المناورات الأمريكية الصهيونية في البحر الأحمر.. الدلالاتُ والأبعاد

|| صحافة ||

خلافاً لكُلِّ مَرَّةٍ تُقيمُ فيها مناوراتٍ سنويةً، قرّرت الولاياتُ المتحدة هذه المرة توسيعَ قاعدة المشاركين في مناورات هذه العام أَو ما يسمى التمرين الدولي «آي إم إكس» التي انطلقت في البحر الأحمر، والذي يمثل طريق إمدَاد العالم بالطاقة وخط الملاحة الدولية، وتنفذ قبالة المياه الإقليمية اليمنية، وتستمر لمدة 18 يوماً، بمشاركة تسعة آلاف فرد و50 سفينة من أكثر من 60 دولة ومنظمة مشاركة.

ويعَد هذا أكبر تمرين من حَيثُ الأنظمة البحرية العسكرية للأجهزة المسيَّرة عن بعد مع أكثر من 80 نظاماً لطائرات من دون طيار.

وتؤكّـد مصادر سياسية أن تلك المناورات تهدف إلى جر أكبر قدر من الدول للتطبيع مع إسرائيل والقبول بالإسرائيلي خلال التدريب المشترك وفي غرف عمليات المناورات والاستفادة من خبراتها وخبرات الولايات المتحدة الأمريكية وجرجرة دول عربية وإسلامية إلى تحالفات تخدم الكيان الصهيوني وتجعله فاعلاً بالمنطقة برمتها، وُصُـولاً إلى الخليج، موضحة أن إعلانَ واشنطن خبرَ المناورات البحرية العسكرية في البحر الأحمر، وإرسال المدمّـرة حاملة الصواريخ الموجهة للبحرية الأمريكية “يو إس إس كول” للتعاون مع بحرية العدوان الإماراتي حدثان تزامنا بعد عمليات إعصار اليمن التي عصفت بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية في أبو ظبي ودبي.

وفيما يخص الدولَ المطلة على البحر الأحمر من هذه المناورات والمخاطر والتحديات الناتجة عنها، ووفقاً للمحللين السياسيين فَـإنَّ تلك الدول هي الأكثر ضعفاً ولن تقدم للمناورة أيّ جديد سوى أن تصبح متفرجة على طريقة الأداء الأمريكي الإسرائيلي بحيث تصبح مُجَـرّد أدوات استخباراتية لجمع المعلومات والدعم اللوجستي للقوات الأمريكية الإسرائيلية التي تنفذ المناورة التي تستفز الشعب اليمني وهو المعني بالتعامل مع أية اختراقات للسيادة اليمنية عبر قواته المسلحة البحرية اليقظة، مؤكّـدين أن ذلك التواجد العسكري في مياه البحر الأحمر يشكل التهديد الحقيقي للدول المطلة عليه والتي ارتضت أن تفتح مياهها وأراضيها لتواجد القواعد الأجنبية، والمناورة التي تنفذ قبالة المياه الإقليمية اليمنية واليمن هي الدولة الوحيدة المطلة على البحر الأحمر وتقف ضد المشروع الصهيوني الأمريكي وتقف ضد التطبيع الذي تنضوي فيه دول المناورة بمشاركتها إلى جانب الكيان الصهيوني.

 

بوابة تحكم في المحاور الدولية

وكون المخاطر والتحديات الناتجة عن المناورات المشتركة في البحر الأحمر، تهدف إلى السيطرة الأمريكية والإسرائيلية عليه وعلى الموانئ المطلة عليه والتحكم في حرية الملاحة البحرية المهدّد الأكبر في ظل التدافع المحموم وفرض النفوذ الذي يشهده البحر الأحمر منذ سبع سنوات، يؤكّـد الخبراء العسكريون أن هذه المناورات الدولية تشكل مخاطرَ كبيرةً في البحر الأحمر، منها محاصرة الدول المطلة عليه، وتحويله إلى بوابة رئيسية بين القارات تغلق في الوقت المراد لها ومتى تريد أمريكا المتحكمة فيه، وبناء قاعدة إسرائيلية للدعم المباشر لأدوات العدوان في المنطقة، وكذلك عسكرة البحر الأحمر من خلال التواجد العسكري المشترك والذي يكون قابلاً للانفجار في أي وقت من الأوقات، وسيجعل البحر الأحمر مسرحاً للعمليات وذلك سوف تكون نتائجه كارثية مع الأيّام القادمة.

وخلال الفترة القادمة من المستبعَد أن تستمر الأوضاع الأمنية هادئة في البحر الأحمر؛ وذلك بسَببِ المناورات العسكرية المشتركة، التي أصبحت مدخلاً وباباً من أبواب الهيمنة ومبرّراً للتواجد العسكري الأمريكي والإسرائيلي المتعلق بأجندة عسكرية وسياسية واستراتيجية واقتصادية.

 

دوافعُ ودلالات

وحول أبرز دوافع أمريكا من وراء المناورات الدولية بقيادة الأسطول البحري الأمريكي، مع أسطول سفن الصواريخ ووحدة المهام تحت المائية في منطقة البحر الأحمر، بمشاركة بحرية الاحتلال الإسرائيلي والمتمثلة في تفعيل القوة العسكرية الأمريكية البحرية في البحر الأحمر، يؤكّـد الخبراء العسكريون أن تلك المناورات تحمل دوافعَ كثيرة أهمها مجابهة عمليات القوات المسلحة اليمنية في المياه الإقليمية اليمنية، خُصُوصاً بعد احتجازها سفينة “روابي” العسكرية الإماراتية واستهداف العمق الإماراتي بعمليات إعصار اليمن التي غيرت من حاضر ومستقبل العدوان بصورة جوهرية؛ لأَنَّه بالنظر إلى موقع اليمن الجغرافي وقدراتها الصاروخية واستعدادها للتصعيد، فَـإنَّ تحولها إلى قوة إقليمية في مجال الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة يشكل تحدياً أمام “الكيان المؤقت” إسرائيل، وأمريكا ومصالحها الحيوية في المنطقة، ولهذا يبدو أن البحرية الأمريكية تجري أبحاثًّا في أطوار متقدمة حول سلاح مضاد للطائرات المسيَّرة اليمنية والصواريخ التي تهدّد دول العدوان وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي والأمريكي.

إن الاستجابةَ للمخاوف الإسرائيلية التي عبرت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلي جراء عمليات إعصار اليمن التي استهدفت العمق الإماراتي، بالصواريخ والطائرات المسيَّرة التي يبلغ مداها آلاف الكيلومترات، دفعت بعض التحليلات للقول بأن المناورات المشتركة في البحر الأحمر جاءت بعد أن أعربت إسرائيل عن مخاوفها من اليمن.

ولأن المناورات العسكرية المشتركة بقيادة أمريكا وبحضور فعلي للكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر يثيرُ جُملةً من الدلالات، توضح مصادرُ سياسيةٌ أن الحضور المباشر للكيان في هذه المناورات تزامن مع فشل دول العدوان ومنظوماتها الدفاعية في حماية منشآتها الاقتصادية والعسكرية، وتأكّـد أن تلك الدول أصبحت عاجزة بعد سبع سنوات من العدوان في حماية إسرائيل، خُصُوصاً بعد أن أيقن العدوّ الأمريكي والإسرائيلي بالقدرات العسكرية اليمنية المتقدمة التي غيرت موازين المعادلة، ولهذا تريد أمريكا إقامة قوة مشتركة بقيادة إسرائيل بعد تغيير خطة القيادة الموحدة لنقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأُورُوبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية في البحر الأحمر، لتسهيل التعاون الأمني الثنائي والإقليمي وتقاسم الأعباء.

 

بيئة مثالية

ووفقاً لحساب القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية فَـإنَّ المناورات التي تنفذ وتنشط في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وبحر العرب، وهي منطقة بحرية تطل اليمن عليها من جميع الجهات، وتجرى هذه المناورة على مقربة من الساحل اليمني، وهي الأكبر، من حَيثُ تعداد المشاركين، تعمل على تبلور التقنيات العسكرية في البحر الأحمر من خلال الدمج السريع للأنظمة المتقدمة المستقلة مع العمليات البحرية والساحلية ضمن مجال الأسطول الخامس الذي يشمل الخليج العربي، ومضيق هرمز، وخليج عُمان، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، وقناة السويس، وأجزاء من المحيط الهندي، إذ يمثل الشرق الأوسط بيئة “مثالية” لاختبار تقنيات عسكرية جديدة تدفع بالابتكارات الاستراتيجية قُدماً؛ مِن أجلِ مجابهة تحديات عديدة، مع جغرافية شبه مغلقة، وظروف تشغيل ذات درجات حرارة عالية، ونقاط اختناق بحرية مزدحمة، وبنية تحتية حيوية للطاقة، بالإضافة إلى أنها تسمح باختبار الأنظمة غير المأهولة والذكاء الاصطناعي في سيناريوهات تدريب مختلفة وتطبيق الدروس المستفادة في نهاية المطاف على العمليات المستقبلية في العالم الحقيقي، كما تركز أَيْـضاً على تعزيز القدرات في القيادة والسيطرة، والسيطرة على البحر، وعمليات الأمن البحري، والتدابير المضادة للألغام.

ولهذا فَـإنَّ تلك المناورات وغيرها توفر أسباباً عديدة لحدوث أزمات حادة مستقبلاً في البحر الأحمر أَو تأثره بأزمات في مناطق قريبة أَو مرتبطة به أَيْـضاً قائمة مفتوحة سواءً بفعل قوى إقليمية أَو دولية ونتيجة لتعارض الأهداف والمصالح ولا شك أن ذلك سينعكس على الأمن البحري في البحر الأحمر والذي يتمثل في تهديد تدفق التجارة البحرية والتأثير على البيئة البحرية والأمن الغذائي والأمن الإقليمي للدول المطلة عليه.

 

حماية إسرائيل

وإدراكاً من العدوّ الأمريكي الإسرائيلي بأهميّة البحر الأحمر الاستراتيجية، والذي يشهد تواجداً واهتماماً دولياً وإقليمياً مشتركاً تحت مسمى التمرين الدولي أَو المناورات الدولية، بقيادة أمريكية.

ويؤكّـد المراقبون أن تلك التحَرّكات المشتركة تهدفُ إلى حماية إسرائيل خَاصَّة بعد عمليات إعصار اليمن التي ضربت العمق في دويلة العدوان الإماراتي، وكذلك للحفاظ على مصالح الدول الكبرى الموجودة في المنطقة وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وبالتـالي تعمـل واشنطن من خلف المناورات عـلى تأسيـس قواعـدَ لحماية إسرائيل، ولهذا فَـإنَّ المناورات التي تنفذ في البحر الأحمر الهدف منها أن يكون الكيان الصهيوني حاضراً على رأس الأسطول الأمريكي الخامس المسؤول عن حماية دولة الاحتلال ومصالحهما في البحر الأحمر، الذي يعتبر بوابة حيوية للواردات الإسرائيلية من آسيا، إضافة إلى حماية منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، والتي توفر الآن حوالي 75 بالمِئة من كهرباء الكيان.

ولأن البحر الأحمر يتمتعُ بأهميّة استراتيجية عميقة من خلال استضافة طرق الشحن العالمية الرئيسية، بما في ذلك قناة السويس ومضيق باب المندب، وتدخل جميع واردات إسرائيل تقريبًا عن طريقه فَـإنَّ هناك مجموعةً من التهديدات تقلق الكيان الصهيوني من بينها القوات اليمنية التي تمتلك ترسانة من الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة، فضلاً عن التحديات التي يمثلها النشاط العسكري اليمني في جميع أنحاء المنطقة.

 

استراتيجيةٌ إسرائيلية

وبدأت الاستراتيجيةُ الإسرائيلية حِيالَ البحر الأحمر عام 1949م بعد تأسيس الوجود الإسرائيلي في خليج العقبة وبهدف الاتصال مع العالم الخارجي عن طريقه؛ ولتحقيق ذلك الهدف بدأت إسرائيل بتأسيس وجودها على البحر الأحمر بغية استخدامه لتحقيق مصالحها العسكرية والسياسية والاقتصادية، إذ أن إسرائيل تطل على كُـلّ من البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ويسمح لها ذلك بحُريّة الحركة غرباً في اتّجاه الدول الأُورُوبية إلا أن البحر الذي يقع عليه ميناء إيلات يعتبر المنفذ الرئيسي لها جنوباً في اتّجاه إفريقيا وآسيا وأستراليا، وهذا هو أحد أسرار الأهميّة الاستراتيجية للبحر الأحمر بالنسبة لإسرائيل.

كان من أهم خطوات الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل السيطرة على البحر الأحمر، الذي يفتح البابَ بكامله أمام التطبيع معها وإقامة شراكة عربية إسرائيلية تنعكس على التنسيق بين دول المنطقة ومن خلفهم الولايات المتحدة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومن ضمن المشاريع التي يسعى الكيان الصهيوني إلى تأسيسها إنشاء قناة البحر الأحمر مع البحر الميت مقرونة بتطوير التجارة الحرة والسياحة على امتدادها ما يسمى مشروع ناقل البحرين أَو مشروع البحر الميت، طريق الهند الجديد، وكذلك تطوير الطاقة الكهرومائية وتحلية المياه وتطوير صناعات مرتبطة بالبحر الميت والبحر الأحمر.

بالإضافة إلى إقامة طرق مواصلات وسكك حديدية إقليمية وإقامة مناطق صناعة مشتركة بحيث تكون إسرائيل محورها، وعمل طرق تجارية تربط البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى الخليج العربي شرقاً، بحيث تصبح إسرائيل جسراً برياً بين أُورُوبا ودول الخليج، وهذا المشروع سيعمل على انتعاش التجارة بين دول الخليج العربي وموانئ البحر المتوسط وذلك؛ باعتبَاره يشكل رافعة لتحقيق السلام الاقتصادي في الشرق الأوسط.

وفي مقابل ذلك فَـإنَّ الشعب اليمني والقيادة الثورية والسياسية يدركون جيِّدًا أن المشاريع الاستعمارية تحت تسمية مشروع الشرق الأوسط الجديد ومشروع السلام والتطبيع وعبر الشراكة الاقتصادية تنطلق من نقطة البحر الأحمر بمشاريع نيوم وريفرا البحر الأحمر التي يريد الكيان الصهيوني وأمريكا تحقيقها في البحر الأحمر والعربي، ولهذا فَـإنَّ كُـلّ المحاولات تصبح فاشلة في ظل منظومة القوة الصاروخية والطيران المسيَّر.

 

أهميّةُ البحر الأحمر

ووفقاً للمركز العربي للبحوث والدراسات، فَـإنَّ أهميّةَ البحر الأحمر الاستراتيجية بالنسبة للقوى الاستعمارية الإقليمية والدولية التي طورت أساطيلها البحرية والعسكرية والتجارية بعد أن أدركت تلك الأهميّة خلال القرن السادس عشر وما بعده وحتى مطلع القرن العشرين، تتفاوت ما بين أهميته الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ففي كُـلّ لحظة تبرز أيٌّ من هذه الأهميات على السطح بحسب تداعيات التفاعل والتداخل الإقليمي والدولي في المنطقة، ولكن تبقى الأهميّة الاقتصادية والأهميّة العسكرية والأمنية هما أكبر الدوافع للتنافس الإقليمي على البحر الأحمر والتخوم المجاورة له.

تبلغ مساحة البحر الأحمر حوالي 438 ألف كيلومتر مربع، ويمتد على طول يزيد عن ألفي كيلومتر وعرض ثلاثمِئة كيلومتر، ويحتل موقعاً جغرافياً مميزاً يربط قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأُورُوبا والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي والخليج العربي، وبالتالي يشكل أحد أهم الممرات المائية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، حَيثُ تمر به ما يزيد عن 16 ألف سفينة تجارية وسياحية وعسكرية سنوياً، ويتم الاعتماد عليه في استيراد النفط (30 % من إنتاج النفط العالمي)، وكذلك المواد الخام لأُورُوبا والولايات المتحدة والغرب عُمُـومًا، ويتم عبره تصدير المنتجات الصناعية إلى آسيا وأفريقيا وأستراليا لذلك أصبح البحر الأحمر القطب الذي تتلاقى فيه مصالح وأهدافُ مجموعة كبيرة من الدول المحلية والإقليمية والعالمية ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة، ولهذا يشكل البحر الأحمر أهميّة اقتصادية حيوية من خلال إسهامه في حركة التجارة العالمية وخَاصَّة النفط والغاز، وكذا يعد من الناحية الاستراتيجية ممراً مهماً لأية تحَرّكات عسكرية قادمة من أُورُوبا أَو الولايات المتحدة في اتّجاه منطقة الخليج العربي.

وكذلك أصبحت منطقة البحر الأحمر تتأثر بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية نسبة لترابطها واتصالها ولأهميتها الاستراتيجية، مثلاً الشواهد والأحداث تدل على أنما يحدث في الشرق الأوسط ينعكس على البحر الأحمر لذلك يعتبر كثيرون أن البحر الأحمر إقليم فرعي للشرق الأوسط، ولهذا أصبح البحر الأحمر عاملاً هاماً يسهمُ في التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة كلها والصراعات الإقليمية تتطور إلى استقطاب دولي.

وهنا لا تزالُ منطقةُ البحر الأحمر تمر بظروف وفترات غاية في الخطورة والحساسية؛ بسَببِ التوترات الإقليمية والأوضاع غير المستقرة بشكل عام وذلك سيوجد حالة من التعقيد والتوتر المُستمرّ وعدم الاستقرار بحيث لا يمكن لدولة أن تبقى بمنأًى عن التأثر بتلك الأوضاع أَو التفاعل معها أَو التعامل مع تداعياتها.

 

النفطُ مقابلَ الحماية

وحول الأبعاد الاستراتيجية من المناورات التي جاءت في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيداً عسكرياً غيرَ مسبوق مع استهداف القوة الصاروخية اليمنية للعمق الإمارات بموازاة الهجمات على السعوديّة، وسط مؤشرات على هجمات أكبر في ظل التهديدات الموجهة لأبوظبي، ومحاولة أمريكا وإسرائيل الظهور بصورة المدافع المطلق عن أمن الخليج وتصوير بأن المخاطر التي تستهدف دول العدوان السعوديّ والإماراتي تمُسُّ أمنَ إسرائيل، يقول المحللون السياسيون: تحاول أمريكا الآن سحبَ بِساط دول العدوان بعد سبع سنوات وتقومُ بالسيطرة المباشرة على سواحل اليمن الاستراتيجية على خط طريق الحرير الجديد الذي سيرسم مستقبل الملاحة البحرية حول العالم مع اقتراب استكمالِه من قبل الصين، إلى جانب ثرواته النفطية والغاز، وهذا بالطبع لن يتم في ظل تمسك دول العدوان ودول أُخرى بنفوذ في اليمن الذي دمّـره الحرب والحصار على مدى 7 سنوات، خُصُوصاً في ظل تطور القدرات العسكرية اليمنية ووجود المنظومة الصاروخية.

مؤكّـدين أن تطوُّرَ المنظومة الصاروخية اليمنية دفعت واشنطن لتوسيع قاعدة الدول المشاركة في المناورات الجديدة في البحر الأحمر مع منح إسرائيل سُلَّمَ القيادة وتغذية الصراع بين دول الخليج والاستعراض بالدول العربية المفككة والمنهكة بفعل السياسات الخاطئة لهذه الدول، خلال أية قمة مقبلة في الجزائر، فالصراع المحتدم في الخليج بالنسبة لواشنطن هو الوسيلة الوحيدة لإعادة هذه الدول الثرية بالنفط والغاز والتي بدأت محاولات للخروج من بيت الطاعة عبر اتّفاقيات مع المحور الشرقي المعادي لواشنطن، إلى الحضن الأمريكي، خُصُوصاً وأن هذه الدول بدأت محاولات للنهوض اقتصاديًّا في ظل توفر إمْكَانيات في أن تصبحَ كبديلٍ لأُورُوبا التي سلخت واشنطن ربيبتها إسرائيل تواً منها وألحقتها بالدول الخليجية.

المناوراتُ التي سبقتها واشنطن بإعلان بدء تسيير طلعات جوية في سماء اليمن، وحديث وزير دفاعها عن إرسال مزيد من البوارج إلى المنطقة؛ بذريعة حماية “أمن الدول الخليجية” هي مؤشر على أن الولايات المتحدة تستعد لاستعادة دفة القيادة في المنطقة لدعم نفوذ إسرائيل التي بدأت التسلل من الأقبية الخلفية باتّفاقيات تطبيع مع الدول الخليجية التي تلاطمها أمواج المخاوف مستقبلاً على أمنها وأطماع بتعزيز ثرواتها على حساب الدول التي تعمدت إفقارها في المنطقة، وهو ما قد يفضي في نهاية المطاف لإخماد ما تصفُها دولٌ خليجيةٌ كـ “السعوديّة” بثورة اقتصادية ويعيدها إلى حقبة برتوكولات “النفط مقابل الحماية”.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com