مع خطاب “الصرخة”: رسائل للعدو على كُـلّ مستويات الصراع
|| صحافة ||
تضمَّنَ خطابُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة الذكرى السنوي للصرخة، العديدَ من الرسائل المهمة لكُلِّ أطراف العدوّ وعلى مختلف مستويات الصراع معه، حَيثُ أعلن السيد القائد أن اليمن جزء لا يتجزأ من معادلة الحرب الإقليمية التي سيواجهُها الكيانُ الصهيوني حالَ اعتدائه على المقدسات في فلسطين، وأكّـد استمرار التصدي للعدوان ورفض “خدع السلام” السعوديّة الأمريكية البريطانية، وقد جاءت هذه المواقف والرسائل منسجمة بشكل تام مع مبادئ التوجّـه التحرّري الشامل الذي ينطلق فيه اليمن اليوم تحت راية المشروع النهضوي الذي أسسه الشهيد القائد، وترجم شعار “الصرخة” مضامينه بشكل واضح.
مُستمرّون بالمواجهة ولن تنطلي علينا “خدع” العدوان
فيما يخص المواجهة مع تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، جدد قائد الثورة في خطابه التأكيد على استحالة القبول بما تسمى “المبادرات” التي يعلنها العدوّ، والتي تتضمن ابتزازًا واضحًا بالمِلف الإنساني لتحقيقِ مكاسبَ عسكرية وسياسية، مُشيراً إلى أن السعوديّين والأمريكيين والبريطانيين يخادعون عندما يطلقون هذه المبادرات تحت عنوان “السلام” في الوقت الذي هم فيه أطراف مباشرة في العدوان والحصار.
وأكّـد السيد القائد أنه هذه الخدع لن تنطليَ على الشعب اليمني، خُصُوصاً مع استمرار الحصار الذي ينتهك وبشكل واضح كُـلّ القوانين والأعراف، ويفتقر تماماً إلى أي سند.
وبهذا يجدد قائد الثورة التأكيد على إغلاق الباب المناورات الأمريكية السعوديّة الأخيرة والتي حاول المبعوثان الأممي والأمريكي، فرضها على طاولة التفاوض خلال الفترة القصيرة الماضية، من خلال تقديم الابتزاز بالملف الإنساني كعرض “سلام”.
هذه الرسالة جاءت معززة بتأكيدات واضحة على الاستمرار بالتصدي للعدوان على كُـلّ المستويات، وهو الأمر الذي يضع تحالف العدوان مجدّدًا أمام التداعيات التي حاول التهرب منها عبر “مبادرات” الابتزاز.
ولسد كُـلّ الثغرات التي يمكن أن يحاول العدوّ اختلاقها مجدّدًا للخداع، أعاد قائد الثورة توضيحَ الطريق الوحيد للسلام، والذي تحدّده ثلاثةُ عناوين رئيسية هي: وقفُ العدوان، ورفعُ الحصار، وإنهاءُ احتلال الأراضي اليمنية، وهي مطالبُ تكشفُ زيفَ حديث تحالف العدوان ورعاته عن “السلام”؛ لأَنَّه لا يمكن –بديهياً- تحقيق أي سلام فعلي بدونها، وبالتالي فهي تفضح الأهداف الحقيقية التي يريد العدوّ تحقيقها من وراء استمراره بالعدوان والحصار.
وقد ركّز قائدُ الثورة بشكلٍ ملفتٍ في هذا الخطاب على جزئية “احتلال الأراضي اليمنية” وعلى أولوية إنهاء هذا الاحتلال وضرورة التصدي له، في ما بدا أنه رسالة واضحة بالمضي نحو تحرير كافة الأراضي اليمينة التي يتواجد فيها العدوّ، الأمر الذي يضع الأخير أمام قلق إضافي يربك حساباته السياسية والعسكرية التي يبني عليها الكثير من خياراته، خُصُوصاً وأنه لا زال يحاول توسيع رقعة الاحتلال.
إجمالاً، وفيما يخُصُّ المواجهةَ مع تحالف العدوان، أعاد قائد الثورة وضعَ النقاط على الحروف وأزال كُـلَّ التشويش الذي تحاول منظومة العدوّ صناعته في المشهد، إذ أوضح أن خيار “السلام” اليوم هو خيار يتحمل مسؤوليته الكاملة تحالف العدوان فقط، وهو ما يعني أن المحاولات التي يتكئ عليها الأخير لإلقاء تلك المسؤولية على صنعاء، على أمل الدفع بها نحو تقديم تنازلات، لن تنجح أبداً، وفي المقابل، بما أن الموقف الراهن للعدو يعني استمرار الحرب والحصار، فلا شيء سيوقف صنعاء عن التوجّـه “لإجبار العدوّ على وقف عدوانه” وهو ما يعني خيارات يعلم النظام السعوديّ وواشنطن فاعليتها، وهو ما يفرض عليهما التعاطي مع الواقع الذي تحاولان التهربَ منه؛ لتجنب العواقب.
اليمن جزء لا يتجزأ من “الحرب الإقليمية” للدفاع عن القدس
فيما يخص المواجهة مع العدوّ الإسرائيلي، أعلن قائد الثورة موقفًا تاريخيًّا، إذ أكّـد أن اليمن “جزء لا يتجزأ من المعادلة التي أعلنها سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بخصوص أن التهديد للقدس يعني حرباً إقليمية”، وأضاف: “سنكون حاضرين بكل فاعلية وبكل ما نستطيع في إطار محور المقاومة ضمن هذه المعادلة”.
هي رسالة تأكيد صريحة بأن الكيان الصهيوني سيكون في مرمى النيران اليمنية في هذه الحرب، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، إذ لا يكفي قراءة هذه الرسالة كتهديد يمني مستقل للعدو فحسب؛ لأَنَّ اليمن في هذه المعادلة بوصفه “جزءًا لا يتجزأ” ضمن محور المقاومة، يعني أن ما أعلنه قائد الثورة هنا هو تعزيز الجبهة الإقليمية المواجهة للعدو الإسرائيلي، وذلك مضاعفة مأزق العدوّ إلى أقصى درجة، بما يجعله عاجزاً عن تجزئة حسابات المعركة على المستوى الإقليمي، وبالتالي عاجزاً عن وضع أية احتمالات لكسبها أَو للصمود فيها، بما في ذلك احتمالات الاستعانة بالأنظمة العميلة.
بعبارة أُخرى: إن إعلانَ قائد الثورة الحضور المباشر لليمن ضمنَ محور المقاومة في هذه المعادلة، يكاد يكون إعلاناً عن اكتمال بناء المعسكر المطلوب لخوض معركة “التحرير”، وليس ذلك فقط من باب إضافة الإمْكَانيات العسكرية اليمنية إلى هذا المعسكر فحسب، بل أَيْـضاً إضافة الموقع الاستراتيجي والمخزون البشري والتأثير السياسي لليمن، والقدرة على التطوير الذاتي أَيْـضاً، وهي نقاط لم يُخْــفِ العدوُّ نفسُه قلقَه منها، وما جاء العدوان على اليمن إلا للحيلولة دون تمكّن اليمن من استغلال نقاط القوة هذه وتوظيفها في الصراع بشكل إيجابي.
وفي هذه المرحلة، لا يخفى أن اليمن وبرغم استمرار تعرضه للعدوان والحصار، قد استطاع البناء على هذه النقاط قوة تؤهله ليكون مؤثراً بشكل كبير في الصراع، وتصريحات كثيرة لناطقين باسم العدوّ الإسرائيلي تشهد اليوم بذلك.
سماحةُ الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، عبّر عن ذلك في خطابه الأخير، عندما وصف حضور اليمن في محور المقاومة بأنه “إضافة مهمة وعظيمة وكبيرة”.
وقد عبّر قائدُ الثورة عن جهوزية اليمن للقيام بهذا الدور خلال معركة “سيف القدس” الأخيرة، إذ أكّـد أن اليمن على استعداد للقيام بالمطلوب، وبالتنسيق مع محور المقاومة، وأشَارَت جريدة “الأخبار” اللبنانية مؤخّراً، إلى أن هذا الاستعداد تضمن إعداد “إحداثيات” داخل الكيان الصهيوني لضربها، وهو أمر يصادق على ما توعد به قائد الثورة في وقت سابق حول ضرب “أهداف حساسة” للعدو الإسرائيلي، إذَا تورط بأية حماقة في اليمن، وما أكّـده أَيْـضاً وزير الدفاع في حوار سابق مع صحيفة المسيرة من أن القوات المسلحة تمتلك بنكَ أهداف “إسرائيلية”.
وربما يحمل إعلان قائد الثورة عن حضور اليمن “كجزء لا يتجزأ” من محور المقاومة في معركة الدفاع عن القدس، رسالة أُخرى على الولايات المتحدة أن تلتقطَها أَيْـضاً؛ لأَنَّ محورَ المقاومة اليومَ هو المعسكرُ الذي يخوضُ معركةً معلَنةً للتخلص من الوجود الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي يؤكّـد قصر نظر الحسابات الأمريكية التي تحاول أن تتعامل مع اليمن كجبهة معزولة عن المنطقة، إلى حَــدِّ محاولة توصيف ما يجري فيها بأنه “حرب أهلية”؛ لأَنَّ هذا التوصيف وإن كانت الولايات المتحدة ما زالت تتوهمُ أن بوسعِها البناءُ عليه سياسيًّا، غير واقعي، وفي نهاية المطاف سيكون عليها أن تتعامل مع الواقع، أي مع اليمن بوصفة قوةً مؤثرةً إقليمياً في الصراع المباشر مع الوجود الأمريكي في المنطقة.
صحيفة المسيرة