أمريكا.. من الهيمنة المطلقة إلى الرحيل المذل من اليمن
هناك دوافع كثيرة تدفع بالنظام الأمريكي – وهي بالتأكيد غير مشروعة- للتركيز على اليمن، في مقدمتها، الموقع الاستراتيجي الجغرافي والثروة الوطنية الهائلة، و كذلك الإنسان اليمني فيما يمثله من أهمية؛ لأن لأمريكي يعرف أنَّ الشعب اليمني إذا كان في وضعيةٍ متحررة، فهو شعبٌ يملك المؤهلات لأن يكون له دور إيجابي وكبير بحساب هويته الإيمانية، وأن يكون عضواً في الأمة الإسلامية فاعلاً ومميزاً.
وقد ركز الأمريكيين على اليمن بشكلٍ رئيسي في اطار استهدافهم للأمة الإسلامية، حيث تدخَّلوا في شؤون اليمن، ومن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر زادت تدخلاتهم بشكل كبير حيث صنفوا اليمن باعتباره من المناطق المستهدفة بالنسبة لهم تحت عنوان “الإرهاب” ، كما عمدوا إلى الدفع بالسلطة آنذاك إلى الدخول في حرب أهلية لاستهداف الأحرار من أبناء هذا الشعب في عددٍ من المناطق ثم اتجه الأمريكيون للتدخل في كل شؤون هذا البلد بشكل كبير، فتدخلوا في كل المجالات: على المستوى السياسي، الاقتصادي، على المستوى الفكري والثقافي والتعليمي، وفي الملف الاقتصادي أيضاً، حتى أصبح السفير الأمريكي آنذاك يتدخل على المستوى الرسمي ، في المؤسسات والوزرات، والقضاء، ويتدخل في المؤسسة العسكرية، وعلى مستوى الأجهزة الأمنية، إضافة إلى المجال السياسي مع السلطة والأحزاب.
كما اتجه الأمريكيون إلى الاختراق للحالة الشعبية، وبدأوا بتنسيق علاقات مباشرة مع بعض الشخصيات الاجتماعية، وبعض المشائخ، وبعض الوجاهات، وحاولوا أن يعززوا لهم ارتباطات مع بعض المناطق، كما اتجهوا أيضاً إلى وجهة أخرى: هي المجتمع المدني.
وتهدف سياسة التدخل الأمريكي إلى تقويض المبادئ الأساسية التي تجعل هذا الشعب متماسكاً وصامداً تجاه التدخل الخارجي، ونزع كل عناصر القوة والتماسك وعمدوا إلى تدجين السياسة التعليمية وتدجين السياسة الإعلامية وتغذية كل عوامل الانقسام الداخلي، وإثارة النعرات العنصرية والطائفية، والحساسيات المناطقية.
نتائج التدخل الأمريكي في اليمن
لم تكن النتائج التي تنتج عن تدخلات الأمريكيين وإملاءاتهم نتائج إيجابية في واقع الشعب اليمني، فالأمريكي كان يتجه بهذا البلد إلى حافة الانهيار، والضعف، والعجز، بما يمهد لسيطرة أمريكية في واقع مهيَّأ، وفي ظروف ملائمة بالنسبة للأمريكي، يكون هذا الشعب قد فقد كل عناصر القوة، وكل وسائل المواجهة فقد:
– تدهور الوضع في كل المجالات: على المستوى الأخلاقي والقيمي والمبدئي والثقافي والفكري، وعلى المستوى الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وعلى مستوى بنية الدولة التي كان ينخر فيها كالسوس، وكانت تتخلخل أكثر فأكثر حتى أوشكت على الانهيار التام، فالمسار الذي كان يدفع به الأمريكي من خلال سفيره هو مسار يتجه بهذا البلد نحو الانهيار التام، وصل إلى حافة الهاوية، لولا هذه الثورة الشعبية التي تداركت الأمور، وأعادت الاعتبار لهذا الشعب.
ثورة 21 سبتمبر قوضت الوصاية الأمريكية على اليمن
لم يكن العدوان الإجرامي الذي شنته أمريكا بعد أن كونت تحالف من عشرات الدول بينها وفي مقدمتها أنظمة خليجية كالنظام السعودي والإماراتي إلا انتقاماً من صفعة الشعب اليمني للهيمنة الأمريكية على اليمن والخروج المذل من عاصمة اليمن ليلة انتصار ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر بعد أن كانت قد فرحت بأنها أصبحت وصيةً بشكلٍ رسمي ومعلن على يمن الإيمان والكرامة وأصبح السفير الأمريكي- آنذاك- في صنعاء هو المسؤول الأول في هذا البلد، بموقع وصايته على هذا البلد، لذلك فقد انزعجت أمريكا كثيراً عندما خسرت هذا الموقع من السيطرة على واقعنا كشعبٍ يمني وعبرت عن انزعاجها بهذا العدوان الإجرامي.
غادر السفير الأمريكي، من عاصمة الصمود بصورة مذلة وغادر معه المارينز بعد أن أحرقوا أسلحتهم وبعد أن تيقنوا أنه لم يعد لهم مجال للتأثير في أي أمر، أو للتدخل في أي شيء، وعاشوا حالة الرعب والخوف والذلة والهوان، وغادروا ليس لهم أي وزن ولا تأثير في هذا البلد، كانوا في وضعية تتسابق السلطة- آنذاك- برئيسها ومسؤوليها، وتتسابق أيضاً بعض زعامات الأحزاب، ويتسابق البعض من الوجاهات والزعامات الاجتماعية إليهم في تقديم الولاء والطاعة، والتودد والتقرب، وفي العمل على تعزيز الروابط بهم من موقع الاستجابة العملية والخدمة والطاعة، ومن موقع تعزيز نفوذ أولئك وتدخلاتهم في كل شؤون هذا البلد،
كانوا يذهبون إلى السفير الأمريكي ليناقشوا معه مختلف أمور هذا البلد: قضاياه السياسية، قضاياه الاقتصادية، قضاياه الاجتماعية، ثم يلتقي بكل الوزراء، و المسؤولين الذين يرغب باللقاء معهم؛ ليؤثر فيهم بتوجيهات معينة، أو قناعات معينة، أو برامج معينة، أو سياسات معينة، وكان الوضع يسوء في هذا البلد على كل المناحي، وفي كل المستويات والمجالات كان يسوء، كلما تدخلت أمريكا أكثر، وتعزز نفوذها أكثر؛ كلما ساء واقع هذا البلد: سياسياً، واقتصادياً…
كان يتجه الأمريكي في كل ترتيباته مع السلطة، مع المسؤولين، مع أصحاب القرار السياسي، مع المعنيين، نحو ما يساهم على الوصول بهذا البلد إلى مستوى الانهيار والضعف والعجز، يأتي إلى الجانب العسكري، يعمل على أن ينهي فيه القوة الجوية، والقوة البحرية، والقوة الصاروخية، وقوة الدفاع الجوي، يأتي تحت عنوان هيكلة الجيش؛ ليحول الجيش والمنظومة حتى الأمنية أيضاً- تحت عناوين التعاون الأمني- إلى منظومة خاوية، لا تقدر على أن تكون في الموقع الذي تمثل فيه أملاً لشعبها، أو تدافع عن وطنها، بل مجرد أداة ضعيفة في اليد،
وكانوا يعززون انتشار التكفيريين في البلد تحت عناوين وبأساليب متعددة؛ لينتشروا في معظم المحافظات، ويبقى عنوان الحرب عليهم قائماً كعنوان، وفي الواقع العملي يهيئون لهم الانتشار إلى مختلف المحافظات، ويساعدونهم على القيام بكثيرٍ من الجرائم التي تستهدف هذا الشعب، وتستهدف أبناءه، هكذا الحالة التي أوصلوا فيها البلد إلى مستوى وصاية تعلن بقرار في مجلس الأمن، ويصبحون هم المعنيين الأساسيين في موقع السلطة والقرار، والتوجيهات والسياسات والقرارات.
لكنهم لمَّا طردوا من هذا البلد، ولمَّا قطع هذا النفوذ عن هذا البلد، وخسروا هذه السيطرة على هذا البلد، اتجهوا بمخطط آخر، فبدلاً من أن يدخلوا هم في معركةٍ مباشرة، والشعب اليمني كان يتمنى ذلك فهو لا يخشاهم ولا يخافهم وهو يعرف ضعفهم ونقاط الضعف الكبيرة عليهم، ولكنها لا تجرؤ على فعل ذلك، وهي ترى في واقع الحال أنَّ تلك الأدوات الإقليمية والمحلية، أنَّ العملاء والخونة من أبناء الأمة ومن أبناء البلد، هم سيؤدون هذا الدور، وهم من سيتحملون تكاليفه الباهظة على كل المستويات، فيقتل مقاتلوهم، ويقدِّمون الأموال هم، ويتحملون الخسائر الباهظة والرهيبة هم، وهذا ما فعلته أمريكا، أدارتهم، تُوِّج وأعلن هذا العدوان من أمريكا، وبقيت في حالة إدارة مباشرة، ولكن بثمن كبير أيضاً، باستغلال كبير، وإلى اليوم الأمر مستمر.
لقد أنتصر الشعب اليمني وانتصرت ثورته العظيمة وكان من أعظم ثمارها أنها حررت اليمن من الوصاية الأمريكية وأدواتها في المنطقة وإذا كانت أمريكا شنت عدوان إجرامي انتقاماً من ثورة 21 سبتمبر فإن الثمن مهما كان باهضاً ليس أعظم ثمنا من ثمن الحرية والتحرر والاستقلال من وصاية وهيمنة أمريكا وأذرعها من الخونة والمنافقين وصدق الشاعر العربي عندما قال: وللحرية الحمراء باب … بكل يد مضرجة يدق.