خزان صافر.. ورقة حرب أمريكية سعوديّة بـ “فرز” أممي
|| صحافة ||
يُعتبَرُ مِلَفُّ الخزان العائم صافر من أحد المِلفات التي يستخدمُها تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، كورقة حرب تنذرُ بكارثة بيئية واسعة، فيما تُرافِقُ الأممُ المتحدة تحالف العدوان في العبث بهذا الملف وتوفير الغطاءات المناسبة، بما يجعله محل جدل إعلامي لتوليف السخط تجاه صنعاء، وتشتيت الأنظار عن المناورة الصبيانية التي يمارسها تحالف العدوان بقيادة واشنطن من خلال هذا الملف، وجعله محل ابتزاز لتحقيق بعضٍ من المكاسب السياسية والعسكرية التي يلهث وراءها بطرق غير مشروعة، غير أنها مصبوغةٌ أممياً بطِلاء يزيلُ كُـلَّ البصمات العدائية.
الأممُ المتحدة وعلى غرار توفير الغطاء السياسي والإنساني لكل ما يمارسه تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن، أصرت أكثر من مرة على تعقيد ملف الخزان العائم صافر، رغم صياغتها لاتّفاق مع اللجنة الاقتصادية العليا بحكومة الإنقاذ الوطني، وتوقيعها عليها بما يضمن الحد من الكارثة الوشيكة التي تنذر بها مناورات تحالف العدوان من خلال الباخرة العائمة، وما تشكله من تهديد بيئي لا يقتصرُ على اليمن فحسب، بل على جميع الدول المطلة على البحر الأحمر.
اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتّفاق الصيانة العاجلة للخزان صافر، عقدت، أمس الأول الخميس، مؤتمراً صحفياً للوقوف عند مستجدات مسار الاتّفاق، وما يترافق معه من مماطلات أممية تسهم بشكل كبير في جعل الملف معلقاً بكل مخاطره، ليستمرَّ تحالفُ العدوان في ممارسة ابتزازه، على غرار باقي الملفات الإنسانية التي ينتهج فيها سياسة الابتزاز ومقايضة الحاجات الإنسانية للشعب اليمني، بالمساعي السياسية والعسكرية لواشنطن وأدواتها في الجغرافيا الاستراتيجية اليمنية.
ووفق ما جاء في المؤتمر الذي قدم خلاله رئيس اللجنة الإشراقية لتنفيذ اتّفاق الصيانة العاجلة للخزان العائم صافر، إبراهيم السراجي، كُـلَّ المباحثات المشتركة بين الطرف الوطني والطرف الأممي للوصول إلى اتّفاق عاجل للحد من الكارثة، يتبين للجميع إصرار الأمم المتحدة على استخدام الملف كورقة ضغط ضد صنعاء، وموازاة المخطّط العدواني تجاه ملف الباخرة العملاقة، بمناورات دبلوماسية وأُخرى سياسية بحتة، تشترك جميعها في التوصل إلى خيارين، أولهما حدوث الكارثة وثانيهما تحقيق مطامع “تحالف العدوان”.
تناقُضاتٌ فاضحة.. انقلابٌ أممي على اتّفاق مصاغ أممياً:
وفي فضيحة أممية ليست بالجديدة، كشف رئيس اللجنة الإشراقية لتنفيذ اتّفاق صافر، أن الأمم المتحدة صاغت تفاصيل اتّفاق الصيانة الأولية والتقييم للسفينة وتخلفت عن تنفيذه، مبينًا أن النقاطَ التي خالفتها الخطة التنفيذية للاتّفاق المقدمة من الأمم المتحدة تمثل 90 % من حجم وأهميّة أعمال الصيانة المتفق عليها، وهو ما يؤكّـد أن الأمم المتحدة لم تكن جادة في الوصول إلى اتّفاق، بقدر ما تسعى لخلقِ مناورةٍ تمكّن تحالف العدوان من إبقاء الملف معلقاً للوصول إليه في الوقت المناسب.
وأشَارَ إبراهيم السراجي إلى أن “خطة التنفيذ المقدمة من الأمم المتحدة استبعدت أعمال الفحص المتفق عليها كفحص مهني يقوم على معايير دولية معروفة واستبدلته بالفحص البصري”، مؤكّـداً أن “الخطة المقدمة كشفت تناقضات الأمم المتحدة وأكّـدت انعدام النية لديها في صيانة السفينة وتلافي خطرها، فضلاً عن التزامها بالاتّفاق”.
وأوضح أن الاتّفاق يتكون من 16 نقطة رئيسية توضح أعمال الصيانة والفحص التي كان يفترض أن ينفذها خبراء الأمم المتحدة، غير أن الأمم المتحدة فاجأت اللجنة وقدمت خطة تضمنت إلغاء 10 نقاط من إجمالي الـ 16 نقطة والتي تمثل 90 % من حجم وأهميّة أعمال الصيانة.
وسرد السراجي نص الاتّفاق المتضمن صيانة وفحص واختبار جميع أنظمة مولد “كاتربيلر” على سطح السفينة، فيما نصت الخطة التنفيذية للأمم المتحدة على إجراء الفحص فقط، كما نص الاتّفاق على فحص واختبار وصيانة مولد الطوارئ، في حين نصت خطة الأمم المتحدة على إجراء الفحص فقط.
ووفقاً لرئيس اللجنة الإشرافية، نص الاتّفاق على وجوب فحص سطح الخزان والأماكن بالاختبارات غير الإتلافية، وعمل الإصلاحات الممكنة في المواقع القابلة للتنفيذ، فيما نصت خطة التنفيذ على فحص نظام التهوية فقط، وتم تفويت المناطق الأُخرى.
وتابع السراجي: “نص الاتّفاق على وجوب فحص صمامات دخول مياه البحر والأنابيب المرتبطة، وإجراء الاختبارات غير الإتلافية والإصلاحات المحتملة، فيما نصت الخطة التنفيذية على فحص غرفة محرك مياه البحر، وتم إزالة الفحوصات الأُخرى والإصلاحات”.
وقال: “نص الاتّفاق على إجراء الفحص والصيانة اللازمة لنظام التهوية لسكن الخزان وغرفتي المحرك والمضخات، غير أن خطة التنفيذ نصت على إجراء الفحص فقط، كما تم الاتّفاق على وجوب اتِّخاذ الإجراءات لإيقاف التسرّبات المحتملة للغازات القابلة للاشتعال على سطح الخزان، فيما نصت الخطة التنفيذية للأمم المتحدة على إجراء الفحوصات اللازمة فقط”.
وَأَضَـافَ: “كما نص الاتّفاق على وجوب فحص نظام الغاز الخامل، وفحص واختبار وإصلاح جميع الصمامات الموجودة على الخزانات، أَو استبدالها إذَا اقتضت الحاجة، وإحضار الصمامات البديلة، فيما خطة التنفيذ نصت على إجراءات أعمال الفحص فقط”.
ولفت السراجي إلى أن الاتّفاق نص أَيْـضاً على طلاء جميع الأنابيب التي تم إصلاحها أَو استبدالها، فيما خطة التنفيذ لم تتطرق إلى الأمر من الأَسَاس، كما أن الاتّفاق نص على وجوب فحص نظام مكافحة الحرائق على السطح الرئيسي، وفحص وصيانة واختبار مضخة حريق الطوارئ في أعلى مقدّمة السفينة وجميع الصمامات، وإصلاح المكونات أَو استبدالها عند الاقتضاء، في حين نصت الخطة التنفيذية للأمم على إجراء الفحوصات فقط.
خفايا الانقلاب الأممي:
ومع هذه السلسلة الطويلة من التناقضات الأممية واستبدال الاتّفاق بخطة تنفيذ أفرغته من محتواه، يتبين للجميع أن الأمم المتحدة كانت تهدف إلى السيطرة على الخزان العائم والوصول إليه لتقييمه ومقارنة أوضاعه مع الخطة الزمنية التي يسري وفقها تحالف العدوان الأمريكي، في سلسلة تبديله لأوراق الحرب والابتزاز غير المشروعة، لا سيَّما أن البوصلة الأمريكية السعوديّة في الفترة الماضية لم تتجه صوب الساحل الغربي، حَيثُ انشغلت بشكل كبير في جبهات مأرب، وجلبت كُـلّ جهودها العسكرية والدبلوماسية والسياسية، وطرحت كُـلّ أوراقها على الطاولة التي فشلت جميعها، بما فيها الابتزاز بحاجات الشعب الإنسانية الماسة، كالوقود والدواء وفتح المطارات لتسفير المرضى.
وفي هذا السياق، يؤكّـد إبراهيم السراجي أن الأمم المتحدة أفرغت الاتّفاق من محتواه، وقامت بتسييس الملف الذي كان يهدفُ لتقليل المخاطر وليس إنهاءَها على السفينة صافر.
ويقول السراجي إنه من خلال مماطلة الأمم المتحدة الواضحة والمتكرّرة وتضليلها الإعلامي اتضح لنا أنهم يريدون شيئاً آخرَ غير الصيانة.
وفي هذا الصدد، حصلت صحيفة المسيرة على معلومات خَاصَّة، تؤكّـد اشتراط الأمم المتحدة لدخول خُبراءَ إلى السفينة والطواف بكامل محيطها، دون خضوعهم للرقابة أَو متابعة ما يقومون به خلال جولتهم تحت البحر حول الباخرة العائمة، وهو ما يكشف جانباً من الأجندة المشبوهة التي كانت الأمم المتحدة تسعى لها من خلال هذا الاتّفاق.
وتؤكّـد المعلومات أن صنعاءَ قبلت بكل الاشتراطات الأممية المجحفة، مع ضمان سلامة تنفيذ الاتّفاق وأغراضه، غير أن الأمم المتحدة عاودت انقلابَها، مستعينةً بالمزيد من الاشتراطات التي تبين وجود أغراض أممية مشبوهة بكل المقاييس.
وما يعزز احتمالات اللهث الأممي وراء الأجندة المشبوهة، ما طرحه السراجي بشأن جانبٍ من المناورة الأممية حول الاتّفاق، حَيثُ بيّن السراجي أنه بعد أن “قدمنا تأشيراتٍ لأسماء الفريق الثلاثين الذين أعلنتهم الأمم المتحدة، لم يأتِ الفريق، وبعد ستة أشهر طلبت الأمم المتحدة تأجيل التأشيرات؛ لأَنَّها ستغيّر أسماء 15 خبيراً، غير أنها بعد أن غيّرت أسماء الخبراء منحناهم التأشيراتِ اللازمةَ، ومر شهرٌ وانتهت التأشيرات وأشعرناهم بأننا سنجدِّدُها، فكان ردهم أن نوقفها”، وهو ما يبوح بعدة أسرار أممية خفية على طيات الخطة التنفيذية المقدمة.
تناغُمٌ أممي أمريكي سعوديّ للعب على عامل الوقت:
وتعقيباً على ما أكّـده السراجي بشأن تعمد تحالف العدوان إيصال الخزان صافر إلى الحالة المتدهورة التي هو عليها الآن؛ بهَدفِ تحويله إلى ورقة حرب، تؤكّـد معلومات خَاصَّة للصحيفة أن تحالف العدوان وبمساندة الأمم المتحدة في تنسيق مُستمرّ لطرح ورقة العائمة صافر في الوقت المناسب، بعد نفادِ أوراق الابتزاز السعوديّة الأمريكية وخروجها عن الخدمة، حَيثُ بينت المعلومات أن تحالف العدوان كان يهدف من وراء تعليق ملف الخزان ومخاطره لتوليف السخط الإعلامي والدولي الكبير ضد صنعاء، غير أنه تفاجأ بجلوس الأخيرة على الطاولة وقبولها باتّفاقٍ مُصاغٍ أممياً للتخلص من المشكلة والحد من الكارثة الوشيكة التي كانت هالةُ الإعلام المعادية تروج له، وهو ما دفع العدوان الأمم المتحدة إلى الخروج من الاتّفاق وجعل الخزان محل ابتزاز وتهديد.
وفي هذا السياق، يوضح السراجي أن دول العدوان منعت تشغيلَ السفينة واعترضت سفينةَ المازوت التي كانت حكومة الإنقاذ قد استوردتها لغرضِ التشغيل على بُعد عشرين ميلاً من خزان صافر، مُشيراً إلى أن وزارة الخارجية وجّهت رسالة للأمم المتحدة من وقت مبكر تحذر من تبعات استمرار احتجاز تحالف العدوان لكميات المازوت المخصص للسفينة صافر.
ويعود السراجي إلى حيثيات الكارثة، مبينًا أن توقفَ عمل السفينة منذ العام 2015 جاءَ بإيعاز أمريكي سعوديّ لشركة صافر التي سحبت 700 عامل كانوا في مهمة تشغيل وحماية السفينة، وأبقت فقط سبعة أشخاص، فيما بيّن أن شركة صافر بمأرب منعت في أبريل الماضي تزويدَ الخزان بالديزل الخاص بالمولدات التي يستخدمها الموظفون ومنعت بعد ذلك بإيعاز من دول العدوان وصول كبير المهندسين إلى السفينة.
ونوّه السراجي إلى أن هناك الكثيرَ من الأدلة على ضُلوع دول التحالف في إيصال خزان صافر إلى ما هو عليه اليوم، في حين دخلت بريطانيا على الخط، وهو ما يشير –دون أدنى شك– إلى تعويل تحالف العدوان ورعاته بشكل كبير على استثمار الخزان العائم ضمن روزنامة عدوانه وحصاره على اليمن واليمنيين، وهنا وضَّحَ السراجي أن دول العدوان طالبت بالسماح للفريق الأممي بالوصول إلى السفينة، وبعد توقيع الاتّفاق قال السفير البريطاني السابق لدى حكومة المرتزِقة: “إن أوان الصيانة قد فات”، وهو ما يكشف لجوء العدوان إلى خطةٍ بديلة للمناورة على ملف الخزان العائم بعد موافقة صنعاء على اتّفاق الصيانة العاجلة بكل ما فيه من شروط مجحفة وضعتها الأمم المتحدة لجعل صنعاء ترفضها ومن ثم تحميلها كامل المسؤولية عن الكارثة التي ينوي العدوان خلقها، مع إزاحة بصمات الجريمة من أياديه.
وفي هذا الصدد، نوّه السراجي إلى أنه لم يكن في مجلس الأمن اهتمام واضح وحقيقي بمنع حدوث الكارثة في البحر الأحمر جراء أي احتمال للتسرب بل كانت هناك أهدافٌ واضحة لتسييس القضية، مُضيفاً “إنه في وقت تواصل الأمم المتحدة التحذير من خطورة وضع الخزان عبر الإعلام، فَـإنَّها لم تتواصل مع اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتّفاق الصيانة منذ مايو الماضي حتى اليوم”، معتبرًا الأصوات الأممية بشأن الخزان العائم ضجيجاً إعلامياً ليس له علاقة بالحرص على صيانة الخزان وتجنّب كارثة بيئية.
وفي تأكيد على حرص الأمم المتحدة على اللعب على عامل الوقت لمساعدة تحالف العدوان في استخدام الملف في الوقت المناسب، مع خلق حالة سخط ضد صنعاء لتحميلها تداعيات الكارثة الوشيكة، قال السراجي: “لم نتلقَ أية دعوة أممية لمناقشةِ عراقيل تنفيذ الاتّفاق منذ توقيعه، بل ظلت الأمم المتحدة ومبعوثها السابق غريفيث يجيّشان الإعلام والمنظمات وفق وجهات نظر أحادية”، مؤكّـداً أن الأمم المتحدة حرصت على تزييفِ الواقع ومنع وصول الحقيقة إلى وسائل الإعلام والمنظمات ليظل واقع الخلاف غير معروف ما يحول دون التوصل إلى حَـلّ.
وفي ختام المؤتمر، أشار السراجي إلى أن “الصحافي الأمريكي الذي أجرى مقابلةً معنا لمجلة أمريكية تعمَّد قَلْبَ الحقائق وتزييفها 100 %، فاتضح في ما بعدُ أنه على علاقة بالسفير السعوديّ محمد آل جابر”، فيما جَدَّدَ رئيسُ اللجنة الإشرافية لتنفيذِ اتّفاق الصيانة العاجلة للخزان العائم تمسك صنعاء بالاتّفاق وحرصها على منع الكارثة، داعياً الأممَ المتحدة إلى الالتزام بما وقّعت عليه وصاغته في الاتّفاق، والتوقف عن الضجيج والتوجّـه الصادق نحو الحل.
صحيفة المسيرة