المراكزُ الصيفية.. تحصينٌ للأجيال

‏موقع أنصار الله || مقالات || محمد بلحوت

ما من شك أن الجيل الناشئ يعيش اليوم مرحلةً من أهم المراحل على الإطلاق على مستوى الواقع العام، أَو على مستوى واقع أمتنا الإسلامية، لا سيما ونحن في مرحلة امتلكت فيها قوى الضلال من الإمْكَانيات، والوسائل، والقدرات، والأنشطة التضليلية التي تركِّز على الاستهداف للإنسان في فكره وثقافته ووعيه، ما لم تمتلكه فئاتُ الضلال على مرِّ التاريخ، مع انتشار الوسائل المؤثرة والفعَّالة كالشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية والمناهج المدرسية المختلفة، والتي تتوجّـه جميعها للتأثير على فكر الإنسان ونظرته ونفسيته، ومن ثَمَّ على مواقفه ومسيرة حياته برمتها، وفي هذه الظروف التي تواجه فيها أمتنا تحديات غير مسبوقة على كُـلّ المستويات، يسعى الأعداء بكل جهد إلى السيطرة التامة عليها إنساناً، وأرضاً، وثروات، وكذلك بكل وسائل السيطرة التي تهدف إلى إحكام السيطرة على هذه الأُمَّــة المسلمة.

من هنا كان لا بدَّ أن يتسلح هذا الجيل الناشئ بالوعي والمعرفة الصحيحة والمفاهيم النيِّرة؛ حتى يتحَرّك في شتى مجالات هذه الحياة، متحمّلاً المسؤولية بوعي وفهم ومعرفة صحيحة وبخطوات موثوقة حتى لا يكون فاقداً للمَنَعة الثقافية، والمعرفة الفكرية الصحيحة؛ فيكون قابلاً لما يأتي من هنا وهناك من أفكار ظلامية، ومن مفاهيم مغلوطة، ومن ثقافات خاطئة، تهدف إلى الانحراف به والسيطرة عليه.

لكنّ ثمّة أمراً آخرَ شكّل في وسط العدوّ ارتياباً شديداً، وهو إنشاء المراكز الصيفيّة وهدف هذه المراكز: بناء جيل يؤمن بقضيّته وهُــوِيَّته، وتحصين الجيل الناشئ من أية مساعٍ عدائيّة، قد يتعرَّضون لشلل الانحراف واللّهو وتضييع الوقت.

فهذه المراكز التي حثَّ فيها قائد مسيرتنا ومُعلّمنا ومرشدنا سماحة القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -حفظه الله- وحرص أنّ يهتم أولياء الأمور بأبنائهم بالتحاقهم بالمراكز الصيفيّة؛ حرصاً على استغلال فرصة العُطلة الصّيفية فيما يُفيدهم حاضراً ومستقبلاً.. وكي يكونوا جُنداً لله مُهيئين للتصدّي لأية اعتداءات قد يواجهونها من قبل الأعداء ذوي الأفئدة الملوّثة الذين يسعون في المزيد من إدخَال كُـلّ ما يُفسد من أخلاقيّات الجيل اليماني الذي يأبى أنّ يبيعَ هُــوِيَّته للأعداء بحفنةٍ من وسائل الضياع والتحريف والانحراف.

يُمكن الجزم بسهولةٍ أنّ المراكز الصيفيّة لم تقم في أية دولةٍ عربيةٍ على الإطلاق سوى اليمن؛ لأَنَّ حُكّام العرب المُستبدّين لم يعيروا اهتماماً بهذا المجال الأهمّ في تغذية نفوس الأجيال، بينما هذا الأمر المتوقع كالمعتاد لدى من فقههم يماني، كما قال عنهم سيّد الرسل ومعلّمنا الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلّم- قد أبكروا في مواجهة التحديّات والأخطار المُحدقة التي توقع الجيل في شراك الأعداء..

والسّبب في ذلك أنَّ تاريخ اليمن لم يُلطّخ بالعمالة لشياطين الأمريكان ولعفاريت الصّهاينة ولمشعوذي بني سعود كما تلطّخ تاريخ الأعراب بالعمالة والتّطبيع المفتوح للصهاينة.

وثاني هذه الأسباب استناداً إلى ما شهده الرسول الأعظم عن اليمنيين وعن هُــوِيَّتهم وعن عروبتهم العاربة.. فَـإنَّ أُولئك لن يتمكّنوا من الغلبة على هذا الجيل المُجنَّد والمُحصَّن بدرع الله الواقي وبدرع المسيرة القرآنيّة التي أخرجتهم من الظُّلمات إلى النّور.

إن هذه المرحلة كما يراها ويصفها السيد القائد، والتي يواجه فيها شعبنا اليمني المسلم العزيز العدوان الأمريكي السعوديّ الظالم، والذي هدف أَيْـضاً إلى تدمير كُـلّ ما من شأنه أن يساعد على التعليم، المدارس، التجمعات التعليمية في كثيرٍ من المناطق، المساجد، وسعى كذلك إلى التأثير بأنشطة تضليلية يحركها في الساحة بشكلٍ أَو بآخر، بعنوانٍ أَو بعنوانٍ آخر، ونحن نواجه هذا التحدي من جانب، ونحن نعيش في ظل نعمة الحرية والاستقلال والكرامة، التي يتهيأ لنا فيها التحرّر الفكري، والتحرّر الثقافي، والانعتاق من رِبْقِ العبودية الثقافية، والأغلال التضليلية الفكرية الهدّامة، أَيْـضاً هناك فرصة حقيقية وفرصة مهمة لنشاط ثقافي، وعملية تعليمية نسعى فيها أن تكون مبنيةً على أسسٍ صحيحة، وعلى أسسٍ سليمة، وعلى توجّـهاتٍ وبأهداف سليمةٍ وصحيحةٍ أَيْـضاً.

من هنا وفي ظل كُـلّ هذه الظروف وفي ضوء كُـلّ هذه الاعتبارات نجد أنفسنا في موقع المسؤولية تجاه أبنائنا ألَّا نهملهم، ألَّا نضيعهم، ألَّا نتركهم من الاهتمام في هذا الاتّجاه المهم جِـدًّا، هذا الاتّجاه الرئيسي في حياة الإنسان في شتى مجالاتها التي تعتمد على العلم والمعرفة والتعليم والتثقيف، وبالذات إذَا كان تعليماً صحيحاً تقدَّم فيه المفاهيم الصحيحة، والأفكار النيِّرة التي تبني جيلاً حراً واعياً مسؤولاً، يتخلق بمكارم الأخلاق، ناهضاً بالمسؤولية، مستشعراً بها، يعي واقعه، ويعي مسؤوليته، ويعي واقع العالم من حوله، ويتحَرّك على ضوء هذه المعرفة والمفاهيم الصحيحة، فهي مسؤولية تقتضيها مسؤوليتنا الدينية، وتقتضيها الظروف والتحديات التي نعيشها.

وما حرص السيد العلَم قائد المسيرة القرآنية حفظه الله ورعاه بالمراكز الصيفية ودعوته إلى تحَرّك الجميع لإنجاحها دفعاً ودعماً وتجاوباً إلا لأَنَّه يعلم علمَ اليقين أن ثمار نجاحها عظيمةٌ وكثيرةٌ تبدأ بالفرد وتنتهي بالمجتمع.

ويكفي لندرك أهميتها أن نتأمل الحملة المكثّـفة لأبواق النفاق وقوى العدوان لمحاربة إقامة هذه المراكز وإصابتهم بحالة الخوف والقلق من استمرارها، إذ أن ذلك يعكس إدراكهم لقوة الحق في بناء الأُمَّــة وأن هذه الخطوة تحصين لأبنائنا ضد كُـلّ مؤامراتهم وكل مخطّطاتهم.

قد يعجبك ايضا