قياداتٌ عسكرية تروي خفايا “البنيان المرصوص”.. انتصاراتٌ عظيمة وتأييدٌ إلهي كبير (٢-٢)

|| صحافة ||

استكملَ أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة كافةَ التجهيزات، وجاءت التوجيهاتُ بانطلاق العملية، لتتجلَّى حقائقُ التأييد الإلهي، والمعجزاتُ أمام المجاهدين، في واحدةٍ من أَهَـمِّ المعارك في التاريخ، والتي ستدوَّنُ بماء الذهب.

ويقولُ المجاهدُ أبو محمد المراني -أحد القيادات الميدانية في جبهة نهم-: بدأت المعركةُ بتوجيهٍ من السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله ورعاه-وبدأت المعركةُ بشكل مفاجئ على العدوّ.

ويروي المجاهدُ أبو ربيع المسعودي -أحد القيادات الميدانية للجيش واللجان الشعبيّة- كيف تمت البداية لعملية “البنيان المرصوص” المذهلة، موضحًا أنه أخذ الأدوات التي كان من المفترَض أن يأخذَها معه، حَيثُ مشى حتى وصل إلى عند المجاهدين الميدانيين، واطلعوا على باقي التفاصيل، واستكملوا بقيةَ الرؤية.

ويضيف قائلاً: “كنا على أَسَاس قد احنا بانتأخر يوم في هذه العملية فجاء التوجيهُ ضخم، أن الناس لا يتأخروا وعليهم أن يستعينوا بالله ويبدأون بعد العصر أَو قبل المغرب”.

من جانبه، يحكي المجاهد أبو هدى ذويب -أحد القادة الميدانيين لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة- جانباً من بداية هذه العملية، فيقول: “جمعنا رجال الله وتوكلنا على الله، فبدأت العملية من منطقة عيدة، وأنا طلعت بنفسي إلى عيدة، والمجاهدون هناك وأول ما غادر الطيران بدأت العملية”.

أما المجاهدُ أبو يحيى الشرفي -أحد القادة الميدانيين في جبهة نهم- فيقول عن هذه البداية: “بدأت العملية وبدأت المسارات تتحَرّك، فبدأ مسارٌ من جهة الجوف، ما بين الجوف وما بين جبهة نهم، باتّجاه الجرشب والساقية، من ذلك الاتّجاه، وبعد ذلك بدأ المسارُ الذي هو باتّجاه المجاوحة، وكان هذان مساران رئيسيين في العملية، لجأ المجاهدون في بداية الأمر إلى حفر خندق تحت الأرض طوله حوالي 80 إلى 100 متر، بحيث يمشي فيه المجاهد وهو واقفٌ، كما يقول المجاهد إبراهيم الحشيشي -أحد القادة الميدانيين في جبهة نهم-.

ويؤكّـد الحشيشي أنه تم إنشاءُ هذا الخندق للفصل بين منطقتَي عبيدان وعيدة الغربية، حَيثُ كان له دور كبير في عملية البنيان المرصوص، مُشيراً إلى أن الخندق أَو الخدير تم حفرُه في فترة سابقة قبل العملية، إلا أن فتحةَ الخدير من جهة العدوّ لم يتم فتحها إلا ليلة بدء العملية، فكان له أثرٌ ودورٌ كبيرٌ في العملية، ومنه تسلّلت القوات إلى مواقع العدوّ، وقد أحدث ذلك إرباكاً كَبيراً للعدو، وتم الفصلُ ما بين عبيدان وعيدة الغربية.

وفي هذه الأثناء، يقول المجاهد أبو ربيع المسعودي إنه تم إدخَالُ القوات وكل مستلزماتها في تلك الجبهة، وبدأ المسار يشتغل مثلما قرّرت القيادةُ بالضبط.

ويؤكّـد المسعودي أن الأوضاعَ تحَرّكت بعد العشاء، حَيثُ كانت العمليةُ مباغتةً، وكانت وَقْعُها على العدوّ كبيراً وقوياً جِـدًّا جداً.

وجبهةُ عيدة والمجاوحة، أَو ما يُعرف عنها بالمنصاع أَو عيدة وعبيدان، كانت قريبةً جِـدًّا، لأَهَـمّيتها الاستراتيجية؛ وكونها عارضاً حساساً، يعني من سيطر عليها كان له زمامُ المبادرة في تلك الجبهة، يعني كانت قريبةً، حتى الاشتباكات كانت على مسافة أقل شيء 50 مترًا، وأكبر شيء 100 متر، حتى أنه كنا نسمعُ أصواتَ المنافقين وهم يصيحون، فكانت عمليةُ المباغتة ناجحةً بشكل كبير، والكلام للمجاهد المسعودي.

وفي هذا الصدد، يؤكّـد المجاهد محمد عبدالله أبو مهدي، أن العدوَّ جَبُنَ بفضل الله وقوته عندما رأى القوات خلفَه في كُـلّ المواقع، حَيثُ كان التفافاً ناجحاً، وَكان بحجم كبير وكان هناك تخطيطٌ عسكري لم يخطر للعدو على بال، ولم يكن العدوّ يتوقع أن يتوغل المجاهدون إلى ظهرِ وقلبِ العدوّ ويقطعون الإمدَادَ على كافة مواقعه.

ويواصل أبو مهدي قائلاً: “بعضُهم هرب، وليس تكتيكاً، وكان هروبُ العدوّ بشكل جماعي، ونحن في الجيش كان هذا عندنا في التكتيك العسكري، وهو الولوجُ إلى وسط العدوّ ومن خلف العدوّ وإلى بين مواقع العدوّ، والعدوّ يمين وشمال وقدام، كان هذا يسمى انتحاراً، لكن تأييد الله فاق التصور، وكان الانتصار بفضل الله وبحجم كبير”.

ويزيد أبو مهدي بقوله: “طبعاً كان معنا مشاركون من قادة الألوية من العمليات ومن الأركان ومن الكل وبشكل جماعي، وكان كلما حدّدنا نقطة أَو هدفاً، يسقط مباشرة، حتى أن الهدف الذي رسمناه ما قبل العملية سقط من دون مواجهة، وهذا بفضل الله، رغم أننا كنا قد أعددنا له عدة وجهّزنا له العيارات ووزعنا المدفعية؛ لأَنَّه كان هذا الهدف بالنسبة لنا قبل العملية هدفاً كبيراً، وبعد العملية أصبح جزءاً وهدفاً صغيراً، وهذا بفضل الله وقوته، وبفضل الله تحقّق لنا انتصارٌ فاق الخيال”.

ويعاودُ المجاهدُ إبراهيم الحشيشي سردَ ما حدث، فيقول: “جاء تعاونٌ كبيرٌ من جميع المناطق وكانت مهمةُ مسارنا أن نلتفَّ على الخط الدفاعي حق جبهة نهم بالكامل، وباقي المسارات تتجه صَلِب واتّجاه النحلين، وقرود وتلك الأماكن، فاستعنا بالله وجاء تأييد إلهي كبير، ووفقنا الله”.

ويضيف المجاهد الحشيشي: “في بداية العملية بدأنا اشتغلنا في عبيدان وعيدة الغربية وتبة المكافيش، وبدأت بقية المسارات بالتحَرّك وتقدم المجاهدون في عبيدات وتبة المكافيش والمصنعة حتى وصلنا إلى الجفينة، خلفية المنازح، وعند وصولنا إلى بداية وادي ملح من اتّجاه الجفينة، رجع لنا توجيه أن نمشي من اتّجاه قرود، ومن خلف تبة رشيد رجعنا اخترقنا حتى وصلنا إلى خلفية قرود وتم قطع الخط على وادي ملح وعلى التبة الحمراء، وعلى جبل القرن، في ذلك اليوم، المهم جاء تأييد إلهي كبير للمجاهدين، وفي اليوم الثالث وبعد أن تم قطع كافة إمدَادات العدوّ سقطت تلك الجبهة بالكامل، التي هي جبهة القتب والقرن والحمراء والجبين”.

ويجمع القادة الميدانيون من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة على التدخل الإلهي في هذه العملية المباركة، وكيف تحقّق لهم نصر الله.

ويؤكّـد المجاهد أبو ربيع المسعودي أن الأعداء بدأوا أولاً في الهروب من المواقع التي لا تشكل خطراً عليهم، موضحًا أن عبيدان هي التي تشكل هرم أَو بؤرة الجبهة، وجاء اقتحامها طول الليل، والمجاهدون مستبسلون في اقتحامها، وسقطت فيها أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف العدوّ، وما سقطت إلا مع شروق الشمس.

ويزيد المجاهد المسعودي بقوله: مع الضوء، بدأت أول خيمة للمنافقين تحترق، وجاء فيها معركة بكل ما تعنيه الكلمة، جاء فيها استبسال للمجاهدين بشكل قدموا فيه دين الله على أكمل وجه، منوِّهًا إلى أن العدوّ عندما عرف أنه انهزم في هذه الجبهة؛ لأَنَّ المجاهدين في الفصيل الأول والثاني والثالث والتابعين للمسار الثاني وصلوا في النهرين طبعاً، وأربكوا العدوّ عندما قد بيسمع أن قد الاشتباكات خلفه، هذه كانت وقعها على المنافقين بشكل ما يتصور، حاول العدوّ أن يعزز وضعه بعد ذلك وبعدما أصبحوا في جبل المنارة، والذي يشرف على أمور كثيرة، فحال أنه يعزز تمركزه فيه ويتحصن، وقاوم فيه مقاومة شديدة، وقد استمر اقتحام المجاهدين لهذا الجبل من بعد العصر إلى قبل ظهر اليوم الثاني، وبالرغم من محاولة العدوّ تعزيز تمركزه في جبل المنارة إلا أن المجاهدين كانوا يدركون الأهميّة التي يمثلها جبل المنارة، وكان المجاهدون عازمين على تحريره، فتوزعت المهام بين فصائل المجاهدين ما بين الالتفاف والاقتحام، وبفضل الله وتأييده تم تحرير جبل المنارة.

 

معجزة إلهية

لم يكن المجاهدون يستوعبون ما تحقّق لهم من انتصارات كبيرة وساحقة في نهم خلال الأيّام الأولى من انطلاق عملية “البنيان المرصوص”، وكيف تمكّنوا من الوصول إلى جبل المنار.

ويقول المجاهد أبو هدى ذويب بأنه حين كان يستطلع بالناظور مع أحد مجاهدي الإعلام الحربي، لم يصدق حين رأى أطقم المجاهدين على جبل المنارة، مستغرباً من تحقّق هذا الانتصار.

ويقول المجاهد ذويب: “اندهشت وَاستغربت أيش هذا النصر، بأيش أحلله!.. ما دريت كيف أحلل هذا الموضوع، كيف هذا النصر الذي قدمنا إليه، فما قدرت أستوعب هذه القضية وسجدتُ لله شاكراً، ونظرت إلى المجاهدين متقدمين تحت المنارة، فتذكرت انتصاراتِ وادي آل أبو جبارة، واجتماع قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي –حفظه الله- بنا، والذي قال: “أول آيات تطبقت في مسيرتنا القرآنية (وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ)، فتوكلنا على الله مع المغرب ودخلنا في موكبٍ كأني في عصر، أيش هذا التدخل وكنت في تلك الساعة أحلل في رأسي، ما قدرت استوعب هذا التأييد وهذا النصر”.

ويتحدث المجاهد أبو عمار الحشحوش عن هذه التفاصيل، فيقول: “لاحظت أحدَ قيادات العدوّ نزل من القتب، وهو جريح، ورجعت أسأله كيف الموقف؟ فكان متفاجئاً ويقول لي: أنتم منتصرون، هذا نصرٌ كبير، هذا نصر عظيم”.

كان هذا الجريحُ أحد قيادات العدوّ، وكان يتحدث مع المجاهد المسعودي، ويقول: “أكبر إنجاز لكم هو مباغتتُنا، كنا مترصدين؛ لأَنَّنا كنا في جبل المنارة، وجبل المنارة يعتبر من أَهَـمّ الجبال الاستراتيجية، في الإطلالة على المنطقة بأكملها، حتى أن الذي في جبل المنارة يستطيع يستطلعُ الذي نازل من نقيل غيلان، كُـلُّ المنطقة تحت إدارته، ولكن هناك رعايةً وتأييداً إلهياً حتى هم تفاجئوا، وإلا أنا أعرف أن قيادات المرتزِقة أول ما يعرف ويأتيه ضغط يهربون من المعركة” والكلام للمجاهد المسعودي.

ويروي المجاهدُ بسام الشقاقي -أحد القادة الميدانيين من أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في جبهة نهم- جانباً من خفايا هذه المواجهة، فيقول:

“تخيل سقطت التبةُ في جبل بحرة، حَيثُ كان العدوّ معه تبة ملبز عرق الجبل، لكن سقطت تلك التبة، فسقط الوادي كاملاً، مما يسمى العصيدة وكذا سقطت التباب تلك كاملة”.

ويواصل الشقاقي حديثه بالقول:

“طبعاً بالنسبة لتبة بحرة جاء فيها مواجهةٌ مع العدوّ مواجهة شرسة، بس بلطف الله تخيل ما جانا لا جريح ولا شهيد ولا شيء؛ لأَنَّه حالف الحظ إذَا كان من العدوّ يأتي والخسارة علينا، لكن إذَا هجمنا أحنا خلاص تأتي وضعية العدوّ قد هو منهار إلى أبعد حَــدٍّ؛ ولهذا سيطرنا على مواقعَ وعلى تباب وعلى كذا، وضيّقنا الخناق على العدوّ في جبل صلب من اتّجاه بحرة، وهذا أثّر على العدوّ في الخانق وانهارت معنوياتُه هناك، وحينَها جاءت التوجيهاتُ للمجاهدين بالهجوم والتقدم نحو الخانق.

أما بالنسبة لنا فجاءنا التوجيهُ بالعودة إلى المسار المحدّد في جبال الشبكة عرق جبل صلب، فتواصل بنا المجاهدون وقالوا: توكلوا على الله واطلعوا جبل صلب، وطبعا أنا كنتُ من المرابطين في مواقع الجيش واللجان الشعبيّة القريبة من جبل صلب، وهو جبلٌ شاهقٌ، وبعد ما جاءنا التوجيهُ قمنا بترتيب أمورنا وأعددنا التشكيلة وقسمنا المهامَّ بين المجموعات، وأرسلنا مجموعةً لاستطلاع المنطقة، وفورَ انتهاء عملية الاستطلاع أخذت المجموعةَ الثانيةَ وتوكلنا على الله، والحمد لله سيطرنا على الشبكة وعلى المنطقة التي كان فيها الـ23 حق العدو”.

كان المجاهد ساجد الغري في تلك الأثناء يتابعُ التعزيزات التي تم إدخَالُها بعد ما بدأت العمليةُ ويقوم بنقلها من خلفية الجبهة إلى المقدمة.

ويقول المجاهد الغري: “بفضل الله سبحانه وتعالى لم نكن نستكملُ إدخَالَ التعزيزات، يعني أحياناً، كان يتبقى ثلث القوة أَو نصف القوة، ما قد وصَلوا عند خطوط التماس في المقدمة، مثلاً يجي لنا توجيه أن تسحبوا القوات من منطقة كذا وأدخلوهم إلى منقطة كذا، ومثلاً كان بداية المسار من ميمنة الجبهة يعني ميمنة نهم، من اتّجاه المجاوحة، كنا ندخل التعزيزات باتّجاه المجاوحة، جاء لنا توجيهٌ وعاد أحنا ما قد استكملنا إدخَال التعزيزات، جاء لنا التوجيه أن التعزيزات ما عاد لها أي لزوم في ذاك المكان، يعني قد فُتح المسار قد تقدم المجاهدون مسافات كبيرة، والآن اسحبوهم وأدخِلوهم في جهة الميسرة التي هي باتّجاه الحول، وحوّلنا اتّجاه التعزيزات من الميمنة باتّجاه الميسرة، وقبل أن نوصلَ تلك التعزيزات جاءنا توجيهٌ بأنه خلاص قد فتحت من الميسرة، ولم تعد أية حاجة للتعزيزات في ذلك الجانب”.

ويضيف المجاهد الغري: “الحمد لله تفاجأنا بشكل كبير، يعني كانت تأتينا توجيهات من القيادة، خلاص حرّكوهم، قلنا قد حرّكناهم في ذا الاتّجاه على حسب توجيهاتكم، قالوا خلاص ما عاد لها داعي في الاتّجاه الأول، أقدر أقول لك إننا حرّكناهم يمكن ثلاث مرات، في ثلاثة اتّجاهات، وكانت تُفتح تلك الاتّجاهات وعادهم ما قد وصلوا، ولا قرحوا فيها طلقة واحد، التعزيزات كلها لم تشتغل إلا بعد أن تحرّرت جبهة نهم بشكل كامل”.

ويؤكّـد المجاهد جبران الداعي أن المجاهدين استعانوا بالله، وبدأوا بالعملية، فسقط القرنُ وَما بعد القرن تلك الأماكن، ووصل الناس إلى عند المعسكر حق الفرضة، وجبال يام سقطت، وكنا نسبّح الله ونقدّسه، ونحن نرى العدوَّ شارداً ولا فيه مواجهات من مرة، ولا به حاجة يعني، إلا اشتباك كذا من بعيد لبعيد، وتهرب الآليات حقهم والطقوم.

ويواصل المجاهد الداعي حديثه بالقول: “استعنا بالله في تلك الليلة، حتى جاءنا توجيهٌ من أبو يونس قال: يجب أن تصلوا إلى جبل الجرة مقابل حيد الذهب، فوصلنا والناس هناك، وَاستقرينا هناك تلك الليلة إلى بعد الفجر، وبعد الفجر استعان الناسُ بالله، وكان عاد باقي هناك قليل عند بوابة النصر، قدام مفرق الجوف، يعني لما شافوا المؤمنين بهذه المعنويات العالية شردوا وواصلنا تقدمنا حتى وصلنا إلى مفرق الجوف، وعند وصولنا تفاجأنا بالعتاد والإمْكَانيات التي كان يمتلكُها العدوّ والتي تركها خلفه، من طقوم ومدرعات وعيارات، والتحصينات.. ما أقول لك يعني شيء ما تخيلناه، حمدنا اللهَ وشكرناه حينها وأدركنا أنها آيةٌ من آيات الله”.

 

عمليةٌ تفوقُ الخيال

كان معظمُ المجاهدين غيرَ مستوعبين للانتصارات المتلاحقة والسريعة والخاطفة؛ ولهذا كان تسبيحُ الله وشكرُه والثناءُ عليه لا يفارقهم.

وَيقولُ المجاهدُ أبو محمد المراني عن “البنيان المرصوص”: كانت عمليةً نموذجيةً واستثنائيةً ومعجزةً، وكانت كما وصفها (أبو يونس) بأنها آية من آيات الله، وقد ساهم في تحقيق هذا النجاح اعتمادُنا على الله هذا أولاً، ثانياً التسليمُ المطلقُ لتوجيهات القيادة، وَثالثاً تحول المجاهدون كلهم إلى شخص واحد، يعني كلهم مندفعون بإخلاص، واستعداد عالٍ للشهادة والتضحية، وهذا أثّر بشكل كبير جِـدًّا في الأداء الميداني، وكان المجاهدون يتسابقون في المواقف، من يقوم بالموقف قبل الآخر، وهذا كان عاملَ نجاحٍ قوياً جِـدًّا جداً جِـدًّا، رأيته بأُمّ عيني، ولمستُه بكل الجبهات آنذاك، وكان المجاهدون كُـلُّ واحد منهم يحاول أن يسبقَ الآخر حتى لا يسبقَه في أداء المهمة، وهذا مثّل عاملَ نجاحٍ قوياً جداً”.

من جهته، يؤكّـد العميد محمد عبد الله (أبو مهدي) أن كُـلَّ ما كانوا يلمسونه، أنهم حين يحدّدون الهدفة مثلاً تبة أَو تبتين جبل أَو جبل كذا صغير، ويحدّدون المسارات لاقتحامه من الميمنة والميسرة، كان يأتي تأييدُ الله، فيتحرّر هذا الجبل، أَو التبة، ثم يتحرّر الجبلُ الثاني، ويسقط الثالث، بالرغم من أننا حدّدنا لتبة معينة أَو جبل صغير أَو جبل كبير، فكانت الآيات كبيرة.

ويضيف أبو مهدي قائلاً: “ثاني الآيات الكبيرة أنه عندما قطعنا على العدوّ في وادي ملح كان العدوّ يمشي بالمدرعات، ويضرب بـ (البي إم بي)، والناس ماشين، وهذه المعركةُ الوحيدة، التي لم تتم متابعة الأفراد أَو متابعة القادة بالالتحام والاقتحام، حَيثُ كان المجاهدون مندفعين اندفاعاً كَبيراً من أنفسهم، ولا وجود لأي بلاغ، حتى في الجهاز لم يكن هناك توجيهات: “امشِ، تحَرّك مافيش”، كان الكل مندفعاً ذاتياً، وكانت البي إم بي تضرب عندما يطلع مسار على شكل مشاة يمشوا ناس كثير وطقوم، فكان البي إم بي حق العدوّ يضرب، وعندما يرى المقاتل اليمني من الجيش واللجان الشعبيّة، ما يهتز والبي إم بي تضرب هنا وتضرب هنا وهنا، بالأخير يحبط العدوّ، ثم يترك البي إم بي ويهرب، أَو يهرب بها”.

ويرى المجاهد طارق الشريف أن “البنيانَ المرصوص” هي العمليةُ التي لم يدركْها العقلُ، مؤكّـداً أن المجاهدين الآن في حيرة، وَحتى القيادات قيادات المجاهدين الآن في حيرة، كيف تمت عملية البنيان المرصوص؟ هذا حين تسبّبنا مع الله، جاء هذا الفتح وهذا النصر المبين.

من جانبه، يقول المجاهد ضيف الله المقراني (أبو ثائر): إن هذه المعركة هي التي قارنت ما بيننا وبين العدوّ، وفيها كان التسليم والالتزام والثقافة والمبادرة والمسارعة، هي التي استطعنا من خلالها أن نبرزَ على العدوّ، وأن نبطشَ جبارين بجبروت الله سبحانَه وتعالى، وبقوة الله سبحانه وتعالى، منوِّهًا إلى أنه لم يكن أي إنسان يتوقع مثلاً حين يقارن في الجانب العسكري ما بين إمْكَانات الجيش واللجان الشعبيّة وإمْكَانات العدوّ والمنافقين، حَيثُ لم تكن هناك أية مقارنة تُذكر، لافتاً إلى أن الأملَ بالله والرجوعَ إلى الله والثقةَ بالله هي التي جاءت بالنصر.

المجاهد أبو ربيع المسعودي يتحدث مرةً أُخرى عن هذا الانتصار النوعي، فيقول: “عملية البنيان المرصوص وما تكلل فيها من تأييد الله وعونه ونصره، وبما يقالُ من المجاهدين المخلصين بأن خمسة أَيَّـام طوت خمسة سنوات للعدو، يعني نحن فرحنا بالنصر، والفرحة بهذا الفتح، يعني المجاهدين ما عاد حسبوا حساب، حتى أن أغلبهم جلس بلا نوم طيلة العملية”.

ويكمل المجاهدُ أبو يحيى الشرفي حديثَه عن “البنيان المرصوص”، فيقول: “كان هناك تنسيقٌ مع القوة الصاروخية والطيران المسير، وكان هناك تفاعَلٌ وأكثر ما ضرب نفسيات العدوّ، هو ضربُ مقرات قيادات المرتزِقة، وضرب شبكة اتصالات العدوّ، حتى تفاجأوا ولا عاد يوجد أي اتصال ولا أي تواصل مع القيادات أَو مع المنافقين، وكان هناك ارتباكٌ كبيرٌ في صفوف العدوّ.

ويواصل حديثه: “طبعاً طيرانُ العدوان الأمريكي السعودي حين بدأت العملية كان بشكل خفيف، وبعد ما بدأت العملية هطلت الأمطارُ واستمرت بالهطول منذ بداية العملية إلى ما يقارب نصفَ العملية، وهذا كان تأييداً إلهياً، حَيثُ كانت الأمطار والسحب تغطي على المجاهدين، هذا بالإضافة إلى الدور الذي لعبته وحدةُ الدفاع الجوي في تحييد وإعاقة طيران العدوّ، مُشيراً إلى أنه كان هناك دورٌ كبيرٌ لقوات الدفاع الجوي وكذلك القوة الصاروخية والسلاح المسيَّر في ترجمة توجيهات القيادة، المتعلقة باستراتيجية الردع، حَيثُ شاركت وحداتٌ من قواتنا، منها الدفاع الجوي، بعملية البنيان المرصوص، وكان لمنظومة فاطر وغيرها من المنظومات دورٌ مهمٌّ في إرباك الطيران الحربي، وإعاقته عن تنفيذ الغارات”.

لقد نجحت قواتُ الدفاع الجوِّي في تنفيذ أكثر من 25 عملية تَصَدٍّ، وأجبرت العدوَّ على المغادرة وَدكت القواتُ المسلحة عبر قواتها الصاروخية وسلاح الجو المسيَّر عدداً من مطارات العدوّ المستخدَمة لأغراض عسكرية، منها مطارات في نجران وجيزان، بالإضافة إلى دك قاعدة خميس مشيط بعددٍ من الصواريخ، وتجاوز عدد عمليات سلاح الجو المسيَّر على أهداف في الداخل والخارج، 41 عملية فيما تجاوزت عملياتُ القوة الصاروخية على أهداف في الداخل والخارج 21 عملية، وبلغ عددُ القتلى والمصابين والأسرى من العدوّ أكثرَ من 3500 ما بين قتيل وجريح وأسير، منهم 1500 قتيل بينهم قيادات، وبحسبِ المعلومات الاستخباراتية، فقد بلغ عدد الجرحى 1830 جريحاً، بالإضافة إلى المئات من الأسرى.

ويقول المجاهدُ أبو غانم النشوري -أحد القادة الميدانيين في نهم-: إن ما حقّقه العدوّ في عدوانه على نهم طيلةَ خمس سنوات، حقّقه المجاهدون في خمسة أَيَّـام، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالى وتأييده للمجاهدين، مُضيفاً أن مِن التأييد الالهي الذي لمسناه أن الله سبحانه وتعالى قذفَ الرعب في قلوب الأعداء، وأصابهم بخوف شديد وهلع، حتى أننا كنا نوصل إلى بعض مواقع العدوّ وما عاد فيها أحد، وكانت قلةٌ قليلةٌ من المجاهدين تحاصر لك لواءً كاملاً، ويجبرونه على أن يُسَلِّم لهم.

ويؤكّـد المجاهد أبو خليل القطابري أن التدخُّلَ الإلهي والرعايةَ التي حظي بها المجاهدون كانت كبيرةً، مُشيراً إلى أن المجاهدين تحَرّكوا وبذلوا السببَ وتحَرّكوا بروحيةٍ ومعنوياتٍ عاليةٍ، وحين بدأنا نتحَرَّكُ، كانت الرعايةُ الإلهيةُ قبلنا، والخوف والرعب يملئ قلوبَ الأعداء، حتى أننا كنا نستغرب من أشياءَ كنا قد أعددنا لها إعداداً قوياً، ورأيناها تسقط بأقل الأشياء وأسهلها.

ويضرب المجاهد القطابري مثالاً على ذلك فيقول: “في موقع من المواقع كانت تحصيناتُ العدوّ على أرقى مستوى، وكُنا قد عملنا على أَسَاس أننا بانستهدفها بأسلحةٍ ثقيلة، وعندما بدأنا العملية ووصلنا إلى هذه المواقع ما زد احتجنا نستهدفها بتلك الأسلحة، وسقطت بأسهل الأشياء”.

ويروي المجاهد حمران الحشيشي بعضاً مما حدث في جبهم نهم أثناء العملية، مؤكّـداً أنهم وصلوا إلى تبة في مجزر قرب مدرسة مجزر، وجاء مسارُ أن نطلع إلى التبة، فلما وصلنا جاء العدوُّ من الاتّجاه الثاني، وتقابلنا مع المرتزِقة، وقلنا لهم تبع من؟ قالوا تبع اللواء 310، وأحنا قلنا لهم: سلّموا، أحنا تبع إبراهيم سلموا، ورجع البعض منهم سلموا والبعض شلوا البنادق واشتبكنا معهم، والبعض منهم قُتل والبعض شرد واللي سلموا نجوا وسلموا.

ويواصل الحديث قائلاً: “طبعا الذين شردوا هم قد رأونا وعرفوا أن أحنا قليل، فعاودوا الهجومَ علينا بالطقم والمدرعة، والأرض طبعاً كانت صلبي كذا، وكان ينادي المشرف حقنا يا ذيه الطقم بيدخل المدرع بيدخل وما معنا آر بي جي، اتعاملوا معه، دخل لوما قده بيرمينا كذيه بالـ12، من خلفنا وهو مسرع، وأحنا بين نتدعى يا الله يا الله ساندنا يا الله، وما هي سوى لحظات ورأيناه ينقلب في مكان صلبي، وتقلب ثلاثة مقاليب، يا الله وأحنا نندع يا أخي صرخة، صرخة حيدرية”.

ويسرد المجاهد أبو هدى دويب بقيةَ التفاصيل، مؤكّـداً أنه تفاجأ بهذا النصر ويقول: “الصدق أني استغربتُ ولا قدرتُ استوعبه، فرحت وأنا مندهش، شغلتُ سيارتي سرت مع الموكب وصلت إلى تحت المنارة وانقطع عليَّ البنزين، أشوف كذا فين أروح ذلحين، والله إني أشوف البرميل مخبأ هناك، برميل مليان بنزين، والله ما أدرى من هو اللي طرحه هناك، وأحنا داخلين بعد صلاة العشاء”.

ويكمل المجاهد أبو خليل القطابري روايتَه لعملية “البنيان المرصوص” فيقول: “العدوّ بعد ما افتتحت أولَ ثغره يعني في اليوم الأول نفسه من بعد المغرب إلى فجر، كنت أرى تعزيزاتٍ باستمرار، يعني من بعد المغرب إلى الفجر، والتعزيزات ماشية الطقم في الطقم نور السيارة إلى نور السيارة، كان على أَسَاس أنهم يعززون القتب والمنارة، فالحمد لله كان قد الرعب والخوف ملأ قلوب الأعداء، فكان ما توصل بالتعزيزات إلا وقد العدوّ شارد.، فكانت أشياء وَآيات مذهلة.

لقد كانت تحصيناتُ العدوّ كبيرةً جِـدًّا جداً، كما يؤكّـد المجاهد ضيف الله المقراني، والذي يقول: “يعني إذَا رجعنا إلى الواقع العسكري وإلى الخطط العسكرية، يعني من المستحيل إسقاطُ هذه الجبال وهذه المواقع، ولكن عندما ترجع ترى أن هناك قوةً هي أقوى من كُـلّ شيء، هي قوة الله، على الناس مثلاً إذَا سلّموا الناس أمرَهم إلى الله وسلموا أمرَهم إلى القيادة، والولاء المطلق هنا تحقّق آيات الله، ويتحقّق نصر الله”.

أما المجاهد بسام الشقاقي فيقول: “تخيل أن المجموعةَ التي طلعت الأخيرة، طلعت وتسلقت الجبل تسلق؛ لأَنَّه حيد حيد، ولما وصلنا إلى رأس الجبل أجي لك وهو مساحة كبيرة جِـدًّا، يمكن مساحته 8 إلى عشرة كيلو، وأنا ما معي إلَّا مجموعتين، قلت ذلحين أين أنشر هؤلاء الأفراد، تخيل ما قد نشرت الأفراد إلا وقد التعزيزات وصلت وقد الجبل مليان أفراد، فقلت هؤلاء أكيد ملائكة مدنا الله بهم، مش هم مجاهدين وسجدت لله سجدة شكر، من الكيافة والراحة”.

ويستمر المجاهد أبو خليل القطابري في شرحه لتفاصيل العملية فيقول: “مثلاً في واحدة من الأماكن التي تقدمت منها قواتنا كان في ثغرات يمكن للعدو أن يستغلها وكذا، وجلسنا فترة وما قد اطلعنا عليها، يمكن حوالي ثلاث إلى أربع ساعات، وبعدما اطلعنا عليها ووزعنا المجاهدين علينا وسديناها، وَإذَا بالعدوّ يحاول أن يستغلها فلاقى العدوّ فيها على أيدي المجاهدين ضربة قوية، فالحمد لله وفق الله وانتقل الناس من بعدها يله ما عاد كانوا إلا يلاحقوا بعد ذلك المرتزِقة ملاحقة”.

وهكذا انتهت بعضٌ من خفايا عملية البنيان المرصوص بنسختها الأولى، ولعلنا نستذكرُ ما قاله السيدُ القائدُ العَلَمُ عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، عن جبهة نهم، عندما قال: “كلما عرضت لي جبهة نهم وخطورة العمليات العسكرية فيها، تذكرت أن الأخ “أبو يونس” هناك فتطمئن نفسي”.

وكما تطمئن نفس القائد العلَم تطمئن نفوسُ الجيش واللجان الشعبيّة ونفوسُ الشعب اليمني الذي حصَدَ ثمارَ تلك الانتصارات العظيمة في كُـلِّ الجبهات، ومن نصرٍ إلى نصر.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا