( اليمن ) يولد من جديد

‏موقع أنصار الله || مقالات ||أحمد يحيى الديلمي

مع أن السعودية لم تدخر أي شيء في سبيل الإضرار باليمن ، وأنفقت المليارات لشراء الضمائر والأقلام وقنوات البث التلفزيوني وكل وسائل الاتصال الجماهيري، من أجل تشويه صورة اليمن واليمنيين وخلق رأي عام دولي معارض لحركة أنصار الله ولوجودها, إلا أن الحقيقة في النهاية تتضح ومهما بلغ حجم الإنفاق ، فإن أحداً لا يمكن أن يغطي عين الشمس بغربال، هذا ما ظهر جلياً في بعض الكتابات التي نُشرت في الغرب.

في هذا الصدد أرسل لي صديق عزيز- يعيش في ألمانيا- مقطوعة لكاتب ألماني مشهور تحدث فيها عن منظر مدهش أبهره، لمقاتل يمني عاد من الأسر بعد أن عانى من ذله وآلام الجوع والذعر، وتنفس روائح الموت في أعماق زنازين الأعداء الموحشة، مع ذلك زجر ابنه بقوة ومنعه من البكاء، وقال: اليمني لا يبكي بل يشعر بزهو الانتصار والإحساس بالكرامة والهوية الوطنية الخالية من أي إملاء أو تسلط والبعيدة عن مشاهد الاستتباع الرخيص.. وقال نفس الكاتب “المنظر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن البطولة تسكن أعماق الشعب اليمني كله، وتؤكد أن هذا الشعب الجريح المكلوم، يتطلع إلى الغد بروح شجاعة، تجعل المأساة عابرة، وستمكن اليمنيين من الالتفات إلى البناء لكي يولد هذا الوطن من جديد، فاليمن انتصر والأعداء خسروا، ولا أعتقد إلا أن هذا الشعب الباسل البطل يشبه كثيراً الشعب الألماني الذي خرج منكسراً مهزوماً من الحرب العالمية الثانية، لكنه أعاد كل شيء بل وأكثر وأصبحت ألمانيا دولة يشار إليها بالبنان”، انتهى كلام الكاتب الألماني, وهو كلام مُهم جداً يوضح الصورة التي بدأت تتشكل في الغرب من جانب، ومن جانب آخر يؤكد أن هذا المقاتل اليمني البسيط المهلهل الثياب ، حافي القدمين، استطاع أن يجسد المشاهد التاريخية ببعدها الحضاري وأفقها التنويري وضرب أروع الأمثلة في انتزاع النصر من المخالب المتوحشة, كأعظم صورة مشرقة ستحس بها الأجيال ومعها ستشعر بالزهو كلما رأت مشاهد البطولات والانتصارات، لتمتلك قدرات خاصة تُمكنها من الحفاظ على الثوابت الوطنية وأهمها الحفاظ على وحدة الوطن ومنع مخططات التقسيم التي رسمها الأعداء تحت ستار الأقلمة، وحاولوا فرضها بالقوة وجعلها أمرا واقعاً بعد احتلال عدد من المحافظات في المناطق الجنوبية والشرقية .

وعندما نتوقف عند دلالات هذا الكلام المقتضب للكاتب الألماني نجد أنه وضع معيارا خاصا يُمكّن الشعوب من كبح جماح النفس المتعلقة بفكرة العمالة والتخلص الجماعي من الآلام النفسية وحالات المرارة عندما تندلع موجة هائلة من المشاعر والأحاسيس الوطنية فتنفث غبار الدمار الهائل وتخرج من تحت الأنقاض منتصرة تصنع المستحيل، وتحقق النمو الاقتصادي المنشود بجهود كل المقاتلين ومن اكتسبوا المقومات المعنوية والإرادات الفولاذية للعمل في كافة مجالات الحياة، لتتوازى مع نفس الروح التي جسدها الأبطال الميامين في ميادين العزة والكرامة وعلى امتداد جبهات القتال، ومن هذه المشاهد العظيمة تعلّم اليمنيون قيم المحبة والسلام والعدالة، لأن بصمات المعتدين استقرت في الأذهان وستقرأها الأجيال بزهو النصر ليستمدوا منها قيما وأخلاقا فاضلة تعينهم على تجاوز الكوارث والمآسي البشعة التي خلّفها المعتدون بعدوانهم الهمجي الشرس، وما رافقها من قوة في الحضور الدولي بما اشتمل عليه المشهد من إبادة جماعية ممنهجة عبّرت عن الروح الانتقامية والرغبات الشيطانية لدى بدو الصحراء الذين حاولوا- منذ أول وهلة- استهداف مقومات الحياة في مستوياتها الدنيا.

وسيكون المشهد أكثر حضوراً في أذهان من عايشوه وذاقوا مرارة الخوف وفاقة الحرمان من أبسط مقومات العيش الشريف بفعل الحصار الاقتصادي الجائر ، ناهيك عن أبناء الشهداء والجرحى وكل طفل فقد أبا أو أما أو العائل الوحيد للأسرة، سواءً في ميادين المواجهة المباشرة مع الأعداء ، أو بفعل الغارات الجوية الغادرة والصواريخ وقنابل الدمار الشامل المحرمة دولياً، التي هدمت المنازل على رؤوس الساكنين، والمدارس على رؤوس الأطفال، والمساجد فوق المصلين, ولم تستثن الطرقات والجسور وسيارات النقل الجماعي، وأزهقت الآلاف من الأرواح البريئة، لا لشيء إلا لأن هذا العدو الصلف يتلذذ بسفك الدماء اليمنية الطاهرة ويعتبرها مُباحة طالما أنها ستحقق أهدافه ورغباته الرخيصة في الاستتباع ومصادرة السيادة الوطنية.

بالعودة إلى ما قاله ذلك الألماني، تتضح الرؤية التي بدأت تتكون لدى المجتمع الغربي وتكشف عن طبيعة الظلم الذي حاق باليمنيين نتيجة هذا العدوان الهمجي السافر، وبالتالي تؤكد أن أبناء اليمن قادرون على المضي قدماً نحو تحقيق الأهداف الأساسية لهذه المواجهة المتمثلة في الحفاظ على السيادة والكرامة والعزة واستقلال كل شبر من هذا الوطن، وما زاد هذا العدوان صلافة أنه جمع بين رغبات أمريكا وبريطانيا واسرائيل المهينة، وبين الإرادة المهزوزة لأمراء الخليج الذين يحاولون أن يُشكلوا محورا هاما في المنطقة, ولكن بأكف مقطوعة وأقدام مبتورة، وسيكون الويل لهم، فها هو العام السادس ينقضي من العدوان واليمن يزداد صلابة وقوة وعزة ، وإن شاء الله لن ينتصف هذا العام إلا وقد تحقق النصر المبين ، والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا