على ضرورة سماح العدو للفلسطينيين في القدس بالمشاركة في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة بالترشح والتصويت، وذلك خلال مباحثات هاتفيّة مع منسق الأمم المتحدة الخاص لما تسمى “عملية السلام” في الشرق الأوسط، تور وينسلاند.
بناء على كل ما ذكر، فهمت حركة فتح ولو بشكل متأخر، أنّه لا فائدة من التعويل على أمريكا في إيجاد حلول لمآسي الفلسطينيين، وإنّ تصريحات الأمين العام للجنة المركزيّة في فتح، تظهر بوضوح أنّ الأخيرة تراجعت عن تصريحات وزير الشؤون الاجتماعيّة الفلسطينيّ، عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، التي تحدثت عن وجود ما أسماها إشارات من إدارة الرئيس الأمريكيّ الجديد، جو بايدن، يمكن البناء عليها بما يخص القضية الفلسطينيّة، والتي أدانتها حماس معتبرة أنّ هذه التصريحات تعكس “استمرار توهم” البعض بمسار تسويّة يمكن أن ينتج شيئاً للشعب الفلسطينيّ من خلال توسط أمريكا بين السلطة الفلسطينيّة التي يرأسها محمود عباس، والكيان الصهيونيّ الغاصب، متجاهلين تأكيد وزير خارجيّة واشنطن الجديد، اعترافه بالقدس عاصمة للمحتل المجرم وإبقاء سفارة بلاده فيها.
الوقت التحليلي