يومُ القدس.. قضيةٌ وموقف
موقع أنصار الله || مقالات ||مصطفى العنسي
قُل ما شئت عن يوم القدس العالمي فهو يومٌ فارقٌ في تاريخ الأُمَّــة ويوماً مِن أجلِ فلسطين وعاصمتها القدس التي تخلى عنها الأعراب والمستعربين وباعها عبدالعزيز آل سعود حينها بصك العمالة والتبعية لبريطانيا والتي وقع البيعة فيها قائلاً: (أنا السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمان آل سعود أقر وأعترف ألف مرة للسير “بيرسي كوكس” مندوب بريطانيا العظمى لأمانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم وكما تراه بريطانيا والتي لا أخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة).
بتلك البيعة زرع الخبيثُ الخبائثَ وَزرع لنا سرطاناً في جسد الأُمَّــة ومن حينها بدأ المشروع اليهودي يترعرع وينمو وينتشر في علوه وتتبيره الثاني كما تحدث الله في سورة الإسراء.. وشاءت الأنظمة العربية للصهاينة أن يكبروا فقد ركب بركب اليهود معظم الأعراب وأصبح هذا المرض الخبيث هو الذي يستحكم بدائه ووبائه ووباله على أمتنا وأصبحت القدس محط مساومة من قبل اليهود لكل الأنظمة العربية والإسلامية العميلة بل أصبح من يصنع القوانين ويصيغ الدساتير ويشرع نظام الحكم لأمتنا هم الصهاينة بمشروعهم العالمي وذكائهم الشيطاني.. إنهم من يتحكمون حتى في اختيار القادة والوزراء لمعظم الدول الإسلامية باستثناء إيران ومن معها في محور المقاومة..
لقد أصبح اليهود الذين هم أقل الطوائف البشرية عدداً هم من يتحكمون في العالم سياسيًّا واقتصاديًّا وعقائدياً وفكريًّا وثقافيًّا وعسكريًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا، ومن يصنعون ثقافة العالم بفسادهم وإفسادهم الذي وصل إلى كُـلّ بيت.. استطاعوا أن ينفذوا حتى إلى مدارسنا ومناهجنا لاستهداف أجيالنا بأفكارهم المسمومة..
كما هي حربهم الثقافية والفكرية التي تعمل على هدم المجتمع الإسلامي أخلاقياً وسلوكياً ودينياً ومسخ ثقافة أبنائه وتغيير هُــوِيَّتهم من الألف إلى الياء ومن الملبس والمظهر إلى النظرة والاهتمام.. لقد نجحوا في التأثير على الشعوب أما الحكام فهم صنيعتهم واستطاعوا أن ينحرفوا بمعظم الشعوب عن قضاياهم الكبرى وإغراقهم في مستنقع الفساد والإفساد وأفسدوا الكثير من الشباب الذين هم محور الارتكاز داخل الشعوب حتى لا يكونوا رواداً في التنمية والنهوض ببلدانهم في الإنتاج والتصنيع والابتكار والاختراع..
كذلك مقابل تنصل المسلمين عن قضيتهم الأولى والكبرى فلسطين وعاصمتها القدس أستطاع اليهود حرف بوصلة العداء وتوجيهه لصالحهم ضد من يمثل خطورة عليهم ونجحوا في صناعتهم للفكر التكفيري بدءا من الوهَّـابية وانتهاء بداعش والقاعدة.. وتحَرّكوا بدهاء ومكر ليفرقوا بين الأُمَّــة الإسلامية وإشغالها بصرعات داخلية لإضعافها..
أمام هذا التأثير الصهيوني على العالم برمته وأمام الهجمة التي يتعرض لها أبناء الإسلام تحت عناوين التهويد والتطبيع والاستيطان.
كان لا بُـدَّ من موقف يكبح جماح العدوّ التاريخي للإسلام والمسلمين، إنه الموقف الذي أعلنه الإمام الخميني-رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- الرجل الذي تصدى لليهود في عصره وزمانه وخلد قضية القدس وجعلها محطة تاريخية لتوحيد الموقف وتوحيد الصف وجمع الكلمة لتكون فلسطين هي القضية الجامعة للأُمَّـة والتي لا تخص الفلسطينيين لوحدهم وإنما هي قضية المسلمين جميعاً..
وقد أتى بعده الشهيد القائد-رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْهِ- مجدّدًا الدعوة لإحياء هذا اليوم حتى تبقى فلسطين حية في نفوسنا..
إن يوم القدس العالمي هو يوم للاصطفاف والتمحور حول قضية فلسطين وجعلها أولى الأولويات إن بتوجيه العداء لإسرائيل وإن بتبني مواقف لمواجهة صلفهم وعدوانهم على الشعب الفلسطيني العزيز والعمل على إيقاف تطبيع الأنظمة العميلة بمواقف شعبيّة مؤثرة وتبني الدعم للشعب الفلسطيني في انتفاضته وتشجيعه وإمدَاده بالمال والعتاد والسلاح..
كما يجب علينا أن نعرف أن صراعنا مع اليهود هو صراع تاريخي وصراع شامل وأنه لا بُـدَّ له من نهاية وقد بين السيد القائد عبدالملك -يحفظه الله- نهاية الصراع معهم مؤكّـداً أن هناك مآلات ثلاث تحدث عنها القرآن..
الحتمية الأولى: هزيمة العدو الصهيوني كما أكّـد الله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أول مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا).
الحتمية الثانية: خسارة من يتولونهم كما وعد الله (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَو أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أنفسهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأصبحوا خَاسِرِينَ).
الحتمية الثالثة: غلبة حزب الله كما أكّـد الله (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُون).