نص كلمة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي في ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام 1442هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وعظَّم الله لنا ولكم الأجر في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين، وسيِّد الوصيين، وإمام المتقين علي بن أبي طالب “عليه السلام”، الذي أصيب في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك، والتحق بالرفيق الأعلى في ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك آنذاك، فكان ميعاده للقاء ربه في أشرف الليالي، وأشرف الشهور، وأشرف الأوقات وأفضلها.
واستشهد الإمام عليٌّ “عليه السلام” وهو يقوم بدوره العظيم في التصدي لحركة النفاق والانحراف في الأمة، ويواصل مشوار الإسلام في امتداده الأصيل والنقي، الإسلام المحمدي الأصيل، الإسلام الذي هو وفق منهج الله “سبحانه وتعالى”.
والإمام عليٌّ “عليه السلام” عندما نتحدث عنه، فمن المهم لنا كأمةٍ مسلمةٍ أن نستفيد من سيرته ومن عطائه، وأن نعي منزلته، وطبيعة علاقتنا به كأمةٍ مسلمة.
وعندما نعود إلى الآيات القرآنية، والنصوص النبوية، ونعود إلى سيرة عليٍّ “عليه السلام”، نجد كل ذلك يتمحور حول جانبين أساسيين، كلٌّ منهما له علاقةٌ بنا نحن:
الأول: أنَّ الروايات، وقبل ذلك الآيات القرآنية، إضافةً إلى سيرة عليٍّ “عليه السلام”، كل ذلك يقدِّم لنا نحن علياً “عليه السلام” باعتباره النموذج، وحسب التعبير القرآني: الشاهد الذي يقدِّم الصورة المتكاملة الراقية عن الإسلام، الإسلام في أثره في الإنسان، الإسلام الذي يتجسد كمبادئ، وأخلاق، وقيم، وسيرة عملية في واقع الحياة، وهذا جانبٌ مهمٌ لنا نحن، نتطلَّع إلى عليٍّ “عليه السلام” على هذا الأساس؛ لنرى فيه ما يجسِّد هذا الإسلام بشكلٍ كاملٍ وراقٍ يبرز عظمته، قيمته، أثره، أهميته.
ونرى أيضاً هذا الإسلام في الواقع الحياتي والعملي في أثره ونتائجه، وفي أثره التربوي في الإنسان، كيف يسمو بهذا الإنسان، كيف يرتقي بهذا الإنسان، كيف تبرز آثاره على كل المستويات في هذا الإنسان، فيؤدي دوره في الحياة دوراً عظيماً متكاملاً.
ونرى الإسلام بصفائه، بنقائه، بحقيقته، سليماً من كل شائبة، من كل تشويش، وهذه مسألة في غاية الأهمية لنا نحن، نحن في أمسِّ الحاجة إليها كأمةٍ مسلمة؛ لأنه في تاريخ الأمة وإلى اليوم، يبرز الكثير ممن يقدَّم لنا باعتباره يقدِّم النموذج الذي يعبِّر في سلوكه، في أعماله، في مواقفه، في فكره، في ثقافته عن الإسلام، بينما تشوبه الكثير من الشوائب التي تشوِّه الإسلام، وهذا يحصل كثيراً في تاريخ الأمة، وفي حاضرها، ويحصل أيضاً في مستقبلها، فعندما تكون هناك نسخة أصيلة، سليمة، موثَّقة، نقية، متجسِّدة بسيرتها بسلوكها، تمثل هي النموذج الحقيقي، يمكننا أن نستفيد من ذلك على امتداد تاريخنا، ثم في حاضرنا وفي مستقبلنا.
والجانب الآخر بالنسبة للإمام عليٍّ “عليه السلام”: هو ما يمثله من دورٍ أساسيٍ في الامتداد لهذا الإسلام ما بعد وفاة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، في موقعه في القدوة والهداية، وهذه أيضاً مسألة مهمةٌ جداً، وبالذات تجاه ما عصف بالأمة من الفتن والمؤامرات، والنشاط الكبير لحركة النفاق والانحراف في داخل الأمة، التي سعت إلى تزييف حقيقة الإسلام، وإلى تغيير الكثير والكثير من معالمه، وإلى التشويش على الكثير والكثير من حقائقه.
وعندما نتحدث عن عناوين مختصرة من مسيرة عليٍّ في المرحلتين: في مرحلة التنزيل، وفي مرحلة التأويل، في ظل حياة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” وما بعد ذلك، حتى من خلال عناوين محدودة، وعرضٍ موجز، يتجلى لنا ذلك بوضوح.
الإمام عليٌّ “عليه السلام” كانت مسيرة حياته متميزة، وعلى نحوٍ فريدٍ وعجيب، فهو وليد الكعبة، وهو في ختام حياته شهيد المحراب، وما بين ولادته واستشهاده مسيرة حياةٍ كلها متميزةً بالإيمان، والتقوى، والعمل الصالح، والسمو، والارتقاء الإنساني والأخلاقي وعلى نحوٍ عجيب.
الإمام عليٌّ “عليه السلام” حظي في طفولته، ثم ما بعد ذلك في كل مرحلة حياته مع رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” إلى أن توفي رسول الله، حظي بعلاقةٍ واختصاصٍ في صلته برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فهو تربَّى عند رسول الله، كفله رسول الله “صلى الله وسلم عليه وعلى آله”، وربَّاه عنده، ومنذ طفولته المبكرة نشأ في بيت رسول الله، وعند رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ورسول الله حتى ما قبل البعثة كان إنساناً عظيماً، ومؤمناً، متكاملاً، وعلى درجةٍ عظيمةٍ في أخلاقه، ونبله، ومرتبةٍ عاليةٍ جداً في ذلك، وموحِّداً لله “سبحانه وتعالى”، ويحظى بعناية إلهية خاصة ما قبل البعثة إلى الناس.
ثم في تلك المرحلة التي ربَّى فيها علياً عنده، لم يكن اهتمامه بعليٍّ “عليه السلام” منحصراً على العناية به في التغذية والاحتياجات الخاصة الإنسانية، فيهتم به فيما يتعلق باحتياجاته كإنسان من غذاء وكساء ونحو ذلك، إنما كانت عنايته أيضاً بعليٍّ “عليه السلام” متجهةً إلى التربية الأخلاقية، فكما قال عليٌّ “عليه السلام” وهو يتحدث عن تلك المرحلة في طفولته: (ولقد كنت أتَّبعه اتِّباع الفصيل أثر أمة، يرفع لي في كل يومٍ من أخلاقه عَلَماً ويأمروني بالاقتداء به)، هكذا كان يتربى تربية يسمو فيها على المستوى الأخلاقي والروحي والتربوي والإنساني على نحوٍ فريد، مع قابليةٍ عاليةٍ جداً عند الإمام عليٍّ “عليه السلام”، وهبه الله “سبحانه وتعالى” قابليةً عالية، ثم هيَّأ له هذا المربي العظيم: رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
عند البعثة كان رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” وهو يعتني بهذا الفتى اليافع عنده، كان عليٌّ “عليه السلام” السابق إلى الإيمان برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، والمصدِّق به، وبرسالته، وببعثته على نحوٍ متميز، لم يسبق ذلك شركٌ، ولا شيءٌ من دنس الجاهلية، الذين أسلموا، أسلموا مع سابقة شرك، مع ماضٍ من دنس الجاهلية وسلبياتها، أمَّا الإمام عليٌّ “عليه السلام” فكانت سابقته الإيمانية متميزةً بأنه لم يسبقها أبداً شيءٌ من الشرك، ولا من دنس الجاهلية ورذائلها.
والسبق فضيلةٌ عظيمة، الله “سبحانه وتعالى” يقول في القرآن الكريم: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة: 10-11]، سبقٌ إلى الإيمان، أيضاً الإيمان على نحوٍ راقٍ جداً، وإلى نصرة رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فسبق كمؤمنٍ عظيمٍ، وجنديٍ متميزٍ، ومناصرٍ صادقٍ مع رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
ثم في إطار مسيرة حياته هذه المسيرة الإيمانية مع رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، كان في حياته، وفي أثر تربية رسول الله له، يرتقي ارتقاءً عظيماً ومتميزاً على المستوى الأخلاقي والإيماني، وعلى المستوى المعرفي، وعلى مستوى الهداية والوعي والبصيرة، فكان هو النموذج الأول، والمصداق الأول لكل ما ورد في القرآن الكريم من آياتٍ قرآنية فيها ثناءٌ على المؤمنين، وحديثٌ عن مواصفاتهم، وبشارةٌ لهم، وكما قال ابن عباسٍ رحمه الله: (أنَّ كل آيةٍ نزلت فيها ثناءٌ على المؤمنين، وبشارةٌ لهم، وإلَّا وكان عليٌّ أميرها)، يعني: كان هو المصداق الأول، والنموذج الأكمل، المصداق الأول لتلك الآيات التي تتحدث عن المؤمنين، عن مواصفاتهم، عن الثناء عليهم، وعن البشارة لهم، وعن النموذج الأكمل فيما بينهم، ولذلك كان هو الشاهد- بحسب التعبير القرآني- الذي يشهد فيما هو عليه من سلوك، في أثر الإسلام فيه، في سموه الإنساني والأخلاقي، يشهد على عظمة الرسول، على عظمة الرسالة، على عظمة القرآن؛ لأنه من خلال أثر التربية النبوية في هذا الإنسان، أثر القرآن فيه، أثر الإسلام فيه، يتجلى للناس أنَّ عظمة الإسلام فعلاً مسألة مؤكَّدة ومتجسِّدة في واقع الحياة، وليست فقط نظريةً مثاليةً لا يمكن أن نلمس أو نرى آثارها في واقع الحياة.
عندما نأتي إلى مسيرة حياته في ظل رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، مؤمناً به، ومناصراً له، وجندياً مخلصاً معه، ووزيراً صادقاً، نجد تلك الحياة المتميزة الإيمانية العظيمة، فعلى مستوى الجهاد، كان جهاده في سبيل الله، وبيعه لنفسه من الله “سبحانه وتعالى”، وتفانيه في سبيل الله “سبحانه وتعالى” على نحوٍ متميزٍ، جعل منه رجل المهمات الصعبة، والمواقف الاستثنائية، والبطولات التي سطَّرها التاريخ، ولا مثيل لها في تاريخ الإسلام.
الإمام عليٌّ “عليه السلام” في مرحلة مكة، ما قبل الهجرة، كان ملازماً لرسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وكان هو الحارس الشخصي الملازم على نحوٍ دائم، والحاضر في كل لحظة لأن يفدي رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” بنفسه، بروحه وحياته، وفي تلك المرحلة الحسَّاسة كان يواصل هذا الدور، إلى أن أتى ميعاد الهجرة من مكة إلى المدينة، فكان هو الذي قام بالمهمة في تلك الليلة، مهمة الفداء، مهمة المبيت على فراش النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، في عملية تمويهية أمنية، تمثل غطاءً لخروج النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وانتقاله من منزله إلى خارج مكة، إلى الغار.
فالإمام عليٌّ “عليه السلام” في تلك الليلة عندما عرض عليه النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” هذه المهمة الفدائية، تلقَّاها بكل استبشار، بكل رحابة صدر، بكل شوقٍ وتلهف، بإيمانه العظيم، وكان المهم عنده هو سلامة رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وبات في تلك الليلة جاهزاً بشكلٍ تامٍ للشهادة في سبيل الله، والتضحية في سبيل الله، بائعاً نفسه من الله، وكان أن صدَّر القرآن الكريم ليلة الفداء هذه، وذلك الموقف الذي باع فيه نفسه من الله، واستعد بشكلٍ تامٍ للشهادة في سبيل الله، القرآن سطَّر هذا الموقف وجعله نموذجاً، وهذا ما ركَّز عليه القرآن في كل ما قدَّمه بشأنٍ عليٍّ أنه يقدمه كنموذج في دائرة العنوان الإيماني؛ ليكون نموذجاً للمؤمنين، نموذجاً للناس في الإيمان، والارتقاء الإيماني، والالتزام الإيماني، والاستعداد العالي للتضحية في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، فقال الله “جلَّ شأنه”: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: الآية207]، فالقرآن يقدِّم لنا هذا الموقف العظيم، ويكشف لنا في هذه الآية المباركة حتى عن مشاعر عليٍّ “عليه السلام”، أنه عندما قدَّم نفسه في سبيل الله، مستعداً للتضحية على نحوٍ تامٍ بدون أي تردد، وبدون أي توجس، وبدون أي قلق، هو يبتغي بذلك مرضاة الله “سبحانه وتعالى”، مخلصاً لله “سبحانه وتعالى”، وكان الإخلاص لله من أبرز العناوين التي نجدها في سيرة عليٍّ “عليه السلام”، في أعماله، في مواقفه، في جهاده، في كل أعماله الصالحة، الإخلاص لله، والابتغاء لمرضاة الله، والسعي لنيل المحبة لله “سبحانه وتعالى” ومرضاته، كان هو الهدف والغاية الرئيسية للإمام عليٍّ “عليه السلام”، وهذا درسٌ عظيمٌ ومهمٌ لنا جميعاً، لكل المسلمين، لكل المؤمنين.
وهكذا استمر في عطائه مع الله “سبحانه وتعالى”، بعد هجرة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” أدَّى عنه الودائع، وكان يؤدِّي أيضاً هذا النوع من المهام التي لها صلة مباشرة وخاصة برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فيؤدي عنه، فأدَّى عنه الودائع في مكة، كان هو أيضاً الذي يقضي دينه، يؤدي كل المهام الخاصة المتصلة بالنبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، يثق به ثقةً كاملة، ويطمئن إليه أنه سيؤدي عنه ما يؤديه، وهاجر أيضاً والتحق برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ونقل معه أسرة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” إلى المدينة، في قصةٍ مشهورة تحدى فيها خطر المشركين، عندما حاولوا أن يلحقوا به، وأن يحولوا بينه وبين الهجرة، وأن يعيدوا من معه من أسرة رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، إلَّا أنه تصدى لهم بكل حزم، ونجح في مهمته.
في مرحلة المدينة أدَّى دوره على نحوٍ عظيمٍ ومتميز، فكان في كل أدائه الجهادي، وفي كل المعارك، وفي كل المواقف والتحديات التي كانت أبرز ملاحم الإسلام، هو البطل الأول الذي يؤدِّي دوره العظيم كجنديٍ عظيمٍ متميز، ومتفانٍ في سبيل الله “سبحانه وتعالى”:
في غزوة بدرٍ الكبرى كان له أكبر رصيدٍ بين المجاهدين مع رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في تفانيه، واستبساله، ونكايته بالمشركين، وكان هو من باشر القتل بمعظم القتلى الذين قتلوا في غزوة بدر، وعندما برز هو وعمه حمزة بن عبد المطلب، وابن عمه عبيدة بن الحارث، نزلت الآية القرآنية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج: من الآية19]، فكان هو المخاصم لأعداء الله، للذين واجهوا الإسلام، وحاربوا الإسلام، وبرز هو وعمه وابن عمه في أول ما بدأت تلك المواجهة في تلك المعركة في موقفٍ تاريخيٍ مذكورٍ في السِّير النبوية.
واستمر كذلك، في معركة أحد كان له أبرز دورٍ في نصرة الإسلام، في الجهاد، فكان هو قاتل حملة الرايات، وقاتل الصناديد والأبطال من المشركين، وكان هو الثابت المتفاني المستبسل عند الهزيمة التي شملت الكثير من المسلمين، {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}[آل عمران: من الآية153]، كانت هزيمةً مؤلمة، وكانت المرحلة آنذاك وذلك الظرف الحساس يشكِّل خطورةً كبيرةً على حياة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فكان ثابتاً مع رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ومستبسلاً، ومتفانياً إلى حدٍ عجيب، كانت كلما أتت كتيبة تتجه نحو النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وتزحف بكل جدية، وبكل اهتمام، بهدف قتله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، يتجه الإمام عليٌّ “عليه السلام” إلى تلك الكتيبة بكل استبسال وتفانٍ ويقتل قائدها، فتنكسر وترجع من زحفها، ثم يتجه إلى الكتيبة الأخرى… وهكذا من هنا وهناك بكل استبسالٍ وتفانٍ، إلى درجة أن عَجِب جبرائيل- وهو حاضرٌ إلى جوار النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”- من هذا الاستبسال، من هذا التفاني، فقال: (إنَّ هذه لهي المواساة)، فقال النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: (إنَّه منِّي وأنا منه)، فقال جبرائيل: (وأنا منكما)، هذا شرفٌ عظيمٌ جداً جداً.
في معركة الخندق، وهي معركة خطيرة، وحساسة، وحوصرت فيها المدينة، وبلغت الحالة في داخل المدينة مبلغاً كبيراً من الضغط النفسي والمعنوي على المسلمين، {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}[الأحزاب: من الآية11]، وتحدث المنافقون بالإرجاف والتهويل والتشكيك، ولعبوا دوراً سلبياً في زعزعة الوضع الداخلي للمسلمين، واشتدت المشكلة على المسلمين، وتضاعف الهم والمحنة عليهم، كان للإمام عليٍّ “عليه السلام” دوره البارز والمتميز، وتصدى هو لعمرو بن عبد ود العامري، وضربه ضربته الشهيرة، وقُتِلَ وهو من أكابر فرسان المشركين، ومثَّل قتله ضربة معنوية كبيرة للأعداء، وكانت تلك المواقف البطولية، وذلك الدور الرئيسي، في كل تلك المرحلة، مرحلة غزوة الخندق منذ بداية الحصار، إلى حين انكشافه وهزيمة المشركين ورجوعهم، كان الدور المحوري البارز للإمام عليٍّ “عليه السلام” يقدم النموذج الذي تحدثت عنه الآية المباركة في سورة الأحزاب: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}[الأحزاب: الآية23]، فكان المصداق الأول، والنموذج الأكمل لهذه النماذج، الإمام عليٌّ “عليه السلام”، وحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، كانوا هم النموذج الأكمل، وهم المصداق الأول، وهي تشمل كل المؤمنين الذين نهجوا هذا النهج، ولكنهم يبقون دائماً في أول القائمة، وفي أول العنوان، على نحوٍ متميزٍ في كمال ما كانوا عليه من ذلك، وفي أنهم الذين بادروا وسبقوا إلى ذلك.
فيما بعد ذلك أيضاً، في ملاحم الإسلام الأخرى في خيبر، وملحمة خيبر من أبرز الملاحم التاريخية، ومن أهم الملاحم في السيرة النبوية، وقد تراجع فيها المسلمون مرةً تلو أخرى، إلى أن قال النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: (لأبعثن غداً عليهم رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً، غير فرار، يفتح الله على يديه)، الإمام عليٌّ “عليه السلام” كان في المراحل التي تراجع فيها المسلمون في تلك الملحمة، كان مصاباً بالرمد، كان مريضاً، لا يبصر، لا يكاد يبصر موضع قدميه، فلم يكن حضر وباشر وشارك في تلك العمليات التي تراجع فيها المسلمون، ولكن رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” تفل بريقه المبارك في عينيه، ودعا له بالشفاء، وشفي بشكلٍ تام، وأعطاه الراية، وانطلق، وفتح الله على يديه في لحظةٍ سريعةٍ ومعركةٍ حاسمةٍ وسريعة.
وكانت هذه المواصفات العظيمة والراقية تقدمه أيضاً كنموذج، رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار، غير فرار، يفتح الله على يديه، فنجده أيضاً في ملحمة حنين كان هو الثابت بعد الهزيمة الكبيرة التي لحقت بأكثر المسلمين، ولم يبقى مع رسول الله إلا القلة القليلة، كان أبرزهم وأكثرهم تفانياً واستبسالاً، وأكثرهم عناءً وجهداً وعملاً، وإسهاماً في الدفع عن رسول الله وعن الإسلام والتصدي للأعداء، كان هو عليٌ “عليه السلام”، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وتراجع المسلمون، وختمت تلك الملحمة التاريخية، والمعركة الكبيرة بالنصر الحاسم لصالح المسلمين.
وهكذا في محطات كثيرة، وفي مراحل كثيرة، وفي تحديات كثيرة، كان يتميز الإمام عليٌ “عليه السلام” بتفانيه في سبيل الله، ببطولاته التي لم تكن فقط مبنيةً على الشجاعة الفطرية فحسب؛ وإنما تستند أيضاً إلى هذا الرصيد الإيماني العظيم، وإلى هذا التوفيق والتأييد الإلهي الكبير، الذي كان يحظى به لإيمانه، وصلته بالله “سبحانه وتعالى”، وعظيم منزلته في الإسلام.
والجهاد في سبيل الله عندما ينطلق من هذا المنطلق الإيماني، وبهذه القيم، وبهذا الوعي لعظمة الإسلام، وبهذا الحمل للإسلام كقضية تدافع عنها وتجسدها في واقعك العملي، فضيلةً عظيمةً ومرتبةً عاليةً جداً، وهو في سلم الأعمال الصالحة، وفي سلم العناوين، وفي قائمة العناوين الإيمانية في المرتبة الأولى، {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً}[النساء: 95-96].
الإمام عليٌ “عليه السلام” على هذا المستوى في جهاده، في ارتقائه الإيماني، في علمه ومعرفته، وما منحه الله “سبحانه وتعالى” من الهداية، كان هو الأُذُن الواعية، المصداق الأول في الأُذُن الواعية، في الوعي، في الاستيعاب، في التفهم، في الاستنارة بنور الله “سبحانه وتعالى”، في الاستيعاب لما بلَّغه رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” للأمه، وفيما علَّم به هذا التلميذ العظيم، وكان هو باب مدينة العلم، كما في النص عن النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” وهو يكشف لنا المقام العلمي العظيم من جهة، والجانب المؤتمن لحمل وتبليغ ما أداه النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” إلى الأمة، على نحوٍ وثيقٍ وصادقٍ ونقيٍ من كل الشوائب، وسليمٍ، أمانةٍ عاليةٍ، واستيعابٍ كبير، ومن واقع هذا الدور الذي يؤديه من خلال اقترانه بالقرآن، وكان كما قال عنه النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”: (عليٌ مع القرآن، والقرآن مع علي)، فكان مع القرآن، استوعب القرآن، استوعب هداية القرآن الكريم على نحوٍ عظيم يناسب هذا الدور الذي أوكل إليه، هذا الدور الذي عليه أن يقوم به، ثم مع ذلك كان مجسداً للقرآن الكريم في واقع حياته كمواقف، وكتعليمات، وكسلوك، وكأخلاق، وكمبادئ، وكمسيرة عمل يلتزم به، يتحرك على أساسه، فكان قرآناً ناطقاً بكل ما تعنيه الكلمة، وكان يمثل استمرارية الإسلام بشكلٍ صحيح، في تقديمه للأمة، وفي الحركة بالأمة على أساسه بشكلٍ صحيح، حتى تكون الأمة مهتديةً بالقرآن، حتى لا تتشوش عليها هذه العلاقة مع القرآن بمفاهيم غير صحيحة، بتأويلٍ غير صحيح، بتفسيرٍ غير صحيح، بتزييفٍ للمفاهيم التي تحسب على القرآن الكريم، فكان هو الذي قاتل على تأويل القرآن، كما قاتل النبي على تنزيله، كما أخبر النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” بذلك، وهو يخبر هذه الأمة، ويطلعها على طبيعة هذا الدور الذي يقوم به عليٌ “عليه السلام” ما بعد وفاة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فأخبر الأمة أن علياً “عليه السلام” سيقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل النبي على تنزيله.
فكان في مرحلة التنزيل في ظل حياة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” ذلك النموذج العظيم، الأكمل، والمصداق الأول على مستوى العناوين الإيمانية والقرآنية، وما بعد وفاة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” كان هو الذي يؤدي هذا الدور في الحماية للمفاهيم القرآنية، ومعارف الإسلام، وحقيقة الإسلام، ويتحرك بالأمة على هذا الأساس بشكلٍ صحيح؛ حتى يحميها من الانحراف، الانحراف الخطير الذي تتحرك به حركة النفاق والانحراف في داخل الأمة، وتحركت، وتحركت بذلك.
الإمام عليٌّ “عليه السلام” منزلته التي كان فيها في ظل حياة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وما بعد وفاة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، حددها ووضحها وبينها النص النبوي الذي رواه المسلمون بكل مذاهبهم، عندما قال “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” للإمام عليٍّ “عليه السلام”: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعد)، فله هذه المنزلة وهو يؤدي هذا الدور، في عهد النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وما بعد وفاته، وبقي الإمام عليٌّ “عليه السلام” يمثل العلامة الفارقة بين الإيمان والنفاق، فهو يمثل الاتجاه الصحيح، السليم، في مسيرة الإسلام، وعندما أتت حركة النفاق لتناوئ هذا المسار، ولتحارب هذا المسار والامتداد الأصيل والصحيح، كانت مكشوفة، كانت مفضوحة؛ لأن هناك ما يعبر عن الامتداد الصحيح، ما يمثل النموذج، وما يمثل الشاهد، وما له موقع القيادة والهداية، وهذه نعمة كبيرة جداً للأمة، هذه نعمة جداً، حتى لا تلتبس الأمور ما بعد وفاة النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”؛ لأن النبي أنذر أمته بأنها مقبلةٍ على فتنٍ كقطع الليل المظلم، وأنها مقبلةٌ على حالةٍ من التلبيس والانحراف، وأنها مقبلة على حالةٍ من الانحراف الذي يشكل خطورةً كبيرةً عليها في نقاء الإسلام، في فهمها الصحيح للإسلام، في أن تسير بشكلٍ مكتملٍ وفق مبادئ الإسلام كاملةً نقية.
فعملية الانحراف والتلبيس لن تأتي لتغير العنوان الإسلامي بكله، ولكنها تشوشه، تُلَبِّس فيه، تزيف الكثير من حقائقه، فتلبس الحق بالباطل، وتحول هذا الإسلام إلى إسلامٍ مختلطٍ بكثيرٍ من المفاهيم التي تحسب عليه وليست منه، وإنما هي في حقيقة أمرها تعبر عن النفاق، وقد كان هذا الخطر على نحوٍ كبيرٍ جداً في مرحلة عودة الدور الأموي والنفوذ الأموي من جديد في واقع الأمة، وكان يشكِّل خطراً كبيراً جداً على هذه الأمة، في إسلامها، في إسلامها أن يبقى نقياً، أن يبقى سليماً، أن تبقى له ثمرته الحقيقية في الإنسان والحياة، وأن يبقى له أثره المبتغى منه في واقع الحياة، وفي الدنيا والآخرة.
فالدور الأموي الذي شكَّل تهديداً بالغاً، وغذى معه كل أشكال الانحراف، ووظف معه كل حالات الانحراف الموجودة والممتدة في مختلف الساحة الإسلامية، والتي وصلت إلى مستوى التوغل إلى داخل الكوفة، عاصمة الإمام عليٍّ “عليه السلام”، عاصمة الأمة الإسلامية، فوظف كل حالة الانحراف، وغذاها، وحركها، بما في ذلك ظاهرة الخوارج، استفاد منها الجانب الأموي، وحركها وفق خيوطه وأساليبه الماكرة والخبيثة، وشغَّلها على النحو الذي يحقق له أهدافه ومآربه الشيطانية.
فالإمام عليٌّ “عليه السلام” تصدى للدور الأموي على أكمل وجه، قام بمسؤولياته على أكمل وجه، حفظ للإسلام نقاءه، وهو يبلِّغ، وهو يعبِّر، وهو يقدِّم هذا الإسلام، وهو يجسد هذا الإسلام في مواقفه، في سلوكه، في أعماله، في مواقفه، وهو يجاهد بكل أشكال الجهاد، ويدافع عن هذا الإسلام، عن الأمة نفسها؛ ليبقى لها هذا الإسلام كما هو، وليعطي هذا الامتداد في مرحلة من أخطر المراحل، ومن أسوأ المراحل، تشكل تهديداً على الإسلام، وتمثل منعطفاً خطيراً جداً في تاريخ الأمة.
وفي نهاية المطاف استشهد، ضحى بحياته، بروحه، في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، وقد أتم دوره وقام بواجبه على أكمل وجه، فكان هو الشاهد في كل تلك المراحل، في مرحلة التنزيل، وفي مرحلة التأويل، وكان هو النموذج الذي يمكن للأمة أن تتطلع إليه في كل عصر، لتقيس على تلك الروحية، على تلك المنهجية، كل النماذج الأخرى، فتشاهد النموذج الأصيل والعظيم جداً، والراقي جداً، والكامل، الذي تقيس عليه النماذج الأخرى مهما صغرت، فلا تلتبس عليها مسألة الرموز، مسألة القادة، مسألة الأعلام الذين تسير بعدهم، الذين تتأثر بهم، الذين تتجه بهم؛ لأن أمامها نموذج واضح جداً، وكامل جداً، ويؤدي دوره في الشهادة على نحوٍ مستمرٍ عبر الأجيال.
عندما نأتي إلى زمننا هذا نتطلع إلى الإمام عليٍّ “عليه السلام” وهو في هذا الموقع، في موقع القدوة والقيادة، وهو في موقع أيضاً النموذج الأكمل، والمصداق الأول لكل تلك العناوين والمواصفات الإيمانية العظيمة، فنرى فيه مدرسةً متكاملةً معطاءةً وغنية، نستهدي بها، نستهدي بسيرتها، نستهدي بما قدمه في مواقفه، في صبره، في عطائه، ونجد فيه النموذج الإنساني الراقي المكتمل، الذي قدمه القرآن أيضاً في سورة الإنسان في عطائه الإنساني، وهو كما قال عنه “سبحانه وتعالى” وهو يقدم صورةً من عطائه مع أصحاب الكساء: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان: 8-10]، وهكذا تقدم هذه الآيات المباركة وهو في عطائه إلى هذا المستوى الذي يؤثر على نفسه في أضيق الحالات، في أشد الظروف، في أقسى الظروف، على المستوى المعيشي، فيؤثر حتى بطعامه الذي لا يمتلك غيره، يؤثر الفئات المحتاجة، من مسكينٍ ويتيمٍ وأسير، ويبقى جائعاً، هذا هو عليٌّ “عليه السلام” في عطائه الراقي جداً، وبإخلاصٍ عظيمٍ لله “سبحانه وتعالى”، ليس لأهداف أخرى، حتى على مستوى الشكور، على مستوى الثناء، على مستوى المديح، لم يسع لذلك من خلال عطائه، كان ذلك النموذج الراقي في عطائه، في إخلاصه، تجسدت حالته الإيمانية في اهتمامه بأمر الناس، واهتمامه بعباد الله، ورحمته بالمستضعفين، ودفاعه عنهم، وعطائه لهم، مع خوفٍ من الله “سبحانه وتعالى”، ومحبةٍ عظيمةٍ لله “جلَّ شأنه”، وصلةٍ إيمانيةٍ راقية، ثم كان هو ذلك الذي عندما أتت الشهادة قال كلمته الشهيرة: (فزت ورب الكعبة)؛ لأنه كان على يقين من سلامة منهجه، من صحة موقفه، كان على بصيرةٍ عاليةٍ تجاه مسيرته ومواقفه، كان يدرك أيضاً فضل الشهادة، وعظيم منزلتها، وعظيم منزلته هو فيما أداه، وفيما توفق له، وفيما كان عليه من إيمانٍ عظيم، وفيما عمل به وقدمه من العمل الصالح العظيم، وبقيت أعماله، وآثار أعماله، ممتدةً فيما قدمه، وفيما أسهم به، في رفع راية الإسلام، وفي تخليد الحق، وفي خدمة المستضعفين، ممتدةً إلى يوم القيامة.
مدرسةٌ وقدوةٌ ومنهجيةٌ نستفيدها من الإمام عليٍّ “عليه السلام” في مرحلةٍ نحن في أمسِّ الحاجة إلى ذلك، وكان حبه علامةً فارقةً بين الإيمان والنفاق، لهذا الدور الذي يؤديه في مستقبل الأمة، ويبقى علامةً فارقةً بين الإيمان وبين النفاق؛ لأن الإيمان في امتداده الأصيل جسَّده عليٌّ، وقدمه علي، والنفاق كان دائماً في الاتجاه المناوئ لعلي، والمعارض لعلي، والباغض لعلي، والكاره لعلي، والمستاء دائماً من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “عليه السلام”.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لأن نقتدي بالإمام عليٍّ “عليه السلام”، لأن نقتدي برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فيما يمثله عليٌّ من حلقة وصلٍ برسول الله، حلقة وصلٍ موثوقةٍ وأمينةٍ وصادقةٍ وأصيلةٍ، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛