عملية “السابع من ديسمبر”: الرد الفوري وتصاعد كلفة التعنت

|| صحافة ||

واصلت القواتُ المسلحة تثبيتَ معادلةِ “التصعيد بالتصعيد” وأعلنت، أمس الثلاثاء، تنفيذَ عملية عسكرية كبرى بـ25 طائرة مسيَّرة وعدد كبير من الصواريخ البالستية، ضربت أهدافاً عسكرية وحيوية على امتداد مساحة واسعة داخل العمق السعوديّ، في رد جديد وفوري على جرائم العدوان الأمريكي السعوديّ التي تصاعدت بشكل كبير خلال الأيّام الأخيرة، الأمر الذي يعيد توجيهَ رسائلَ هامة لجميع أطراف العدوّ، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي سارعت للصراخ؛ لتجدد التأكيد على قيادتها المباشرة للجبهة المعادية.

العملية التي أُطلِقَ عليها اسمُ “عملية السابع من ديسمبر” تضمنت إطلاق ست طائرات مسيَّرة من نوع (صماد3) وعدد من صواريخ (ذي الفقار) البالستية بعيدة المدى، على وزارة الدفاع السعوديّة ومطار الملك خالد وأهدافا عسكرية أُخرى في الرياض، بالإضافة إلى ست طائرات مسيرة نوع (صماد2، و3) واستهدفت قاعدة فهد الجوية بالطائف وشركة أرامكو في جدة.

وفي أبها وجيزان ونجران وعسير، استهدفت القوات المسلحة -ضمن العملية- عدةَ مواقعَ “حساسة وهامة” بخمس طائرات مسيرة نوع (صماد1 و2) وثمان طائرات مسيَّرة نوع (قاصف 2k” إلى جانب “عدد كبير من الصواريخ البالستية”.

العمليةُ تأتي بعد أقلَّ من ثلاثة أسابيعَ من “عملية توازن الردع الثامنة”، ويبدو بوضوح أن العمليتين تقعان على مسار تصاعدي من حَيثُ طبيعة الأهداف وعدد الأسلحة المستخدمة، كما أنها تأتي أَيْـضاً عقب إنذارات عسكرية وجهتها القيادة السياسية والعسكرية في صنعاء لتحالف العدوان بشأن عواقب التصعيد الإجرامي و”الحسابات الخاطئة”.

هذه الخلفية توجّـه رسالةً مباشرةً لتحالف العدوان بأن كُلفة استمرار تصعيده الإجرامي تتضاعَفُ بشكل مُستمرّ مع مرور الوقت، وأن القواتِ المسلحةَ قادرةٌ على تنفيذ ردود فورية تصاعدية على جرائم العدوان وغاراته الجوية، الأمر الذي يضعُه أمام “ضرورة” وقف التصعيد أَو الاستعداد لتداعيات كارثية سريعة، علماً بأن عملية “توازن الردع الثامنة” كانت قد سببت خسائرَ كبيرة متتالية في سوق الأسهم السعوديّة، بما في ذلك أسهم شركة أرامكو.

وفي إطار تأكيد هذه الرسالة، وجّه ناطق القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، أمس، دعوةً “لكافة المواطنين والمقيمين في المملكة إلى الابتعاد علن المناطق والمواقع العسكري؛ لأَنَّها تعتبر أهدافاً مشروعةً لقواتنا”.

وأضاف: “إن القواتِ المسلحةَ اليمنيةَ ستواجهُ التصعيدَ بالتصعيدِ وستنفذُ إن شاءَ اللهُ المزيدَ من العملياتِ العسكريةِ ضمنَ دفاعِها المشروعِ عن الشعبِ والوطنِ”

هذه الرسائلُ توجّـه أَيْـضاً وبصورة مباشرة للولايات المتحدة التي تدير التصعيد الإجرامي الراهن من خلال تكثيف الغارات الجوية على المدنيين، والتي تعالى صراخُها بسرعة وبشكل فوري جراء الهجمات الصاروخية والجوية اليمنية الأخيرة، حَيثُ سارعت وزارة الخارجية إلى إصدار بيان اتهمت فيه صنعاء بأنها “غير مهتمة بالدبلوماسية”، في محاولة مكشوفة لمواصلة تضليل الرأي العام وصرف الأنظار عن التصعيد الجوي الإجرامي الذي ينفذه طيرانُ العدوان منذ أسابيع والذي لم يسلم منه حتى الأجنةُ في بطون الأُمهات.

مع ذلك، فكُلُّ ما فعله البيانُ الأمريكي في الحقيقة هو تجديدُ التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تمتلك في الحقيقة أية “خطة” مُجدية للخروج، أَو إخراج النظام السعوديّ، من مأزق اليمن، وأن تكثيف الغارات الجوية لم يكن سوى نتيجة للتخبط والارتباك وانسداد الأفق، الأمر الذي يقود مرة أُخرى إلى المقارنة بين فرص تحالف العدوان بقيادة واشنطن، وفرص صنعاء في تغيير أَو تثبيت المعادلات.

وبوضع عمليتَي “السابع من ديسمبر” و”توازن الردع الثامنة” في مقابل الغارات المكثّـفة لطيران العدوان، يبرز فرقٌ شاسعٌ وواضح، يؤكّـدُ أن صنعاءَ تمتلكُ خياراتٍ كبرى متنوعةً وفعَّالة وقابلة للتصاعد بشكل كبير، لتكبيد النظام السعوديّ خسائرَ عسكرية واقتصادية غير مسبوقة وفرض معادلات استراتيجية حاسمة على الواقع، فيما لا يمتلك تحالف العدوان سوى إضافة المزيد من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين إلى رصيد انتهاكاته.

تحالُفُ العدوان نفسُه أقرَّ بهذا الإفلاس في رده على الهجمات الصاروخية والجوية الأخيرة، حَيثُ صرح بأنه “يعمل على إسقاط حصانة المنشآت المدنية” في المناطق اليمنية الحُرة لاستهدافها ومعاملتها كأهداف عسكرية، في اعتراف رسمي وصريح بأن كُـلّ ما يمتلكه هو استهدافُ الأبرياء، إن لم يكن هذا محاولة ابتزاز وقحة تقايض سلامة المدنيين في اليمن بسلامة المنشآت العسكرية والاقتصادية السعوديّة، وهو أمر لن يُستغربَ من جانب تحالف العدوان والإدارة الأمريكية التي سبق لها أن تبنت مقايضةً مماثلةً في الوقاحة عندما رهنت الحقوقَ الإنسانية لليمنيين بمكاسبَ عسكرية وسياسية.

وفي هذا السياق، فَـإنَّ قائمةَ أهداف عملية “السابع من ديسمبر” وعملية “توازن الردع الثامنة” قبلها تبين بشكل جلي الفرق بين الإجرام الذي يعبر بوضوح عن الإفلاس، وبين الرد الاستراتيجي المشروع والفعال، فأهدافُ العمليتين كانت قواعدَ ومواقعَ عسكرية سعوديّة تستخدم بشكل مباشر في العمليات العدوانية على اليمن، ويشكل استهدافها إنجازاً استخباراتياً وعملياتياً نوعياً، خُصُوصاً وأن الكثير من هذه المواقع والقواعد “سرية” ومحمية بمنظومات الدفاع الأمريكية المتطورة، على عكس ما يقوم به طيران العدوان من استهداف الأحياء السكنية والمنازل في صنعاء وبقية المحافظات.

 

المأزقُ السعوديّ الأمريكي يزداد سوءاً

مرةً أُخرى، على الرياض أن تقفَ أمام ضرورة إنهاء التصعيد والتعاطي مع محدّدات السلام الفعلي، وأخذُ تحذيرات صنعاء على محمل الجد، لكن رد الفعل الأمريكي يشير إلى أن هناك “لا مبالاة” من جانب واشنطن بتداعيات التصعيد طالما أن المملكةَ ستتحملها، وهو الأمرُ الذي يرجح أن تتعرضَ السعوديّة للمزيد من العمليات الأكثر شدة خلال الفترة القادمة، قبل أن تلجأ –وفقاً للتجارب السابقة- إلى مراوغة جديدة لتفادي “الوجع الكبير”.

لكن الهجمات الصاروخية والجوية الأخيرة والسياقات الميدانية والسياسية التي تأتي في إطارها، تحمل دلالاتٍ واضحةً على أن الأمريكيين والسعوديّين لم يعودوا يمتلكون الكثيرَ من “الحيل” في جُعبتهم؛ لأَنَّ صنعاءَ قد دفعتهم إلى استنزاف الكثير من ألاعيبهم أثناء محاولاتهم المستميتة لوقف تقدم قوات الجيش واللجان الشعبيّة في محافظة مأرب، وهو ما يعني أن مساحةَ المراوغة باتت ضيقة للغاية، وأن صنعاء مُستمرّة بالنجاح في فرض المعادلة الرئيسية للحرب والسلام: إما وقف العدوان وإنهاء الحصار وإخراج القوات الأجنبية ودفع التعويضات، أَو الاتّجاه نحو “الحسم” في ظل إفلاس تحالف العدوان ورُعاته عسكريًّا وسياسيًّا، وامتلاك صنعاء خيارات استراتيجية تصاعدية وفعالة.

في هذا السياق، فَـإنَّ عمليةَ “السابع من ديسمبر” من حَيثُ كونها تأكيدًا واضحًا على ثبات وتصاعد الخيارات الاستراتيجية وعجز تحالف العدوان عن مواجهتها، تمثل دلالة إضافية على حتمية هزيمة تحالف العدوان، وقُربِ تلك الهزيمة، خُصُوصاً وأن متغيراتِ الميدان اليومَ تُبَشِّرُ باقتراب حدوث تغييرات جذرية كبرى في المواجهة المباشرة داخل الأرض اليمنية، الأمر الذي سيضيفُ نقاطَ قوة استراتيجية وبالغة الأهميّة لكل مسارات الردع والرد، وبالتالي المسار السياسي.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا