نص المحاضرة الرمضانية الثامنة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1442هـ

 

 

أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.

اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.

اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.

أيُّها الإخوة والأخوات

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وصلنا في سياق الآيات المباركة من سورة الأنعام إلى قوله “سبحانه وتعالى”: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: الآية153]، هذه كانت ختام الوصايا التي في تلك القائمة، التي بدايتها: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: من الآية151]، وأتى فيها ما هو نهي مثل: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[الأنعام: من الآية51]، وما هو أمرٌ بشيءٍ ونهيٌ عن نقيضه؛ لأهمية المسألة، وأتت تلك التفاصيل التي ترتبط بالجانب العملي، بقضايا محددة، وتفاصيل محددة، ثم ختمت بهذه الخاتمة، بقوله “سبحانه وتعالى”: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، فقدَّم في ختام تلك الوصايا، هذه الوصية الجامعة الشاملة، التي تشمل كل مجالات حياتنا، والتي لها صلةٌ بكل مسيرة حياتنا، فالله “سبحانه وتعالى” رسم لنا في هذه الحياة منهجاً نتَّبعه، نلتزم به، نتحرك في كل مجالات حياتنا على أساس ما فيه من التوجيهات والهداية، وسمَّاه صراطه، ولهذا قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي}، طريق رسمها الله “سبحانه وتعالى”، هي عبارة عن هذا المنهج، عن القرآن الكريم بما فيه من تعليمات، وتوجيهات، وهداية شاملة، فالاهتداء به، والإتِّباع له، معناه: أن نتحرك في كل مجالات حياتنا على أساس توجيهاته، فهو كتابٌ للحياة، كتابٌ عمليٌ، نعمل به، ونبني مسيرة حياتنا في شؤوننا السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية… وغيرها على أساس ما فيه من تعليمات، وتوجيهات، وهداية شاملة.

والله “سبحانه وتعالى” عندما يأمرنا بهذا الأمر: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، يجب أن ندرك جيداً أنَّ الله “سبحانه وتعالى” عندما يهدينا إلى الطريق التي رسمها لنا هو، فلأنه ربنا، هو ملكنا، هو إلهنا، هو المنعم علينا، هو رب العالمين، هو رب السماوات والأرض، ليس- كما كررنا كثيراً في كثيرٍ من المحاضرات- ليس طرفاً فضولياً، وليس جهةً نعتبر أنها جهة تحاول أن تفرض علينا أشياء منها، أو تتدخل في شؤوننا، ونقول: [ماذا يعنيك من أمرنا؟ ما علاقتك بحالنا؟ لماذا تتدخل في شؤوننا؟]، الله هو ربنا، هو خالقنا، هو مالكنا، هو المنعم علينا، هو خالق السماوات والأرض، نحن عبيده، نحن مملوكون له، والسماوات والأرض، وكل ما في هذا العالم، وكل هذا الملكوت هو “سبحانه وتعالى” مالكه وملكه، وهو الخالق “سبحانه وتعالى”، وعندما يأمرنا أو يوجِّهنا، فهو “سبحانه وتعالى” مع أنه ربنا، هو الرحيم بنا، هو أرحم الراحمين، ليس لنا مبرر أن نقول: [هذه تعليمات لم تأتنا من رحيمٍ يرحمنا، أو ليس فيها رحمةٌ لنا]، فليس ذلك صحيحاً، لو قلنا ذلك؛ لما كان صحيحاً؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” هو أرحم الراحمين، كل هدايته لنا، كل رحمته بنا، أيضاً من منطلق رحمته بنا.

ولهذا أتى في كتابه المبارك في مطلع كل سورةٍ من سوره، افتتحت بقوله “جلَّ شأنه”: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ما عدا سورة براءة، وكل السور الأخرى (مئة وثلاثة عشر سورة) تفتتح بالبسملة، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، واسمه “سبحانه وتعالى” هو الرحمن، مما تكرر أيضاً في مقدِّمة أسمائه الحسنى، مما تكرر كثيراً في القرآن الكريم، وكذلك من أسمائه الحسنى: الرحيم والرؤوف، وكثير من أسمائه الحسنى التي تفيد الرأفة والرحمة بعباده، وتكررت كثيراً في القرآن الكريم.

ثم من جانب الحكمة، هو أحكم الحاكمين، هو الحكيم، وهو أحكم الحاكمين، ليس في توجيهاته أي عشوائية، ليس فيها أي عبث، ليس فيها أي حماقة، ليس فيها أي جهالة، كلها موزونةٌ بميزان الحكمة، والرحمة، والحق، والخير، والفلاح، لما فيه فلاحنا، لما فيه الخير لنا، ثم أضف إلى ذلك: أنه عالم الغيب والشهادة، الذي يعلم السر في السماوات والأرض، لا يخفى عليه خافية، لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، فلذلك عندما يوجِّهنا، هو العليم بنا، هو العليم بأحوالنا، هو العليم بواقعنا، هو العليم بما فيه الخير لنا، بما فيه الصالح لنا، هو “جلَّ شأنه” من قال: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[آل عمران: من الآية66]، في جهلنا وتصوراتنا الخاطئة، قد ننظر بسلبية إلى بعض التوجيهات من الله “سبحانه وتعالى”، ونتصور كأنها ليست لمصلحتنا، وكأنه لا رحمة فيها بنا، ولكن هذا يعود إلى جهلنا، إلى غفلتنا، إلى عدم معرفتنا بالأمور الكثيرة، إلى غفلتنا، أمَّا الله “سبحانه وتعالى” فهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ويعلم الغيب والشهادة، وهو العليم بهذا الإنسان، هو الذي خلق هذا الإنسان، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك: من الآية14]، وهو العليم بما فيه الصالح لهذا الإنسان.

ثم إنَّ الله “سبحانه وتعالى” عندما يقدِّم لنا منهجاً لحياتنا، هو كتابه المبارك، وينسبه إليه فيقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}، فهو “جلَّ شأنه” لم يفعل كما يفعل الكثير في هذه الدنيا من الخلق، من الناس، قد يقدِّم لك فكرة معينة، أو مشروعاً معيناً، أو رؤيةً معينة، يكتبها لك وانتهى الأمر عند حد كتابتها لك، بعدها لا يمكن أن ينفعك بشيء.

الله “سبحانه وتعالى” هو مع كتابه، هو الحي القيوم، وكتابه هو منهجٌ يصلنا به، ورحمته “سبحانه وتعالى” مستمرة، ولذلك نجد في كثيرٍ من القرآن الكريم يقرن “سبحانه وتعالى” التوجيهات العملية بالوعد فيما إذا استجبنا، إذا أطعنا، يعدنا بأشياء كثيرة في هذه الدنيا، في هذه الحياة وفي الآخرة، كما أنه يقرن المناهي والنواهي بالوعيد، فعندما ينهانا عن شيءٍ، عندما يحرِّم علينا شيئاً، فهو يحذِّرنا وهو “سبحانه وتعالى” يتقدم إلينا بالوعيد، أنه سيعاقب؛ لأنه الملك “سبحانه وتعالى”، هو الرب، هو ملك السماوات والأرض، له الملك في الأولى والآخرة، في هذه الدنيا، وفي عالم الآخرة.

ولذلك يقترن التوجيه العملي في القرآن الكريم بالوعد وبالوعيد، فالله “سبحانه وتعالى” لم يقدِّم كتابه عبارة عن مادة معينة مصاغة قدِّمت إلينا لنعمل بها وانتهى الحال، هو مع كتابه، هو قدَّم لنا الوعد عندما نتحرك على أساس هديه أن يكون معنا، أن يعيننا، أن يوفقنا، أن يهدينا، أن يؤيِّدنا، أن ينصرنا، أن يفتح لنا البركات (بركات السماء والأرض)، أن يفتح لنا أبواب رحمته الواسعة، أبواب الخير والفلاح في الدنيا، ثم رضاه “سبحانه وتعالى”، ثم مع رضاه في الدنيا والآخرة، الجنة عرضها السماوات والأرض، السعادة الأبدية، النعيم الراقي، النعيم العظيم، الذي ليس فيه أي منغِّص، وهو للأبد، السلامة من عذاب الله “سبحانه وتعالى”، السلامة من الخزي والشقاء في الدنيا والآخرة، كم في القرآن من وعود كثيرة جداً، ولذلك فهذه الإضافة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي}، لها مدلولها الكبير جداً، هذا هو منهج الله، القرآن هو منهج الله، والله معه، ليس مجرد رؤية، أو مقترحات، أو نظريات مقدَّمة من جهة لا تعمل شيئاً، هذا كتاب الله الملك “سبحانه وتعالى”.

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي}، وهذا أمر يمثل جاذبية كبيرة جداً، عندما يقدِّم الله لنا منهجاً نسير عليه، ثم يكون هذا المنهج صلةً لنا به، نحظى من خلال هذه الصلة بهداية الله، برعاية الله الواسعة، بمعونة الله الكبيرة، وما أحوجنا إلى الله! ما أحوجنا إلى رحمته! ما أحوجنا إلى فضله! ما أحوجنا إلى عفوه! ما أحوجنا إلى نصره!

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}، هو صراطٌ مستقيم، طريقٌ معبَّدٌ لا اعوجاج فيه، ليس فيه أي اعوجاج، إذا سرت فيه، إذا تحركت في هذه الحياة على أساسه، يوصلك إلى الغايات العظيمة، إلى النتائج الكبيرة والمهمة، ليس معوجاً ينحرف بك فلا تصل إلى الغاية المرجوة، صراطٌ: طريقٌ معبَّدٌ ثابتٌ، وفي نفس الوقت ليس فيه أي اعوجاج، وفي نفس الوقت يتسع لكل الذين يتحركون فيه، يتحركون على أساس الإتِّباع لمنهج الله “سبحانه وتعالى”، يتسع لهم جميعاً، ويوصلهم إلى تلك الغايات العظيمة، وأيُّ غايات أكبر من الغايات التي رسمها الله لنا في القرآن الكريم! الغايات التي تتحقق، والنتائج العظيمة التي يصل بنا منهج الله إليها: رضوانه “سبحانه وتعالى”، وجنته التي عرضها السماوات والأرض، والنعيم الدائم، والسعادة الأبدية، والسَّلامة من عذاب الله، والسَّلامة من جهنم، من النار، ومن سوء الحساب، من الخزي، وفي نفس الوقت ما يتحقق لنا هنا في عاجل هذه الحياة: العزة، الكرامة، الحرية بمفهومها الحقيقي الصحيح السليم، ويتحقق لنا أيضاً: البركات، الخيرات من الله “سبحانه وتعالى”، غايات تتحقق، نتائج مثمرة تتحقق وحتماً بلا شك، إذا اتجه الناس للسير في هذا الصراط.

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ}، ليست علاقتنا بمنهج الله “سبحانه وتعالى”، ليست علاقتنا بالقرآن مجرد علاقة قراءة، يقول مثلاً: [فاقرؤوه]، وانتهى الأمر، ويكفي ذلك، أو: [فجوِّدوه]، ويكفي ذلك، لا، لا يكفي، هذا هو منهج، مسيرة للحياة، نسير في حياتنا على أساسه، نبني واقع حياتنا في كل المجالات على أساس ما فيه من التعليمات، والهداية، والتوجيهات، ولهذا العلاقة مع القرآن الكريم يجب أن تكون علاقة اتِّباع، أن نتَّبعه؛ لأنه طريق رسمها الله “سبحانه وتعالى”، أن نتَّبعه، واتِّباعاً شاملاً.

مشكلتنا في واقع أمتنا الإسلامية: هي الإتِّباع الجزئي، الإتِّباع لبعضٍ من القرآن الكريم، الإقرار به جملةً، هذا شيءٌ حاصل في واقعنا كأمةٍ مسلمة، الكل يقرُّ بالقرآن الكريم أنه كتاب الله، وأنه حق لا ريب فيه، وأنه كتابٌ عظيم، وكتاب هداية، وكتاب نجاة، ولكن الإتِّباع ليس على أساس الإتِّباع الكامل، وهنا المشكلة، وهنا الخلل الكبير بالإتِّباع الجزئي، بالاقتصار على طاعة الله “سبحانه وتعالى” على بعضٍ مما ورد في القرآن الكريم، مع التنصل عن البعض الآخر تحت أعذار واهية، وبمبررات غير صحيحة.

ولذلك نجد أنَّ النتيجة كانت سلبيةً جداً؛ لأنه من غير المقبول منا أن نأتي لتنصَّل مثلاً عن جانب المسؤوليات، والالتزامات الأساسية، ثم نقتصر على بعضٍ من التعليمات، بعضٍ من الشعائر الدينية، بعضٍ من الأعمال والعبادات الروحية، ونقول: [سنعمل بهذا فحسب]، ونترك تلك الجوانب الأساسية والمهمة جداً، هذا مما لا ينبغي، هذا مما لا ينبغي.

الله “سبحانه وتعالى” يعتبر هذه الحالة، ويسميها في القرآن الكريم في قوله “سبحانه وتعالى”: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ}[البقرة: من الآية85]، هذا لم يكن مقبولاً حتى من الأمم فيما قبلنا، في عصر الرسالات السابقة، مع الأنبياء السابقين، فكيف يقبل منا مع القرآن، مع رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

وللأسف الشديد فالجوانب التي يتنصَّل الناس عن الإتِّباع فيها، ويتهرَّبون من العمل بها، هي التي لها أهمية كبيرة جداً لصلاح حياتهم، ثم عندما يعطِّلونها، عندما يتهرَّبون منها، من الالتزام بها، من الإتِّباع فيها، لا يبقى لما بقي من شعائر دينية، وطقوس دينية، وبعضٍ من التعليمات، لا يبقى لها ثمرتها الكبيرة المرجوة التي تتحقق بالتكامل؛ لأن دين الله دينٌ مترابط، منهجه مترابط، وتكامليٌ، الجانب التربوي فيه يتصل مع جانب المسؤوليات، مع جانب الأعمال والالتزامات التي تتعلق بنا في واقع الحياة، فإذا قطِّع هذا الدين أوصالاً، وأخذنا ببعضٍ، وتركنا ما تبقَّى، هذه التجزئة هي تفقدنا الأثر العظيم للدين إذا اتجهنا لتطبيقه على نحوٍ متكامل، الثمرة العظيمة، فتكون الخسارة كبيرةً علينا في واقع هذه الحياة، وهذا ما تعاني منه أمتنا الإسلامية، كان من الممكن أن تكون بهذا الهدي العظيم أقوى الأمم على وجه المعمرة، على وجه الأرض، أقوى الأمم، أن تكون هي التي تتصدر الأمم بكلها على المستوى الحضاري، على مستوى الدور الإيجابي في هذه الحياة، أن تقود المجتمع البشري، كان يمكن للأمة الإسلامية أن تكون بهذا المستوى: أن تقود هي المجتمع البشري على أساسٍ من التعليمات الإلهية، والقيم الفطرية والإنسانية الراقية، فتصلح في واقع المجتمعات البشرية، فتنشر العدل، فتنشر الخير، تدعو إلى الخير، تنشر السلام بمفهومه الصحيح، العدل، الخير، في أنحاء المعمورة، لكن الخسارة الناتجة عن الإعراض، الناتجة عن العمل ببعضٍ، والرد لبعضٍ، والتهرب والتنصل عن بعض، كانت خسارةً كبيرة، وكانت مؤثِّرةً بشكلٍ كبيرٍ على هذه الأمة.

{فَاتَّبِعُوهُ}، العلاقة هي اتِّباع، وهذا ما يجب أن نسعى له، أن يكون توجهاً نتجه فيه، وأن نعمل من أجله، وأن نسعى له، {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، ما الذي يمكن أن ينحرف بنا عن الإتِّباع للقرآن في كثيرٍ من المسائل، في كثيرٍ من الأمور، بل في كثيرٍ من المجالات؟ هي السبل الأخرى، يأتي الآخرون في كثيرٍ من الأحيان من أعدائنا، مثلما هو حاصلٌ في هذا الزمن، يأتي الأمريكي، يأتي الإسرائيلي، يأتي الغربيون، فيرسمون لنا هم في مجالات حياتنا، في شؤون حياتنا، في واقع حياتنا، سبلاً أخرى، سبلاً أخرى، ينحرفون بنا من خلالها عن الإتِّباع للقرآن الكريم؛ وبالتالي تترك الأمة توجيهات الله وهداية الله في مجالات ذات أهمية كبيرة: المجالات السياسية، المجالات الاقتصادية، المجالات الاجتماعية، فيحصل هذا الاختراق من أعداء الأمة بشكلٍ ثقافيٍ وفكريٍ، وتقدَّم تلك الرؤى والأفكار التي هي بدائل، تعتمد عليها الأمة، تتجه الأمة عملياً في هذه الحياة على أساسها، بدلاً عن منهج الله “سبحانه وتعالى”، فيحصل هذا الانحراف: {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.

السبل الأخرى هي سبلٌ معوجَّة، لا تصل بك إلى الغاية، حتى لو أتى أولئك الأعداء عليها بعناوين مغرية: عنوان الحرية، الديمقراطية، حقوق الإنسان… عناوين مغرية، هي الطعم الذي يقدِّمونه كما يقدِّم الصياد الطعم للسمكة، تلك العناوين المغرية هي مجرد إغراءات، هي طعم من أجل صيد هذه الشعوب، من أجل اصطياد هذه الشعوب، وإلَّا فما وراء ما يقدِّمه لنا لا حرية حقيقية بمفهومها الحقيقي؛ لأنهم يسعون إلى استعباد هذه الأمة، ولا عزة، ولا كرامة، ولا حقوق إنسان، حقوق الإنسان الحقيقية في القرآن، هو الذي يكفل لهذا الإنسان كرامته، وحقوقه الصحيحة، والحقوق الفعلية لهذا الإنسان، هو الذي يسمو بهذا الإنسان، هو الذي يعز هذا الإنسان، هو الذي يكفل الكرامة لهذا الإنسان، فهم يقدِّمون عناوين مغرية ينخدع بها الكثير من الناس، وأعظم الناس انخداعاً بها: الطبقة السياسية، والأكاديميون، والذين يتأثَّرون بالثقافة الغربية، هم أعظم الناس انخداعاً بها، مع الانبهار بها، شيء غريب جداً، تنبهر بما يضلك، أن تنبهر بما ينحرف بك عن المنهج القويم، عن الطريق القويم، الذي يصل بك حتماً إلى الغايات العظيمة، يسمو بك، تشرف به، يحقق لك الكرامة، يحقق لك خير الدنيا والآخرة.

{وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ}، حالة الانحراف هي تأتي على هذا النحو: حالة اتِّباع لبدائل تنحرف بالإنسان عن مفاهيم قرآنية، عن هدايةٍ من هداية القرآن الكريم، عن توجيهاتٍ في القرآن الكريم، أنت تترك ذلك التوجيه الذي في القرآن الكريم، وتتأثر ببديلٍ أتى صدَّره الغرب، صدَّره الأمريكيون وعملاؤهم، صدَّرته الأبواق والأقلام العميلة التي تخدم الأعداء داخل هذه الأمة، فاتجهت إلى ذلك البديل لتتَّبعه، ومشكلة الأمة اليوم هي في الإتِّباع؛ لأنها على مستوى الإقرار بالقرآن، هي تقرُّ به، والكثير من الناس يقتنونه في منازلهم، وهو متوفر- بحمد الله- في المكتبات والمساجد، ولكن النقص هو في الإتِّباع، ونقص حاد، ونقص يتعلق بأشياء أساسية، بأشياء مهمة جداً، التفريط في الإتِّباع فيها يترك تأثيراً سيئاً علينا في واقع حياتنا، حتى في رضا الله عنا، وفي التأييد الإلهي لنا، وفي صلاح واستقرار حياتنا، {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام: من الآية153]؛ لأنها سُبُل معوجة، هي تبعدنا وتفرق بنا وتزيحنا عن هذا الصراط المستقيم، فتنحرف بنا إلى السبل المعوجة، التي نتجه فيها باختلافات وتباينات وتناحر، ثم لا نصل إلى نتيجة، ضياع، الحالة هي حالة ضياع، وفعلاً يعيش الناس في هذا الضياع إلى حدٍ كبير، ويعيش الكثير فيه إلى حدٍ كبير، حالة من التيه، مع الإعجاب بتلك الأشياء التي أضاعتهم، مع الإعجاب بها، وتشبث وانبهار بها، ولكن في حالة تيه وضياع، ضياع لا نتيجة، ولا ثمرة، ولا إيجابية.

النتيجة التي تتحقق حتماً، النتيجة الفعلية التي يمكن للناس أن يلمسوا ثمرتها، هي بالإتباع للقرآن الكريم، والتحرك على أساس تعليماته، ونحن في هذا الزمن في ظل هذا الاستهداف من أعدائنا، والهدف الرئيسي لهم: هو السيطرة علينا:

السيطرة علينا كبشر، وليس فقط السيطرة على أرضنا، والاحتلال لبلداننا على المستوى الجغرافي فحسب، السيطرة علينا وعلى أراضينا، وبلداننا، وثرواتنا، ومقدراتنا، [الجمل بما حمل] كما يقولون، هذا هدف رئيسي للأمريكيين، والإسرائيليين، والأوروبيين، والغربيين، هذا هو طموحهم، سياساتهم مبنيةٌ على هذا الأساس، خططهم مبنيةٌ على هذا الأساس، أعمالهم التي يتحركون بها في واقع أمتنا ما كان منها بشكلٍ مباشر، وما كان منها- وهو الكثير- عبر عملائهم:

عملائهم كأنظمة.

عملائهم ككيانات وجماعات.

كأشخاص.

كنخب.

هو لهذا الهدف: لهدف السيطرة علينا، أن يسيطروا عليك كإنسان، حتى تكون اهتماماتك في هذه الحياة، أعمالك في هذه الحياة، تحركك في هذه الحياة، كل ذلك بما يخدم مصالحهم، بما ينفعهم، بما يحقق أهدافهم، فتكون في حياتك، وموتك، وما تملكه، لمصلحتهم، هذا الذي يريدونه.

والغباء الذي انتشر في هذه الأمة، ونقص الوعي، بسبب الابتعاد عن القرآن الكريم، هو مما شجعهم على أن يحلموا بهكذا حلم، وأن يكون لهم هكذا طموح، وأن يكون لهم هكذا توجه، وهكذا خطط، أن يحلموا بالسيطرة على هذه الأمة الكبيرة، وعلى أبنائها، على البشر، حتى يتحول البشر أنفسهم إلى ثروة، كلٌ منهم يخدم أولئك في أي شيءٍ من مجالات الحياة، من يقاتل من أجلهم، ولا مانع عندهم أن تبقى لنا عناوين إسلامية، إذا كان ولا بدَّ فليس عندهم مانع، طالما سيتحول جوهر الأمر وحقيقة الواقع لما يخدمهم، لمصلحتهم، مثلما يفعل التكفيريون، يبقى له شكلية معينة، يزعم أنها تعبر عن الإسلام، وعناوين معينة من العناوين الإسلامية، ولكن ما يفعله هو خدمة مؤكدة وحقيقية للأعداء من حيث التشويه للإسلام، من حيث التمزيق لهذه الأمة، ولكيانها، والهد لبنيانها، وتمزيق نسيجها المجتمعي، والتفرقة بين أبنائها، والاعتداء على أبنائها والظلم لهم، وارتكاب الجرائم بحقهم، إلى آخر ما يحقق من أهداف عملياتية لصالح الأعداء.

وما تفعله بعض الأنظمة التي تأتي لترفع راية الإسلام كعنوان، ولكنها في واقع الحال تعمل لمصلحة الأعداء، تعمل لمصلحة الأعداء، تتحالف معهم بشكلٍ علنيٍ وصريح، تدخل معهم في اتفاقيات تحت عنوان التطبيع والتحالفات، وتعمل معهم بشكلٍ واضحٍ ومكشوف، وهي بالتالي تخدمهم.

فحالة الإتباع لما يقدم من جانب الأعداء هو اتباعٌ لما فيه:

ذلٌ للأمة.

استعبادٌ للأمة.

هوانٌ للأمة.

تضييعٌ للأمة.

تضييعٌ للأمة؛ لأن الأمة تتحول فيما تعمله، وفيما تملكه، لصالح أعدائها، وهذا والله أكبر الغبن، والله أكبر الغبن، أن تكون الأمة فيما تعمله، وفيما تملكه لمصلحة من؟ أعدائها، أكبر غبنٍ هذا في الدنيا، ولا يمكن أن يقينا من هذا الغبن، إلا إتباع القرآن، هو الذي يحقق لنا الاستقلال بكل ما تعنيه الكلمة: الاستقلال التام، الاستقلال الكامل:

على المستوى الثقافي.

والفكري.

والحياتي.

على المستوى الحضاري.

الاستقلال الحقيقي الكامل، وأن يخلصنا بشكلٍ تام من التبعية لأعدائنا، هذه نقطة في غاية الأهمية، وبالتالي هو الذي يشكل لنا الوقاية، ولهذا ختمت هذه الآية المباركة بقوله “سبحانه وتعالى”: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: من الآية153]، (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ)، مما وصانا الله به فهو ملزم؛ لأنه وجهنا بذلك على نحو الإلزام، يعني: ليست مجرد مقترحات، ليست مجرد نظريات قدمت على سبيل الإسهام من ضمن نظرياتٍ أخرى فما استحسنه الإنسان منها اتبعه، أو قبله، هذا من الله “سبحانه وتعالى”، وصانا به، ألزمنا به، وهو في وسعنا، في وسعنا، الوسع أيضاً أقل عناءً من مستوى الطاقة، الطاقة فيها جهد، الجهد المستطاع، ولكن الوسع أيسر، هناك سعة في أن نعمل بهذا الكتاب، ولمصلحتنا، ولما فيه الخير لنا في الدنيا وفي الآخرة.

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هذه الثمرة المهمة العظيمة، التي يجب أن نحرص عليها، وأن نسعى لها، نحن بحاجة إلى ما يشكل وقايةً لنا:

وقايةً لنا من عذاب الله.

وقايةً لنا من جهنم.

وقايةً لنا من الاستعباد من جانب أعداء الله، من جانب أعدائنا، وقايةً لنا لكي نكون أمةً قويةً مستقلةً، حرةً، عزيزةً، كريمةً، تتمتع بكل عوامل الاستقلال، وبكل ما تحتاج إليه، لتحقق لنفسها الاستقلال والمنعة من استهداف أعدائها.

كما أنه خيرٌ لكل البشر:

وقايةٌ لهم من الضياع.

وقايةٌ لهم من التضليل الشيطاني:

من الشيطان نفسه.

ومن كل شياطين الإنس والجن.

وقايةٌ لك على كل المستويات:

وقاية فكرية وثقافية، عندما تتثقف بثقافته يحميك ويقيك من الأفكار السخيفة، من كل أشكال التضليل، على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي.

وقايةٌ لك على المستوى العملي.

وقايةٌ لك في النتائج.

وقاية مهمة جداً.

 

فنحن بحاجة إلى هذا القرآن الكريم؛ لأنه يشكل وقايةً لنا حتى لا نضيع في هذه الحياة، وإذا ضعنا في هذه الحياة، ضعنا في المستقبل الأبدي في الآخرة، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، ونحن في مرحلة حساسة، مرحلة حساسة، أعداء الأمة يتحركون فيها- كما قلنا- بشكلٍ مباشر، وعبر عملائهم، عبر من يتحالفون معهم، من اتجهوا في صفهم، عبر المنافقين، القرآن يسميهم بالمنافقين، من يتحالفون من أبناء الأمة مع أعداء الأمة، ويتعاونون معهم، ويتحركون معهم:

في مخططاتهم.

في مؤامراتهم.

في برامجهم.

ولكنها تقدم عبر العملاء بلغتنا العربية مثلاً، بعناويننا الإسلامية، وهذه طريقة تضليل، وأساليب خداع، ولذلك يجب أن نكون على وعيٍ عالٍ من خلال القرآن الكريم، من خلال ثقافته المباركة.

القرآن الكريم هو نور الله، نور يجلي كل الظلمات، وهو الذي يكشف كل الظلمات، يضيء وينير لنا الدروب، فما أحوجنا إلى هذا النور في مواجهة كل الظلاميين، المستكبرين، الطغاة، المتسلطين، في هذا الزمن نحن بحاجة- كما البشر بحاجة في كل زمن- بحاجة إلى هذا النور، الله جعله لإخراجنا من الظلمات، فعلينا أن نتجه لأن نخرج أنفسنا به من الظلمات.

وأيضاً يهدي للتي هي أقوم، كما قال عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، لا يمكن أن يكون هناك بدائل تغرينا؛ لأنها أقوم من القرآن، أرقى، أكثر دقة، أكثر صلاحاً لواقع الحياة، ليس هناك شيءٌ من هذا القبيل أبداً، القرآن هو الأقوم، مع خطورة الإعراض عنه، هذه مسألة مهمة جداً، لو اتخذت قرارك في هذه الحياة ألًّا تهتدي بالقرآن، نظرت باستخفاف إلى القرآن، وبانبهار إلى البدائل الأخرى، واتجهت في هذه الحياة اتجاهات ثانية، فأعرضت عن القرآن.

أعرضت عنه في مقام العمل.

أعرضت عنه في مقام الإتباع.

في مقام الاهتداء به.

في مقام المواقف والمسؤوليات.

إعراضك هذا سيكون وزراً كبيراً عليك في الدنيا، وفي الآخرة، وفي الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً.

ولهذا أتى الوعيد في القرآن الكريم:

على المستوى الإجمالي: في الإعراض عن القرآن.

وعلى المستوى التفصيلي: تجاه ما فيه من تعليمات وتوجيهات، أو أوامر ونواهي.

فالله “سبحانه وتعالى” قال في القرآن الكريم: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا}[طه: من الآية99]، : {وَقَدْ آتَيْنَاكَ} يخاطب النبي “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا}[طه: 99-101]، وزر ثقيل تحمله يوم القيامة، هو إعراضك عن القرآن في مقام الإتباع، في مقام الاهتداء والعمل، وزر ثقيل جداً، وزر يصل بك إلى قعر جهنم، حمل لا تقدر على الخلاص منه، لا تقدر على أن تضعه عن نفسك أبداً، وزر ثقيل رهيب جداً، ولن تنفعك المبررات السخيفة، التي قد تتذرع بها، يقول “سبحانه وتعالى”: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: 124-126].

فالإنسان إذا أعرض عن القرآن الكريم:

 

في مقام الإتباع.

في مقام الاهتداء.

في مقام العمل.

في مقام المواقف والمسؤوليات.

يحمل نفسه هو الوزر الثقيل، يجني على نفسه، يورط نفسه ورطةً رهيبةً جداً، فالكتاب كتاب النجاة هو القرآن، نجاة لمن اعتصم به، لمن تمسك به، لمن اهتدى به، لمن اتبعه.

خلال هذه المحاضرات الرمضانية تناولنا على ضوء بعض الآيات القرآنية، وتحدثنا عن بعضٍ من المواضيع في مجالات مختلفة:

في المجالات الاقتصادية.

في المجالات الاجتماعية.

في المجالات السياسية.

وما هي إلا جملةٌ يسيرةٌ جداً من هدى القرآن الواسع جداً، الذي هو: (بحرٌ لا يدرك قعره)، كما قال الإمام عليٌّ “عليه السلام”، انبهر في القرآن، وهو من هو في علمه الواسع، باب مدينة علم رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، لكنه انبهر بالقرآن:

انبهر بسعة الهداية فيه.

بسعة معارفه.

بسعة علومه.

حتى قال هذه العبارة المهمة، قال: (بحرٌ لا يدرك قعره)، لم يصل هو إلى قعره، عميقٌ جداً، واسع المعارف جداً جداً جداً، ولكن ما يصل إليه الهداة ويصل إليه المهتدون بهذا الكتاب، فيه ما يكفيهم ويفي لهم بالسير على الصراط المستقيم، ينير لهم الطريق التي توصلهم إلى الغايات العظيمة، هذه المواضيع التي تحدثنا عنها، من المهم أن نتحرك على أساسها عملياً، مع سعينا المستمر لأن نبقى على صلةٍ وثيقةٍ بالقرآن الكريم في تلاوته، في التثقف بثقافته، في الاهتداء به، في التزود بمعارفه؛ لأن العلاقة مع القرآن هي علاقة حياة، ليست موسمية، فقط في شهر رمضان، إنما هي علاقة حياة في كل مشوار حياتك، تبقى على صلة بالقرآن الكريم، بتلاوته، بالاهتداء به، بثقافته، بمعارفه، بعلومه، هو النور الذي تحتاج إليه دائماً.

ومن المهم أن نسعى بجد في هذه المرحلة القادمة على المستوى العملي: أن يكون التوجه بالنسبة لنا هو هذا التوجه، الذي نسعى لتحقيقه، نعمل من أجل ذلك في واقع حياتنا، وإذا تحركنا على هذا الأساس في كل المجالات، فالله مع كتابه، تأتي من الله:

البركات.

والخيرات.

والمعونات.

والتأييدات.

والهداية.

والتوفيقات.

إلى غير ذلك.

ونحن بحاجة إلى الله “سبحانه وتعالى”، نحن في مرحلة صعبة جداً، وحساسة، وخطيرة، نحن كشعبٍ يمني، وكأمةٍ مسلمة على نحوٍ عام، في مرحلة خطيرة جداً، بحاجة إلى أن نتجه بكل جدية، وبكل قوة، للاتباع للقرآن الكريم، للاهتداء به، للعمل في كل المجالات على أساسه؛ لنحقق لأنفسنا الاستقلال والكرامة، والمنعة في مواجهة أعدائنا، والقوة في تحمل التحديات، في تحمل الصعوبات، في مواجهة التحديات، نحن بحاجة إلى ذلك بشكلٍ كبير، ولمواجهة كل أشكال التضليل، فما قد استفدناه في شهر رمضان المبارك، لنحرص على الاهتمام به عملياً.

طبعاً في الجانب الرسمي:

إن شاء الله هناك توجه على هذا الأساس، في تصحيح الوضع الاقتصادي وفق التعليمات الإلهية، على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى” وتعليماته؛ إنما المهم أن يواكب هذا التوجه لدى الإخوة المعنين في القرار عناية من الجميع، التزام من الجميع، اهتمام من الجميع، تحمل للمسؤولية بجد، وفاء بالأمانة، هذه مسألة مهمة جداً، وهذا ما سنسعى له- إن شاء الله- مع الإخوة المعنيين، وهم كذلك مع كل الجهات في مؤسسات الدولة، وعلى المستوى الشعبي، القرآن هو للجميع، منهجٌ للجميع رسمياً وشعبياً، علينا أن نتحرك على هذا الأساس.

فيما يتعلق بالأحداث، بالظروف القائمة:

سواءً فيما يتعلق بالتصدي للعدوان:

يجب أن نبذل كل الجهد، من واقع الشعور بالمسؤولية، وعلى أساس الاهتداء بالقرآن الكريم، للاستمرار في القيام بواجباتنا تجاه هذا الموضوع، وأن نعزز من أدائنا، أن نحسن من أدائنا في كل المجالات ونحن نتصدى لهذا العدوان.

أو على مستوى واقع الأمة:

معروف ما يحصل اليوم في فلسطين وما يواصله العدو الإسرائيلي من اعتداءات، واستهدف بها المسجد الأقصى، واستهدف بها مدينة القدس، ويستهدف بها الشعب الفلسطيني، والعدو الإسرائيلي هو عدوٌ للأمة، الله أخبرنا أنه عدو، وعداوته هذه واضحةٌ وجليةٌ في ممارساته الإجرامية اليومية، وفي مخططاته التي تتجلى وتتضح وتنكشف يوماً بعد يوم، وفي كل مرحلة، مهما حاول المطبعون، والموالون، والخائنون، لأمتهم ولدينهم، أن يقدموا من صورة مختلفة عن هذا العدو، فهو حتى يفضحهم هم، هو يستمر بشكلٍ واضحٍ في أنشطته العدوانية:

يستهدف هذه الأمة.

يستهدف مقدساتها.

يستهدف أبناءها في فلسطين.

مسؤولياتنا في هذه المرحلة أن نبذل كل جهد، وأن نسعى لكل جد- مع الاستعانة بالله “سبحانه وتعالى”- في النهوض بمسؤولياتنا، في أن نقف المواقف التي نرضي بها الله “سبحانه وتعالى”، وهي مواقف نحتاج إليها:

نحتاج إليها في أن نكون أمةً حرةً، عزيزةً، كريمةً، مستقلةً، منتصرة، لا يستعبدها أعداؤها، لا يذلها أعداؤها، لا يقهرها أعداؤها، لا يسيطر عليها أعداؤها.

نحتاج إليها لبياض وجوهنا، وشموخنا، وعزتنا، وكرامتنا، وفلاحنا، ونجاتنا في الدنيا والآخرة.

فلذلك كشعبٍ يمني هويته إيمانية، بهذه الهوية، يجب أن نسعى بكل جد، وألَّا نبالي بكل أصحاب السبل المعوجة، والاتجاهات المنحرفة والخاطئة، في ظل الخونة، الذين يبيعون أوطانهم، ويبيعون أمتهم، ويبيعون دينهم، لصالح أعداء هذه الأمة، أن نعمل بكل جد، أن نواصل اهتمامنا على كل المستويات وفي كل المجالات.

نأمل- إن شاء الله- أن يكون النشاط العملي فيما بعد الشهر الكريم، بالاستفادة من هذه الدفعة التربوية والثقافية التي استفدناها من هذا الشهر المبارك، من عطائه التربوي، من عطائه المعرفي، من عطائه الثقافي، من نوره وأثره المبارك في النفوس، أن نتجه عملياً على نحوٍ نشطٍ وفاعلٍ وباستقامة.

بإكمالنا لشهر رمضان المبارك نسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، وأن يهدينا بكتابه المبارك.

كما أتوجه إليكم جميعاً، إلى كل أمتنا الإسلامية، إلى كل شعبنا العزيز، إلى إخوتنا المرابطين في كل الجبهات، في جبهات بلدنا، وفي خارج بلدنا، في كل الجبهات التي نجاهد فيها في سبيل الله “سبحانه وتعالى”، ونتصدى فيها للطغاة المستكبرين، الظالمين، أعداء الله، وأعداء الأمة، وأعداء الإنسانية، أتوجه إلى الجميع بالتهاني والتبريكات، بحلول عيد الفطر السعيد، ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يعيده على أمتنا بالعزة، والكرامة، والنصر، والفلاح، وصلاح الشأن، ونأمل أيضاً من الجميع أن يحيي هذه المناسبة بذكر الله “سبحانه وتعالى”، بالأجواء السعيدة، والأجواء الإيمانية، والأجواء العملية الصالحة، وأن نكون على تعاونٍ مستمر، واهتمامٍ مستمر بمسؤولياتنا في كل المجالات، وفي مقدمتها التصدي للأعداء.

أيضاً أن يكون هناك اهتمام مستمر لجمع التبرعات، فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

وأن يحذر الناس في يوم العيد من إحيائه بالمعاصي، من الترفيه بطريقة خاطئة، وليس بطريقة صحيحة، مع أننا في مرحلة معروفة، يعني مرحلة مآسٍ لهذه الأمة، ومحن لهذه الأمة، لكن أجمل ما في العيد هو الشكر لله، هو التقدير لنعمة الله “سبحانه وتعالى” أن وفقنا لصيام شهر رمضان المبارك، للاستفادة منه، أن وفقنا، العيد هو عيد بهذه المناسبة: سعادةٌ بما منَّ الله به، بما وفق له، بما أعان عليه، بما هيأ لنا من أسباب الخير والفلاح والتقوى والصلاح، فنتجه إلى الله “سبحانه وتعالى” بالشكر، بالتكبير، وبالذكر، وبصلاة العيد، وبإخراج الفطرة قبل صلاة العيد، مع العناية بذلك، الفطرة من المسؤوليات المهمة، من الواجبات المهمة، وهي تطهرة، ومهمة جداً للإنسان في ختام شهر رمضان المبارك أن يخرجها، ليكفر الله عنه ما قد يكون سهى فيه، أو نقَّص فيه من على جهة السهو والغفلة في التزامه، في كلامه، في غير ذلك، إخراج الفطرة مسألة مهمة جداً، ومساهمة مهمة جداً، لصالح الفقراء، حتى يسعدوا بالعيد أيضاً.

أجمل عيد هو عيد المرابطين، أجمل عيدٌ هو عيد المرابطين، الذين هم في إطار عمل يرفع الرأس، يبيض الوجه، عمل يرضي الله “سبحانه وتعالى”، يرفع المنزلة والمقام عند الله “سبحانه وتعالى”، تحياتنا لهم، ومباركتنا لهم، وتهانينا لهم، ولكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات.

والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

قد يعجبك ايضا