تزايد “الضجيج” الأمريكي مع تعاظم خسائر المرتزقة: صنعاء تضع واشنطن أمام اختبار جديد

|| صحافة ||

في مقابلِ تجدُّدِ الضجيجِ الأمريكي بخصوص “السلام” في اليمن، والذي يأتي ضمن مساعي الولايات المتحدة المكشوفة؛ مِن أجلِ وقفِ التقدُّمِ المتواصلِ لقوات الجيش واللجان في محافظة مأرب، جدّدت صنعاءُ إلقاءَ الكُرةِ في ملعب قوى العدوان، وعلى رأسها واشنطن، بوضعها أمام اختبارٍ عملي جديد؛ لإثبات جدية الحديث عن السلام ومزاعم الحرص على سلامة سكان مدينة مأرب، وهو اختبار ليس من المرجح أن يتم التعاطي معه؛ نظراً للمؤشرات الراهنة، لكنه يذكّر بالحقائق التي يهدف ذلك “الضجيج” للتشويش عليها.

عضوُ المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، قال، أمس الثلاثاء، في تغريدة على تويتر: “لا نريدُ حَـلَّ الصراع عسكريًّا لا في مأرب ولا في غيرها، ولكن دولَ العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي وحلفائه تفرِضُ هذا الخيارَ على الشعب اليمني المحاصَر”.

وجاء ذلك رداً على تصريح لوزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكين، جاء فيه أن صنعاءَ تسعى “لتحقيق حَـلٍّ عسكري للصراع من خلال الهجوم على مأرب”.

وقد عرض الحوثي على الولايات المتحدة الأمريكية ومبعوثها، ودول العدوان، ما وصفه بـ “فرصةٍ لتوقف المعركة في مأرب”، حَيثُ تتمثل تلك الفرصة في “إخراج الأجانب والقاعدة وداعش من المحافظة، وألا يبقى فيها إلا أبناؤها”، متسائلاً: “هل سيقبلون ذلك لتجنيبِ مدينة مأرب ويلات الصراع والدمار؟”.

تصريحُ الحوثي يُلقِي الكرةَ مجدّدًا في معلب واشنطن التي لم تعد تخفي قلقَها المتزايدَ حيال استمرار تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في مأرب، وهو قلقٌ بات يكشفُ بوضوح عدمَ جدية شعارات ودعايات “السلام” التي تتحدث عنها إدارة بايدن؛ لأَنَّ السلام الذي تريده هذه الإدارة يتمحور بشكل كامل حول إنقاذ المرتزِقة في مأرب فقط، وليس حول إنهاء الحرب، أَو حتى ضمان سلامة أهالي مأرب.

ولذا، فَـإنَّ العرضَ الذي قدمه عضو المجلس السياسي الأعلى، يضعُ الولاياتِ المتحدة أمامَ اختبار جديد، ليس من المتوقع أن تتعاطى معه؛ لأَنَّها لا تضع إخراج القوات الأجنبية والتكفيرية من المحافظة في تصورها الخاص لـ”السلام”، فهي لا تريدُ سوى أن تقوم قوات الجيش واللجان بوقف تقدمها وترك الغزاة والتكفيريين وشأنهم، وهو الأمرُ الذي يكشفُ أن “السلامَ” الأمريكي “لا علاقةَ له بالسلام”، حَــدَّ وصف عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري.

تصريحُ بلينكن، حول مأرب، يأتي في الوقت الذي ينشط فيه المبعوثُ الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينج، بشكل كبير؛ لإيجادِ ضغوط دبلوماسية وسياسية على صنعاء؛ مِن أجلِ إيقاف تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة، وخُصُوصاً مع وصول الخسائر الميدانية للمرتزِقة إلى مرحلة حرجة، إذ باتت المعارك أقرب مما كانت عليه إلى المدينة، علماً بأن المرتزِقة لم يعد لديهم أي خيار عسكري لتغيير المعادلة، حتى أن حكومتَهم نفسَها لجأت قبل أَيَّـام إلى استضافةِ فريق شبكة “سي إن إن” الأمريكية؛ لمطالبةِ واشنطن بالتدخل، ولم تُخْفِ الشبكةُ الأمريكية في تقريرها الميداني حقيقةَ أن خطوط دفاع المرتزِقة “هشة” وأنهم “يعتمدون على غارات الطيران فقط”، فيما يستمرون بخسارة الأرض والانسحاب من الجبال الاستراتيجية.

 

تأكيداتٌ أمريكيةٌ جديدةٌ على استمرار دعم السعودية

الحقيقةُ أنه لا حاجةَ إلى انتظار ردٍّ أمريكي على ما عرضه عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، حول مأرب؛ لإثبات عدم وجود أي تغيُّر في موقف واشنطن الداعم لاستمرار العدوان والحصار، فحتى تصريحاتُ المسؤولين الأمريكيين حول “السلام” تحتوي على أدلةٍ واضحةٍ تكشفُ أن كُـلَّ ما تفعله الولايات المتحدة هو محاولة الحصول على مكاسبَ من خلال الضجيج والابتزاز لا أكثر.

وفي هذا السياق، أكّـد البنتاغون، أمس الثلاثاء، استمرارَ دعم الولايات المتحدة للسعودية تحت مبرّر “الدفاع عن أمنها”، قائلاً إنها “لا تزالُ تحت تهديد الهجمات الصاروخية للحوثيين”، وهو موقفٌ واضحٌ يثبت أن الولايات المتحدة ليست في وارد الاقتراب حتى من فكرةِ إنهاء الحرب والوصول إلى سلام حقيقي، بل إنها تبدو مدافعةً باستماتة عن استمرار العدوان والحصار، علماً بأن مبرّرَ “الدفاع عن أمن السعودية” قد انكشف على حقيقته كحيلةٍ إعلامية للتغطية على استمرار دعم العمليات العدوانية على اليمن، وهو أمرٌ بات المشرِّعون الأمريكيون في الكونغرس يدركونه، من خلال امتناع إدارة بايدن عن الإجَابَة على تساؤلاتهم واستفساراتهم بخصوص الوضعِ الحالي للدعم الأمريكي العسكري للرياض -بعد إعلان بايدن عن وقف “الدعم الهجومي”- وكيف يتم التفريق بين دعم العمليات الدفاعية ودعم العمليات الهجومية!

هذا أَيْـضاً ما يؤكّـدُه تصريحُ قائد “القيادة الوسطى الأمريكية”، الجنرال كينيث ماكينزي، أمس، بأن “السعوديةَ مهتمةٌ بالتوصل لسلام في اليمن وتتصرف بحُسن نية ولكن الحوثيين لا يفعلون ذلك”، في محاولةِ تضليلٍ رديئة تتجاهلُ بشكلٍ وقحٍ تصاعُدَ الغارات التي يشنها طيران العدوان على اليمن، إلى جانب استمرار الحِصار الخانق والقرصنة على سُفن الغذاء والوقود والدواء، الأمر الذي يؤكّـد أن كُـلَّ ما أثير منذ أشهر من ضجيج حول “السلام” لم يكن في واقعه سوى حيلة من حيل الحرب، إذ لا يمكن أن يلتقيَ “السلامُ” بأي حال من الأحوال مع التمسك بدعم استمرار العدوان والحصار، واستخدام “التجويع” كورقة ابتزاز، ومطالبة طرف واحد بإلقاءِ سلاحه والاستسلام، وهو ما عبّر عنه المبعوث الأمريكي بشكلٍ صريحٍ، الأسبوع الماضي، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس.

بعبارة أُخرى: إن سلوكَ إدارة بايدن لا يكشفُ عن أيَّةِ نية للوصول إلى سلام، بقدر ما يكشفُ عن محاولة إيجاد “مبرّرات جديدة” لاستمرار العدوان والحصار؛ بهَدفِ التملُّص من الضغوط الحقوقية والسياسية التي تواجهها هذه الإدارة.

وبالتالي، لا ينبغي أن تتوقعَ الولاياتُ المتحدة أيَّ تغيير في موقف صنعاء، في ظل عدم وجود أي تغيير حقيقي في الموقف الأمريكي، ووفقاً لتجربة تتجاوز ست سنوات من العدوان، فَـإنَّ “الضجيج” مهما بلغت شدتُه، لا يمكن أن يؤديَ إلى تغيير هذه المعادلة بأي شكل من الأشكال، بل إنه يعبّرُ بوضوحٍ عن إفلاسٍ كبيرٍ لدى الأمريكيين، الأمرُ الذي يعني أن فُرصةَ صنعاءَ في كسر التعنُّت الأمريكي أكبرُ بكثيرٍ من فرصة واشنطن في “حمل صنعاء على إلقاء سلاحها” بحسب تعبير المبعوث ليندركينج.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا