الشهيد الصماد .. ذكرى الحزن المتجدد
موقع أنصار الله || مقالات ||عبدالفتاح علي البنوس
الخالدون العظماء هم من يخلِّدهم التاريخ في أنصع صفحاته، هم من يجمع الأعداء قبل الأصدقاء على عظمتهم، هم من لا يجد الكتَّاب والمؤرخون أي حرج في الحديث عنهم وتسليط الضوء على سيرتهم العطرة وتاريخهم المشرِّف، هم من يسكنون قلوب كل الناس على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم، يثنون عليهم ، ويعطرون المجالس بالحديث عنهم، ويذكرونهم دائما بالخير، هم من يحجزون لصورهم مساحات داخل منازل البسطاء الذين يتسابقون على شرائها من باب الوفاء لهم أولاً، ومن باب الفخر والاعتزاز بهم وبتاريخهم ومواقفهم التي تشرئب لها الأعناق، وتتباهى بها الأجيال المتعاقبة.
واليوم وفي رحاب شهر رمضان المبارك نقف عند واحد من هؤلاء العظماء، نقف عند شخصية وطنية قولاً وعملاً، شخصية إيمانية سلوكاً وممارسة، شخصية ثقافية ترجمها في الميدان، شخصية قيادية قدوة ومنهجاً، شخصية استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، نقف اليوم مع الشهيد الرئيس صالح علي الصماد -رضوان الله عليه- في الذكرى السنوية لاستشهاده، ذكرى الحزن والوجع اليمني الذي لن ينسى ، نقف أمام قائد امتلك من الحنكة والفطنة والدهاء والحكمة والعقل والبصيرة والرؤية الثاقبة والشجاعة والإقدام والإيمان والثقة بالله والتوكل والاعتماد عليه ما جعله يدخل قلوب كل اليمنيين بصورة عفوية دون استئذان.
أحب الشعب وأخلص له خلال فترة رئاسته، عمل بجد وإخلاص من أجل العبور والإبحار بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمان في خضم الزوابع والأعاصير والأمواج التي تعترض مسارها ، نجح في تحصين الجبهة الداخلية، وتمكن بخبرة جراح دقيق التخصص في نزع فتيل التوتر وتشخيص الداء ووصف الدواء المناسب، كان قريباً من أبناء الشعب، مشاركاً لهم أفراحهم وأتراحهم، رسم لنفسه المسار الإيماني الوطني القرآني الكفيل بالأخذ بيد اليمنيين نحو بناء دولتهم المدنية الحديثة المنشودة، لم ينتصر لحزب أو طائفة أو جماعة أو قبيلة، ولم يعلن انحيازه وتعصبه لهذا الطرف أو ذاك، فكان حزبه اليمن.
خطب على منابر المساجد، وزار المجاهدين في الصفوف الأمامية، ووقف سدا منيعا أمام الفساد والمفسدين، وقف شوكة ميزان وقت الخلافات والتباينات بين القوى السياسية، وظل بحنكته القيادية يرمم في الجسد اليمني الذي أثخنته جراح العدوان ونال منه جور الحصار، لامس بخطاباته أوجاع الشعب ووصف من خلالها العلاج الناجع، أدهش العلماء بغزارة علمه، وأحرج الفصحاء بطلاقة لسانه، وأرعب الأعداء بشجاعته وبسالته وإقدامه وتطلعاته المستقبلية، عندما يستمع الواحد منا لخطاباته يجد نفسه أمام شخصية قيادية فريدة من نوعها، جمع بين القيادة والفكر والثقافة والعسكرية والسياسة والاقتصاد والتنمية، رفع شعار (يد تحمي ويد تبني) كمشروع وطني تنموي جهادي سعى جاهدا بكل إخلاص إلى ترجمته عمليا على أرض الواقع، ولكن أيادي الغدر والخيانة لم تسعفه ولم تمهله لتنفيذ ذلك فسارعت إلى اغتياله هناك في الحديدة والتي زارها مدافعا عنها بعد أن أدرك الخطر الذي يتهددها، ليسقط شهيدا مع مرافقيه في واحدة من النكبات الكبرى التي تعرض لها اليمن في العصر الحديث.
خافوا منه، خافوا من مشروعه، خافوا من تطلعاته، خافوا من الثقافة القرآنية التي يسير على هديها، والهدي المحمدي الذي يجسده في أقواله وأفعاله، خافوا من وطنيته وقوة إرادته وعزيمته، خافوا من قوة بأسه ورباطة جأشه، خافوا من برنامجه الدفاعي التنموي، وتوجهاته الخدمية، خافوا من عقليته المستنيرة، وفكره الراقي، خافوا من شخصيته القيادية الجامعة لكافة صفات القائد الملهم والزعيم الفذ القادر على تطويع المستحيل، لذا قرروا الخلاص منه بالتآمر مع حثالة من خونة الداخل الذين تجردوا من كل القيم والأخلاق والمبادئ، وساروا خلف إغراءات المهفوف السعودي وأسياده، فخانوا من منحهم الأمان، وباعوا من كان حريصا عليهم، خيانة ما بعدها خيانة، وشقاء ما بعده شقاء، فرطوا في الصماد، طمعاً في دولارات السعودية، فباعهم السعودي بعد تنفيذ الجريمة بثمن بخس.
بالمختصر المفيد، في ذكرى يوم الحزن اليمني، ذكرى استشهاد الرئيس صالح الصماد، يتجدَّد الحزن على رحيل هذا القائد المخلص والوطني الغيور، والثائر الحر الأبي، الذي حمل روحه على راحتيه وقدَّم روحه الطاهرة في سبيل الله دفاعا عن الوطن والسيادة والكرامة، فسلام الله عليك سيدي الشهيد الرئيس، سلام الله عليك في الخالدين العظماء، تبكيك قلوبنا وترثيك دموعنا، رحمة الله تغشاك، وطيب الله ثراك، وجعل الجنة سكناك، النصر والعزة والتمكين لليمن واليمنيين، والخزي والعار للقتلة والخونة المنافقين.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.