الشهيد القائد والخيار القرآني.. العناصر والأسس

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

في تلك المرحلة الحرجة والحسَّاسة والخطيرة جدًّا أتى السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- وحدد خياره، وبنى موقفه ليكون موقفاً وخياراً قرآنياً، على أساس العودة إلى القرآن الكريم، وهذا الموقف وهذا الخيار يمتاز بعناصر وأسس يستند إليها، لا تتوفر لأي خيارات ولا أي مواقف أخرى:

الانطلاق من واقع المسؤولية

أول ما يتحلى به هذا الخيار وهذا الموقف هو: المسؤولية، هذا الخيار، وهذا الموقف، وهذا الاتجاه، انطلق على أساسٍ من المسؤولية، لم ينبع من هوى، ولم ينطلق من فراغ، وليس الدافع إليه دافعاً خاطئاً، أو دافعاً سلبياً، لا يمثِّل أجندة خارجية لصالح أي طرف هنا أو هناك، ولا إملاءات من أحد. إنها توجيهات الله -سبحانه وتعالى- إنه هديه، إنها أوامره، إنها تعليماته -سبحانه وتعالى- ما يقدِّمه القرآن الكريم من رؤية، ما يهدي إليه من عمل، ما يرشد إليه، ما يقدِّمه من تقييم، كل ما يقدِّمه القرآن الكريم هو من الله -سبحانه وتعالى- فأن يكون التوجه نحو التبني للموقف القرآني، ولما يرشد إليه القرآن الكريم، هذا هو عين المسؤولية؛ وبالتالي لا يمكن التشكيك في موقفٍ كهذا، لا في دوافعه، ولا في صوابيته.

ضمان الحكمة والصواب

أيضاً كان من العناصر المهمة التي يمتاز بها هذا الموقف وهذا الخيار: هو ضمان حكمته وضمان صوابيته، لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن يكون الموقف الذي يرشد إليه القرآن الكريم، ويحدده القرآن الكريم، والخيار الذي يعتمد على القرآن الكريم، لا يمكن أن يكون موقفاً خاطئاً، ولا يمكن أن يكون موقفاً عشوائياً وسلبياً، كل ما في القرآن الكريم هو حكيمٌ من الله -سبحانه وتعالى- بما فيه توجيهات، من إرشادات، ما رسمه وحدده من مواقف وخيارات، هو بالتأكيد حكيم، فالقرآن الكريم هو حكيم، هو القرآن الحكيم، وهو الكتاب الحكيم، وما فيه هو من حكمة الله -سبحانه وتعالى- وهو أحكم الحاكمين؛ وبالتالي لا يمكن التشكيك في أنَّ الموقف الذي حدده القرآن، أو أنَّ الخيار الذي رسمه القرآن ليس حكيماً. لا يمكن ذلك أبداً، بل هذا يضمن أن يكون الموقف قرآنياً، وأن يكون الخيار مستنداً إلى القرآن الكريم، هذا يضمن له أنه هو الحكيم، وأنه هو الصائب.

ضمان القوة والثبات

أيضاً من الإيجابيات المهمة والعناصر المهمة لهذا الخيار ولهذا الموقف: ضمان قوته، وضمان الثبات عليه؛ لأنه يصير حينئذٍ كجزء من التزاماتنا الدينية، والتزاماتنا الإيمانية، عندما ننطلق منطلقاً قرآنياً، عندما نتبنى الموقف القرآني، عندما نتجه وفق الخيار الذي رسمه القرآن الكريم، فنحن حينئذٍ نتحرك ونتبنى الموقف الذي هو جزءٌ من التزامنا الإيماني، والتزامنا الديني، والتزامنا الإسلامي الذي نتمسك به، ونصرُّ عليه، وندرك أنه لا مجال للمساومة عليه، ولا للخروج عنه، إلَّا ونخل بالتزامنا الإيماني والتزامنا الديني.

البعض مثلاً كانت لهم مواقف مناهضة للهيمنة الأمريكية وللهيمنة الإسرائيلية، أو معارضة، ومن عناوين ومنطلقات أخرى، كالعنوان الوطني، أو العنوان القومي… أو أي عناوين أخرى، ولكن قليلٌ منهم من ثبتوا على ذلك، كنا نسمع البعض يتحدث عن الوطنية، وحديث واسع، ويستند في موقفه إلى الوطنية، ولكنه سرعان ما تراجع عن موقفه، وخرج عن موقفه، وباع الوطن والوطنية.

البعض تحت العناوين القومية، ثم إمَّا خانوا، أو تراجعوا، أو انهزموا، أو أصيبوا بالإحباط، والقليل منهم من يثبتون ويستمرون على ذلك؛ لأنه ما من دافع يساعد على الالتزام والثبات على الموقف، مثلما هو الدافع الإيماني، الدافع الذي ينطلق على أساس الالتزام بالموقف كموقف ديني، الإنسان يستشعر فيه المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى- ويتحرك بدافع المسؤولية أمام الله -سبحانه وتعالى- فهذا يضمن أيضاً قوة الموقف، والثبات على الموقف، بأكثر من أي عناوين ومنطلقات أخرى مهما كانت إيجابية.

الاعتماد على الهداية الإلهية

من العناصر المهمة والأساسية لهذا الموقف: هو أنه يعتمد على الهداية الإلهية، على هداية الله -سبحانه وتعالى- فالله -سبحانه وتعالى- جعل كتابه القرآن الكريم كتاباً للهداية، قال عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، قال عنه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: من الآية16]، فالقرآن الكريم هو كتاب هداية، يهدينا إلى الموقف الصحيح، وعندما نأتي إلى الموقف الصحيح، وإلى الخيار الصحيح، يدخل تحته برنامج عمل كبير وواسع، ويدخل تحته أنشطة كثيرة، ويدخل تحته تقييم واسع، يدخل تحته كل ما يتطلبه الموقف من عناصر كثيرة، ومفردات كثيرة، وأمور كثيرة، نحتاج في كلٍّ منها إلى هداية، القرآن الكريم يقدِّم هذه الهداية، هداية من الله -سبحانه وتعالى- في كتابه المبارك، وبكتابه المبارك، هداية إلى كل هذه الجزئيات والتفاصيل الكثيرة، التي نحتاج فيها إلى هداية الله -سبحانه وتعالى- ونحن في أمسِّ الحاجة إلى هداية الله -سبحانه وتعالى- ولذلك سمَّى كتابه نوراً يخرجنا من الظلمات.

ولذلك نجد الكثير ممن يعتبرون أنفسهم عباقرة ولهم اتجاهات أخرى، ويقدِّمون أنفسهم على أساس الاستغناء عن القرآن الكريم، وعن الهداية الإلهية، يعتمدون على تنظيراتهم، على تفكيرهم، على آرائهم، على قراءاتهم الشخصية للأحداث والمواقف، للتحديات والمخاطر، رأينا الكثير منهم سقطوا، ورأينا الكثير منهم غابوا عن الساحة، ورأينا الكثير منهم لم يقدِّموا الحل، ولم يقدِّموا الرؤية الصحيحة، ورأينا الكثير منهم في حالةٍ من التخبط والعمى والحيرة، ورأينا الكثير منهم يعيشون حالة الإحباط والإفلاس والعجز والتيه، وهذا ماثلٌ أمامنا في الساحة، نجد الكثير والكثير، من يتتبع، من يراقب، من يتأمل يشاهد الكثير والكثير.

أمَّا الاعتماد على القرآن الكريم فهو يقدِّم الهداية في كل التفاصيل التي نحتاج إليها في موقفنا القرآني وفي خيارنا القرآني، ولذلك قدَّم السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- أكثر من مائة درس ومحاضرة، تضمَّنت الكثير من هذه التفاصيل التي لها علاقة بهذا الخيار القرآني، وبهذا الموقف القرآني، والتي تتجه نحو كل المجالات: على المستوى السياسي، والاقتصادي، والإعلامي، والاجتماعي، والعسكري، والأمني، والتي لها صلة بكل واقع حياتنا، ولها ارتباط بكل ما نحتاج إليه في هذا الخيار، وفي هذا الموقف، لها علاقة بكل تلك التفاصيل؛ حتى نحمل الفكرة من القرآن، والرؤية من القرآن في كل تلك التفاصيل المرتبطة بهذا العنوان المهم.

فالموقف القرآني ليس فقط في عنوانه الكبير، وعنوانه العام باعتباره يتجه نحو التصدي لهذه الهجمة الأمريكية والإسرائيلية، والتصدي لهذا الخطر الشامل علينا في ديننا ودنيانا؛ إنما هو يدخل نحو التفاصيل ليرسم برنامجاً عملياً بنَّاءً وقوياً يتجه بنا لنكون في مستوى المسؤولية، وفي مستوى مواجهة هذه التحديات وهذه الأخطار، ويتحرك بنا في كل المجالات، في تفاصيلها الكثيرة لنتجه الاتجاه الصحيح والسليم، الذي يثمر قوةً وعزةً ومنعةً، ويوصلنا إلى الانتصار في مواجهة هذا التحدي، وفي مواجهة هذا الخطر، وفي التصدي لهذا الشر.

فالاعتماد على هداية الله -سبحانه وتعالى- مسألة مهمة جدًّا، نحن بحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى- كبشر، نحن بحاجة إلى هدايته بأكثر من حاجتنا إلى ما يمنُّ به علينا من عطاء مادي، هو أحيانا، هو يرزقنا، هو الذي نعود إليه لنسأله الكثير والكثير في كل ما نفتقر فيه إلى رحمته، وإلى فضله، وإلى عطائه من واقع حياتنا، في مختلف حاجياتنا كبشر، كأناس، ولكن من أحوج ما نحتاج إليه فيه هو الهداية، وهو الهادي -جلَّ شأنه- وهو الذي يخرجنا من الظلمات إلى النور، وجعل كتابه كتاب هداية، {هُدًى لِلنَّاسِ}[البقرة: من الآية185]، {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[البقرة: من الآية2]، {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، في كل المجالات، في كل الشؤون، في كل المواقف، في كل التفاصيل، هو {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}.

ولذلك الرؤية القرآنية دائماً ما تكون هي متفوقة على أي رؤية أخرى؛ لأنها هي ليست فقط قيِّمة؛ إنما أكثر من ذلك هي الأقوم. فالاعتماد على هداية الله -سبحانه وتعالى- بعيداً عن التخبط وراء الكثير من النظريات والأفكار والآراء، التي كثيرٌ منها خاطئة، ويؤدِّي الاعتماد على البعض منها إلى السقوط لهذه الأمة، إلى الخسارة الكبيرة لهذه الأمة، أو يمثِّل الكثير منها رؤى ظلامية، تزيد الأمة تيهاً وضياعاً، ولا توصلها إلى نتيجة مثمرة.

الاستناد إلى زخم تعبوي تربوي ورؤية كاملة

أيضاً من العناصر المهمة للموقف القرآني، والخيار القرآني، وخيار العودة إلى القرآن الكريم: أنَّ الموقف والخيار القرآني يستند إلى زخم تعبوي وتربوي عظيم ومهم جدًّا، ورؤية كاملة، رؤية تفصيلية لمسار عملي شامل وبنَّاء وقوي؛ باعتبار المرحلة طويلةً، وباعتبار الصراع شاملاً، وهذه مسألة مهمة جدًّا، مهمة جدًّا، المسألة ليست مسألة موقف سياسي يصدر في بيان وانتهى الموضوع. |لا| المسألة مسيرة عملية شاملة، تخرج الأمة من وضعيتها التي أطمعت أعداءها فيها، وتبنيها وتنهض بها في مواجهة هذه التحديات وهذه الأخطار التي تستهدفنا من جانب أعدائنا، مسيرة عملية شاملة، وهذه المسيرة تحتاج إلى زخم تربوي، وزخم تعبوي.

عندما نرى البرود في كثيرٍ من أبناء الأمة، حالة عجيبة جدًّا من عدم الاستشعار للمسؤولية، حالة من فقدان الغيرة، من فقدان الحماس، من فقدان الدافع، حالة عجيبة من الإحباط، حالة غريبة جدًّا من الإفلاس من القيم المهمة، إفلاس من الكرامة، إفلاس من الشعور بالعزة، ورضا بهيمنة العدو، رضا بالخنوع، رضا بالاستسلام، رضا بالقعود، رضا بأن نكون أمة تعيش أمةً مقهورةً مستضعفة محطَّمة، على هامش ما عليه بقية الأمم، وتحت سيطرة غيرها، رضا بالدونية، والخنوع، والاستسلام، والعجز، هذه الحالة ما الذي يعالجها؟ إلَّا أن يكون هناك ما يعالج الحالة التربوية لدى هذه الأمة، ما ينمِّي حتى في المشاعر والوجدان الشعور بالعزة والكرامة، ما ينمِّي الإحساس بالمسؤولية، ما ينمِّي تلك القيم العظيمة في الإسلام؛ لتعود في أبناء الأمة وجداناً ومشاعر، ثم يترجمها موقف، ويترجمها عمل، ويترجمها خيارات صحيحة، وباتجاهات صحيحة.

فالموقف القرآني يستند في القرآن الكريم إلى هذا العطاء العظيم: العطاء التعبوي، كم في القرآن الكريم من آيات ذات طابع تعبوي، توجد عندك الاندفاع، الحماس، الأمل، الثقة، العزة، الكرامة، الشجاعة، الاستبسال، تعالج هذه الأمة من كل تلك الآفات التربوية، التي أثَّرت على الكثير من أبناء الأمة، وعلى العكس من الخيارات الأخرى، لا تمتلك بقدر ما يمتلكه القرآن في هذا الجانب، ليس لها هذا العطاء الذي يقدِّمه القرآن الكريم، العطاء الذي يبني فيك الروحية الإيمانية، التي تجعل عندك الدافع العظيم، وما يصاحب هذا الدافع، وما يرافق هذا الدافع من قيم عظيمة ومهمة جدًّا، تجعل منك عنصراً فاعلاً، وإنساناً عملياً، وتجعل عندك اندفاعاً لفعل المواقف، ولتبني المواقف العظيمة، والتصدي للتحديات والمخاطر مهما بلغ حجمها، ومهما كان مستواها.

فالخيار والموقف القرآني يستند إلى هذا الزخم التعبوي، ويستند إلى رؤية كاملة، ليس ناقصاً، هو خيار في كل تفاصيله وجزئياته يمتلك الرؤية كمسيرة عملية، وينطلق بوعي، وقراءة صحيحة للأخطار والتحديات، وأنَّ مواجهتها ليست مواجهة لحظية، ولا آنية، ولا بموقفٍ واحد يصدر وانتهى الأمر؛ إنما- كما قلنا- كمسيرة عملية شاملة، تصلح واقع هذه الأمة، وتنهض بهذه الأمة وتبنيها من جديد، وهذه مسألة مهمة، وبوعي بحقيقة هذا الصراع، وأنه صراع شامل، وأنه في كل ميدان: على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي، على المستوى الاقتصادي… في كل المجالات، هذا صراعٌ شامل يحتاج إلى رؤية متكاملة، وهذا ما يمتاز به هذا الخيار والموقف القرآني الذي يقدِّم الرؤية متكاملةً، ويتحرك بالأمة لتواجه في كل هذه الاتجاهات، كيف تتحرك سياسياً واقتصادياً، وكيف تتحرك إعلامياً، وكيف تتحرك في كل مناحي هذه الحياة.

 

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد القائد 1441هـ

قد يعجبك ايضا