مبعوث جديد بأجندة قديمة: خدمةُ العدوان موقفٌ أممي ثابت
|| صحافة ||
في إحاطته الأولى أمام مجلس الأمن، مطلعَ هذا الأسبوع، أكّـد المبعوثُ الأممي الجديد إلى اليمن، هانز غروندبرغ، صحةَ التوقُّعات بشأن استمرار التعاطي الأممي السلبي مع المِلف اليمني، حَيثُ كرّر المبعوث الجديد نفس المزاعم والتضليلات القديمة التي تبناها سلفه، والتي تعبر عن اصطفاف واضح مع تحالف العدوان، وتثبت أن الأمم المتحدة ملتزمةٌ بالعمل وفق إملاءات الرعاة الدوليين المسيطرين على قرارها ونشاطها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
غروندبرغ أكّـد في إحاطته تبنِّيَ الموقفِ الأمريكي السعوديّ، والتزامَه بحيثيات هذا الموقف وروايته المضللة، من خلال التركيز الكيدي على معركة مأرب فقط، وإلقاء مسؤوليتها على عاتق صنعاء وقوات الجيش واللجان الشعبيّة، التي طالبها بـ”وقف الهجوم” على المحافظة، إلى جانبِ إعادة إثارة نفس “المخاوف” المسيَّسة بخصوص “النازحين” الذين تسعى دول العدوان منذ مدة لاستخدامهم كدرع إعلامي وورقة ضغط على صنعاء؛ مِن أجلِ إيقاف تحرير المحافظة وإبقائها تحت سيطرة قوات الاحتلال والمرتزِقة والأنظمة التكفيرية.
ويشير هذا الموقفُ بوضوح إلى أن المبعوثَ الجديدَ سيواصلُ منهجَ سَلَفِه في البحث عن صفقة تخدم مصالح تحالف العدوان والولايات المتحدة ولا تتضمن إيقاف العدوان والحصار بشكل كامل، بل ربما تكون نفس الصفقة الفاضحة التي تبناها غريفيث، والتي تقايِضُ الحقوقَ الإنسانية المشروعة للشعب اليمني بمكاسبَ سياسية وعسكرية للعدوان، أبرزها وقف التقدم في مأرب ووقف إطلاق الصواريخ والطائرات المُسيَّرة على المملكة.
هذا ما يوضحه أَيْـضاً تجاهُلُ غروندبرغ خلال إحاطته لاستمرار الغارات الجوية التي يشنها تحالف العدوان يوميًّا على البلد، بمقابل حرصه على التعبير عن “قلقه بشكل خاص بشأن استهداف المدنيين والبُنية التحتية المدنية داخل السعوديّة”، حسب تعبيره، في تماهٍ فاضح ومكشوف مع التوجّـه الأمريكي السعوديّ لإظهار الرياض كـ”ضحية”؛ مِن أجلِ تحميل صنعاء مسؤولية استمرار الحرب و”عرقلة السلام” والالتفاف على متطلبات وشروط السلام الفعلي، وتبرير استمرار الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري والسياسي للنظام السعوديّ تحت ذريعة “الدفاع عن المملكة”.
وكرّر غروندبرغ نفسَ المغالطات التي تمسّك بها سلفُه، والتي تنبع من التواطؤ الكامل مع تحالف العدوان ورعاته، بشأن إجراءات الحصار الظالم المفروض على اليمن، فبرغم اعترافه بوجود “قيود على حرية التنقل وعلى حركة السلع الأَسَاسية وعلى الطرق والموانئ والمطارات” وهي قيود مفروضة من قبل تحالف العدوان بشكل تعسفي واضح، إلا أن المبعوثَ أصرَّ على استمرار تسييس هذه المشكلة وشرعنه استخدامها كورقة تفاوض وضغط، فبدلاً عن أن يطالبُ بإنهاء هذه القيود ورفعها بشكل تام؛ كونها تنتهك كُـلّ القوانين والأعراف الإنسانية، أكّـد أن موقف الأمم المتحدة في هذا الجانب “يظل ثابتاً”، مطالِباً بـ”تخفيف القيود” على ميناء الحديدة، وهو التعبيرُ المستخدَمُ رسميًّا لشرعنة استمرار قرصنة سفن الوقود والغذاء والدواء من قبل قوات البحرية الأمريكية وقوات تحالف العدوان، ومقايضة الحقوق الإنسانية للشعب اليمني بمكاسبَ سياسية وعسكرية وأمنية ضمن التفاوض.
ويؤكّـد هذا الموقفُ الفاضِحُ من الحصار، أن المبعوث الجديد سيتحَرّك في نفس الإطار الذي تحدّده السياسات الأمريكية والسعوديّة، وأن أقصى ما سيفعله في أفضل الأحوال هو زيادةُ نسبة “تخفيف القيود” المعروضة على صنعاء قليلًا ضمن المقايضة القديمة.
وقد عبّر غروندبرغ عن ذلك بوضوح من خلال الإشادة بما أسماها “المبادَرات المقدمة من جيران اليمن (السعوديّة) ” والتي صُمِّمت بشكل رئيسي لاستغلال الحقوق الإنسانية لليمنيين كسلاحٍ لتحقيق ما لم يمكن تحقيقُه بالحرب والسياسة.
إحاطةُ المبعوث الجديد تضمنت أَيْـضاً العديدَ من المغالطات التي تكشف مدى انحيازه لتحالف العدوان، ومنها محاولة تعميم مسؤولية الحرب الاقتصادية التي يتعرض لها اليمن على “جميع الأطراف”، وهي محاولة مكشوفة للمساواة بين الضحية والجلاد؛ مِن أجلِ تبرئة الأخير الذي بات الواقع يشهد بأنه المسؤول الوحيد والمباشر عن هذه الحرب، والأزمة الاقتصادية والمصرفية المتفاقمة في المناطق المحتلّة أبرز الشواهد على ذلك.
صنعاء: لا تعويلَ على الأمم المتحدة
إجمالاً، جاءت إحاطةُ غروندبرغ، مصدِّقةً لما أكّـدته صنعاء في وقت سابق على لسان رئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، والذي أوضح أن الأممَ المتحدة تعمَلُ في الإطار الذي يحدّده لها ممولوها الدوليون، وأن المشكلة لم تكن في شخص غريفيث نفسه، بل في السياسة الأممية الذي يعمل وفقها كُـلُّ المبعوثين.
ورداً على ذلك، بعثت صنعاءُ هذا الأسبوعَ برسائلَ مباشرةٍ للمبعوث على لسان رئيس حكومة الإنقاذ، عبد العزيز بن حبتور، ونائبه لشؤون الدفاع والأمن الفريق جلال الرويشان، حَيثُ أكّـد المسؤولان أن المنهجَ الذي تتعاملُ به الأمم المتحدة مع المِلف اليمني أثبت أنه غيرُ مُجْدٍ بالكامل، وأنه عاجزٌ عن التوصل لأية حلول حقيقية، وأن السبيلَ الوحيدَ أمام غروندبرغ هو تجاوُزُ هذه العُقَدِ والتحرّر من ضغوط الغرب، والبدء بالتعامل بحيادية حقيقية.
وكان رئيسُ الوفد الوطني، محمد عبد السلام، جدّد مطلعَ هذا الأسبوع التأكيد على عدم وجود أية فرصة لإجراء حوار سياسي قبل إنهاء العدوان والحصار، في رسالة تعيد تذكير المبعوث الجديد بأن صنعاء لن تبدأ من الصفر معه، وأن إعادة نفس المحاولات السابقة لالتفاف على هذا المطلب، لن تحظى بأي تجاوُبٍ من قبل صنعاء.
وبرغم أن صنعاء لا زالت تؤكّـد انفتاحها على خيار السلام الحقيقي، ورحّبت على لسان نائب وزير خارجيتها، حسين العزي، بتصريح غروندبرغ عن ضرورة فتح مطار صنعاء، وتصريحات المبعوث السابق (وكيل الشؤون الإنسانية الآن)، مارتن غريفيث، عن عدم ربط هذه المطالب بأية ملفات أُخرى، إلا أن تجربةَ التعامُلِ مع الأمم المتحدة طيلة السنوات الماضية قد كرَّست حقيقةً لا مفرَّ من تجاهلها، وهي أن هذه المنظمةَ غير صادقة بالمطلق ولا يُعَوَّلُ عليها.
هذا أَيْـضاً ما تحدَّثَ بشأنه السفيرُ اليمني لدى إيران، إبراهيم الديلمي، في مقابلة مع صحيفة “طهران تايمز” قبل أَيَّـام، حَيثُ أوضح الديلمي أن غريفيث لم يكن يقبَلُ فصلَ مِلف مطار صنعاء وميناء الحديدة عن الملفات السياسية والأمنية عندما كان مبعوثاً، لكنه الآن بات يطالِبُ بالفصل، الأمر الذي يؤكّـد أن هناك سياساتٍ واضحةً تتحكم بطبيعة وظيفة المبعوث الأممي وتتحكم بالموقف والقرار الأممي.
وكان غروندبرغ قد تلقى رسائلَ غيرَ مباشرة، لكن واضحة وقوية اللهجة، منذ استلامه مهامَّه كمبعوث، وهي رسائلُ بعثتها عمليةُ “توازن الردع السابعة”، ثم الإعلانُ عن تحرير مديريتَي “رحبة” و”ماهلية” في مأرب رسميًّا، وقبل ذلك، تأكيداتُ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي على حتمية تحرير كافة البلد واستعادة كُـلّ المناطق المحتلّة والتخلُّص من الوصاية السعوديّة الإماراتية على الوطن، ومفادُ هذه الرسائل جميعِها هو أن خياراتِ صنعاء الاستراتيجية لن تخضعَ لأية ضغوط ولن تتأثرَ بأية مناورات أَو خُدَعٍ، وبالتالي على المبعوث الجديد أن يتخلَّى منذ البداية عن أية آمالٍ معلَّقةٍ على “الابتزاز” والمقايضات.
صحيفة المسيرة