حضور مُتجَدِّد
موقع أنصار الله || أدب وشعر ||معاذ الجنيد
لم يَبْقَ إلَّا أَنْ نَطُوْفَ ونُحْــرِما
حولَ الضريحِ قَداسةً وتكرُّما
يا راحلاً لم نعترِفْ برحيلِهِ
يوماً.. ولا هوَ للرَّحيلِ استسلما
ذِكرى رحيلِك ليس حفلاً واحداً
في العامِ، أو في الشهرِ حفلاً.. إنَّما
في اليومِ عشرون احتفالاً قائماً
عند الضَّريحِ مُرضِّياً ومُرَحِّما
فمَنِ المُقِيمُ لكُلِّ حفلٍ؟ من تُرى
جمَعَ الحشودَ إلى المقامِ ونظَّما؟!
الشعبُ يُحيِيها بدافعِ حُبِّهِ
فالشعبُ بعدَك يا أباهُ تيتَّما
لا مُجبراً كَلَّا ولا مُتصنِّعاً
لا عن مجاملةٍ ولا مُتبرِّما
فمحبّةُ (الصمَّـادِ) مثلُ النبضِ هَــلْ
شاهدتَ قلباً عاشَ ينبُضُ مُرغَما؟
يتدافعون إلى ثراكَ كأنَّهُمْ
عَطْشَى وقد وجدوا بقبرِك زمزما
وفدٌ يجيءُ وآخرٌ يمضي فلا
مَــلُّوا ولا كَــلُّوا ولا رُوِيَ الظَّمَا
كُلٌّ أتاك تقودُهُ أشواقُهُ
أهداك فاتِحةَ الكتابِ وسَلَّما
فمواكبٌ تنساقُ إثرَ مواكبٍ
حتى تزاحمتِ الفواتِحُ في السما
غدتِ الهُويّةُ عند كُلِّ مُواطنٍ
مَن بالوقوفِ جوارَ قبرك كُرِّما
سُبحانَ من إنْ شاءَ يذكُرُ عبدَهُ
أجراهُ حُبّاً في القلوبِ وعظّما
أضحى تعلُّقُنا بذكرِك حاجةً
فينا لنُهدَى.. لا لكي نترنَّما
نحتاجُ ذكرَك كي تُنيرَ طريقَنا
كي نقتدي بخُطاك كي نستلهِما
يا صالحَ الأعمالِ مُذ وَطِءَ الثرى
حتى ارتقى وسَمَا شهيداً مُسلِما
أصبحتَ أكثرَنا حضوراً بعدَما
قتلوك بل زدتَ انتشاراً بعدَما
حتى لدى الأعداءِ صِرْتَ الزائرَ
اليوميَّ بالبأسِ الشديدِ مُحوِّما
مُنذُ اغتيالِك لم يذوقوا راحةً
فبكى لقتلِك قاتلوك تندُّما
بالصُّبحِ في (صنعاءَ) تفتحُ معرضاً
بالليلِ تفتحُ في (الرياض) جهنَّما
تتصدّرُ الأخبارَ كُلَّ عشيّةٍ
فمُذيعُها بِك يستهِلُّ مُقدِّما:
هذا كما أجرى الرئيسُ زيارةً
نحوَ (الرياضِ) مُزلزلاً ومُدمدِما
وأقامَ صمّادُ الصمودِ قيامةً
بـ(دُبيَّ) غاشِيَةً فَدَكَّ وأضرَما
في داخلِ (الأحسا) ترأَّسَ قِمّةً
تركَت مِلَفَّ الاقتصادِ مُلغَّما
وبـ(يَنْبُعٍ) أجرَى لِقاءً طارِئاً
وجميعُ مَن حضَرَ اللقاءَ تفحَّما
وكأنَّهُ القُرآنُ.. فهو لشعبِهِ
هَدْيٌ وأمنٌ.. وهو للباغِي عَمَى
* * *
يا (صالحَ الصمّاد) يا مَن أشرقَ
التاريخُ فيكَ وكان قبلَكَ مُظلِما
يا حاكماً لم يستفِدْ مِن حُكمِهِ
شيئاً وللبذلِ المُضاعَفِ قدَّما
في اللهِ شمَّرَ ساعدَيهِ ففي يدٍ
يبني البلادَ وفي يدٍ يحمي الحِمَى
بحياتِهِ ضَحَّى ليسلَمَ شعبُهُ
وسواهُ يقتُلُ شعبَهُ كي يسلَما
كانت بعينَيهِ الرئاسةُ جبهةً
لا منصِباً يسعى إليهِ ليظلِما
لَــمْ تَشْهَــدِ الدُّنْيَا رئيساً مِثْلَهُ
لم ينظُرِ الكُرسيَّ يوماً مَغنَما
لَــمْ تَشْهَــدِ الدُّنْيَا رئيساً مِثْلَهُ
لم يَجْنِ من مَالِ الرئاسةِ دِرْهَما
لَــمْ تَشْهَــدِ الدُّنْيَا رئيساً مِثْلَهُ
يتكلَّمُ القرآنُ إنْ يتكلَّما
لَــمْ تَشْهَــدِ الدُّنْيَا رئيساً مِثْلَهُ
جعَلَ الرئاسةَ للشهادةِ سُلَّما
لَــمْ تَشْهَــدِ الدُّنْيَا رئيساً مِثْلَهُ
مُنذُ اصطفى رَبُّ البريَّةِ آدَما
لَــمْ تَشْهَــدِ الدُّنْيَا رئيساً مثلَما
الصمَّـاد.. لا لم تشهدِ الدُّنيا كمَا..
بعطائِهِ، بولائهِ، بوفائهِ
بنقائهِ، بسِخائهِ غيثٌ هَمَى
بخشوعِهِ في المؤمنين وبأسِهِ
في الظالمين إذا استعدَّ ليهجُما
حركاتُهُ، سكَنَاتُهُ، أقوالُهُ
أفعالُهُ كانتْ كتاباً مُحْكَما
إن تُرجِمَ القُرآنُ في رَجُلٍ.. فقُلْ:
في (صالح الصمّاد) كان مُترجَما
* * *
فاقَتْ بساطتُهُ بساطَةَ شعبِهِ
فالشعبُ كانَ بِهِ شَغُوفاً مُغرَما
مُستضعَفٌ.. وهو الرئيسُ! كأنَّهُ
ما زال محكوماً وليس مُحكَّما!!
قادَ البلادَ وسَاسَ كُلَّ أمورِها
وِفْــقَ الكِتابِ مُربِّياً ومُعلِّما
للهِ عبَّدَ في الحُكومةِ نفسَهُ
مُتوَرِّعاً، مُتضَرِّعاً، مُستعصِما
أعطى وأعطى ثُمَّ أعطى ثُمَّ إذ
لم يبقَ غيرُ دِمائهِ أعطى الدَّمَا
بَذَلَ الحياةَ مُسارِعاً في بذلها
لا مُكرَهاً فيها ولا مُتلعثِما
كانت شجاعتُهُ بحجمِ يقينِهِ
بالله.. قُل: كانت بحجمِكِ يا سَما
كان الثباتَ أمامَ كُلِّ كريهةٍ
يطوي العواصفَ شَامِخاً مُتبسِّما
كان الفصاحةَ والبَلاغةَ والرُّؤَى
والفِكرَ والسَّهْمَ المُصِيبَ إذا رَمى
لُقمانَ هذا العصرِ كان.. ولو أتى
لُقمانُ.. ما فرَّقتَ بين كِليهِما
لمَّا رآهُ اللهُ أصبحَ مَنْهَجاً
مُتكامِلاً.. وأرادَ أن يتعَمَّما
جَعَلَ الشهادةَ حَظَّهُ لِيُخَلَّدَ
(الصمَّـادُ) مشروعاً ونهجاً قَيِّما
ليَصِيرَ مدرسةً يسيرُ بنهجِها
نحوَ الريادةِ مَن أرادَ ليحكُما
هو جامِعُ الشعبِ الحقيقيِّ الذي
يأوي إليهِ الناسُ حُبّاً وانتِما
صلَّى الإلهُ على النبيِّ وآلِهِ
وعلى (أبي الفَضْلِ) الشهيدِ وسَلَّما