الدبلوماسية الأمريكية محاصَرةٌ في اليمن.. تصريحاتٌ عن السلام وأنشطةٌ عدائية متواصلة

|| صحافة ||

هل يمكن أن يكونَ رفعُ الولايات المتحدة الأمريكية لأنصار الله مما يسمى قائمة الجماعات الإرهابية؟ والإعلان عن وقفِ تسليحِ السلطة السعودية شواهدَ على رغبة وتوجّـه أمريكي لإنجاز حَـلٍّ سياسي في اليمن؟.. لا يمكن الإجَابَة على هذا السؤال إلا من خلال معرفة إذَا ما كان التصنيف الأمريكي ذا قيمة عدائية مضافة، وأن المجال ما يزال سانحاً أمامه لخلق نتائج وتداعيات عقابية جديدة كان اليمن منذ ست سنوات مضت بمنأى عنها ولم يمس الشعب ضرها، وبالتالي أراد التصنيف الأمريكي تحقيقها؟

في هذا التفصيل الإجَابَة عن كُـلّ ما سبق، وبالتأكيد لن نذهب إلى سوق إجابات اعتباطية أَو تقديم مُجَـرّد تخامين أَو إجابات دون تفاصيل وَمعطيات تقر الأمر أَو تنفيه، لا بُـدَّ أَوَّلاً من معرفة أن الاستراتيجية الأمريكية المتعلقة بتصنيف القوى المناهضة لسياسات أمريكا كجماعات إرهابية ترتبط بغايتين أمريكيتين بدرجة رئيسية:

أَوَّلاً: تغيير سلوك القوى المستهدَفة بالتصنيف في أعلى تقدير وإخضاعها على إجراء تغيير في استراتيجيتها المناوئة للسياسة الأمريكية والمواجهة لها.

ثانياً: يرتبط التصنيف بتقييد قدرة القوى المستهدفة على الاستمرار في المواجهة والصمود ورفع كلفة ذلك في أدنى تقدير من خلال الإمساك بأوراق قوة ضد البيئة الحاضنة للقوى الثورية وتعريضها لشتى أنواع الضغوط على المستوى المعيشي؛ لخلق حالة من الارتداد الشعبي عن خيارتها الثورية المستقلة بشكل عام وَالحد بشكل خاص من قدرتها على التحَرّك حول العالم على المستوى السياسي والدبلوماسي.

في سبيل ذلك ترتب واشنطن إجراءات عدائية تجاه الدول والقوى المناوئة لسياستها والمواجهة لنفوذها، لا بل وُصُـولاً للأفراد ومن هذه الإجراءات العدائية:

– حظر جميع الممتلكات والمصالح في الممتلكات للكيانات المصنفة أمريكيًّا ضمن قائمة المجموعات الإرهابية.

– حظر أي تعامل أَو تداول في الممتلكات أَو المصالح التي تم حظرها بموجب التصنيف الأمريكي ويتضمن هذا الحظر على سبيل المثال لا الحصر تقديم أَو تلقي أية أموال وسلع وخدمات لمنفعة الأفراد أَو الكيانات المصنفة.

وهذا يعني أن الاستهداف الأمريكي يتركز على قطع أجنحة العملية التجارية (حركة الواردات والصادرات) من وإلى اليمن، ويرتبط بمنظومة حصار شبه شاملة تتجاوز القيود التجارية على تدفق السلع من وإلى اليمن إلى تجفيف موارد الميزانية العامة للدولة وعزل النظام المالي وَالمصرفي وإخضاع القطاعات الخَاصَّة والحد من أنشطتها واستثماراتها المختلفة والتوجيه القسري لتحويلات المغتربين اليمنيين إلى المدن الواقعة تحت الاحتلال وُصُـولاً إلى وضع قيود صارمة على المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى القيود المالية المتنوعة.

 

 مظاهر الحصار المفروض على اليمن:

بالنظر في الواقع اليمني طيلة الفترة الممتدة من نهاية مارس 2015 م وحتى الآن سنجد أن النتائج العقابية المتوخاة من التصنيف الأمريكي حاصلة وأن اليمن منذ ست سنوات مضت لم يكن بمنأى عن ذلك، وقد مس الشعب ضر ذلك وتداعياته بعد أن عملت القوى المعادية لليمن وعلى رأسها أمريكا والسعودية على تطويق البلاد اقتصاديًّا، فعمدت لاستهداف مقدراته الاقتصادية ومختلف قطاعاته الإنتاجية والخدمية والبنية التحتية وذلك من خلال العدوان والحصار معاً، وفقط قد يكون ذلك بشكل مباشر أَو بشكل غير مباشر، ونستعرض هنا أهم المظاهر الذي تُجلِي ذلك بشكل إجمالي:

 

أولاً: تطويق المالية العامة للدولة وعزلها عن مصادر التمويل.

على قاعدة تجفيف الموارد المادية والمالية للبلاد ومحاصرة الدور الحيوي المتوقع أن تلعبه في التنمية الاقتصادية وَالاجتماعية -في ظل سلطة نزيهة ومستقلة- استهدفت قوى العدوان والنفاق، الماليةَ العامة للدولة وكل ما له علاقةٌ بإيرادات الموازنة العامة للدولة، وأهمها:

1- الإيرادات النفطية من خلال تعطيل إنتاج النفط والغاز الطبيعي المسال في المرحلة الأولى من العدوان والحصار على اليمن، ثم من خلال نهب الإيرادات النفطية المختلفة (النفط المصدر والنفط المباع محلياً والغاز المصدر والغاز المباع محلياً) قبل المنافقين بتشكيلاتهم المختلفة.

أما النتيجة التي تَغَيَّتها قوى العدوان والحصار فمحاصرةُ الموازنة العامة للدولة من المورد الرئيسي لها (تمثل الإيرادات النفطية 70 % من إجمالي الإيرادات العامة والمصدر الأول للعملة الصعبة)، ومن المعروفِ أن هذه النتيجة والأثر الكارثي مستمرٌّ حتى الآن، وَبالتالي فَـإنَّ الإعلان الأمريكي بضم أنصار الله ضمن ما يسمى الجماعات الإرهابية لم يضف جديدًا على هذا الصعيد، كما أن التراجُعَ الأمريكي عن الضم لن يلغيَ الأثرَ الكارثي فما قيمتُه؟ للعلم الأمرُ قائمٌ منذ إدارة أوباما ونائبه بايدن واستمر في سنوات ترامب وها هو مستمر في سنوات بايدن، ولا جديد سوى دبلوماسية مخادعة ومنكشفة في ذات الوقت.

2 – الحصيلة الضريبية.

تعد الموارد الضريبية المرتبطة بالتجارة الخارجية من أهم مصادر تمويل الموازنة العامة ومن أهم مصادر النقد الأجنبي للاقتصاد الوطني ولتغذية الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني، أي أنها تصنف من الموارد المستدامة؛ ولهذا حرصت القوى المعتدية على اليمن على تعطيل تعبئة الموارد الضريبية من خلال تقييد حركة التجارة فعطلت الأنشطة الموجهة للتصدير السلعية والخدمية وَالزراعية وحتى صادرات الأسماك، بالتزامن مع ذلك وضعت واردات اليمن المختلفة تحت قيود تعسفية ممنهجة –وحوصر بشكل كلي أكثر من أربعمِئة صنف من واردات اليمن بينها مجموعة كبيرة وواسعة من المستلزمات الطبية- ووقعت المواد الخام ومستلزمات الإنتاج تحت الحصار الأمريكي، وهو ما عرّض المصانع الغذائية المحلية للتوقف كليًّا أَو جزئيًّا.

ومنذ العام الثاني للعدوان تمت محاصرة خطوط النقل البحري الأَسَاسية (ثمانية من خطوط نقل الحاويات) عن الإبحار إلى موانئ الحديدة بشكل كلي، أَيْـضاً ومذاك لم تعد تصل لميناء الحديدة سوى سفن القمح والدقيق والسكر والأرز وأعلاف الدواجن والمحروقات -قبيل أن تضمها إدارة بايدن إلى قائمة الواردات المحاصرة بشكل كلي هذا العام- على أن هذه المواد الخمس المستوردة كانت تخضَعُ لأشكال خَاصَّة من الحصار المنفذ من بارجات الحصار الأمريكية، ونتائج ذلك مدمّـرة وكثيرة ولا تتوقف عند محاصرة الموازنة العامة للدولة عن الإيرادات الضريبية والجمركية، لكل ما سبق، وُصُـولاً إلى تعريضها للعجز ولزيادة الدين العام، وأخطر من ذلك ارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي وتدهور المستوى المعيشي وَارتفاع معدلات الفقر، ويكفي أن نعرف أن اليمن يعد مستورداً صافياً للغذاء لتحقّق من هذه النتائج الكارثية.

 

ثانياً: الإطباقُ على القطاع المصرفي وتحويلات المغتربين

سعت قوى العدوان والحصار بشكل مبكر وممنهج إلى إعاقة تحويلات المغتربين اليمنيين وتضييق الخناق عليهم عبر خطة تشديد واسعة وإجراءات تعسفية تحت ذريعة التحقّق من مصادر الأموال وطلب وثائق اعتباطية؛ بهَدفِ شل تدفق تحويلات المغتربين اليمنيين، كما مُنع اليمنيون المغتربون في دول الخليج عن تحويل أموالهم إلى الدولار أَو تحويلها بالدولار، وفي الأثناء فرضت قوى العدوان حصار مطبق على القطاع المصرفي من خلال أمور عدة أهمها:

١- تعليق البنوك الخارجية التعامل مع البنوك اليمنية في مجال التحويلات الواردة من الخارج بالدولار.

٢- تعليق البنوك الخارجية التعامل مع البنوك اليمنية في مجال فتح الاعتمادات المستندية.

٣- عدم تمكين البنوك اليمنية من تحويل أرصدتها المتراكمة بالريال السعودي إلى دولار أمريكي -علماً أن 90 % من تحويلات المغتربين اليمنيين تحوَّلُ بالريال السعودي، وهي المصدر الثاني للعملة الصعبة (الدولار)- وهو ما يعني عمليًّا محاصرة البنوك اليمنية من تغطية الأنشطة التجارية المتعلقة بالاستيراد.

أشكال الحصار السابقة ضمن هذا المظهر ما تزال كغيرها قائمة حتى اللحظة منذ شهور العدوان الأولى، ولم يكن التصنيف الأمريكي من قبل إدارة ترامب في حقيقة الأمر يضيف عنها شيئاً، كما لم يزح منها شيئاً التراجع عن التصنيف من قبل إدارة بايدن.

 

ثالثاً: تعريض العملة الوطنية للانكشاف أمام العملة الصعبة

يكاد هذا المظهر يكونُ نتيجةً حتميةً لمظاهر وأشكال الحصار السابقة المفروضة على اليمن، ذلك أن سعر الصرف يعد من أهم المؤشرات الاقتصادية المعبرة عن حالة الاقتصاد القومي للبلاد، كما يترجم حركة المعاملات وتدفق السلع والخدمات الخارجية بشكل مباشر وبشكل غير مباشر حركة الإنتاج وَالمبادلات الداخلية، وبالتالي فالتقلبات في سعر الصرف تنعكس بشكل فوري على القوة الشرائية للعملة الوطنية وَأسعار السلع والخدمات والمستوى المعيشي للسكان، ومما لا شك فيه أن مختلفَ أشكال ومظاهر الحصار والعدوان على اليمن أسفرت عن تقويض استقرار أسعار الصرف وإضعاف الثقة بالعُملة الوطنية وخفض قيمتها مقابل العملات الأُخرى وتعريضها للانكشاف عبر مراكمة تدهور سعر الصرف وضرب أدوات السياسة النقدية المتبعة؛ للحفاظ على استقرار سعر الصرف ومنع حدوث تقلبات عنيفة في سوق الصرف الأجنبي في هذا السياق من الجدير عرض الإجراءات العدائية التي حاصرت الريال الوطني عن الدفاع نفسه بشكل أكثر جدوائية مما هو حاصل؛ بفعلِ السياسة النقدية المتبعة من قبل اللجنة الاقتصادية العليا.

 

إجراءاتُ تعريض العملة الوطنية للحصار ودفعها للانهيار:

– السيطرة والاستحواذ على موارد الموازنة العامة للدولة من النقد الأجنبي (النفط، الغاز) وإيداعها في أحد البنوك السعودية.

– تقييد تدفق تحويلات المغتربين اليمنيين من الخارج إلى البلد، حَيثُ تشكل المورد الثاني للنقد الأجنبي في اليمن وفي المتوسط تعادل 3.3 مليار دولار سنوياً..

– تعطيل موارد النقد الأجنبي الأُخرى من الخارج إلى اليمن، من خلال فرض الحصار على صادرات السلع والخدمات وتعطيل السياحة.

– خلق العدوان والحصار بيئةً طاردةً للاستثمارات المحلية والأجنبية وغير جاذبة لرأس المال المادي والبشري ليواجه الاستثمار ظروفاً عاتية أسفرت عن تداعيات خطيرة انعكست في صورة من صورها على حجم وفرة العملات الأجنبية وَمقدار الطلب عليها، وَسبق أن أظهر استبيانُ مناخ الأعمال اليمني لوكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر في يونيو 2015م أن 46 % من أصحاب المنشآت الكبيرة خططوا لنقل أعمالهم خارج اليمن وفي أغسطُس-أُكتوبر 2015م، وأن 76 % من أصحاب المنشآت لديهم توقعات متشائمة أَو غموض حول مستقبل أعمالهم، والنتيجة للاستبيان الأول في أحد وجوهها تعني اتّجاه أصحاب تلك المنشآت نحو تسييل أصولهم الثابتة وتحويلها إلى الخارج في شكل عملات أجنبية، كما تعني النتيجة في الاستبيان الثاني أن الـ76 % من أصحاب المنشآت يفضّلون حيازة العملات الأجنبية، كما تفيد نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن وزارة التخطيط، العدد 13 أبريل 2016م، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تعريض مناخ الأعمال اليمني للمخاوف ووضعه تحت الحصار قد أَدَّى إلى تهجير قسري وَآخر مخطّط له لأكثر من مِئتي مليار دولار من رأس المال الوطني في أدنى تقدير للهيئة العامة للاستثمار كما جاء في تصريحاته الأخيرة لقناة المسيرة الفضائية.

– استهداف البنى التحتية وتدميرها وتعطيلها كليًّا أَو جزئيًّا عن العمل، خُصُوصاً تلك التي تقبض جزء من عائدات خدماتها بالنقد الأجنبي كالموانئ والمطارات..

– الدفع بالاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني للتآكل وذلك من خلال اضطراره للاستمرار في توفير النقد الأجنبي اللازم لتغطية فاتورة واردات الوقود والسلع الأَسَاسية دون رفده بالإيرادات المركزية للبلاد لتعويض ذلك ومراكمة احتياطياته من جديد، وُصُـولاً إلى السيطرة مباشرة على باقي احتياطياته من النقد الأجنبي في البنوك الخارجية وتجميدها من قبل أمريكا مباشرة.

 

رابعاً: مرافقٌ حيوية معطَّلة وعلى رأسها المنافذ الدولية الرئيسية للبلاد (موانئ الحديدة – مطار صنعاء)

في المحصلة نجد أننا أمام جملة حقائق نثبت هنا أهمها، وهي كالتالي:

– إن رفعَ أنصار الله عن ما يوصفُ أمريكيًّا بقائمة الجماعات الإرهابية ليست خطوةً في الاتّجاه نحو إحلال السلام، ولا تُعْنَى بتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الموصوفة بأكبر أزمة إنسانية في العالم، وإنما مخادعة كبرى للرأي العام العالمي، كما أن الخطوة كانت مدخلاً للسير نحو مفاوضات ضاغطة على الوفد الوطني المفاوض -لا يستبعد أن التصنيفَ من أَسَاسه مُجَـرّد تكتيك سياسي رأته المنظومة العميقة في أمريكا لتعبيد الطريق أمام الدبلوماسية المزمع أن تحكم أَو قُل أن تغلّف السلوكَ العدائي لواشنطن بايدن تجاه اليمن وهكذا تبدأ هذه الدبلوماسية بما يظهر وكأنها نوايا حقيقية أَو تنازلٌ أمريكيٌّ واضح- وهذا يعني أن التصنيف الأمريكي لأنصار الله ثم التراجع عنه هو في حقيقة الأمر غطاء لحرب الديبلوماسية الأمريكية، وهذه بدورها غطاءٌ لمختلف الأنشطة العدائية العسكرية الأمريكية ضد الشعب اليمني والتي لم تتوقف بعدُ، وعلى رأسها ما تكرّر واشنطن نفسها الحديث عنه تحت عنوان الالتزام بالدفاع عن حلفائها.. هذا أَوَّلاً..

– ثانياً: الدبلوماسية الأمريكية محاطةٌ بالحصار المفروض على اليمن واستمرار العدوان عليه يلقي بثقله عليها، وهذا يعني أن تصريحات وقف مشاركتها في العدوان على اليمن ورغبتها في إحلال السلام لا يحظَى برافعة تعزز الدبلوماسية الأمريكية المعلَنة وتوفر مدخلاً نحوها بل محاصرة بإبقاء الحصار على اليمن، وَهو ما يؤكّـد أن أمريكا تسعى لإنجاز أهدافها المرسومة ناحية اليمن تحت ضغوطها العسكرية (العدوان – الحصار) وليست بعدُ بواردِ الكف عن التدخل العدواني في الشأن اليمني، وَليست جاهزة لإنجاز اتّفاق بموازاة رفعها الحصار عن الشعب اليمني، وهو ما يعني أن دبلوماسية بايدن تسيرُ برَكْبِ ضغوط المعاناة الإنسانية الذي خلقها وما يزال يفعلُ ذلك الحصار المفروض على اليمن بحراً وبراً وجواً، من قبل أمريكا في المقام الأول، وهكذا فتصريحاتُ الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه اليمن لا تصنع تبايناً عمليًّا مع الإدارة السابقة ولا تعبر عن نوايا تتقدم لإنجاز اتّفاق سياسي شامل يضمَنُ لليمن استقلالَه وسيادتَه وحقوقَه المهدَرة.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا