الفريق الركن / يحيى بن محمد الشامي.. رجلُ المواقع والمواقف
موقع أنصار الله || مقالات ||
الحديثُ عن مواقفِ الرجال أمانة، والحديثُ عن الفريق الركن يحيى محمد الشامي في يوم رحيله شهادةٌ للتاريخ..؛ وَلأَنَّ الحَقَّ لا يُعرَفُ بالرجال، وإنما يُعرَفُ الرجالُ بالحق.. كما قال الإمام عليٌّ عليه السلام..
ولأَنَّهُ نشأ عِصامياً وصلباً، فقد وجد في المجالِ العسكري ضالته، فَشَغُفَ بالعسكرية، والتحق بها جُندياً وثائراً، بعد أن تأثر بشقيقه (علي)، الذي كان أحد أعضاء اللجنة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار لثورة 26 سبتمبر 1962 م.
تجنَّد الفريقُ يحيى الشامي مُتطوعاً في الحرس الوطني في الأيّام الأولى للثورة، وخدم في صعدة وحجّـة وغيرها من المناطق، حتى التحق بالكلية الحربية في أُكتوبر 1963 م، وتخرج منها برتبة الملازم ثاني في سبتمبر 1965 م، والتحق بسلاح المدرعات، ثم مدرساً في الكلية الحربية لنفس السلاح، ثم قائداً لسرية المدرعات في قعطبة، وشارك في مواجهة المستعمر البريطاني، وظل يتنقل في مهام متعددة من إب إلى ذمار إلى صنعاء في حصار السبعين، إلى أحداث الشطرين وما صاحبها من أعمال تخريب ومواجهات حتى ثمانينات القرن الماضي.. كان خلالها يتحَرّك بمدرعاته وجنوده من منطقة إلى منطقة، ومن جبهة إلى جبهة، لا يهدأ له بال، ولا يستقر به قرار دون بسط نفوذ الدولة، وتحقيق الأمن والاستقرار..
هذه التربيةُ العسكرية المحضة هي التي صقلت شخصيته، وظلت لصيقة به حتى توفاه الله..
ثم انتقل بعد ذلك إلى إلى العمل التنفيذي فعُيِّن محافظاً لمحافظات مأرب والبيضاء وصعدة، ثم تفرَّغ للعمل السياسي والتنظيمي، فشغل منصب رئيس هيئة الرقابة التنظيمية والتفتيش المالي والإداري بالمؤتمر الشعبي العام..
ليس هذا سرداً لمسيرة حياته النضالية والعملية لمُجَـرّد السرد.. ولكن ما بالكم برجل اكتسب خبراته من خلال خدماته الطويلة في أكثر مناطق البلاد صعوبةً، وتدرج في الأعمال جندياً، وضابطاً، وقائداً، وإدارياً، وسياسيًّا.. ما عُرف عنه خلالها إلا عدالة الرأي والقرار، وما اشتهر فيها إلا بصلابة الموقف، وقوة الشكيمة..
ولهذا.. سأتحدث هنا عمَّا عرفته عن الفريق الركن يحيى محمد الشامي، القائد، والإداري، والسياسي، والإنسان، خلال بضع سنوات من العمل المشترك في مأرب..
لقد عرفته لأول مرة حين تعينت نائباً، ثم مديراً عاماً لفرع الأمن السياسي بمحافظة مأرب عام 1991 م، وكان هو محافظاً للمحافظة، وقائداً للمحور العسكري.. وقد جمعتني به خلال تلك الفترة وقفات ومواقف وأحداث وحوادث كثيرة..
ما وجدته فيها إلا صادقاً وكفؤاً وعفيف اليد واللسان..
خرج ذات يوم من مكتبه بعد نهاية الدوام، وكان يقطع المسافة بين المكتب وسكن المحافظ مترجلاً، فلحق به رجل سبعيني من مديرية العبدية يتابع معاملة له في الضمان الاجتماعي.. قال له المحافظ إن الدوام قد انتهى والموظف المختص قد غادر، فظهرت ملامح الحزن والأسى على الرجل، وأدرك المحافظ ذلك، فقرّر العودة إلى المكتب، وأستدعى المختصين لإنجاز معاملة الرجل.. الذي قال له بعد استكمال معاملته: الله يِلَقِّيكْ وجهه، مثلما لَقَّيتَنِي وجهَك..
وجاءه ذات يوم موظفاً بسيطاً في المحافظة ” مراسل “، يشكو له من تكاليف دراسة ابنه، فتكفل المحافظ بها، واستمر في ذلك، حتى تخرج الابن من الجامعة، وواصل دراساته العليا، وهو الآن أُستاذ دكتور في جامعة صنعاء..
في 7 مارس 2020 م أهداني كتابَه “مذكراته” التي عنوَنَها بــ”رجال صدقوا – أوراق من الذاكرة – الجزء الأول”.. وفي الكتاب شهود وشهادات وشواهد ومشاهد كثيرة من حياة الرجل، والأحداث التي مرَّت بها البلاد منذ ثورة سبتمبر 1962 م وما قبلها وما بعدها..
____________
الأخ العزيز القاضي مطهر بن محمد الشامي..
الإخوة الأعزاء صادق وإدريس وإبراهيم ويوسف وعيسى بن يحيى بن محمد الشامي..
وكافة الإخوة الأعزاء آل الشامي الكرام..
ببالغ الأسى وعظيم الحزن بلغنا نبأ وفاة المغفور له بإذن الله القائد والقُدوة الفريق الركن / يحيى محمد الشامي، ليلحق بزوجته الفاضلة، وبأقرب الناس إلى قلبه ولده اللواء الركن زكريا..
وأمام هذا الخَطْبِ العظيم، والمصاب الجَلَلِ، المتمثل في فقد واحد من أبرز القادة، من عرفناه قائداً وطنياً، وجمهورياً مخلِصاً، لا يخشى في الله لومة لائم.. في مختلف المناطق التي عمل فيها، وفي مختلف الأزمان والظروف..
وإيماناً وتسليماً بقضاء الله وقدره لا نملِكُ إلا أن نقولَ لكم ولذويكم ولجميع محبي الفقيد:
عظّم اللهُ أجرَكم.
وجبر اللهُ مصابَكم.
وعصم اللهُ قلوبَكم بالصبر.
ورحم اللهُ الفقيدَ وزوجتَه وولدَه رحمةَ الأبرار.
وأسكنهم فسيح جناته.
وتعازينا لكم ولأسرتكم الكريمة ولجميع الإخوة آل الشامي الكرام..
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
* * *
إخوانكم /
محمد علي بن علي الرويشان
جلال علي بن علي الرويشان
وإخوانهم، وأولادهم، وكافة آل الرويشان – خولان الطيال.
15 رمضان 1442هـ
27 إبريل 2021م