السيد حسين بدر الدين الحوثي : لا تخافوا من أمريكا لكن أعِدُّوا لمواجهتها
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالرحمن الأهنومي
اليوم تحل علينا الذكرى السنوية السابعة عشرة لاستشهاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي اليوم 26 رجب 1442 هـ ، فيما الأحداث مليئة بالشواهد والوقائع التي تؤكد صوابية المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد « رضوان الله عليه» ، وخياراته العملية.
ونحن على مقربة من ولوج العام السابع للصمود ومواجهة العدوان السعودي الأمريكي على بلادنا ، تمر بنا ذكرى الشهيد القائد كمحطة تحفز الجميع بالقوة والعزائم والوعي بالأخطار التي تحيط بنا ، وبالأعداء ومسارات حربهم علينا وسبل مواجهتها والتصدي لها ، نستفيد منها البصيرة ونستمد اليقين بالنصر على الطغاة ولو امتلكوا كل ما يمكن استخدامه في القتل والموت والخراب.
ذلك أن الرهان على الله دوما ، ومن راهن على الله وانطلق وفق سننه التي وضعها للكون ، وتحرك في ما أراده الله فلن يهزم أبدا ، ولا يمكن لأي قوة على الأرض أن تنال منه إلا أذى ، أما النصر والهزيمة فهي بيد الله ، ولن يهزم إلا من تحرك بمعية غير معية الله ومعتمدا على قوة غير قوة الله.
تمر السنوات وتذهب الشهور والأيام وتنقضي ، ومع كل يوم وعام نلج فيه لم يزدد السيد حسين إلا حضورا في وجداننا وضمائرنا ووعينا ، لم يزدد إلا قوة في الحضور والتأثير وفي الفاعلية ، عظيما قدم روحه ودمه وحياته فداء للمستضعفين وفي سبيل الله ، لم يدع إلى طائفة أو مذهب أو حزب أو كيان بل دعا إلى العودة إلى الله وإلى الثقة به والتوكل عليه ، والعودة إلى كتابه في فهم الأحداث وفي التحرك العملي ، دعا إلى مواجهة أمريكا واسرائيل والتصدي لهما ولأجنداتهما التي لا يمكن أن تكون في مصلحة الأمة أبدا.
مسار الأحداث في الساحة الإسلامية وفي المنطقة العربية وفي بلدنا العزيز مذ بدأ السيد حسين بدر الدين الحوثي التحرك وانطلاق المشروع القرآني وإلى اليوم يقدم في كل يوم الشواهد تلو الشواهد على صوابية هذا المشروع وهذا التحرك، يؤكد على أهميته وعلى ضرورته وعلى الحاجة الملحة إليه ، إذ لم يتحرك السيد حسين من فراغ، ولم يدع إلى ما دعا إليه من العودة إلى القرآن ليتبوأ بذلك منصبا أو زعامة أو لينال أجرا أو ليحصل على مكسب ، بل عن استشعار منه بالمسؤولية وعن إحساس بالألم على الحال ، وعن فهم ووعي بطبيعة الأحداث والمآلات مستمداً من القرآن الكريم الوعي بها والخبرة بنتائجها.
نحن في عالمنا الإسلامي في منطقتنا العربية وفي بلدنا اليمن مستهدفون ولا سبيل إلى إنكار ذلك ، نحن أمة مستهدفة شئنا أم أبينا، أقررنا أم أنكرنا ، نحن أمة مستهدفة، التاريخ يشهد على مر سنواته بذلك ، لقد شهدت ساحتنا الإسلامية صراعات ومخاضات وتعرضت للغزو الأجنبي وتعرض المسلمون للحروب والتعديات ، استهداف لم يكن من جهة واحدة فقط بل من أعداء كُثُر مصالحهم وصفاتهم واتجاهاتهم متعددة ، من الصليبيين إلى التتار إلى البرتغال إلى البريطانيين ، وتعرضت أمتنا على مر التاريخ للكثير من الأحداث المأساوية التي كان لها آثارها المدمرة ، وكانت في المحصلة كلها نكبات بكل ما تعنيه الكلمة ، ولا يزال في أوساطنا الكثير ممن عاصروا الحقبة الاستعمارية البريطانية والغربية سواء الفرنسية أو الإيطالية أو غيرها، نحن نعيش في حقبة الهجمة الأمريكية والإسرائيلية البارزة والواضحة والحاضرة بشكل كبير وعدائي في ساحتنا الإسلامية والتي نعيش مأساتها كل يوم، نحن بلا شك أمة مستهدفة والمؤثرات القادمة على ساحتنا وعلى واقعنا موجودة بالفعل وتأثيراتها في كل مناحي حياتنا واضحة وقائمة، وبالتالي لا التجاهل لكل هذا يجدي ولا التنصل عن المسؤولية يفيد، ولا أيضا الانسياق وراء هذه المؤثرات والاستسلام لهذه الأحداث ، ولا أن نتحول إلى ساحة مفتوحة أمام العدو يصنع فينا ما يشاء ويريد ويفعل بنا ما يريد، ويتحرك بنا وفينا كما يريد، ليس كذلك أمرا صحيحا ولا مفيدا لنا، ولا مفيدا لنا أبدا ، وهذا الأمر هو الأمر هو الذي دفع بالسيد حسين بدر الدين الحوثي إلى الانطلاق بالمشروع القرآني ، وأكد على أنه لا بد من موقف ولا بد من مواجهة وإلا فسنُذبح كالنعاج.
لا تخافوا من أمريكا ولكن استعدوا لمواجهتها
كان الجميع يعرف بأن السيد حسين بدر الدين الحوثي «رضوان الله عليه» لا يدعو لحرب ومواجهة عسكرية مع النظام الحاكم آنذاك ، لكنهم تأكدوا أن علي عبدالله صالح وقتذاك قد عزم على شن الحرب ، إذ أن حملة التحريض الإعلامية والوعيد للسيد حسين بدت حديثا يوميا للصحف والتلفزيون والإذاعة الرسمية والحزبية ، وحين غادر صالح إلى أمريكا في 13 يونيو من العام 2004/م ، تأكدوا بأنه يضع اللمسات الأخيرة للحرب ، بعضهم رأى أن السبيل هو إقناع السيد حسين بالتوقف عن الشعار والقبول بالتخلي عن المشروع ، وقد كانت هذه هي مطالب صالح ونظامه حينها.
إنه رجل يثق بالله ثقة مطلقة
كان الشهيد القائد «رضوان الله عليه» يحمل ثقة عالية يصل إلى مرتبة اليقين بانتصار مشروعه ، وبصوابيته وبأحقيته ، وعلى هذا انطلق وواجه وتحرك ، فلو تكالبت عليه الدنيا، لم تصرفه عن هدفه ، كان لديه يقين بأن أمريكا ستخاف من مشروعه وستتحرك لمواجهته ، فهيأ النفوس والوعي لمواجهتها.
يقول الشهيد السيد حسين بدرالدين الحوثي في ملزمة [سورة الأنعام ــ الدرس الخامس والعشرون] {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ}(الأنعام:81) وفعلاً قدم هذا منطقاً قوياً جداً في الاحتجاج؛ لأنهم هم بالنسبة لهم عندما يذكِّرهم بالله هم يعرفون أنه خلق السماوات والأرض، هو الذي خلقنا، هو قادر على كذا هو… هو إلى آخره. إذاً أنتم تخوفونني بهذه الأصنام التي تنحتونها أنتم، كيف تخوفونني بآلهتكم هذه {وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً} أنتم الذين يجب أن تخافوا أنكم أشركتم بالله، فأنتم في موقع من يجب أن يخاف عذابه، من يخاف عقوبته.
ولاحظ كيف قدمها نبي الله إبراهيم بأسلوب راقٍ، تجد أسلوباً الناس بحاجة إليه الآن، عندما يأتون يخوفونك من دولة، يخوفونك من أمريكا، يخوفونك من كذا، والقضية عندما تجد القرآن الكريم هم من يجب أن يخافوا هم؛ لأنهم هم الذين ابتعدوا عن الله، وهم الذين يعتبرون الآخرين وكأنهم أكبر من الله، وهم الذين جعلوا الآخرين وكأنهم أنداد لله، فهم ماذا؟ الذين يجب أن يخافوا هم من الله، يعني هم مثلما قال الله في آية أخرى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}(الزمر: من الآية36).
إذاً فمن هو الذي يجب أن يخاف، الذي يتجه إليه الله فيضربه، أو حجر صماء، أو إنسان كيده ضعيف، أو إنسان هو نفسه الله قاهر فوقه، إنسان مغلوب على أمره، من الذي يجب أن يخاف، من؟ أليس هم الآخرون، هذا يحصل، أليسوا الآن يخوفون الناس؟ فالناس بحاجة إلى أن يقولوا: وكيف أخاف – إذا صحت العبارة – يعني أجواء هذه العبارة التي حكاها الله عن إبراهيم، يخوفك [سيأتي عليك وبا.. وبا.. وبا…] أليس هنا يقدم تخويفاً ممن؟ من الذين من دون الله، قل له: وأنت لاحظ في القرآن ماذا قال لك: سيأتي كذا [وبا.. وبا.. وبا… إلخ] من هو الذي يجب أن يخاف؟ هل الذي وراءه الله أو الذي وراءه إنسان ضعيف؟ الله قاهر فوقه، يستطيع يوقفه، ويحبط عمله وكيده.
بعد ذلك قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} من الذي يعتبر آمناً في الواقع؟ وأحق أن يقال له آمن؟ {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، تفهمون الأشياء برؤية من خلال المقارنة، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ}(الأنعام:82) هم الموعودون بالأمن، هم الذين يستحقون أن يقال أنهم آمنون، {وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
في أحد أيام مران جاء مجموعة من المشائخ من المنطقة وخارجها ليؤكدوا للسيد حسين بأن رئيس النظام «علي عبدالله صالح» قد عزم على الحرب ، وأن أمريكا فما رأيك بأن تفعل كذا فلا قوة لديك للمواجهة ، وأبناء مران لم يخبروا الحرب والقتال ولن يقاتلوا، السيد حسين بدر الدين الحوثي الذي كان يحرص في استقباله لضيوفه على إقناعهم وتبصيرهم وتوعيتهم، جلس ونظر إليهم وقال «والله لو أقاتلهم وحدي واستدل بقوله تعالى «(فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا).
في العام 1991/م ، أعلن الرئيس الأمريكي وقتذاك ” بوش الأب ” ولادة نظام عالمي جديد تقوده أمريكا بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي ، وقد شرعت «أمريكا» بما لديها من وسائل وإمكانات وقوة للسيطرة على العالم وفي إعادة ترتيبه ، كان من الضرورة أن تستند الحرب الأمريكية إلى حدث رهيب يعطي الأمريكيين عناوين الحرب عليه ومن ثم استباحة البلدان ، وقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، منعطفاً خطراً، وكانت نقطة مهمة لدى الشهيد القائد ، إذ رأى أنها أحداث رهيبة جاءت لتكون أكبر ذريعة وخديعة لاستهداف الأمة الإسلامية على أعلى مستوى، وأمام هذا الخطر والاستهداف غير المسبوق للأمة تحرك بمشروعه ، وقد ترافق تحركه مع إعلان الرئيس الأمريكي” بوش الابن “ بدء حرب شاملة على ما أسماه بـ”الإرهاب” ، وكان واضحا أنه يعني الإسلام وبلاد المسلمين وتحديدا منطقة الشرق الأوسط التي تعتبرها أمريكا مركز صراع العالم من يسيطر عليها سيتحكم بالعالم كله.
وقد أراد الشهيد أن تكون صرخة الموت لأمريكا سلاحاً وموقفاً، يخرج الأمة من حالة اللاموقف إلى الموقف والتعاطي بمسؤولية تجاه الشراسة الأمريكية ، ودعا الشهيد إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كواجب ديني وأخلاقي يترجم حالة السخط إلى مواقف عملية ، وقد رأى أن لذلك تأثيراً بالغ الأثر ، خاصة عندما ينطلق المجتمع المسلم في مقاطعة اقتصادية شاملة جماعية.
ولم يكن يمثل خطراً على السلطة آنذاك، لكن حالة الارتهان التي كانت سائدة دفعت بالنظام وقتها إلى شن الحرب عليه ظلما وبغيا وعدوانا ، وخدمة لأمريكا في استهداف المشروع ، ففي الـ 13 من يونيو 2004/م ، عاد علي عبدالله صالح من أمريكا حاملا معه قرار الحرب الأولى على الشهيد ، التي اندلعت في الـ 18 من يونيو بعد خمسة أيام فقط من عودته ، ومع حلول الذكرى الثالثة لأحداث 11 أيلول 2004، استعجل الحسم وأعلن تمكنه من السيد حسين بدر الدين ليدلل على جدّية الشراكة مع واشنطن ، لقد ظنها النظام حينذاك آخر الحروب لكنها شرارة حروب لم تتوقف , بل تداعت إلى اليوم وبات المشروع القرآني معها واسعا ومعادلاته تتجاوز المنطقة والإقليم.