الواقع الزراعي في اليمن بين الأمس واليوم

تقرير ||

إن المتأمل لواقع الزراعة في اليمن، سيجد الفرق الكبير بين الواقع اليوم، والواقع الزراعي بالأمس القريب قبل ثورة 21 من سبتمبر، ذلك الواقع الذي يكشف عن حقيقة أولئك الزعماء الذين يحكمونها، لا يحرصون على بناء الأمَّة في المجال الاقتصادي، فقد شهدت اليمن منذ العقود الماضية سيطرة أنظمةٍ مُستبدةٍ تُرتكز جُلّ اهتمامها نحو المحافظة على كرسي السلطة من جهةٍ، والولاء لأعداء الأُمَّة من جهةٍ أُخـرى، الأمر الذي جعل الاهتمام بالتنمية الزراعية، وتوفير وتأمين القوت الضروري، وتقديم التسهيلات اللازمة للمزارعين خارج سلم الأولويات.

وفي هذا السياق، يقول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في خطابه بمناسبة مرور 1000 يوم على العدوان، 2017م:

“كانت المسألة في الماضي مبنية على حسابات أخرى، لا حسابات نهضوية لبناء هذا البلد وهذا الشعب، ولا حسابات لمواجهة تحديات بهذا المستوى وبهذا الشكل، مسؤولين معينين، جهات معينة، حسبت أمورها كلها على أساس الارتهان للخارج، والاعتماد على الخارج، والخضوع للخارج، فلا هي بنت اقتصاداً محلياً بما تعنيه الكلمة، عشرات السنين مضت أين هو الاقتصاد الوطني؟ أين مستوى الإنتاج الوطني، أين هو الاكتفاء الذاتي، لا، بنوا كل شيء في الماضي على وضعية أزمات، في ذروة حكمهم، وفي ظل تمكنهم من السيطرة والاستحواذ في هذا البلد كانوا في نفس الوقت في حالة أزمات، والبلد في حالة أزمات، وكنا من جرعة إلى جرعة، ولا كان هناك اقتصاد وطني يبنى، ولا اكتفاء ذاتي يتحقق، ولا معالجة للمشاكل الاقتصادية، كانت كلها سنوات أزمات”.

ويردف بالقول: “قولوا لي متى، احسبوا ثلاثين سنة، خلال هذه الثلاثين سنة كان المزارع عندنا مرتاح؟ مدعوم؟ متوفر له كل الدعم؟…”.

غياب الدعم الحكومي للجانب الزراعي:

تأكيداً لغياب الدعم الحكومي للجانب الزراعي، وزراعة الحبوب تحديداً، كان لاُبدّ من القاء الضوء على البرنامج الوطني لزراعة القمح، الذي أُسّس في العام 2008م، بقرارٍ من رئيس الوزراء آنذاك “علي مجور”، نتيجة مبادرة أطلقها أكاديميون في جامعة صنعاء إذ كان من أهم دوافعه ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية، وتأثيره على الوضع الاقتصادي، والمعيشي في اليمن، الذي يعتمد على واردات القمح من الخارج، وكان يتركز المشروع على ثلاثة محاور: شراء البذور من المزارعين، وزراعة الأرض، والدعم بالآلات والمعدات الزراعية، ولم ينفذ منها سوى محور واحد فقط، وهو قيام المؤسسة الاقتصادية بشراء بعض البذور من بعض المزارعين.

وبالرغم من أن البرنامج تم استيحاؤه من التجربة السورية، التي تعد من التجارب الناجحة التي مكنت سوريا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول القمح، وتحولت بعد ذلك إلى دولة مُصدِّرة؛ فقد تعرض البرنامج بعد إقراره من قبل الحكومة للإهمال في صورة تعكس جور الوصاية الخارجية، ودور عملاء الخارج في إعاقة أي جهود للتنمية في اليمن، حيث تدخلت السفارة الأمريكية آنذاك في الأمر، ومارست ضغوطاً سياسية كبيرة على حكومة “مجور”، ليتوقف البرنامج عن زراعة الأراضي، ودعم المزارعين بالمُعدات الزراعية، واكتفى بقيام المؤسسة الاقتصادية بشراء بعض البذور من بعض المزارعين، وفي حدود مبلغ وقدره (200) مليون ريال، وهو مبلغ زهيد لا يساعد على النهوض بزراعة محاصيل الحبوب الرئيسية في ظلِّ المنافسة الكبيرة للمُنتجَات الخارجية.

وهكذا أجُهض المشروع آنذاك بقرارٍ سياسي تجاوز حكومة “مجور”، تنفيذاً لضغوط خارجية مُورست على الدولة، رغم أن المقومات الأساسية للمشروع كانت موجودة، متمثلة في الأرض، والمياه، والأيادي العاملة، حيث كانت قيادة الدولة في تلك الفترة تستجيب للسياسة الأمريكية، وللسفير الأمريكي، الذي كان يتحكم في القرار السياسي اليمني، ويتدخل في سياسات، وتوجهات، الدولة بكل تفاصيلها.

وما تزال الدول المستكبرة بقيادة “أمريكا” تعمل على محاربة كل محاولة للنهوض في الدول العربية، والإسلامية، وتوحي إلى عملائها الذين يحكمونها، ويتربعوا مناصب قيادية فيها، بالعمل على محاربة الزراعة، والصناعة.

دراسة: اليمن كانت أكثر تبعِّية للعالم الخارجي. 

أكدت دراسةٌ زراعيةٌ حديثةٌ صادرةٌ عن وزارة الزراعة والري، أعدتها الباحثة الاقتصادية أروى أحمد البعداني بعنوان (زراعة القمح في اليمن، “التحديات والحلول والفرص المتاحة”) أن كمية واردات القمح تغطي نحو (95%) من الاحتياجات الاستهلاكية المحلية، وهذا يجعل اليمن أكثر تبعِّية للعالم الخارجي، ويجعل أمنها القومي أكثر عرضة للمُتغيرات الدولية، والمُستجدات على الساحة العالمية، ولفتت الدراسة إلى أن القمح الأمريكي، والاسترالي، والهندي، والروسي، والتركي، والكندي، والأوروبي، تعد من أهم الأنواع التي يتم استيرادها في اليمن.

وتُشير الباحثة الاقتصادية في دراستها إلى أن السياسات التي انتهجتها الحكومات المُتعاقبة كان لها الأثر البالغ في تدهور الإنتاج المحلي للقمح بصورةٍ خاصةٍ، بالإضافة إلى أن السياسات الحكومية لم تشهد تنفيذ خطط استراتيجية مجدولة زمنياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بحيث تحشد لها الموارد اللازمة، والبرامج المناسبة، لتحقيق هذا الغرض، بل اكتفت بإتباع سياسة تحقيق الاكتفاء من خلال تغطية العجز المالي من الاستيراد الخارجي كخيارٍ استراتيجي ضيق الأفق، متجاهلة بذلك المفهوم الأساسي للاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، والذي يقصد به الاعتماد على الذات، في تحقيق حاجات المجتمع، من خلال إنتَاجه الذاتي، وتوظيف موارده الخاصة، إضافة إلى قيام الحكومات المُتعاقبة بتنفيذ سياسات اقتصادية، استجابة لطلبات المانحين، وخاصة المنظمات المالية الدولية، كشرط للحصول على القروض الربوية، والمساعدات، أو لغرض تحقيق مواقف سياسية تُعبر عن الاستجابة لرغبات القوى العالمية المُهيمنة، حتى ولو لم تتوافق تلك السياسات مع مصالح البلاد العليا.

وفي هذا السياق، يؤكد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في درس (في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني) أن القضية أصبحت إلى هذا النحو، ويتساءل:

“لماذا نحن نرى قوتنا كله ليس من بلدنا؟ لماذا لا تهتم الدولة بأن تزرع تلك الأراضي الواسعة، أن تهتم بالجانب الزراعي ليتوفر لنا القوت الضروري من بلدنا؟…”.

أبرز تجليات ثورة 21 سبتمبر:

في خضمِّ ما سبق، فإن من أبرز تجليات ثورة 21 سبتمبر 2014م، انتهاء عصر الوصاية الأجنبية على اليمن ليُصبح الاهتمام بالجانب الزراعي، والاتجاه نحو زراعة الحبوب، خياراً استراتيجياً، وأساسياً للقيادة السياسية لتحقيق التنمية الزراعية، والاكتفاء الذاتي الغذائي.

وكانت من أبرز المسؤوليات المُناطة بالقيادة الثورية هي الاهتمام بالزراعة، وتقديم التسهيلات، والمُحفزَّات للمزارعين، في سبيل اتجاههم نحو زراعة الأراضي بزخمٍ كبير، وذلك وفق خطة استراتيجية تضعها الدولة في قمة سلم أولوياتها التنموية.

وبإرادةٍ وطنيةٍ لا تقبل أي تدخلات خارجية، وفي سياق الاتجاه نحو زراعة القمح، تم إنشاء المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب، حيث أصدر رئيس اللجنة الثورية العليا في العام 2016م، القرار رقم (366)، والذي قضى بإنشاء المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب.

وتولت المؤسسة دعم المزارعين، من خلال تخفيض كُلفة الإنتاج، كي يستطيعوا الإنتاج، ومنافسة القمح والحبوب المستوردة من الخارج، وذلك بعد تشخيص المشكلة التي تواجه المزارع اليمني، حيث اتضح أن المزارع يعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج مقابل تكلفة الاستيراد، وشراء المُنتَج المستورد من الخارج.

التوجهات الحثيثة نحو تحقيق التنمية الزراعية:

لقد ركزت قيادة الدولة على التوجه الحثيث نحو إعداد خطط استراتيجية للتنمية الزراعية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وذلك من خلال العمل على توسيع الإنتاج الزراعي كماً ونوعاً، عن طريق استصلاح الأراضي،، وتشجيع المزارعين على زراعة القمح والحبوب، وتشجيع التجار ورؤوس الاموال المحلية، وخاصةً التجار المستوردين للقمح والحبوب على الاستثمار في زراعه الحبوب، والقمح، والحث على استعمال وسائل الري الحديثة للري، بغية الحفاظ على الثروة المائية وعدم إهدارها، واستخدام الوسائل العلمية، والمكننة الزراعية، وتفعيل دور التجارب البحثية في المجال الزراعي، واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة لزيادة الإنتاج.

وكذلك ركزت قيادة الدولة على دعم إنشاء الجمعيات الزراعية بهدف حث المزارعين على الاهتمام بزراعة المحاصيل الضرورية، وتعريفهم بمخاطر انتشار وتوسع زراعة القات على حساب المحاصيل الزراعية الأُخرى والاهتمام بالإرشاد الزراعي، بالإضافة إلى إقامة السدود والحواجز المائية، وتجنب الحفر العشوائي للآبار الجوفية.

 

قد يعجبك ايضا