اليمنُ الذي كان ملحقًا
موقع أنصار الله || مقالات || سند الصيادي
عبرَ مراحلِ التاريخ المعاصر، ظلت اليمنُ تلك الدولةَ المهمشة على الخارطة العالمية، لم تكُنْ رقماً في صِناعةِ السياسات والمواقف الإقليمية ناهيك عن الدولية، بل ملحقاً صفرياً في إقليم ملحق أصلاً لقوى الهيمنة، ومُجَـرَّد جغرافيا وإنسان منسيين بقاموس التأثير، إلى درجة أن بات اليمنيُّ على غلبة من أمره محبطاً يائساً يندب حظه وَيهزأ مَن نفسه وحضوره في هذا العالم.
كان هذا الواقعَ المعاشَ إلى زمن قريب دون مبالغة أَو إنكار، إلى أن جاءت المسيرة القرآنية فأعادت إحياءَ الروح في أوصال هذه الأرض وأهلها، وصنعت من هذا الملحق مشروعاً كفيلاً بأن يطوِّعَ كُـلَّ الصِّعاب وَيصهر كُـلّ الفوارق والمقارنات، وَيذيب كُـلّ التراكمات، قبل أن يستشرفَ آفاقاً أوسع يلحق المنطقة والعالم في إطاره.
ومن يقرأ بعمقٍ ووعي سيتنبهُ إلى حجم المتغيرات التي أحدثتها هذه المسيرة في اليمن والمنطقة والعالم، وكيف تجاوز هذا البلد أزماته الداخلية ليصنع من ثورته أزمة عالمية، وما العدوان الذي دشّـنته أمريكا وإسرائيل وتبنته السعوديّة والإمارات إلَّا دليل على أن اليمن قد تجاوز بالوعي والبصيرة سقف المخطّطات التي كانت تبقي مسؤوليةَ تدميره بأيادي الوكلاء المحليين من العملاء والخونة، فبعد أن لفظهم الشعب، انتقلت المؤامرة إلى من كان يحركهم، وبات اليمنيون أمام مواجهةٍ مباشرةٍ مع الأعداء الحقيقيين في الخطوط الأمامية.
وَمع هذا البعث اليماني تداخلت المخاوفُ الدولية بحسابات الحالة الاستراتيجية التي باتت تتشكل في اليمن، وأثرت تداعياتها على مواقف القوى ليس فيما يخص الشأن الداخلي اليمني أَو تأثيراته الإقليمية وحسب، بل إلى أبعد من ذلك انعكست على حالة الصراعات في أكثر من بقعة في هذا العالم.
من يتابع الأزمةَ الروسية الأُورُوبية الأمريكية وَحالة التمترس الإقليمي الحادثة وراء تلك الأطراف، سيتنبه إلى ما أحدثه الصمودَ لمشروع المسيرة القرآنية في اليمن، وسيقرأ الابتزازَ الروسي للخصومِ على ذمةِ هذا المِلف، وَالمخاوف الأمريكية التي سعت إلى تفويت هذا التوظيف الروسي المتوقع لواقعها وحلفائها المنهزمين في اليمن.
وبعيدًا عن حسابات كُـلِّ طرف وَنظرتِه إلى الواقع اليمني، فَـإنَّ اليمنَ لا تقدِّمُ نفسَها حليفاً لمعسكرٍ غربي أَو شرقي بل تتموضع اليوم كقوة فاعلة بمنهجية قائمة على خيارات إنسانية وَدينية عليا، فيها من عناصر القوة والديمومة وَالتأثير ما يبقيها في قائمةِ الاعتبار لدى صانعي اللعبة الاستراتيجية الدولية.